إهداء
مقدمة
ضرب الكليم
إلى القارئين
تمهيد
1 - الإسلام والمسلمون
2 - التعليم والتربية
3 - المرأة
4 - الأدب والفنون
5 - سياسيات المشرق والمغرب
6 - أفكار محراب جل الأفغاني
إهداء
مقدمة
ضرب الكليم
إلى القارئين
تمهيد
1 - الإسلام والمسلمون
2 - التعليم والتربية
3 - المرأة
4 - الأدب والفنون
5 - سياسيات المشرق والمغرب
6 - أفكار محراب جل الأفغاني
ضرب الكليم
ضرب الكليم
إعلان الحرب على العصر الحاضر
تأليف
محمد إقبال
ترجمة
عبد الوهاب عزام
إهداء
إلى جلالة الفاروق1
رياح العرب في البيداء سيري
وموج النيل في شغف أثيري
عن الفاروق
2
للفاروق أدي
بلاغ الدين والملك الكبير •••
بفطرتنا السيادة والكرامه
وفوق جبيننا سطر الإمامه
بقلبك فانظرن دنيا جلاها
من الفاروق
3
قلب ذو شهامه •••
فمن يكشف له السر اليقين
يوحد ما تثنيه العيون
كقنديلين قد مزجا ضياء
تألف بيننا ملك ودين •••
إذا الإسلام قد صدق البلاء
غبار طريقه يسمو سماء
شرار الشوق فاحفظ إن تجده
فإنك مطلع منه ذكاء
هوامش
مقدمة
1
نسألك اللهم الإلهام والتوفيق. وبعد؛ فقد يسر الله تعالى منذ عشرة أشهر ترجمة ديوان بيام مشرق الذي نظمه بالفارسية الشاعر الفيلسوف محمد إقبال رحمه الله، وتم طبع الديوان بالعربية في مدينة كراجي حين الذكرى الثالثة عشرة لوفاة الشاعر في شهر نيسان/أبريل سنة 1951.
وقدمت جماعة إقبال الديوان العربي إلى حاكم باكستان العام في احتفال رسمي حاشد.
وكانت ترجمة أحد دواوين إقبال إلى العربية تحقيق أمنية كبيرة للشاعر رحمه الله، واستجابة لأمل قديم في نفسي، وبلوغ غاية حاولت المسير إليها مرات فعوقتني الشواغل.
وكان لهذه الترجمة أثر بليغ في نفوس علماء باكستان وأدبائها وساستها، وقبول حسن عند قراء العربية.
2
دعاني هذا الظفر إلى الاستقامة على الطريق لأترجم دواوين أخرى للشاعر العظيم، وهون علي المضي فيما بدأت، واحتمال المشقة فيما تصديت له، ودعا كثيرا ممن يعرفني من أهل باكستان إلى أن يتوجهوا إلي ناظرين ترجمة أخرى.
وذكرت الديوان الذي هممت بترجمته من قبل، وهو «جاويد نامه» القصة التي بين فيها إقبال كثيرا من أحوال المسلمين وكثيرا من آرائه وفلسفته أثناء رحلة في الكواكب دليله فيها الشاعر الصوفي الكبير جلال الدين الرومي صاحب المثنوي.
وما ترددت في إيثار جاويد نامه بالترجمة بعد «بيام مشرق»، ولكن صديقا أديبا من محبي إقبال المعجبين به، العارفين بشعره وفلسفته وسيرته، ومن الذين خالطوه كثيرا في حياته، ولم يدخروا جهدا في بيان دعوته والتعريف به؛ اقترح علي ترجمة ديوان آخر.
قال الصديق الأستاذ أحمد برويز: أرى أن تترجم «ضرب كليم»؛ لأنه آخر ما نشر المؤلف وآخر ما نظم إلا ديوان أرمغان حجاز الذي نشر بعد وفاته، وهو، إلى هذا، تتجلى فيه فلسفة إقبال القوية، ودعوته الصريحة، في أمور معينة جعلها في الديوان فصولا، ثم جاويد نامه منظومة واحدة طويلة عميقة يحتاج قارئها إلى زاد كثير من الفلسفة والتاريخ، ولا يتيسر إدراك مراميها إلا لقارئ أوتي حظا موفورا من العلم والأدب، ومترجمها لا يبلغ غايته حتى ينتهي منها؛ على حين أن مترجم ضرب كليم ينهي عملا بترجمة كل قطعة فيه، ويبلغ غاية كلما انتهى من فصل، وهو بعد هذا وذاك، أقل أبياتا، وأيسر كلفة.
وما زال الصديق يوالي الحجج، حتى وافقته على أن أقدم «ضرب كليم» على «جاويد نامه» مؤخرا هذه القصة مرة أخرى، والله المستعان.
3
رأينا أن نجتمع على قراءة الكتاب، واستقصاء معانيه، والتعمق في عباراته وإشاراته، قبل بدء الترجمة.
وتواعدنا أن نجتمع في دار السفارة المصرية من مدينة كراجي، ونوالي الاجتماع كل أسبوع مرتين أو ثلاثا حتى نفرغ من الديوان.
وحرصنا على ألا نتفرق عن مجلس حتى نتفق على موعد المجلس التالي؛ خشية أن تصرفنا الأشغال عن هذه المجالس، وكانت أفئدتنا تهفو إليها، وذكراها تحبب إلينا أن نسارع إليها.
كنت أنا والأستاذ أحمد برويز والأستاذ سيد عبد الواحد مدير الغابات في باكستان، وهو أحد المؤلفين في سيرة إقبال وفلسفته، أركان هذا المجلس، وكان يختلف إلينا إخوان من محبي إقبال منهم من يشهد مجالس متتابعة، ومنهم من يشهد جلسة أو جلستين ثم يغب أو ينقطع، فكانت الحلقة تضيق وتتسع.
وكنا بين الحين والحين ندعو إلى وليمة نستكثر فيها من أعضاء جماعة إقبال في كراجي، وندعو إليها رئيسها الفاضل نذير أحمد وزير الصناعة حينئذ.
وكان الأخ أحمد برويز شيخ المجلس، يتولى القراءة والشرح، ويفيض في الإبانة عن آراء إقبال، ويستطرد إلى كلام في الشعر أو الفلسفة، وإلى وصل كلام إقبال بالقرآن الكريم.
وقد سميت المجلس «مجلس إقبال» أو «مجلس الإقبال» وسميت حاضريه «دراويش إقبال» أو «قلندران إقبال» وسميت أحمد برويز شيخ الدراويش أو «شيخ قلندران إقبال». •••
شرعنا في القراءة عقب عيد الفطر من سنة 1370ه، فلما فرغنا كتبت في بياض بالصفحة الأخيرة من الكتاب:
تمت القراءة عشاء يوم السبت خامس المحرم سنة 1371ه/6 أكتوبر سنة 1951م. والحمد لله أولا وآخرا ورحم الله إقبالا.
فقد قرأنا الكتاب في ثلاثة أشهر، ولا جرم أننا شغلنا عن المجلس أحيانا فلم نتابع مجالسنا على ما قدرنا.
وشرعت في الترجمة ليلة الاثنين حادي عشر شوال سنة 1370ه/16 تموز 1951م، فلما فرغت منها كتبت تحت السطور التي أرخت فيها إتمام القراءة:
يسر الله الفراغ من الترجمة عشاء ليلة الأحد 18 صفر الخير سنة 1371ه/8 تشرين الثاني 1952م.
فقد شغلتني الترجمة زهاء أربعة أشهر وفرغت منها بعد شهر ونصف من إتمام القراءة.
4
آثرت أن أطبع الديوان في مصر؛ لأبلغ فيه ما فاتني في بيام مشرق من وضوح الحروف واستكمال الشكل، ولبثت أرتقب سفري إلى الوطن المبارك، فلما بلغته في السادس من كانون الأول/ديسمبر شرعت أبيض الديوان وأعده للطبع، بين شواغل وأسفار متوالية، وتولى رقمه
1
ولدنا الفاضل محمود جعفر الجبالي المفتش بمصلحة الضرائب.
ورغبت إلي «جماعة الأزهر للنشر والتأليف» أن يكون الديوان من مطبوعاتها فسلمته إليها شاكرا، ووددت أن ينجز طبعه وأنا في مصر؛ لأنظر في تصحيحه، ووضع كلمة مكان أخرى أثناء التصحيح، ولكن لم يكن بد من العودة إلى باكستان قبل طبع الكتاب.
فتولى الإشراف على الطبع وإرسال النماذج إلي بالبريد الجوي، الأستاذ محمود الجبالي أيضا جزاه الله خير الجزاء. •••
إن من سعادة الجد أن أحقق أمنية الشاعر الفيلسوف العظيم، وأزيد في ثراء لغة القرآن بترجمة بعض دواوين إقبال إلى العربية.
ويزيدني غبطة ، ويشرح صدري، أن أنشر ديوان ضرب كليم حين الذكرى الرابعة عشرة لوفاة شاعر الإسلام النابغة، كما امتلأت نفسي سرورا، وقلبي نورا، حينما نشرت بيام مشرق في الذكرى الثالثة عشرة لوفاته، كم رجوت أن أترجم من دواوين إقبال، ولكن ما طمعت قط فيما يسره الله لي من ترجمة ديوانين في أقل من ثمانية أشهر، ونشرهما في سنة واحدة.
والحمد لله على توفيقه، وهو المسئول أن يوفق ويلهم ويسدد، وهو حسبي ونعم الوكيل.
مدينة كراجي
15 آذار سنة 1952م
19 جمادي الثانية سنة 1371ه
هوامش
مدخل
«ضرب الكليم»
بقلم عبد الوهاب عزام
ديوان يشتمل على آراء ونظرات في الناس؛ جماعات ووحدانا، وفي الدين، والتربية، والفنون، والأدب، والسياسة، فهو أدخل في الفكر والفلسفة ولكن فيه من العاطفة والخيال ما يدخله في الشعر.
وكل حقيقة في هذا الكون أهل أن تدخل في الشعر، إن صبغتها عاطفة الإنسان، أو صورها خياله، وموضوعات الشعر تتوالى من محيط دائرته إلى مركزها؛ بعضها عند المحيط يدخل في الشعر قليلا، ويجاور ما هو خارج الدائرة، وبعضها أدخل في الدائرة، وهكذا تتوالى إلى مركز الدائرة، على قدر نصيب الموضوعات من العاطفة والخيال.
فالكلام في ضرب الكليم شعر يقارب الحقائق المجردة أحيانا، ويمعن في الشعر أحيانا، ولكنه في جملته أقرب إلى المحيط منه إلى المركز.
ومن أجل هذا لقيت في ترجمته عناء أكثر مما لقيت في ترجمة بيام مشرق؛ إذ حرصت على ألا تذهب الترجمة بقسمات الشعر فيه، وألا ينصل بها الخضاب الشعري القليل، وألا يذبل هذا الزهر الصغير بالانتقال من روضة إلى روضة، وألا تضيع الدقائق الشعرية بين لغتين مختلفتين وأسلوبين من البيان متباعدين.
والكتاب في جملته ضرب يفجر الماء من الحجر لا موسيقى وغناء كما قال إقبال:
كفاح شديد وضرب سديد
فلا تبغ في الحرب عزف الوتر
ومن أجل هذا سماه ضرب الكليم؛ رمزا إلى قصة موسى حين ضرب بعصاه الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا.
فلعل القارئ يقدر حقائقه في معرض من الشعر شفاف أكثر مما يلتمس فيه خيال الشعر وزينته وبهجته، ولعله كذلك يقدر عناء المنشئ والمترجم في عرض هذه الحقائق والإبانة عنها في أسلوب من الشعر الرصين. (1) فصول الديوان
قسم الشاعر ديوان ضرب الكليم على ستة فصول، وقدم قبلها قطعتين وقصيدة: القطعة الأولى أبيات قدم بها الديوان إلى أمير بهوبال حميد الله خان، والثانية يخاطب فيها القراء، والقصيدة سماها تمهيدا.
وهذه فصول الديوان: (1)
الإسلام والمسلمون (وهو أطول الفصول). (2)
التعليم والتربية. (3)
المرأة. (4)
آداب الفنون الجميلة (وهو ثاني الفصول طولا). (5)
سياسيات المشرق والمغرب. (6)
أفكار محراب جل الأفغاني.
وهذه الفصول مؤلفة من قطع صغيرة بين بيتين وعشرة لا تتجاوز العشرة إلا قليلا.
والفصل الأخير منظومة واحدة مقسمة عشرين قسما تختلف أقسامها أوزانا وقوافي، ولكن الشاعر جعلها منظومة واحدة وربط بين أقسامها بأعداد متوالية.
والقطع في الفصول كلها، إن عددنا أقسام الفصل الأخير، مائتان واثنتان.
وفي المقدمة أربع قطع. (2) فلسفة إقبال
لا بد من كلمة موجزة في فلسفة إقبال تعين القارئ على إدراك مرامي الشاعر.
أساس فلسفة إقبال ما سماه «خودي»: «الذات أو الذاتية».
وقد بين مذهبه هذا في كثير من شعره وخص به منظومة سماها أسرار خودي.
