كان على الإخوان أن يثبتوا احترامهم للديمقراطية بدعوة الناس دعوة عامة للمشاركة في الاستفتاء ويقولوا «لأ»، كما اهتموا بالدعوة العامة للحجاب والخمار والنقاب ... سادتي الإخوان؛ إن الديمقراطية أهم من الحجاب واللحية والسروال الباكستاني.
المشكلة عند الإخوان أنهم يدعون - تلبيسا وتقية - مبادئ الديمقراطية؛ لأنهم لو صدقوا ما طلبوها دولة إسلامية ديمقراطية؛ لأنكم لو أصررتم على أنها إسلامية فإن مجرد ترشيح أحدكم ضد الحاكم سيكون خروجا على الشريعة، ولحق عليكم جز الرقبة في ميدان عام حسب الشريعة. «عن أبي بكر عن رسول الله قال: من خرج يدعو إلى نفسه أو إلى غيره وعلى الناس إمام، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، فاقتلوه» (تاريخ الديلمي، انظر أيضا تاريخ الخلفاء للسيوطي، ص76).
هذا لأن الدولة الإسلامية بحكم منشئها وتكوينها الاجتماعي القبلي لم تكن دولة مؤسسات، وكان من الضروري تفعيل هذا الحديث النبوي لإحداث الاستقرار والتماسك للدولة الناشئة، ولم تعرف تلك الدولة تداول السلطة، بل إنها في أحيان كثيرة لم تعرف العدل بقدر ما عرفت الظلم.
كانت روما منذ قرون متطاولة قد قسمت شعبها مئات، سميت بمجالس مئوية هي كل الشعب، وهي التي تختار كبار المتنفذين، وتنظر في الإجراءات التي يعرضها عليها الموظفون أو مجلس الشيوخ لتجيزها أو ترفضها، كما تنظر فيما يرفع إليها من استئناف الأحكام، وتنظر في جميع قضايا الإعدام، وتعلن الحرب، وتعقد الصلح.
وفي عام 454 قبل الميلاد، بناء على رغبة الشعب، أرسل مجلس الشيوخ إلى بلاد اليونان لجنة من ثلاثين حكيما لدراسة شرائع صولون
SOLON
وغيره وكتابة تقرير عنها؛ ومن ثم تم تشكيل لجنة من عشرة حكماء للخروج بما جاء به الثلاثون، لوضع قانون لروما «دستور»، وتم تخويلهم لمدة سنتين للانتهاء من وضع القانون، الذي تم تدوينه على اثني عشر لوحا «ذائعة الصيت» وافقت عليها الجمعية بعد تعديلات، وتم عرضها في السوق للناس ليعرفوا حقوقهم وواجباتهم. وكان هذا أول دستور في تاريخ الإنسانية.
أما في دولة الراشدين فكان الحكم يقوم كما قال أبو بكر على الكتاب والسنة، رغم أن الكتاب كان مفرقا بين الصحابة في الأكتاف والعظم والعسيب والأحجار، ولم يتم جمعه بعد في مصحف واحد، ورغم أن الحديث لم يكن بدوره حتى مسموحا بتدوينه، وكانت نصوصه غير معلومة لجميع أفراد الأمة، وكذلك القرآن، فكيف كان يتم حكم تلك الدولة بالكتاب والسنة وهما غير مدونين وغير معلومين من الأمة محل تطبيق هذه القوانين؟ ناهيك عن واضعي الأحاديث المحترفين وأصحاب الفتاوى، وكلها كانت تصب لصالح حلف الفقيه والسلطان. والملحوظ أن المواطن لم يطالب بحقوقه من حرية ومساواة وعدل وأمن بقانون وآليات لتنفيذه وحمايته، ولم تسع الدولة من جانبها لتوضيح تلك الحقوق له كما فعل الرومان.
وإذا كانوا سيستدعون لنا تلك الدولة النموذج ليحكمونا بها فليقولوا لنا كيف يقام العدل وتتم المساواة والحرية التي يؤكدون أنها أسس دولتهم الإسلامية؟
كيف قامت عدالة دون قانون منشور معلن يعرفه الناس ليحكموا به؟ لو كان هناك قانون مدون ما عاد أبو بكر إلى حديث: «نحن معاشر الأنبياء لا نورث»، ردا على فاطمة بنت النبي عندما طلبت ميراثها، وفوجئت لأنها لا تعلم من أبيها أخص خصائصها، ما كان وحده من سيتذكر هذا الحديث أو يعتمد على الذاكرة. بهذا المعنى تكون الدولة دولة طوارئ طوال الوقت، كلما أردت اتخاذ خطوة أخرجوا لك حديثا لم يكن معلوما من قبل. دولة القانون حتى لو كانت دولة الكتاب والسنة فلا بد أن تعرف الرعية حقوقها وواجباتها حتى لا تخالف القانون، وتقف أنت عند محاكمتك بين صحابي يدينك بحديث وبين آخر يجرمك بآخر وبين فتوى تهدر دمك. إن الظلم هو خالق العدالة؛ لأنها لو وجدت لاختفى. والظلم كالجرم هو خروج على القانون. ولا بد أن يطلع المواطن على القانون؛ لأنه كان نسبيا بين بلد وآخر؛ يعني عندما أتزوج أربع نساء في السعودية ليست جريمة، ولو عملتها في فرنسا جريمة. فالقانون هو ما يوضح الجرم للناس ويشرحه لهم. عندما تضع يافطة ممنوع الانتظار فمعنى ذلك أن تظهر المخالفات، لو رفعنا اليافطة لن تكون هناك مخالفات. فالقانون هو ما يحدد الجرم، بل هو ما يخلقه جرما؛ لأنه يحرم أفعالا لن أستطيع تمييزها إن لم أعرف القانون. وهنا يحدثوننا عن عدل عمر والقانون غير معروض، وهو ما سوغ لعمر قتل مسلم مؤمن فاستوى الظلم مع العدل.
Page inconnue