L'État omeyyade en Syrie
الدولة الأموية في الشام
Genres
لو أتيح ليزيد الأول أن يعمر لعامل ابن الزبير معاملة شديدة، ولأرسل عليه الحملة تلو الحملة، يدلنا على هذا سياسة الإرهاب التي ما فتئ منذ ولايته الخلافة يسير بحسبها، وكان من نتائجها فاجعة الحسين بن علي وقد أسهبنا في وصفها، فما قولك بابن الزبير الذي أوصى معاوية ابنه بإعدامه وهو على فراش الموت، قال معاوية: «إن الذي يجثم لك جثوم الأسد ويراوغك روغان الثعلب فإن أمكنته فرصة وثب، فذاك عبد الله بن الزبير، فإن فعل وظفرت به فقطعه إربا إربا، إلا أن يلتمس منك صلحا، فإن فعل فاقبل منه واحقن دماء قومك بجهدك وكف عاديتهم بنوالك وتغمدهم بحلمك»،
25
ولكن مات يزيد وهو في ريعان الشباب، فعقبه على عرشه ابنه معاوية الثاني، وهو شاب ضعيف ربعة في الرجال يعتريه صفار، غلب عليه الزهد والتقشف في الحياة، وكان من دعاة القدرية، ويعتقد هؤلاء أن معاوية نازع عليا بغير حق، وأن ولاية يزيد للخلافة ليست صادقة، فاعتزل وأعلن في خطاب العرش ما يؤيد فلسفته هذه فقال: «إن جدي معاوية نازع الأمر من كان أولى به وأحق، ثم تقلده أبي، ولقد كان غير خليق به، ولا أحب أن ألقى الله عز وجل بتبعاتكم، فشأنكم وأمركم ولوه من شئتم.»
26
ويروي لنا الطبري أنه قال: «أما بعد، فإني قد نظرت في أمركم فضعفت عنه، فابتغيت لكم رجلا مثل عمر بن الخطاب رحمة الله عليه حين فزع إليه أبو بكر فلم أجده، فابتغيت لكم ستة في الشورى مثل ستة عمر فلم أجدها، فأنتم أولى بأمركم فاختاروا له من أحببتم»،
27
ويظهر أن الرجل كان عاجزا عن القيام بالأمر ضعيف الإرادة، استهواه عمر المقصوص زعيم القدرية يومئذ فملكت تعاليمه عليه لبه حتى أفقدته معنى الرجولة والبطولة في مكافحة الحياة، ولعل هذا ناتج عن كثرة ما حمل نفسه من أنواع العبادة، إن تخلي معاوية الثاني عن عرشه وتصريحاته هذه آلمت الحزب الأموي فسعى لاغتياله، وتضاربت الأقوال في كيفية وفاته فقال بعضهم: إنه دس إليه فسقي سما، وقال غيرهم إنه طعن، ولم تدم خلافته أكثر من ثلاثة أشهر.
ومهما يكن من ضعف معاوية الثاني وعجزه عن استلام زمام الأحكام فإن تنازله عن العرش خلق مشاكل عظيمة كادت تفت في ساعد بني أمية، فصحت عزيمة الزبيريين على مهاجمة صفوف أعدائهم في كل قطر، فقام زفر بن عبد الله الكلابي والي قنسرين وبايع لعبد الله بن الزبير، كذلك فعل النعمان بن بشير الأنصاري بحمص، وكان الضحاك بن قيس الفهري حاكم دمشق يهوى هوى ابن الزبير ويدعو إليه سرا، وانتشرت دعوتهم بفلسطين فطردوا الأمويين منها، ولم يبق ثابتا على ولائهم إلا الأردن، وهي تحت أمرة حسان بن مالك بن بحدل الكلبي، فترى مما تقدم أن الشام شمالها وجنوبها تقريبا أخذ يدين لابن الزبير، هذا هو المشكل الأول في عرفنا.
وأما المشكل الثاني فهو اختلاف بني أمية بعضهم مع بعض وانقسامهم على أنفسهم، فتعدد المرشحون منهم للخلافة، وأشهرهم اثنان: الأول خالد بن يزيد الوريث الشرعي للعرش، وكان صبيا لم تحنكه الأيام ولم تعركه التجارب، والثاني مروان بن الحكم شيخ بني أمية، وأما المشكل الثالث فهو طلب الضحاك بن قيس للخلافة، فدعا قيسا وغيرها إلى البيعة لنفسه فبايعوه،
28
Page inconnue