وخلاصة هذه الفلسفة، وما بني عليها، وما يتصل بها من آراء: (أ)
أن الذاتية جوهر الكون وأساس نظامه، وسر الحياة فيه. (ب)
وأن الذاتية هذه تحيا من تخليق المقاصد، وتوليد الآمال، كما يقول إقبال: «نحن أحياء بتخليق المقاصد ونحن منيرون من شعاع الأمل.» (ج)
وأن الذات تقوى بعشق ما تؤمل، وسعيها إليه غير متوانية، وإقدامها عليه غير هيابة، واقتحامها كل عقبة في سبيله؛ كما قال: «وهي بالمحبة أقوى، وأحيا وأضوأ.» (د)
والجهاد الدائم، والكفاح المتصل تقوى به الحياة وتزداد وتنير. والإحجام، والتردد والسكون إلى الدعة والخضوع تضعف الحياة وتطفئها. (ه)
وعلى الإنسان أن يستخرج كل ما في فطرته من مواهب، وأن يعتمد على نفسه، ويظهر ذاته في قوله وفعله، ويحذر التقليد والاعتماد على غيره، وطلب ما عند الناس والغفلة عما في نفسه من كنوز. (و)
بهذا كله تقوى الذات، وقوة الذات هي مقصد هذه الحياة، والشاعر معجب بالقوة في كل شيء؛ القوة الحسية، والقوة المعنوية، وهو بهذا يعجب بالفيلسوف الألماني نيتشه ويذكره كثيرا ولكنه يأخذ عليه أنه عرف العقل لا القلب، والجسم لا الروح، والعلم لا العشق، ويقول عنه: لم يكن أهلا لنكتة التوحيد، وإنه آمن عقله وكفر قلبه، وإنه بنى موثنا على أسس مسجد.
بل القوة عند إقبال من عناصر الجمال، فإن الجمال لا يكون بغير جلال.
يقول في القطعة التي عنوانها «الجلال والجمال»:
عندي جمال في بهاء أن ترى
في سجدة للقوة الأفلاك
ولنغمة من دون نار نفخة
ما الحسن إلا بالجلال يحاك
بل يقول في هذه القطعة: إنه لا يحب أن يعذب بنار غير قوية:
لا أرتضي نار الجزاء ولم تكن
وهاجة ولهيبها دراك (ز)
والحسن والقبح، أو الخير والشر من علو الذات وانحطاطها وقوتها وضعفها:
عالم الذات به علو وسفل
وبه معرك قبح وجمال
في اعتلاء الذات ما يبدو جميل
وقبيح ما بدا في الاستفال (ح)
والذات المفردة القوية الناضجة تنسلك في الجماعة، ولا تفنى فيها، وقد بين إقبال في ديوانه أسرار خودي كيف يلتئم الواحد القوي في جماعته، وكيف يسعد بهذا الالتئام ويبقى ولا يفنى، ومن إشاراته في هذا:
يا من في القافلة سر رفيقا وكن وحيدا.
ويقول في ضرب كليم في القطعة التي عنوانها «الرجل العظيم»:
هو في المجمع خال
ومن الحشد طليق
مثل شمع الحفل، في ال
حفل وحيد ورفيق (ط)
والإنسان أعظم الكائنات، وكل شيء في العالم مسخر له كما في القرآن الكريم:
ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا .
وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه .
وسخر لكم الأنهار * وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار * وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها . (ي)
والإنسان حر غير مجبر، ومخير غير مسير، عزمه دليل على القضاء أو مشير عليه، والمؤمن الحر هو مقياس الصلاح والفساد والبقاء والفناء في هذه الدنيا، بل في الدنيا والآخرة:
فيه عزم على القضاء مشير
وهو في العالمين كالميزان
النبات والجماد في قهر الطبيعة ولكن المؤمن الحر لا يقيده إلا إطاعته أحكام ربه:
إن النبات وإن الجامدات لها
من القضاء قيود ذات إحكام
والمؤمن الحر لا شيء يقيده
لكن لخالقه في قيد أحكام (ي-أ) الحضارة الحديثة: ويرى إقبال أن الحضارة الأوروبية مادية، لا روح لها ولا قلب، ويشتد في نقدها، ويذكر فلاسفتها فيقبل من آرائهم قليلا ويرد كثيرا، ويرى أن في الإسلام وحضارته سعادة البشر والتأليف بينهم، وجمعهم على شرعة الحق إخوة متحابين متعاونين. (ي-ب) فلسفته في هذا الديوان: تتجلى فلسفة إقبال، في الذات وما يتصل بها، ونظره إلى الحضارتين الإسلامية والأوروبية وسائر آرائه، في كل فصول هذا الديوان، حتى الأدب والفنون الجميلة.
الشعر فيه من الحياة رسالة
أبدية لا تقبل التبديلا
إن كان من جبريل فيه نغمة
أو كان فيه صور إسرافيلا •••
صمت طير الصبح أولى من غناء
إن سرى في الروض باللحن ذبول
والغناء إن أدى إلى ضعف أو خور فهو حرام:
إن سرت في اللحون دعوة موت
حرم الناي عندنا والرباب
والمصور ينبغي أن يصور الحياة وأن يطبع ذاته على الطبيعة لا أن يحاكيها:
مقصد الفن في الحياة لهيب
أبدي فما وميض الشرار؟
يا خبيرا بفنه فيه تمت
صنعة العصر والعصور الخوالي
كم ترى من طبيعة وتريها؛
أرنا الذات فوق هذي المجالي (3) تفسير اصطلاحات في الديوان
الفقر
يشيد إقبال بالفقر في مواضع كثيرة من شعره في هذا الديوان وفي غيره، ويعده مفتاح كل خير والوسيلة إلى كل سؤدد، والمقتحم كل عقبة.
ومن الأبيات التي ذكر فيها الفقر في هذا الديوان في القطعة: «على ذكر الإذن بحمل السيف»:
أيها المسلم تدري اليوم ما
قيمة الفولاذ والعضب الذكر
هو مصراع من البيت الذي
مضمر فيه من التوحيد سر
وأرى مصراعه الثاني في
سيف فقر تحتويه كف حر
وقوله في القطعة «الفقر والملكية»:
الفقر يمضي بلا سلاح
في حومة الحرب كالرجوم
وقوله في قطعة «السلطان»:
تعلم فألف مقام وشأن
لفقر بدا فيه روح القرآن
وقوله في قطعة «الإمامة»:
يمر عليك من فقر مسنا
فيطبع منك سيفا للمنايا
وقوله في القطعة «نكتة التوحيد»:
أي ملك مقام فقر، ولكن
تؤثر الذل مذعنا، ما احتيالي
وقوله في القطعة التي أولها «متاعك في الحياة فنون علم»:
وما إن ذل قوم قد أعدوا
حماس العشق والفقر الغيور
ويتبين من التأمل في هذه الأبيات أن الفقر في لغة إقبال ليس عدم المال أو قلته، ولا هو حاجة إلى ما يعيش به الإنسان ويعتز به من متاع الدنيا، فماذا يعني إقبال حين يذكر الفقر ويشيد به ويبالغ في إكباره؟ الذي أدركته من كلام الشاعر أن الفقر الذي يعنيه هو خلاص النفس من قيد التملك أو الطمع، ومضيها عاملة مقدمة لا يطغيها وجدان ولا يذلها حرمان، وربما يملك الفقير قناطير من الذهب وربما يكون ملكا مسلطا لا يعجز سلطانه مال أو متاع.
وليس هذا المعنى بعيدا عما فسر به بعض الصوفية الفقر.
ففي رسالة القشيري: سئل يحيى بن معاذ عن الفقر، فقال: «حقيقته ألا يستغنى إلا بالله.»
وقال الشبلي: أدنى علامات الفقر أن لو كانت الدنيا بأسرها لأحد فأنفقها في يوم، ثم خطر له أن لو أمسك منها قوت يوم ما صدق في فقره.
وفي الرسالة أيضا: وقيل: صحة الفقر ألا يستغني الفقير في فقره بشيء إلا بمن إليه فقره.
وفي كتاب عوارف المعارف للسهروردي: وقال الكتاني: إذا صح الافتقار إلى الله تعالى صح الغنى بالله تعالى؛ لأنهما حالان لا يتم أحدهما إلا بالآخر.
فترى أن الفقر في هذا الكلام ليس عدم الملك وفوات المال؛ ولكن ألا يرتبط الإنسان بما أدرك أو بما فات، أعني: ألا تكون الدنيا في قلبه؛ وإن كانت في يده.
قلندر
يعني به إقبال الإنسان الذي لا يصل نفسه بمال ولا أهل ولا دار.
وهو في الأصل اسم رجل ذهب هذا المذهب وأحدث طريقة كان سالكوها يديمون السفر لا يلبثون في مكان، ولا يقيدهم ملك ولا أهل ولا وطن، ويحلقون رءوسهم ولحاهم.
وسمي سالك هذه الطريقة: قلندرا؛ باسم صاحب الطريقة.
وقد رأيت أن أبقي اللفظ في الترجمة؛ لأنه علم في الأصل، وجعلته أحيانا وصفا وأحيانا نسبت إليه فقلت: القلندر والقلندري.
الجنون
يكرر الشاعر ذكر الجنون في هذا الديوان؛ ففي القطعة التي أولها:
إلى عصبات العرب ما أنا منتم
ولا أنا هندي ولا أنا أعجمي
يقول:
فلست أرى في بيدك اليوم جنة
تشب بهذا العقل نار التقدم
وفي القطعة التي أولها:
متاعك في الحياة فنون علم
يقول:
ومزقت الجيوب وأنت خال
جنوني - لا ألومك - في قصور
وفي القطعة، «يا شيخ الحرم»:
في جنوني لك أسرار بدت
فاجزني يا شيخ عن هذا اللمم
وفي القطعة التي عنوانها «المدرسة»:
أبعد الدرس عن حماك جنونا
قال للعقل: لا تلذ بنقاش
وفي القطعة «فلسفة»:
إن في حلقة المجانين عقلا
في شرار يرى لهيبا مضيا
وظاهر أن إقبالا يعني بهذا الجنون الحماس والإقدام وأداء الواجب دون تردد، وفي غير حساب للمشقة والربح والخسارة، فهو قريب من العشق الذي يذكر في مقابلة العقل.
وكأنه يقول: إن هذا الإقدام يعده الناس جنونا، ونحن نحب هذا الجنون.
ضرب الكليم
فطرة الحر لا تطيق مقاما
فألف السير دائبا كالنسيم
ألف عين تشق صخرك فاضرب
بعد غوص في «الذات» ضرب الكليم
إلى القارئين
إذا لم تصب في الحياة النظر
فليس زجاجك كفء الحجر
1
كفاح شديد، وضرب سديد
فلا ترج في الحرب عزف الوتر
معين الحياة دماء القلوب
ولحن الدما لا المياه الفطر
2
هوامش
تمهيد
1
يقظة «الذات» لا أراها بدير
لا ولا تجتلى لدى المحراب
إن روح الشعوب في الشرق غاف
من سموم الترياق، رهن غياب
1
إن تضق بالجهاد في الأرض ذرعا
فحرام مسراك فوق، السحاب
2
ليس من خيفة الممات نجاة
إن تر «الذات» هيكلا من تراب
3
ليس يخفي صروفه الدهر لكن
لك قلب وناظر في حجاب
قد منحت الهشيم في آسيا إذ
أن ناري حديدة في التهاب
4
2
ذنب إقبال البيان وإن كان
شبيه الزمان نزر الوصال
5
هاج أنغامه عكوفا على الخش
خاش موتى، إلى طلاب المعالي
فمهيض الجناح آلف دار
قد رنا اليوم للفضاء العالي
6
فعداه التغريد في الأسحار
وحنين ومتعة الأبصار
7
هوامش
الفصل الأول
الإسلام والمسلمون
(1) الصبح
إنا لنجهل مطلع الصبح الذي
يدعى بيوم أو غد في الأزمن
لكنما الصبح الذي ارتجت له
ظلم العوالم، من أذان المؤمن (2) لا إله إلا الله
1
مستسر في الذات معنى بعيد
سره لا إله إلا الله
سيف الذات قاطع غير ناب
شحذه لا إله إلا الله
عصرنا يبتغي خليلا حطوما
وثنه. لا إله إلا الله
2
إن دنياك موثن لا تصدق
زوره. لا إله إلا الله
في متاع الغرور تسعى وتبغي
ربحه! لا إله إلا الله
يا أسير الخسار والربح ينسى
نفسه! لا إله إلا الله
مال دنياك والبنون خداع
كله. لا إله إلا الله
هي أصنام واهم قد براها
وهمه. لا إله إلا الله
حبس العقل في مكان ووقت
كفره. لا إله إلا الله
لا زمان ولا مكان فحطم
غله. لا إله إلا الله (3) الاستسلام للقدر
يقول إقبال في هذه الأبيات: إن المسلمين احتجوا بالقرآن في القصور عن السعي، ومن هذا القرآن نفسه ملك المسلمون الآفاق، وقد ركنوا اليوم إلى القدر وكان عزمهم من قبل قدرا، والحق أن العبودية بدلت النفوس فرأوا حسنا ما كان عندهم قبيحا.
من القرآن قد تركوا المساعي
وبالقرآن قد ملكوا الثريا
إلى «التقدير» ردوا كل سعي
وكان زماعهم قدرا خفيا
تبدلت الضمائر في إسار
فما كرهوه صار لهم رضيا (4) المعراج
الذرة التي يملؤها الشوق تعلو على الشمس والقمر، والدراجة إذا ملأ صدرها الحماس قاتلت الصقر، فإنما القوة الحق قوة الروح، لا شيء يستعصي عليها.
