L'État omeyyade en Syrie
الدولة الأموية في الشام
Genres
انتصر مسلم لبراعته الحربية، فكان دائما يسرع إلى عدوه فيفاجئه ويضربه في قلبه قبل أن يمكنه من الاستعداد وتهيئة الخطط، ويعجل معه الوقيعة الفاصلة حتى يصدمه الصدمة الأولى فيوهن قواه المعنوية والمادية، ثم كان له إدارة منظمة لمعرفة أخبار أعدائه ونشر الدعوة ضدها وتنوير الأذهان لما يريد بثه من الأفكار والآراء التي ترتئيها الحكومة لخيرها، واعتمد اعتمادا تاما على أهل الشام، فكانوا مادة جنده القوية المخلصة، ولم يستعن بالزعماء القرشيين، فقال مرة للحصين بن نمير السكوني نائبه في قيادة الجيش: «لا تمكن قرشيا من أذنك ... ولا تردن أهل الشام عن عدوهم.»
21
تابعت الحملة سيرها إلى مكة بعد إخضاع الثوار في المدينة؛ وذلك لمناجزة ابن الزبير الوقيعة، فتوفي مسلم بن عقبة في الطريق في «قفا المشلل» أو «ثنية هرشا» في آخر المحرم سنة 64ه/683م، وكان شيخا مريضا، فاستولى الحصين بن نمير على قيادة الجند بعده، ويلقبه المؤرخون ببرذعة الحمار، والتجأ فلول أهل المدينة إلى ابن الزبير لينصروه ويثأروا لدمهم المهدور، فشدت الحملة عليه شدة منكرة فصابرها وجالدها أربعة وستين يوما، وهو محصور ضمن أسوار الكعبة، ويدعي الكثيرون من المؤرخين أن الأمويين حرقوا البيت، وفي هذا الادعاء شيء كثير من الصحة إذ قذفوه بالمجانيق، ولكن لا يغرب عن بالنا أنه كان للزبيريين نصيب طيب في إحراق الكعبة، فقال الطبري: «كانوا - أشياع ابن الزبير - يوقدون حول الكعبة، فأقبلت شرارة هبت بها الريح فاحترقت ثياب الكعبة واحترق خشب البيت.»
22
وروى ما سمعه من المشاهدين العيانيين عن أسباب اشتعالها فقال: «قد خلصت إليها - إلى الكعبة - النار ورأيتها مجردة من الحرير، ورأيت الركن قد اسود وانصدع في ثلاثة أمكنة، فقلت: ما أصاب الكعبة؟ فأشاروا إلى رجل من أصحاب عبد الله بن الزبير قالوا هذا احترقت بسببه، أخذ قبسا في رأس رمح له فطيرت الريح به فضرب أستار الكعبة ما بين الركن اليماني والأسود.»
23
ووصف العقد الفريد الضرر الذي أصاب الكعبة فقال: «احترق الخشب والسقف وانصدع الركن واحترقت الأستار وتساقطت إلى الأرض»،
24
والحقيقة التي لا مرية فيها أن ابن الزبير أحب أن يستفيد من حرمة الكعبة وقداستها فعاذ بها، كما أن الأمويين لم يتأخروا عن إحراقها في سبيل التخلص من عدوهم الجبار، وإن كان في ذلك إغضاب المسلمين، فاعتنى ابن الزبير في التحصن بالكعبة كيما يضع الأمويين تجاه أمر واقع فيعملون فيها نيرانهم، ويكون له من ذلك سلاح يطعنهم به، فنجح في خطته التي دبرها نجاحا باهرا.
بينما كان الأمويون يحاصرون ابن الزبير ويضيقون عليه الخناق إذ جاءت الأخبار بوفاة يزيد في حوارين من أعمال حمص 14 ربيع الأول سنة 64ه/683م، واختلاف الأحزاب الأموية فيما بينها من أجل العرش ، فنشط ابن الزبير إذ ذاك وجرب أن يفتح باب المفاوضات على مصراعيه آملا أن يجتذب خصومه المحاربين إلى حزبه، فأفلح وكف القوم عن قتاله - بعد وفاة يزيد بأربعين يوما - وسعى في عقد مؤتمر الأبطح، وإليك وصف المخابرات فيه ونتائجه.
Page inconnue