وذرة طار فيها الشوق صاعدة
تغير في عرصات الشمس والقمر
يا رفقة المرج! تلقى الصقر مقدمة
دراجة تملأ الأنفاس من شرر
المسلم السهم، والأفلاك غايته
سرائر الروح في المعراج فادكر
3
جهلت «والنجم» أسرارا فلا عجب
ما زال مدك محتاجا إلى القمر
4 (5) إلى سيد مصاب بالفلسفة ...
لو لم تول «ذاتك» النسيانا
لم تحملن زنار «برجسانا»
5
أصداف «هكيل» من الخوالي
طلسمه جميعه خيالي
فكيف صاح تحكم الحياة
وكيف تجتاز الزمان «الذات»؟
وطلب الإنسان للثبات
وقصده دستور ذي الحياة؟
يحول الدجى إلى الإشراق
أذان مؤمن ندا الآفاق
وإنني في الأصل سومناتي
إلى مناة سلفي واللات
6
وأنت من أولاد هاشمي
وطينتي من نسل برهمي
في عصبي فلسفة الأشياء
قد مزجت بطينتي ومائي
أحاط إقبال بها تفصيلا
وإن يكن عرفانه قليلا
عاقبة العقل إلى شتات
فلسفة بعد من الحياة
ونغمة الأفكار دون صوت
للذة الأعمال حادي الموت
الدين في حياتنا تقويم
الدين أحمد وإبراهيم «قلبك فاربط بالهدى المحمدي «أبا علي»، اتركن يا ابن علي
إن تك بالطريق غير داري
فالقرشي اتبعه لا البخاري»
7 (6) الأرض والسماء
صاح عل الذي رأيت ربيعا
هو في أعين خريف الزمان
سالك النهج! كل حين شئون
لا تفكر في الربح والخسران
رب ما خلته بدنياك أوجا
هو أرض لعالم غاب ثان (7) اضمحلال المسلمين
إن كان ذا الذهب الذي
يقضي الحوائج في الدنى
فالفقر صاح ميسر
ما لا ييسره الغنى
شبان قومي لو تحلوا
بالشجاعة ديدنا
لم تلف صعلكتي أقل
من الملوك تصونا
الأمر ليس كما زعمت
وقد وصفت المؤمنا
فزعمت أن طماحه
من قلة المال انثنى
إن كان في الدنيا بدا
لي جوهر فيه سنا
فمن التصعلك قد بدا
لا بالخزائن والقنى (8) العلم والعشق
قال لي العلم غرورا:
إنما العشق جنون
قال لي العشق مجيبا:
إنما العلم ظنين
لا تكن سوس كتاب
يا أسيرا للظنون
فمن العشق شهود
ومن العلم حجاب
من لهيب العشق ثارت
ثورة في الكائنات
وشهود «الذات» للعش
ق، وللعلم الصفات
ومن العشق ثبات
وحياة وممات
علمنا سؤل جلي
عشقنا خافي الجواب
معجزات العشق ملك
زانه فقر ودين
وعبيد العشق أدنا
هم له عرش مكين
ومن العشق زمان
ومكان ومكين
8
إنما العشق يقين
وبه يفتح باب
ألفة المنزل في شر
ع من الحب حرام
خطر البحر حلال
راحة السرب حرام
خفقة البرق حلال
وفرة الحب حرام
9
علمنا نسل كتاب
عشقنا أم الكتاب (9) اجتهاد
حكمة الدين كما قد زعموا
علمت في الهند من أي طريق؟
ما بها لذة سعي دائب
لا ولا فيها من الفكر العميق
أين منهم جرأة العقل لدى
محفل يهفو إلى الفكر مشوق
آه للتقليد والأسر بما
ألفوه وزوال التحقيق
بدلوا القرآن لا أنفسهم
كم فقيه مبعد من توفيق
10
وكفى القرآن نقصا أنه
ما هدى المؤمن منهاج الرقيق
11 (10) شكر وشكوى
لك الحمد إني عبد جهول
ولكن وصلت بسر الغيوب
منحت القلوب هياما جديدا
أثرت البعيد به والقريب
ومن حر شدوي يرى في الخريف
طروبا بصحبتي العندليب
ولكن خلقت بأرض بها
نفوس العبيد برق تطيب (11) الذكر والفكر
ذان للسالك الطموح مقام
نزلت فيه «علم الأسماء»
12
ومقام التفكير قول ابن سينا
ومقام العطار بالذكر ضاء
13
ولذكر «سبحان ربي» والفك
ر يقيس الزمان والأرجاء
14 (12) شيخ الحرم
يخفى عليك مقام آدم في الورى
فالنفس ما نال الإله وصالها
15
ما في أذانك من صباحي دعوة
أو في الصلاة جمالها وجلالها (13) القدر
يقول إقبال في هذه الأبيات: إن القضاء يبدو غير تابع للمنطق ولعل له منطقا خفيا، وعلى كل حال نرى حقيقة لا جدال فيها؛ هي أن عين القضاء تنظر إلى مساعي الأمم، فتقضي فيها على قدر مساعيها.
ربما يبلغ اللئيم مناه
وينال الكريم ضيم الزمان
عل في منطق القضاء خفاء
ويرى دون منطق في العيان
علم الناس ذي الحقيقة طرا
وجلاها التاريخ كل أوان
نحو مسعى الأقوام يرنو القضاء
نظرة كالحسام فيها مضاء (14) التوحيد
قوة كان في الحياة على الأرض
فصار التوحيد علم الكلام
رده في الفعال غير مضيء
جهلنا اليوم ما لنا من مقام
قائد الجيش! قد رأيت غمودا
من «هو الله» ما بها من حسام
16
ما درى الشيخ أن توحيد فكر
دون فعل، يعد لغو كلام
17
يا إماما لركعة كيف تدري
في الورى ما إمامة الأقوام؟ (15) العلم والدين
العلم وحده عاجز منضل حتى يتصل به القلب ويصاحبه الإيمان، ويهديه العشق، فإن كان كذلك خلق هو إبراهيمه؛ ليحطم أوثانه التي يصنعها. هذا شأن الحياة لا قديم فيها ولا حديث، والعلم والبصيرة أو العقل والقلب كالطل والنسيم لا بد من اشتراكهما في تربية الزهر.
العلم يخلق إبراهيم موثنه
إذا تراه نديم القلب والنظر
هذي الحياة وهذا الكون، ما بدلا
ما محدث وقديم قول ذي بصر
ما يحسن المرج تربيب الزهور إذا
لم تشرك النسمات الطل في الزهر
العلم إن لم يضف نجوى الكليم إلى
رأي الحكيم فما للعلم من قدر (16) المسلم الهندي
قال البرهمن: خائن أوطانه
والإنكليز تقول: هذا مجتدي
ونبوة البنجاب قالت: كافر
مستمسك بقديمه لا يهتدي
18
أيان صوت الحق يعلو ها هنا؟
ويل لقلبي في الصراع المجهد
19 (17) على ذكر الإذن بحمل السيف
أذن الإنكليز للناس بحمل السيوف بعد أن حرم حمل السلاح كله فنظم إقبال هذه الأبيات:
أيها المسلم تدري اليوم ما
قيمة الفولاذ والعضب الذكر
هو مصراع من البيت الذي
مضمر فيه من التوحيد سر
وأرى مصراعه الثاني في
سيف فقر تحتويه كف حر
أنت يا مسلم - إن تظفر به -
خالد أو حيدر يوم المكر
20 (18) الجهاد ...
قامت طائفة في الهند تنكر الجهاد، تقول: إن هذا عصر الدعوة بالقلم لا القتال بالسيف، وتدعو المسلمين إلى السلم، فيأخذ عليهم إقبال أنهم يدعون المسلمين ولا سلاح في أيديهم، ويتركون الأمم المدججة في السلاح التي تشن الحرب بين الحين والحين.
الشيخ أفتى أنه عصر القلم
ما السيف فيه حاكم بين الأمم
أما درى الشيخ بأن وعظه
في مسجد قد صار من لغو الكلم؟
فما ترى السلاح كف مسلم
بل قلبه من لذة الموت حرم
من قلبه يهاب موت كافر
فكيف ميتة الشهيد يغتنم؟
21
فعلمن ترك الجهاد طاغيا
من كفه يسيل في العالم دم
أما ترى الغرب بدا مدججا
ليحفظ الباطل في عز عمم؟
يا مفتيا على الكنيس مشفقا
قد حار في أحكامه أولو الفهم
الحرب في المشرق شر داهم
والحرب في المغرب شر لا جرم
إن يبتغ الحق فكيف حاسب ال
مسلم لا الفرنج ذلك الحكم؟ (19) القوة والدين
كم أصاب الإنسان في هذه الأر
ض من إسكندر ومن جنكيز
ويقول التاريخ في كل عصر:
خطر فرط قوة لعزيز
هي سيل غثاؤه الفن والعلم
وما أثل الورى من كنوز
وهي سم بغير دين، وبالدين
دواء لكل سم نجيز (20) الفقر
22
الفقر يمضي بلا سلاح
في حومة الحرب كالرجوم
وكل ضرب له سديد
إن ثار من قلبه السليم
حماسه قص كل عصر
قصة فرعون والكليم
يا غيرة الفقر أنجدينا
واهدي إلى نهجك القويم
عبادة الغرب جمع مال
تنخر في روحه السقيم
العشق والسكر ما أباحا
أن أضبط النفس في همومي
فعقدة الكم لم تفتح
إلا بموج من النسيم
23 (21) الإسلام
إن نار «الذات»، والنور لديها
هي للإسلام روح مستنير
24
إن نار «الذات»، فاقبس من لظاها
في حياة الخلق نور وسفور
هي تقويم وجود وهي أصل
للتجلي أخفيت خلف ستور
إن قلى الغرب من الإسلام لفظا
فله اسم آخر: الفقر الغيور
25 (22) الحياة الأبدية
يؤكد الشاعر في هذه الأبيات رأيه في الذات أنها مقصد الحياة وأنها إن قويت واستحكمت لم تمت.
صدف لنا هذه الحياة، وذاتنا
كالقطر من نيسان في الصدفات
26
ما قيمة الصدف الذي لا يستطيع
يحيل قطرات إلى درات
إن صانت الذات المتينة نفسها
أعيت على الأيام كل ممات (23) السلطان
27
السلطان الحق هو أحد شئون الفقر، كما يفسره الشاعر، فهو تجلي «الذات» - ذات الفقير - بالتسلط، وليس السلطان طغيانا أو بغيا إلخ ...
تعلم؛ فألف مقام وشان
لفقر بدا فيه روح القران
إذا انجلت «الذات» في قهرها
فهذا مقام لملك الزمان
وتوزن في ذا المقام القوى
قوى مؤمن تبتلى بامتحان
وإنك في ذا المقام عظيم
وظل من الله في ذا المكان
وما ذاك بغي وقهر ولكن
هو العشق والوجد ملء الجنان
فما يستطاع بقهر وبغي
على الأرض حفظ الورى في أمان
وأعياك في الدهر حفظ لفقر
فأصبحت في الرق خدن الهوان
وكان على الدين سيما سجود
تباري الكواكب ملء العيان
وكان على الشمس منه سنا
فهل في نجومك منه معان؟ (24) إلى الصوفي
ترى عيناك دنيا المعجزات
وفي عيني دنيا الحادثات
ومن دنيا الخيال عجبت، فاعجب
لدنيا للحياة وللممات
تبد لها بنظرة غير واع
وكم تدعوك دنيا الممكنات (25) صريع الفرنج
1
من تجلي الفرنج نلت وجودا
فهمو منك هيكلا قد أقاموا
ومن «الذات» هيكل الترب خال
أنت غمد مذهب لا حسام
2
ووجود الإله عندك ريب
وأرى الريب في وجودك أنتا
إنما الكون جوهر «الذات» يجلى
فانظرن أي جوهر قد دفنتا (26) التصوف
يقصد الشاعر أن علم الكلام إن لم يصلح الدين فهو لا شيء، وكذلك الذكر الذي لا يحفظ «الذات»، والعقل الذي لا يصحبه العشق، والفكر الذي لا يستجيب له القلب.
إن علم اللاهوت في ملكوت
ليس للدين آسيا - ليس شيا
وقيام الأسحار في طول وجد
ليس للذات راعيا - ليس شيا
ذلك العقل صاعدا للثريا
ليس بالوجد ساريا - ليس شيا
ينطق العقل «لا إله» ولكن
ليس بالقلب مسلما - ليس
28
شيا
كلماتي خوافق وسنا الإصباح
لم يبد خافقا - ليس شيا (27) الإسلام الهندي
بوحدة الأفكار تحيا أمة
ودونها الإلهام يلفى ملحدا
29
لا تحفظ الوحدة إلا بالقوى
لم يفلح العقل هنا ولا اهتدى
يا عابدا ليس لديه قوة
اذهب إلى كهف وسبح واعبدا
وهات إسلاما به تصوف
إلى الردى والذل واليأس هدى
للشيخ في الهند أجيزت سجدة
فحسب الإسلام حرا سيدا (28) قطعة
30
ما القلب مات، قلب
فأحي ذا الرميما
يمحو الفؤاد داء
في أمم قديما
بحرك في سكون
سحر أم أنيما؟
لا وحش أو هياجا
أو ساحلا لطيما
وفي السماء سر
لست به عليما
ما هاج طرف نجم
منك فتى كليما
رمى نشيد صبحي
أباءك الهشيما
31
شرارة أكنت
في طينتي قديما
دنيا غد وأمس
يبصرها عليما
من حاز مثلي عينا
جريئة هجوما (29) الدنيا
أنا كذلك أبصر دنيا الألوان التي تشبه بوقلمون، وأعرف الهلال والنجم والسماء والأرض إلخ ... ولكني أرى أن الإنسان وجود حق وما عداه ليس شيئا.
كذاكم بدا لي بوقلمون
وقلبت في الملكوت النظر
فهذا هلال، وهذي نجوم
وهذا عقيق وهذا حجر
وعين البصيرة أعملتها
فأوحت إلي صحيح الخبر
فهذا تراب وتلك سماء
وذلك طود وهذا نهر
ولا أكتم الحق: أنت وجود
ولا شيء ما ساح فيه البصر (30) الصلاة
الأصنام لم تنقطع عبادتها، فلا تزال تظهر بين الناس في صور مختلفة فتعبد ضروب العبادات، فاعلم أن سجود الصلاة الذي يثقل عليك ينجيك من آلاف السجود لهذه الأصنام.
تلون في كل ثوب مناة
وشاب بنو الدهر وهي فتاة
فهذا السجود الذي تجتويه
به من ألوف السجود نجاة
32 (31) الوحي
العقل ظن وتخمين لا تضيء به النفس فلا تنجلي به ظلمات الحياة، وإنما إدراك الحسن والقبيح بالوحي، وهذا لا يتاح إلا بأن تجلو الحياة أسرارها بنفسها.
ليس هذا العقل ذو الوه
ن حريا بالإمامه
فحياة الظن والتخ
مين ضعف وسقامه
ليس في فكرك نور
أو إلى السعي استقامه
كيف يجلو في حياة
ذلك الليل ظلامه؟
إن لغز الحسن والقب
ح ليعيي ذا الفهامه
حين لا تجلو الحياة الس
سر منها مستهامه (32) هزيمة
خلا الصوفي من حرق وكد؛
شراب «ألست» معذرة البطاله
33
وفر إلى ترهبه فقيه
يرى في الشرع معترك البساله
34
إذا خشي الرجال وغى حياة
فتلك هي الهزيمة لا محاله (33) العقل والقلب
سيطر العقل على الكون أميرا
وطوى الأفلاك والأرض مسيرا
ذا جلال يخضع الكون له
غير قلب ثار بالعقل جسورا (34) سكر العمل
في طريق الصوفي سكر الحال
وطريق الفقيه سكر المقال
ونشيد الشعر المرجع ميت
خامد اللحن لم يشب بجمال
بين نوم ويقظة غير صاح
بين سكر الأفكار والبلبال
وبنفسي مجاهد لا أراه!
فيه سكر الأعمال لا الأقوال (35) القبر
فكرة الشاعر أن النفس القوية المجاهدة لا تسكن في الحياة ولا بعد الموت، والقلندر أو القلندري الحر الذي لا يركن إلى سكون، ولا تقيده رغبة أو رهبة (راجع
المقدمة ).
لا يجد القلندري راحة
وإن ثوى بقبره تحت الثرى
سكينة الأفلاك في الضريح لا
فساحة الأفلاك أو طول السرى (36) همة القلندر
يقول للزمان ذلك الفتى:
امض إلى حيث يسير المؤمن
مالك في معتركي من طاقة
حذار من قلندر لا يذعن
إذا طغى اليم فهيا أقدمن
ما حاجتي ملاحه والسفن
لقد محا سحرك تكبيري فهل
تقوى على جحوده يا وهن؟
يحاسب الأفلاك ذا القلندر
وقاهر أيامه لا يقهر (37) الفلسفة
ليس يخفى على القلندر فكر
ساور النشء ظاهرا أو خفيا
35
أنا عندي بكل حالك خبر
فبهذا الطريق سرت مليا
لا يقيم الحكيم في شرك اللفظ
ولا بالحروف كان حفيا
ليس هم الغواص أصداف بحر
يبتغي الغائصون درا بهيا
إن في حلقة المجانين عقلا
في شرار يرى لهيبا مضيا
36
إن أغلى من الجواهر، معنى
صدق القلب سره مطويا
فلسفات ما سطرت بدم القلب
موات أو للممات تهيا (38) رجال الله
إنما الحر من يجيد ضرابا
لا الذي حربه تدور هراء
وسجايا الأحرار تجمع تاجا
ذا سناء، وخرقة وقباء
37
من خفايا ترابهم أخذ الدهر
شرارا فصاغ منه ذكاء
فطرة حرة تعاف الدنايا
من طواف الأصنام عاشت براء
أنت في الكفر والتدين جمعا
وثني تقدس الأهواء
38 (39) الكافر والمؤمن
يكرر الشاعر هذا المعنى كثيرا: أن المؤمن مسيطر على الكون يتصرف فيه، لا يضل فيه ولا يحار، فهو سائر على قانون يرفعه على الأحداث والغير، وأن غيره مقهور في الكون حائر، تتلقفه أحداثه، وتقلبه غيره.
والفكرة مأخوذة من مثنوي جلال الدين الرومي؛ فقد قص المثنوي قصة افتقاد حليمة الرسول في طفولته وطلبها إياه والهة، وأن جبريل لقيها فقال لها: لا تخشي عليه أن يتيه في الآفاق، فهذه الآفاق تتيه فيه:
أمس عند البحر قال
الخضر لي قولا أعيه
39
تبتغي الترياق من سم
فرنج تتقيه؟
فخذن قولا سديدا
هو بالسيف شبيه
ذا مضاء وضياء
خبرة الصيقل فيه:
إنما الكافر حيران
له الآفاق تيه
وأرى المؤمن كونا
تاهت الآفاق فيه (40) المهدي الحق
كل ثوى في محبس من صنعه:
سيار إفرنج وثابت مشرق
40
والشيخ في حرم وحبر كنيسة
لا جدة في القول أو في المنطق
أهل السياسة في شراك قديمهم
والشعر أفلس في خيال مغلق
من لي بمهدي له نظر يزلزل
عالم الأفكار، غير ممخرق (41) المؤمن
1
في الدنيا
مع الصحب لين كمس الحرير
بعيد من المحك، المؤمن
41
حديد إذا ما طغى باطل
جريء لدى المعرك، المؤمن
من الطين ، لكن على الطين يسمو
ويأبى على الفلك، المؤمن
وما همه صيد طير ولكن
يصيد من الملك، المؤمن
2
في الجنة
تقول الملائك في غبطة:
حبيب إلى قلبنا، المؤمن
وللحور شكوى إلى ربها:
سريع إلى هجرنا، المؤمن (42) محمد علي الباب
ناقش جماعة من العلماء في إيران محمد علي المسمى الباب، فقرأ من القرآن فلحن في إعراب السماوات! فضحك الحاضرون، فقال: إن بشرى إمامتي تحرير الآيات من الإعراب!
أجاب «الباب» في حفل
مفيضا في مقالات
وفات الشيخ توفيق
بإعراب «السماوات»
سرت في الحفل غلطته
فلاقوه ببسمات
فقال «الباب»: لم تدروا
وفاتتكم مقاماتي
ثوى القرآن بالإعراب
في حبس وإعنات
وإن إمامتي جاءت
بتحرير لآيات! (43) القدر
42
الخالق وإبليس
إبليس :
يا إلها أمره كن
ليس عنه من محيد
لم يصب آدم مني
بعدو أو حسود
ويل غر، من زمان
ومكان في حدود
كيف أستكبر عن
أمرك أو كيف أحيد؟!
كان في علمك أني
حائد عن ذا السجود
الخالق :
هل عرفت السر هذا
قبل أو بعد الجحود؟
إبليس :
بعد! يا من من تجليه
كمالات الوجود
الخالق (ناظرا إلى الملائكة) :
خسة الفطرة فيه
علمته ذاك عذرا
قال: ما شئت سجودي
أنا لا أملك أمرا
ذلك الظالم سمى
إختيارا فيه جبرا
إنه سمى رمادا
شعلة فيه وجمرا (44) أي روح محمد
يصف الشاعر في هذه الأبيات غمه وحيرته؛ فالأمة الإسلامية انفرط عقدها، وفي صدره موج، ولكن بحر العرب الذين ماجت بهم أحداث التاريخ ليس فيه هياج اليوم فيخلط به هذا الموج، وهو حاد ولكن لا زاد له ولا قافلة يحدوها، وأمامه فياف هائلة، وهو حفيظ على آيات الله يبتغي أن يسير بها، فهو يلتمس سبيله في هذا العالم ويسأل روح الرسول أين يذهب.
أرى الملة البيضاء بدد نظمها
فمسلمك انظر حاله، أين يذهب؟
وليس ببحر العرب لذة ثورة
وفي الصدر موج غاله، أين يذهب؟
ولا ركب للحادي ولا زاد عنده
وقطع الفيافي هاله، أين يذهب؟
فبين لنا الأسرار روح محمد !
حفيظ لآي، يا له، أين يذهب؟ (45) مدنية الإسلام
الجنون هنا معناه الحماس للعمل والإقدام في غير مبالاة، فحياة المسلم في رأي الشاعر تجمع العقل والإقدام، وهي كالشمس تغرب لتطلع، وهي فذة لا نظير لها ولكنها كالزمان في شئون متعددة، وهي قائمة على الحقائق وجامعة عناصر الجمال والقوة.
حياة المسلم اعرف في بياني
كمال العقل فيها والجنون
سنا كالصبح مغربه طلوع
وحيد، كالزمان له شئون
ولا كالعصر، خلو من حياء
ولا فيها من الماضي فتون
حياة بالحقائق في قرار
وليست ما يطلسم أفلطون
43
عناصرها يؤلفها جمال
تمثل فيه جبريل الأمين
وحسن الخلق من عجم لديها
ونار العرب فيها والشجون (46) الإمامة
يقصد إقبال من ادعوا الإمامة في الماضي وفي عصره، ويرى أن الإمام من يعلو بأصحابه عن قيود الحاضر المشهود إلى عالم المعنى الفسيح غير المحدود إلخ.
أتسألني: الإمامة ما مداها؟
حباك الله مثلي بالخفايا
إمام العصر حقا من تراه
فتسأم ما تشاهد في البرايا
بمرآة الممات يريك وجه ال
حبيب فتجتوي عيش الدنايا
ويشعرك التخلف عن كمال
فينفخ فيك مشبوب السجايا
44
يمر عليك من فقر مسنا
فيطبع منك سيفا للمنايا
فتون الملة البيضا إمام
كأن المسلمين به سبايا
45 (47) الفقر والترهب
يشيد إقبال بالفقر، وينسب إليه المعجزات، وهو فيما يؤخذ من كلامه - التحرر من الطمع والحرص، وألا يملك الإنسان ما يملكه فيذله ويصده عن الحق والخير، وهو لا يشبه الرهبانية في شيء، فمن حسب الفقر رهبانية فإسلامه غير الإسلام الذي يعرفه الشاعر.
إسلامك الموهوم شيء آخر؛
الفقر عندك كالترهب يظهر
شتان، فانظر، بين خلوة راهب
وشراع فقر في عباب يمخر
في الروح والأبدان يبغي جلوة
فنهاية الإيمان «ذات» تبهر
46
هو صيرفي الكائنات وجوده
فعن الفناء أو البقاء يخبر
47
فاسأله عما ترتئيه أعالم
أم موج رائحة ولون يزخر؟
لما أضاع المسلمون على المدى
ذا الفقر - لما ضاع هذا الجوهر
لم يبق فيهم من سليمان ولا
سلمان دولة عزة لا تقهر (48) قطعة
48
متاعك في الحياة فنون علم
تظل الدهر منها في حبور
وما عندي متاع غير قلب
طموح ما أراه بالصبور
لأهل الفكر معجزة تجلت
بفلسفة معقدة السطور
وأهل الذكر شادوا معجزات
على موسى وفرعون وطور
49
أقول لمسلم: ما فيك صدر
لأنفاس بها حر النشور
ومزقت الجيوب وأنت خال
جنوني - لا ألومك - في قصور
50
أقل القول وافتح عين قلب
ولا تك مهذرا عند البصير
وما إن ذل قوم قد أعدوا
حماس العشق والفقر الغيور (49) التسليم والرضا
على كل غصن تبين أن النب
ات مشوق لرحب الفضاء
فما قر في ظلمة الترب حب
جنون النشوء به والنماء
فلا تبغ في فطرة ترك سعي
فما ذاك معنى الرضا بالقضاء
لأهل النماء فضاء فسيح
وما ضاق ملك الإله، فسيحوا (50) نكتة التوحيد
بنى الشاعر هذه القطعة على القافية المردوفة فحاكيته في الترجمة، والروي حروف النون في موثنا ومطعنا إلخ ...
إن سر التوحيد طوع بياني
شدت في الرأس موثنا، ما احتيالي؟
51
رمز شوق بلا إلاه خفي
ليس في الفقه بينا، ما احتيالي؟
كم سرور في حرب حق وزور
لست في الحرب مطعنا، ما احتيالي؟
52
كم تجلي الآفاق نظرة حر
حجب الرق أعينا، ما احتيالي؟
أي ملك مقام فقر! ولكن
تؤثر الذل مذعنا، ما احتيالي؟ (51) الإلهام والحرية
إن للحر ملهما نظرات
تحفز القول والفعال بنار
حر أنفاسه يشيع بروض
فترى الروض مزهرا من شرار
يهب العندليب سيرة باز
كيف حالت طبائع الأطيار؟
يمنح المجتدين شوكة جم
عارف النفس واله الأسحار
53
ووقى الله حكمة لذليل
مثل جنكيز طالع بالدمار
54 (52) الروح والجسم
يقول إقبال في هذه الأبيات: إن همي في هذه الحياة القلق والثورة والسرور والحزن، وأنت شغلت نفسك بهذه الأسئلة ولم تشعر بحقيقة الحياة.
تحير الناس في ذا اللغز من قدم:
ما جوهر الروح أو ما جوهر البدن؟
ومشكلي في اضطراب بي وفي ثمل
وثورة وسرور النفس والحزن
ومشكل لك أن الخمر من قدح
أو أن من خمرة كأسا، لذي زكن
55
ما اللفظ والمعنى؟ وكيف الروح في بدن؟
جمر بدا في رماد منه للفطن (53) لاهور وكراجي
روي أن هندوكيا في لاهور اسمه راجبال أساء الأدب في الحديث عن الرسول - صلوات الله عليه - فذهب إليه مسلم اسمه علم الدين وقتله في غير ضوضاء، وأن رجلا من الهنادك في كراجي فعل فعله فذهب إليه مسلم من كوهات في غير مشاورة ولا مؤامرة فقتله، وأراد المسلمون أن يؤدوا دية القتيلين وينجوا القاتلين من العقاب فكتب إقبال الأبيات:
قد تولى الله عبد
مسلم ما آمرا
هو بالموت إلى عا
لم روح سافرا
كيف تفدون شهيدا
لخلود آثرا
دمه من حرم أعلى
وأغلى جوهرا
56
آه للمسلم غفلان
نسيا ما درى:
سر «لا تدع مع الله
إلها آخرا»
57 (54) النبوة
يعني الشاعر بهذه الأبيات من ادعى النبوة ودعا إلى المسالمة والكف عن الجهاد.
لست المحدث والفقيه
ولا الولي ولا المجدد
لا علم عندي بالنبوة
كيف توصف أو تحدد
لكن إلى الإسلام في الأيام
لي نظر مسدد
أوحى إلي بسره الفلك ال
محيط فلا أفند
فرأيت في ظلمات هذا ال
عصر ذا الحق المؤيد:
عندي حشيش المسلمين
نبوة فيهم تجدد
ما إن لديها دعوة
للبأس والمجد المخلد (55) الإنسان
ذا طلسم الكون والعدم
سمي الإنسان من قدم
هو سر الله جل فلا
يحتويه الوصف في كلم
إن هذا الدهر من أزل
من سفار باء بالسقم
ومضى الإنسان سيرته
لم يصب بالضعف والهرم
وإليك السر أعلنه
إن تسعه غير متهم:
ما بدا روحا ولا بدنا
ذلك الإنسان للفهم (56) مكة وجنيوا
كم حديث عن الشعوب سمعنا
وحدة الناس حجبت عن عيان
حكمة الغرب فرقة الناس والإس
لام فيه توحد العمران
ومقال من مكة لجنيوا
قد وعاه اللبيب في كل آن:
خبريني اليقين: هل عصبة الأق
وام خير أو عصبة الإنسان؟ (57) يا شيخ الحرم
ودع الخلوة يا شيخ الحرم
واسمعن في الفجر مني ذا النغم
يحفظ الله لك الفتيان في
حكم نفس، واشتعال في الهمم
هم عن الغرب زجاجا أخذوا
علمنهم صدمة الصخر الأصم
طول ذل أظلم القلب به
أدرك الحيران في هذي الظلم
في جنوني منك أسرار بدت
فاجزني يا شيخ عن هذا اللمم
58 (58) المهدي
كتب سبنجلر يقول: إن ضعف المسلمين من إيمانهم بالقدر والمهدي! فرد إقبال بأن هاتين العقيدتين غريبتان عن الإسلام! وكتب مولانا أسلم جرا جبوري يأخذ على إقبال أنه يذكر المهدي في شعره أحيانا، فكتب إقبال هذه الأبيات يبين رأيه في عقيدة المهدي ويذكر أنه يتوسل بها أحيانا إلى نفخ الحياة في موتى الأحياء.
أرى الأقوام تمضي في حياة
على قدر التخيل في الحياة
فمجذوب الفرنج على خيال
من المهدي قاد إلى النجاة
59
فإن تنفر من المهدي ينفر
غزال المسك من هذي الفلاة
60
إذا ما الحي من جهل تردى
بأكفان وأغرق في سبات
أتسلم ذا الجهول إلى الردى أم
تمزق عنه أثواب الممات؟ (59) المؤمن
إن للمؤمن العجيب الشان
كل حين جديد شان وآن
هو في قوله السديد وفي الفعل
على الله واضح البرهان
فيه قدسية إلى جبروت
ومن القهر فيه والغفران
إن تؤلف هذي العناصر كان
المسلم المستعلي على الحدثان
هو ترب سما يجاور جبريل
ويأبى الحلول في الأوطان
لست تدري بسره فتراه
قارئا وهو صورة القرآن
فيه عزم على القضاء دليل
وهو في العالمين كالميزان
61
هو برد الندى بقلب شقيق
وبقلب البحار كالطوفان
62
ليله والنهار لحن حياة
في انسجام كسورة الرحمن
إن فكري مطالع لنجوم
نجمك اعرف طلوعه في بياني
63 (60) المسلم البنجابي
عرف أهل البنجاب بكثرة النحل والدعوات المبتدعة.
مجدد في كل حين مذهبا
يحل في مرحلة ليركبا
في حلبة التحقيق نكس وإذا
قامره داع غوي غلبا
حبالة التأويل إن تنصب له
هوى من العش إليها معجبا (61) الحرية
ينعي إقبال في هذه الأبيات على من يدعون الحرية حين يتحدثون في الإسلام وحضارته، فإذا عرضت أوروبا وحضارتها خنعوا لها فكرا وفعلا.
ألا من يطيق اليوم نصحا لمسلم
وحرية الأفكار من ربه أمر
من الكعبة اجعل بيت نار وإن تشأ
فموثن إفرنج به الزور والسحر
وإن شئت فالقرآن تأويل لاعب
فجدد لنا شرعا يلائمه العصر
رأيت بأرض الهند أي عجيبة
فإسلامها عبد ومسلمها حر (62) نشر الإسلام في بلاد الإفرنج
هذي الحضارة ما تدين قلبها
فأخوة الإفرنج بالعصبات
فلئن تنصر برهمي لم يزل
للإنكليز إليه نظرة عات
ولو انهم قد أسلموا لم يرفقوا
بالمسلم المنكود من إعنات
64 (63) لا وإلا
يرى إقبال أن الحياة محو وإثبات أو هدم وبناء، فالأمة الصالحة تمحو السيئ وتثبت الحسن، وكلمة التوحيد قائمة على نفي غير الله وإثبات الله، فإن محت الأمة ولم تثبت أو هدمت ولم تبن فعاقبتها الفناء، وهو يعني هنا حضارة أوروبا عامة والروس الشيوعيين خاصة.
لو لم تسر في ظلام الترب نابتة
ما نشرت في فضاء النور أغصانا
تقضى الحياة ب «لا» في البدء نافية
وفي النهاية «إلا» تكمل الشانا
إن لم تجئ بعدها «إلا» مثبتة
كانت على الموت «لا» في الدهر عنوانا
إن أمة روحها لم يمض معتزما
عن «لا» فقد آذنت بالهلك إيذانا (64) إلى أمراء العرب ...
العرب هم الأمة التي حملت إلى الأمم رسالة الإسلام وعلمتها الأخوة والتعاون، والشاعر ينعي على أمراء العرب أن نسوا هذه الرسالة التي بلغوها وكانوا أحق بها وأهلها.
هل يسعد الكافر الهندي منطقه
مخاطبا أمراء العرب في أدب
من أمة قبل كل الناس قد أخذت
بحكمة فأعانتها على النوب:
إخاء مصطفوي دون تفرقة
وهجر كل غوي من أبي لهب
ما من حدود وأرض كان منشؤها
من أحمد العرب كانت أمة العرب (65) الأحكام الإلهية
إقبال يؤمن بحرية الإرادة، وينفر كل النفور من الاعتقاد بالجبر والاستسلام للأحداث، وفي هذه الأبيات يقول: إن الجماد والنبات خاضع لقوانين لا يحيد عنها، وأما المسلم فهو خاضع لأحكام الله لا لقوانين طبيعية تسيره مجبرا، وهذه الفكرة تلقى قارئ شعره في مواضع كثيرة.
قيد القضاء ترى أم قيد أحكام
ما أعجزت هذه أرباب أفهام
في كل حين ترى التقدير في غير
رهينها بين لذات وآلام
65
إن النبات وإن الجامدات لها
من القضاء قيود ذات إحكام
والمؤمن الحر لا شيء يقيده
لكن لخالقه في قيد أحكام (66) الموت
يرى الشاعر أن القلب الحي لا يموت فهو حي بعد الموت طموح طلعة لا يرضى بالسكون والقرار ، وإنما حياة القلب في رأيه بقوة الذات «خودي»، والموت لا ينال الذات حين ينال الجسم.
في اللحد أيضا يبقى
الغياب والحضور
إن يك قلب حيا
فالقلب لا صبور
هذي النجوم تمضي
كشرر يطير
والذات فيها راح
في أبد سرور
إن مس جسما موت
واحتجب الظهور
فللوجود قطب
مناله عسير (67) قم بإذن الله
في هذه الأبيات يبشر إقبال بالمستقبل الوضاء على رغم الخطوب ويقول: تغيرت الدنيا ولكن الأرض والسماء كما كانتا، وكلمة «قم بإذن الله» مكررة بلفظها في الأصل.
إن تحل دنيا فلم تفن أرض
وسماء، قم بإذن الله
من «أنا الحق» انطوى فيك قلب
ومضاء، قم بإذن الله
66
لا ترع مما ترى؛ لفرنج
سيمياء، قم بإذن الله
67
هوامش
الفصل الثاني
التعليم والتربية
(1) المقصود
1
يبين هنا الشاعر رأي اسبنوزا الفيلسوف ورأي أفلاطون ورأيه هو في المقصود من هذه الحياة.
اسبنوزا
يبصر العاقل الحياة وليست
غير نور وجلوة تستحب
أفلاطون
يبصر الموت عاقل، فحياة
كشرار بجنح ليل يشب
ما إلى الموت والحياة التفات
مقصد الذات رؤية الذات حسب
2 (2) إنسان هذا العصر
حرم العشق وللعقل به
نكزات كشجاع يثأر
3
تبع العقل شرودا سادرا
ما هدى العقل لديه بصر
لم يسافر في دنى أفكاره
وعلى الأفلاك دام السفر
هو من حكمته في شرك
غاب عنه نفعه والضرر
من شعاع الشمس في قبضته
ما به ليل حياة يسفر! (3) أمم الشرق
كيف تجلى حقائق لعيون
عميت بالخضوع والتقليد
كيف يحيي الفرنج عربا وفرسا
بفنون تسير نحو اللحود (4) التنبه
في هذه الأبيات ينعي إقبال أيضا على الإنسان اهتمامه بعالم الطبيعة وإهماله نفسه، ويقول: إن تقوية الذات وتقديرها يعين الإنسان على الحادثات ويبصره الجميل والقبيح في البصيرة، والحلال والحرام، حلال القلب وحرامه، «استفت قلبك وإن أفتاك المفتون».
نظر المنجم في حباك نجومه
لكن مقام الذات عنه يستر
من يدر أن الذات أرفع منزلا
عرف الزمان وصرفه لا يقهر
4
وجميل أنظار يرى وقبيحها
وحلال قلب والمحرم يبصر (5) مصلحو الشرق
يأخذ الشاعر على مصلحي الشرق أنهم لم يخرجوا للناس شيئا ، وأنهم لم يستمسكوا بالسنن الصالحة القديمة، ولا أخذوا بالسنن الحديثة .
يئست فلا أرجي في أناس
لهم فن كفن السامري
5
سقاة في ربوع الشرق طافوا
على الندماء بالقدح الخلي
سحاب ما حوى برقا قديما
وليس لديه من برق فتي (6) الحضارة الغربية
أرى تثقيف إفرنج
فساد القلب والنظر
فروح حضارة لهم
خلت من عفة الوطر
إذا ما الروح جانبها
جمال الصفو والطهر
فأين جمال وجدان
ولطف الذوق والفكر (7) أسرار ظاهرة
قال موسوليني لإقبال حين لقيه: من ملك الحديد ملك كل شيء. فأجاب إقبال: من كان هو حديدا فهو كل شيء. وقد ضمن هذا المعنى البيت الأول من الأبيات التالية:
ما بهم حاجة إلى السيف قوم
من حديد يصاغ فيهم شباب
أين منك الأفلاك؟ إنك حر
وهي قهر ذهابها والإياب
ما اصطخاب الأمواج؟ لذة سعي
واللآلي يصوغها الوهاب
ليس يهوي الشاهين من طول خفق
يا أخا العزم لا ينلك التراب (8) وصية السلطان تيبو
السلطان تيبو كان من ملوك المسلمين في ميسور جنوبي الهند، وقد حارب الإنكليز زمنا طويلا وحاول أن يؤلب عليهم دولا إسلامية ويتفق مع نابليون، وكان في مصر حينئذ، فجمع له الإنكليز ما استطاعوا، فلما يئس من النصر ألقى بنفسه من قلعة فمات سنة 1213ه.
وهو عند إقبال ممن تتجلى فيهم «الذاتية»؛ فقد جعل هذه الوصية على لسانه.
وفي هذه الأبيات أصول من فلسفة إقبال: يدعو إلى السير الدائب وهجر المحمل ولو في صحبة ليلى، وإلى المضي والتقدم والنماء، فهو يدعو جدول الماء أن يسير حتى يصير نهرا، وإلى السيطرة على هذا الكون والعلو عليه حتى لا يضل الإنسان فيه، وإلى أن يحرق الإنسان بحرارة ذاته ولا يقبس من أحد نارا، وألا يذل القلب للعقل.
طاوي البيداء شوقا! أقبلن
لا تعرج، منزلا لا تقبلن
6
لا! وإن سار بليلى محمل
فامض شوقا، محملا لا تقبلن
جدول الماء! تقدم مسرعا
واغد نهرا، ساحلا لا تقبلن
لا تحر في مصنم الكون وسر
في البرايا، ضللا لا تقبلن
يا مذيب الحفل! لا تقبل له
حرقة ، كن مشعلا، لا تقبلن
كل قلب ذل للعقل فقد
قال ربي أزلا: لا تقبلن
وحد الحق وثنى باطل
شوب حق باطلا لا تقبلن (9) قطعة
إلى عصبات العرب ما أنا منتم
ولست بهندي ولا أنا أعجمي
فقد علمتني «الذات» تحليق نافر
يمر على الدارين غير محوم
بعينك أني كافر غير مسلم
وأنت بعيني كافر غير مسلم
فدينك تعداد لأنفاس محجم
وديني إحراق لأنفاس مقدم
7
تبدلت فالتبديل في الشرع حكمة
فليس يطيق الظبي شرعة ضيغم
8
فلست أرى في بيدك اليوم جنة
تشب بهذا العقل نار التقدم
9
إذا حاد عن نار الحياة منغم
فموت شعوب لحن هذا المنغم
10 (10) اليقظة
خدن حق تنبهت فيه «ذات»
كالحسام المصمم البراق
نظرات لديه تشرق فيها
ما انطوى في الذرات من أشراق
إيه عبد الآفاق! كيف تداني
رجل الله صاحب الآفاق
أنت في البر قاعد عن طلاب
وهو في البحر محرم الأعماق (11) تربية الذات
ربب «الذات» بالرعاية تبصر «كف ترب» يشيع في الكون نارا
11
إن سر الكليم في الدهر بيد
وشعيب والرعي ليل نهارا
12 (12) حرية الفكر
بحرية الأفكار هلك جماعة
إذا لم يكن فيها تدبر عالم
فحرية الأفكار في رأس جاهل
طريق لرد الناس مثل البهائم (13) حياة الذات
إن الذات حيت فالفقير مملك
ترى طغرلا أو سنجرا لا يشاكل
13
إن الذات حيت فالبحار ضحاضح
إن الذات حيت فالحزون مخامل
ترى في الحياة الوحش قاهر لجة
وفي موته موج السراب سلاسل (14) حكومة
14
يرضى المريدون قول حق
ليسوا عن الحق بالعتاة
والشيخ قول الفقير يقلي
وليس للحق بالمواتي
قد قعدت أمة وباءت
في حلبة السعي بالخزاة
إن شغلت عقلها ببحث
فلسفة الذات والصفات
دستور ذا الدير ليس فيه
للخمر والشرب من ثبات
15
لكنما راحه نصيب
لأمة حرة السمات
الشهد عند الشباب فيها
المر من مورد الحياة (15) المدرسة الهندية
إقبال أقصر، هنا لا تعرف الذات
فما لمدرسة هذي المقالات
الخير ألا ترى في عين قبرة
من البزاة مقامات وحالات
فلحظة الحر عام للذليل فكم
كم تبطئ السير بالعبدان أوقات
ولحظة الحر من خلد رسالته
ولحظة العبد من موت فجاءات
وفكرة الحر من حق منورة
وفكرة العبد تغشاها الخرافات
كرامة حية بالحر ماثلة
والعبد من غيره تأتي الكرامات
حسب المقيد تعليما وتربية
تصويره ولحون والنباتات
16 (16) التربية
فرق علم وحياة
ليس فيه من خفاء
هو في الرأس ذكاء
وهي في القلب ذكاء
17
قدرة في العلم تبدو
ومتاع وثراء
معضل أن ليس فيه
في خطى السير اهتداء
وأولو الأبصار نزر
وأولو العلم زهاء
ليس بدعا أن كأسا
لك من راح خلاء
ما طريق الشيخ في المك
تب للقلب ضياء
18
كيف بالكبريت إشعا
ل سراج الكهرباء؟ (17) الحسن والقبيح
هنا رأي لإقبال في الحسن والقبح متصل بفلسفته في الذات وقوتها وعلوها، يقول: ما تدركه الذات في اعتلائها جميل، وما تدركه في استفالها قبيح.
إن للفكر طلوعا وغروبا
كنجوم سابحات في العوالي
عالم الذات به علو وسفل
واعتراك القبح فيه والجمال
في اعتلاء الذات ما يبدو جميل
وقبيح ما بدا في الاستفال (18) موت الذات
من ممات الذات في الغرب ظلام
وبموت الذات في الشرق جذام
من ممات الذات في العرب خمود
ولدى العجم عروق وعظام
من ممات الذات في الهند جناح
هيض في الأقفاص والعش حرام
من ممات الذات يعرى مسلما
من ثياب سادن البيت الحرام
19 (19) ضيف عزيز
ضمير أولي المدارس في ازدحام
بأفكار كما امتلأ القفيز
وهذا العصر ماض في هواه
جميلا من قبيح لا يميز
ففي جنبات قلبك أخل بيتا
عسى يثوي به ضيف عزيز
20 (20) العصر الحاضر
فأين يصيب المرء ناضج فكرة
وأجواء هذا العصر لا تنضج الثمر
مدارس فيها كل عقل محرر
ولكن بها الأفكار عقد قد انتثر
أطاحت بعشق الغرب أفكار ملحد
وعبد عقل الشرق فوضى من الفكر (21) طالب العلم
يريد إقبال بالتعليم إيقاظ نفس الطالب وتحريكها وإثارتها للنظر، وحفزها للمطالب العالية، لا تلقينها مسطورات الكتب؛ فهو يقول:
الله يحبوك علما
بمائجات العباب
فإن بحرك رهو
ما يبتلى باضطراب
لن تستطيع فراغا
في السفر من أبواب
فأنت قاري كتاب
ولست أهل كتاب (22) امتحان ...
في الأبيات التالية يضرب إقبال مثلا لرأيه في أن الكد والجهد يقويان الإنسان ويرفعانه، وأن الحياة لا تكمل دون عناء يمثل بالنهر المنحدر من الجبل يهوي من صخر إلى صخر إلخ.
قال نهر الطود يوما للحجر:
بسقوط وانتكاس تفتخر!
أنت للأقدام والغم لقى
وأنا يشتاقني بحر وبر
لم تدهده من جدار مرة
كيف تدرى أزجاج أم حجر؟ (23) المدرسة
يقول إقبال: إن المدارس وسيلة إلى الوظائف وسبيل إلى المعايش، وهي لا تقدم بالإنسان على جهاد الحياة بل تهبط بالفطرة، وتحجب عن الإنسان أسرار الخليقة، وإن يكن عنى مدارس الهند فما أشبه كثيرا من المدارس بها.
ملك الموت عصرنا يتوفى
كل نفس بفكرة في المعاش
يرجف القلب من كفاح حياة
وهي موت لمشفق من هراش
أبعد الدرس عن حجاك جنونا
صاح بالعقل: لا تلذ بنقاش
21
عين صقر منحتها وعليها
وضع الرق نظرة الخفاش
حجبت دونك المدارس سرا
هو في البيد والرواسخ فاش (24) الحكيم نيتشه
إقبال يعجب بنيتشه الفيلسوف الألماني وفي فلسلفته شبه بفلسفته، ولكنه يأخذ عليه أنه عرف العقل لا القلب، وأدرك العلم لا العشق، وهنا يقول: لم يكن «لنكتة التوحيد أهلا، وإنه كان صرورة عفا ولكن كان يتشوف إلى لذة الإثم فيكثر الحديث عنها (انظر
المقدمة ).
أي قدر لذا الحكيم ولكن
لم يكن أهل نكتة التوحيد
ليس إلا لذي البصيرة يبدو
سر معنى ب «لا إله» بعيد
أرسل الفكر أسهما في سماء
وحوى الشمس بالخيال المديد
طاهر الطين في الترهب لكن
لذة الإثم نصب طرف حديد (25) الأساتذة
إن كان تربية الياقوت مقصدنا
فما شعاع رمته الشمس حيران
22
وما المدارس أو ما الدارسون بها
وللروايات عم الأرض إذعان
كانت جديرا بقود العصر أدمغة
يقودها العصر ما فيهن نكران (26) قطعة
يبلغ المنزل سار لا ينام
مسرج عين هزبر في الظلام
إنما للعبد تمنى راحة
ليس للحر على الأرض حمام
قد أزاغ العين في الغرب سنا
لك من صاحب «ما زاغ» إمام
23
ذاكم الحفل الذي أكؤسه
كنجوم، لمحة فيه المقام
أعمت الأسفار حسا فالصبا
لم تعطر لك من روض مشام
24 (27) الدين والتعليم
قد عرفنا قدر أشياخ الحرم
كل دعوى دون إخلاص سقم
ولتعليم النصارى نغم
ليس من دين وخلق ذا النغم
تكتب الذل على أقدارها
أمة بالذات فيها لا تهم
ربما تغفر للفرد ولا
تغفر الفطرة آثام الأمم (28) إلى جاويد
جاويد ابن الشاعر وباسمه نظم «جاويد نامه» الديوان الخالد، وجاويد اليوم يطلب العلم في لندن أرسلته إليها حكومة باكستان.
والأبيات الآتية معارضة لشعر نظامي الجنزي (الكنجوي) الذي ينصح فيه ابنه، وقد ختم إقبال كل قسم من الأقسام الثلاثة الآتية التي قسم إليها نصيحة جاويد ببيت فارسي من أبيات نظامي التي نصح بها ابنه، ونظامي من أئمة شعراء الفرس.
1
حرب على الأديان ذا الزمان
مركب في طبعه الكفران
سدة أهل الله - فاطلبنها -
أرفع مما شيد السلطان
لكنه «والحق» عصر سحر
السحر في أموره ميزان
عين الحياة ماؤها نضوب
فأين راح الليل والريحان
من كان في نظرتهم سهام
منهم خلا الكتاب والديوان
لكنما الدار التي سراج
أنت لها مذاقها عرفان
25
إن تك «لا إله» في ضمير
فالغرب من تعليمه أمان
عشك فوق «الذات» أحكمنه
ثم اطربن ما شاءت الأغصان
الآدمي يا بني بحر
في كل قطرة به طوفان
من حبة ترى ألوف حب
إما جفا راحته الدهقان
لا تغفلن فلات حين لعب
العلم حصل واستهن بالصعب
2
إن لم يكن في الصدر حر قلب
لم تنضج الحياة في همام
إن ينشط الغزال في ذكاء
لم يظفر الصياد بالمرام
26
ماء الحياة ها هنا قريب
طريقه حرارة الإقدام
27
في غيرة أرى طريق حق
الفقر بالغيرة في تمام
يا قرة الأعين مستحيل
لباشق ضراعة الحمام
28
ليس المقال في الأنام نزرا
كم أنوري عندهم وجامي
29
وإنما بين الورى متاعي
نواح خال في دجى الظلام
وصدق أقوال بها تراني
في نظر الدنيا من الكرام
موهبة الخلاق لا تراث
نباهة الذكر على الأيام
لنور عينيه يقول نصحا
ما أجمل المقال من نظامي
30
أبوتي ليست بذات بال
في حلبة السبق إلى المعالي
3
عبء على المؤمن ذي الليالي
الدين والدولة فعل هازي
ولا أرى نشوان في كفاح
فليس إلا كلم نوازي
فإن تكن ذا همة فأقدم
وابتغ فقرا أصله حجازي
31
الآدمي منه في صفات
كالله مستغن بلا إعواز
هذا المقام للبغاث حتف
فإنما هذا مقام البازي
تضيء عين العقل من سناه
ما بابن سينا كحلت والرازي
سطوة «محمود» تصيب فيه
إن لم يكن طبعك من إياز
32
فذاك في دنياك إسرافيل
من نفخات الناي في اشمئزاز
33
نظرته المثيرة الليالي
سارية بالكون في ارتجاز
وصاحب الفقر الغيور هذا
بلا سلاح في الزمان غازي
إمارة المؤمن فيه سر
عطية الوهاب هذا الفقر
هوامش
الفصل الثالث
المرأة
(1) الرجل الإفرنجي
كم حكيم قد تمنى حله
مشكل المرأة في هذي الحياة
لا تلمها في فساد شائع
شهدت بالطهر كل النيرات
عشرة الإفرنج نهج مفسد
جهل الحمقى طباع المحصنات (2) سؤال
إلى عالم الغرب من أسلست
له الروم والهند يزجى سؤال:
كمال معاشرة عندكم
حيال النساء وعطل الرجال؟
1 (3) حجاب
أرى فلكا كل حين للون
ولم تنض دنياك هذا الأهاب
ولا فرق ما بين عرس وعرس
فذي في نقاب وذا في نقاب
2
ولم يزل الناس رهن حجاب
ومن برزت ذاته من حجاب؟ (4) الخلوة
فضح العصر جنة بالسفور
نور عين وظلمة في الصدور
إن تجز متعة العيون مداها
كان فيها الشتات في التفكير
قطرة الماء لا تحول درا
دون أصدافها بقاع البحور
تمسك الذات نفسها حين تخلو
لا خلاء بمسجد أو ديور (5) المرأة
إنما المرأة لون
في رسوم الكائنات
لحنها ينفث نار ال
وجد في صدر الحياة
ذلك الطين تعالى
فوق أوج النيرات
إنها درج لديها
كل در من صفات
ما لأفلاطون تروي
من قضايا معضلات
وهو منها كشرار
من ذكي الجمرات
3 (6) حرية النساء
قضية عصر لست فيها بفيصل
وإن كنت بين الشهد والسم أفرق
وما نفع أقوال تزيد ملامتي
وقبلا بنو التمدين عني تفرقوا
يبين هذا السر وجدان مرأة
ويعجز عنه في الرجال المحقق:
أحرية النسوان أجمل زينة
أم الجيد بالدر الثمين يطوق
4 (7) حصانة المرأة
في الصدر حق ليس يدركه
من حاز برد دمائه عصب
حفظ الأنوثة في يدي رجل
لا العلم يحفظها ولا الحجب
إن غاب هذا الحق عن أمم
فكسوف شمس فيهم كثب (8) المرأة والتعليم
موت الأمومة إن رامت حضارتهم
فالموت عاقبة الإنسان في الغرب
إن يجعل المرأة التعليم لا امرأة
فالعلم موت يراه صاحب القلب
إن تحرمن الفتاة الدين مدرسة
فالعلم والفن موت العشق والحب
5 (9) المرأة
بغيره يتجلى جوهر امرأة
ووحده يتجلى جوهر الرجل
حرارة الشوق سر في بلابلها
كيانها لذة التخليق كالشعل
من هذه النار أسرار الحياة بدت
والخلق والموت منها في وغى زجل
كذلكم في فؤادي للنساء أسى
لكنها عقدة أعيت علي الحيل
6
هوامش
الفصل الرابع
الأدب والفنون
(1) الدين والفن
الدين والفن والتدبير والخطب
والشعر والنثر والتحرير والكتب
كل يحيط بمكنون يضن به؛
في صدره يتوارى جوهر عجب
ومن ضمير سليل الطين مطلعها
لكن لها من وراء الزهر مضطرب
1
إن تحفظ «الذات» هذي فالحياة بها
أو لم تطق ذاك فهي السحر والكذب
2
كم أمة تحت هذي الشمس قد خزيت
إذ جانب الذات فيها الدين والأدب (2) التخليق
جدة الدنيا بتجديد الفكر
ليست الدنيا بصخر ومدر
همة الغائص في «الذات» لها
من غدير الماء بحر قد زخر
قاهر الأيام من أنفاسه
هي أعمار خلود في الدهر
ريح أصحاب من البيد أتت
لا عجيب إن بدا خدن سفر
3 (3) جنون
واهن البيت شاعر وفقيه
وطوى البيد - ويحه - المجنون
في طماح الجنون أي كمال
حين تعدو البيداء منه فنون
4
فله في الدروس أيضا مجال
ليس وقفا على الفيافي الجنون (4) إلى شعره ...
لي من فعلك شكوى:
همت في حب الطلوع
شعت عن قلبي فالأس
رار عن قلبي تشيع
لا تكن مثل شرار
ند عن نار يضيع
والتمس خلوة صدر
فيه من نار ضلوع (5) مسجد باريس
يا نظري لا يخدعنك فنه
للزور هذا الحرم المغرب
وليس هذا حرما لكنه
عند الفرنج للغرام ملعب
قد أخفت الإفرنج روح موثن
في صورة من حرم تكذب
5
إن الذي شيد هذا موثنا
دمشق من عدوانه تخرب (6) الأدب
6
بهذا يجمل الشاعر طريقة الأدب الحديث، فهو مزاج من القلب والعقل، وهو يجدد الروح في صور قديمة أو يحرر من التقليد الأرواح العتيقة.
رأيت العشق يقفو اليوم نهجا
من العقل الإلهي القويم
وليس يريق ماء الوجه ذلا
على عتبات محبوب غريم
محا التقليد في روح قديم
وأحيا الروح في جسد قديم (7) البصيرة
الربيع النضير ملء الفضاء
وجيوش الشقيق في الصحراء
وشباب ومتعة وسرور
ودلال ونشوة بالفتاء
7
وعيون النجوم في حلك الليل
وسبح الأفلاك في الدأماء
8
وعروس الهلال في هودج الليل
تهادى بموكب للقاء
وتبدي ذكاء في رونق الصبح
وصمت الأفلاك في ذا الرواء
سرح العين، لا تكلف أجرا
لا يباع الجمال في ذا الفضاء (8) مسجد قوة الإسلام
9
تملأ صدري هموم مفئود
لم يبق إلا ادكار مفقود
10
قد خمدت «لا إله» لا حرق
ولا تجل ثواء ملحود
في الخلق كل العيون تنكرني
أعيا إيازا مقام محمود
11
من صخرك المسلمون في خجل
لجوهر كالزجاج معدود
12
فإنما كفء ما تمثله
صلاة حر ربيب توحيد
جلال تكبيره لذي أذن
فيه وغى هالك وموجود
وما صلاتي بقلب ذي حرق
ولا دعائي دعاء معمود
ولا أذاني جلال مقتدر
فكيف ترضى سجود رعديد (9) مسرح
تضيء حريم وجودك ذاتك
كفاح بها وسرور حياتك
لها فوق أوج الثريا مقام
جليت بها وتجلت صفاتك
أمن «ذات» غيرك تعمر قلبا
معاذ الإله! ترى أين ذاتك؟
فلا تبعثن وثنها بعد موت
فتحيا مناتك فيها ولاتك
13
كمال المحاكاة أنك تفنى
فيكفيك هم الحياة مماتك
14 (10) شعاع الأمل
لعل الشاعر يمني نفسه بشعاع الأمل. الشمس يئست من إضاءة في الشرق أو الغرب فدعت أشعتها إليها، فجاءت الأشعة إلى صدر أمها معترفة بيأسها إلا شعاعا جريئا يقول للشمس: «ذريني أضيء الشرق، ولا تيأسي؛ فكل ليل إلى صباح.» الشاعر يرى في أمله ودعوته في الشرق هذا الشعاع.
1
تنادي أشعتها في ضجر
ذكاء وتجمع منها النشر
15
عجبت لدنيا نهار وليل
عجبت عجبت لدنيا الغير
إلام الهيام بهذا الفضاء
وجور الزمان بكن استمر
فلا دعة في اتقاد برمل
تلألأ ذراته كالشرر
ولا دعة في دوام طواف
طواف الصبا في رياض الزهر
تجمعن في صدري المستنير
ودعن البداة ودعن الحضر
2
تداعى الأشعة من كل صوب
إلى الشمس تبغي لديها قرارا
وصاحت: تعذر في الغرب نور
دخان المصانع يكسوه قارا
وفي الشرق قلب بصير ولكن
كعالم غيب بصمت توارى
أنور العوالم! لا تهجرينا
إلى نور صدرك آوى الحيارى
16
3
شعاع جريء له نظرة
كنظرة حوراء تغزو الضمير
ولا يستقر على حالة
ترى زئبقا في ضياء يمور
يقول: أضيء على الشرق حتى
أرى ذره كشموس تنير
وأجلو عن الهند هذا الظلام
فأوقظ نوامها للنشور
ففيها من الشرق آماله «وإقبالها» بالدموع مطير
تضيء بها أعين النيرين
حصاها يلوح كدر منير
وكم عاش في أرضها غائص
يرى كالضحاضح لج البحور
فأعوز أعوادها عازف
وكانت تهيج الجوى في الصدور
ينام البرهمن في سدة
لدى موثن والزمان يسير
ومسلمها خدن محرابه
ينوح ومن قدر يستجير
فلا يحزننك من الشرق نوم
وفي الغرب لا ترهبن الشرور
17
قضت فطرة الله أن تبدلي
بليل الظلام صباح السفور (11) أمل
18
لست من أجناد حرب
لا ولا رب لواء
بيد أني في صروف ال
دهر ثبت في اللقاء
عدتي ذكر وفكر
وهيام وغناء
لست أدري أهو شعر
أم سواه ذا العطاء
19
إن عبد الحق يزهى
في محياه ضياء
من جلال ظل فكر
الكون منه في امتلاء
ليس دون الكفر إن لم
يك كفرا ذا البلاء:
أن يرى بالحاضر ال
مشهود للحر سباء
20
لا تذب غما فكم في ال
دهر أدوار وضاء
كم نجوم حادثات
سوف تجلوها السماء (12) البصيرة
لم تخف هذي الكائنات ضميرها
شوق الظهور يثور في ذراتها
إن صاحب النظرات شوق بصيرة
تتبدل الأيام في جلواتها
21
من ذي البصيرة في الليالي قد غدا
أبناء من خضعوا لها ساداتها
من ذي البصيرة لي جنون ثائر
عرفت به الذرات طي فلاتها
22
هذي البصيرة لا تيسر لامرئ
تخزى القلوب بنفسه وسماتها (13) إلى أهل الفن
مذهب الشاعر أن الفن ينبغي أن يحرر من محاكاة الطبيعة، وينبغي أن يصور «ذات» صاحب الفن، فالكواكب لمحات من نور لا ثبات لها، و«الذات» العاشقة خالدة، وضمير الإنسان لا تحده الألوان، والذات تخلو للذكر والفكر، وتظهر للشعر والإنشاد غير خاضعة لهذا العالم، والروح المستعبدة فنها عبد، والروح المقدرة نفسها تسيطر على كل شيء.
رأيت الكواكب لمحات نور
وذاتك بالعشق رهن خلود
تعالى ضميرك عن كل لون
فعفت من اللون كل القيود
وغيبة ذاتك ذكر وفكر
ومحضرها شعرها والنشيد
إذا أضنت الروح آلام رق
ففنك عبد رهين سجود
وإن عرفت قدرها كنت حقا
على الجن والإنس رب الجنود (14) قطعة
ثائر الموج كما لدى البحر در
وعلى الساحل الصموت غثاء
23
في شراري سنا البروق ولكن
رطبة العود هذه القصباء
24
ولك الوقت والتصرف فيه
ليس يا غر! للنجوم غناء
قد رأينا عجيبة من جنون
فيه رفو لما يشق القضاء
25
إنما الكامل الخلاعة شهم
دون من الكروم فيه انتشاء
26
وإلى اليوم حانة الشرق فيها
خمرة للشعور منها جلاء
27
يئس المبصرون من أمم الغر
ب ففيها بواطن سوداء (15) الوجود
أنت تحت الشمس تمضي كشرار
لست تدري ما مقامات الوجود
ليس في فنك للذات بناء
ويل تصوير وشدو وقصيد
ليس في المكتب والحانة إلا
درس إفناء به الذات تبيد
ليت شعري هل تعلمت وجودا
لحياة ودوام وخلود (16) الغناء
صاح من أين لناي نشوة؟
صوت عود ذاك أم من قلب حي؟
صاح ما القلب؟ ومن أين له
قوة سكرى تحدت كل شي
ولماذا نظرة منه سرت
مثل ريح صرصر في تخت كي
28
ولماذا ذلك السر له:
من حياة فيه يحيا كل حي
29
ولماذا كل حين مبدل
واردات زمرا تهفو إلي
ولماذا صاحب القلب ازدرى
ملك روم ومنى شام وري
إن وعى للقلب رمزا مطرب
طوي الفن له أسرع طي
30 (17) النسيم والندى
النسيم :
لم أرق في فلك النجوم وإنني
في شق أثواب الأزاهر أعمل
وأسير عن وطني غريبا مجبرا
في مسمعي شدو البلابل يثقل
قل لي؛ فقد أعطيت سر كليهما
المرج أم فلك الكواكب أجمل
الندى :
لو لم تكن في المرج رهن هشيمه
لرأيته سر الكواكب يحمل
31 (18) أهرام مصر
في هذه الأبيات يشيد إقبال بالإنسان وقدرته على الإبداع ويشير إلى ما قال في أبيات أخرى من أن صاحب الفن لا يحاكي الطبيعة بل يسيطر عليها ويؤثر فيها.
شادت الفطرة كثبانا لها
في سكون من يباب قد وقد
روع الأفلاك فيه هرم
أي كف صورت هذا الأبد!
من إسار الكون حرر صنعة
صائد ذو الفن أم صيدا يعد
32 (19) مخلوقات الفن
قد رأى ذو بصر سر الذات
وجلا الفن لعين جنات
33
ما به الذات ولا الكون يرى
فهو من جهد حياة في نجاة
34
تعس الكافر من أصنامه
من حطام لمناة واللات
35
هالك صلى عليه فنه
في ظلام اللحد يرنو للحياة
36 (20) إقبال
جلال الدين الرومي أكبر شعراء الصوفية، ومجد الدين السنائي طليعة شعراء الصوفية الكبار، ومنصور في لغة صوفية الفرس والهند هو الحسين بن منصور الحلاج الصوفي المعروف، والشاعر يتخيل أن السنائي قال في الجنة للرومي: لا يزال الشرق في أسر القديم. فقال الحلاج: قد ظهر مجذوب أفشى للناس سر الذات فهو حري أن يبدل الحياة في الشرق.
قال للرومي في الخلد سنائي:
لا يزال الشرق بالتقليد يؤسر
قال منصور: ولكن قد سمعنا
أن سر الذات أفشاه قلندر
37 (21) الفنون الجميلة
نظرات الآفاق متعة عين
سرحوا العين يا أولي الأبصار
غير أني أقول: ما نظرات
لا تجلي كوامن الأسرار
38
مقصد الفن في الحياة لهيب
أبدي فما وميض الشرار؟
39
قطر نيسان! ما اللآلئ إن لم
تتلاطم بها قلوب البحار
40
ما نسيم الصباح في الشعر واللح
ن إذا ما أذوى سنا الأزهار
41
ليس إلا الإعجاز يحيا ففن
ليس ضرب الكليم فيه، عواري
42 (22) صبح المرج
خلاصة ما يؤخذ من هذه الأبيات أن الإنسان ينبغي أن يعمل في هذه الأرض غير غافل عن عالم الغيب، كضوء الصبح يغشى السهول والجبال ولكنه موصول بالفلك، وعالم الغيب والشهادة ليسا متباعدين كما قال الندى: إن الطيران يعلم أن الأرض ليست بعيدة من السماء.
الزهرة :
وافد الأفلاك! هل خلت بعيدا
موطني؟ لا إنه غير بعيد
الندى :
من يطر ما بين أرض وسماء
يتبين أنه غير بعيد
الصبح :
أقبلن في الروض كالصبح رفيقا
ليس يؤذي وطؤه قطر الندى
واحضن الأجيال والبيد ولكن
من عرى الأفلاك لا تحلل يدا (23) الخاقاني
شاعر فارسي كبير، توفي في تبريز سنة 582ه، وله من الكتب «تحفة العراقين»، سجل فيها ما رأى في العراقين العربي والعجمي حينما مر بهما في طريق الحج، وله ديوان، ومنظومة اسمها «هفت إقليم» (الأقاليم السبعة).
وهذه الأبيات جاءت في الأصل في القافية المزدوجة وعلى وزن:
مفعول مفاعلن فعولن
وهو ضرب شائع في الشعر الإسلامي الشرقي، وهو مشتق من الأوزان العربية، ولم أجده في الشعر العربي إلا في أبيات لبهاء الدين زهير أولها:
يا من لعبت به شمول
ما ألطف هذه الشمائل
وقد ترجمتها على قافيتها ووزنها لأزيد في شعرنا مثالا في هذا الوزن إلى أبيات زهير:
ذا صاحب تحفة العراقين
ذو القلب يراه قرة العين
تنشق لفكره الستور
الحجب جميعها تنير
يجتاز بعالم المعاني
لا يسمع قول: لن تراني
43
فاسأله بذلك التراب
والدهر يجيش في عباب
44
ذا محرم عالم الثواب
كم دل بموجز الخطاب:
45 «ناهيك بشر هذا العالم
إبليس ثوى ومات آدم»
46 (24) الرومي
هو مولانا جلال الدين الرومي صاحب المثنوي، والشاعر يتخذه إماما ويشيد بذكره في شعره.
ما زال طرفك في خلط وفي سنة
وعنك ذاتك في الأسرار لم تزل
ولم تزل في صلاة لا قيام لها
وبالضراعة عز الروح لم تصل
47
ومزهر «الذات» أوتار مقطعة
ما زلت عن نغمة الرومي في شغل (25) الجدة
يرى الشاعر أن الإنسان لا ينفذ ببصره إلى حقائق الأشياء، يقول: إنك إن صدقت النظر فيما حولك رأيت دنيا أخرى جديدة غير التي تراها، وتغير إدراكك هذا العالم وتبين أنه مسخر لك.
إن صدقت نفسك في الدهر النظر
تنور الأفلاك منك في البكر
وتستضيء الشمس منك بالشرر
وينجلي قدرك في سيما القمر
والبحر يلقى منك موجا ذا درر
وتستحي إعجاز صنعك الفطر
48
تخذت أفكار الورى مرآتك
فكيف لا تبلغ حتى ذاتك
49 (26) مرزا بيدل
من شعراء إيران، ذهب إلى الهند أيام السلطان شاه جهان فأكرم السلطان وفادته، وهو شاعر صوفي له ديوان كبير يغلب فيه التعمق وتكثر الدقائق.
وقد أعجب إقبال بفكرة في بيت لبيدل فبنى عليه هذه الأبيات، وهي أن هذا العالم الحسي لا خطر له بل لا وجود له إلا عند من ضاق عن إدراك الحقائق الكبرى التي يختفي معها هذا العالم، كالخمر يظهر لونها كأس الزجاج لضيقها، وترجمة البيت في النثر: «لو اتسع القلب ما ظهر هذا المرج خرج لون الخمر من شدة ضيق الزجاج.»
ذي سماء وجبال وفجاج
ذاك حق أم عيون في اعوجاج؟
فرق الآراء إثبات ونفي
أهي دنيا أم خداع في الحجاج؟
عقدة قد حلها بيدل حقا
أعجزت من قبله كل علاج: «ما بدا ذا المرج لو في القلب وسع
بان لون الخمر من ضيق الزجاج» (27) الجلال والجمال
الشاعر من المعجبين بالقوة الداعين إليها، وهو يدعي هنا أن لا جمال بغير جلال، يرى الكمال في شجاعة علي لا في خيال أفلاطون، ويرى سجود السماء للقوة جمالا - وقد تخيل الشعراء أن انحناء السماء في رأي العين سجود - والنغمة التي لا قوة فيها نفخة ضائعة بل لا يحب أن يجازى إلا بنار شديدة الالتهاب ...
حسبي كمالا قوة من حيدر
وكفاك من أفلاطن الإدراك
وأرى جمالا في بهاء إن ترى
في سجدة للقوة الأفلاك
ولنغمة من دون نار نفخة
ما الحسن إلا بالجلال يحاك
لا أرتضي نار الجزاء ولم تكن
وهاجة ولهيبها دراك (28) المصور
يرى الشاعر أن المصور وكل ذي فن ينبغي أن يظهر ذاته فيما يصور لا أن يحاكي الطبيعة، وأن المحاكاة موت.
قلد الغرب فن عجم وهند
عم هذي البلاد موت الخيال
شفني الغم أن بهزاد عصري
يفقد الشرق بهجة الآزال
50
يا خبيرا بفنه فيه تمت
صنعة العصر والعصور الخوالي
كم ترى من خليقة وتريها!
أرنا الذات فوق هذي المجالي (29) الغناء الحلال
يرى الشاعر أن الغناء وكل لحن، يحل إن كان فيه قوة الذات وحرقة الحياة، ويحرم إن أضعف الذات ولم يقبس من الحياة نارا. الغناء يفتح القلب فكيف يفتحه إن أماته، وفي الأفلاك ألحان طبيعية تذيب النجوم، وتبرئ الإنسان من الخوف والغم، وترفع النفس من العبودية إلى السيادة إلخ، والنغمة الحية التي يحلها فقهاء الذات لا تزال تنتظر مطربا يعلنها.
تفتح القلب نغمة من غناء
أي فتح والقلب رهن همود؟
في صدور الأفلاك لحن خفي
صاهر حره نجوم الوجود
يهجر الناس منه خوف وغم
وإياز يسمو إلى محمود
51
تيه هذي النجوم يفنى ولكن
أنت تبقى ونغمة التوحيد
52
قد أحلت شريعة الذات لحنا
لم يزل في انتظار شاد مجيد
53 (30) الغناء الحرام
ما بذكري من التصوف وجد
أو برأيي ثوابهم والعذاب
قرب الله مذهبي من فقيه
عرفت عنه سنة وكتاب: «إن سرت في اللحون دعوة موت
حرم الناي عندنا والرباب»
54 (31) النافورة
لا يطبيني مسير النهر مطردا
مسايرا تربه جنبا إلى جنب
دع ذاك، وانظر إلى نافورة بسقت
تصعد الماء منها قوة القلب
55 (32) الشاعر
ينفر إقبال من شعر الرخاوة والذلة ويقول هنا: من ضعفت «ذاتهم» فليحترسوا من ألحان العجم فهي تدعو إلى الرقة والترف.
ولا بد للشعر أن يكون في حدة السيف، ملائما لمعركة الحياة مهما تكن صورته، كالخمر في زجاجة أو صراحية، ينبغي أن تكون محرقة، وليس لشوق الشاعر غاية ففي كل حين طور جديد وبرق للتجلي جديد.
في غابة الشرق ناي يبتغي نفسا
يا شاعر الشرق هل في صدرك النفس؟
من كان في ذاته من رقه خور
فقل له من لحون العجم يحترس
إناؤها من زجاج كان أو خزف
اجعل بخمرك سيفا لمعه قبس
لم تبصر الشمس من دنيا يخال بها
مجد بغير الجلاد المر يلتمس
طور جديد، وبرق كل آونة
لا قرب الله للعشاق ما التمسوا (33) شعر العجم
كم بشعر العجم من سحر ولكن
منه سيف الذات ذو حد كليل
صمت طير الصبح أولى من غناء
إن سرى باللحن في الروض ذبول
ليس ضربا ما يشق الطود لكن
ليس منه عرش برويز يميل
56
ينحت العصر أيا إقبال! صخرا
فاحذرن من كل ما يبدي الوذيل
57 (34) أصحاب الفن في الهند
تخيلهم جنازة كل عشق
وظلمة فكرهم للحي قبر
وموثنهم به نقش المنايا
وليس لفنهم بالعيش خبر
58
ينيم الروح في إيقاظ جسم
ودون المجد يسدل منه ستر
يسخر للأنوثة كل شيء
لهم قصص وتصوير وشعر
59 (35) الرجل العظيم
هو في الحب عميق
وهو في البغض عميق
قهره فروق عباد الله
بر وشفيق
نشأته ظلمة التقليد
بالناس تحيق
غير أن الطبع بالإب
داع والخلق خليق
هو في المجمع خال
ومن الحشد طليق
مثل شمع الحفل؛ في ال
حفل وحيد ورفيق
60
مثل شمس الصبح؛ فكر
فيه نور وبريق
لفظه حر يسير
لكن المعنى دقيق
نظر فيه سديد
عن بني العصر سحيق
ليس يدري أي حال
فيه أشياخ الطريق (36) عالم جديد
الرجل العظيم يرى في منامه أو خياله عالما جديدا فيعمل عزمه فلا يستعصي عليه أن يحقق في عالم الحقائق ما رأى في الرؤيا أو الخيال.
وهذا العالم الجديد الذي يخلقه ناشئ من نفسه، فهيكله جسمه الصغير، وروحه تكبيره وإيمانه وعزمه.
من كان حي القلب في الدنيا فما
يخفى عليه من القضاء ضميره
تجلو له رؤياه كونا محدثا
بدع المثال يروقه تصويره
فإذا جلا صوت الأذان منامه
شاد الذي في حلمه تعبيره
ولهيكل الدنيا الجديدة طينه
هذا الضئيل، وروحها تكبيره (37) خلق المعاني
خلق المعاني من الخلاق موهبة
لكن للفن في الفنان إجهادا
من حرقة في دم الباني، مشيدة
حانات حافظ أو زونات بهزادا
61
ما جوهر يتجلى دون مجهدة
من ومضة الفأس نارت دار فرهادا (38) الموسيقى
دل على برد دم المغني
لحن له الوجوه لا تنير
62
أنفاس زامر سموم لحن
إن كان لم يطهر به ضمير
63
بالشرق والمغرب في رياض
من الشقيق شاقني المسير
فما مررت بينها بمرج
شقت به جيوبها الزهور
64 (39) لذة النظر
أي ذات حوى فتى الصين من قا
ل لجلاده أمام الحمام:
منظر رائق، تمهل، تمهل
لأرى لحظة وميض الحسام
65 (40) الشعر
لم أدر سر الشعر إلا نكتة
سير الشعوب تبينها تفصيلا:
الشعر فيه من الحياة رسالة
أبدية لا تقبل التبديلا
إن كان من جبريل فيه نغمة
أو كان فيه نفخ إسرافيلا
66 (41) الرقص والموسيقى
إن للشعر بهجة ضاء منها
روح جبريل والرجيم اللعين
ومن الموسيقى ابتهاج وشوق
وكذا الرقص نشوة وفتون
قد سمعنا في الصين قول حكيم
فيه أفشى مخبآت الفنون:
إن للموسيقى من الشعر روحا
ومن الرقص جسمها في العيون (42) ضبط النفس
دأب أهل الزمان شكوى الزمان
ليس للحر آهة في طعان
قد أسر النجوى إلي عليم
من شيوخ القلوب والعرفان:
إن كظم النواح شيمة ليث
ومن النوح شيمة الثعلبان (43) الرقص
دع لأهل الغرب رقصا بجسوم
إن رقص الروح من ضرب الكليم
فبهذا الرقص سلطان وفقر
وبذاك الرقص هم لا يريم
هوامش
الفصل الخامس
سياسيات المشرق والمغرب
(1) انقلاب
أبمشرق أو مغرب
نار الحياة ونورها
فهنا تموت ذواتها
وهناك مات ضميرها
وأرى القلوب لثورة
ملء البلاد زفيرها
فلعل دنياك القديمة
للممات مسيرها (2) تملق
العنوان في الأصل «خوش آمد» وهي عبارة فارسية بمعنى مرحبا أو أهلا وسهلا، ومعناها بالأردوية التملق، وقد كتب إقبال هذه الأبيات حينما وضع الإنكليز نظام الاستقلال الداخلي لولايات الهند وكثرت مناصب الوزراء فيها.
جهلت أمور الناس غير مجرب
ولكن رب القلب للغيب يشهد
فقل لوزير ما بدا لك مادحا
فذانك دستور وعهد مجدد
إذا قال: صقر الليل للبوم مادح
فهل ذاك حق أو دهان يردد
1 (3) المناصب
2
سحر الفرنجة قد أحاط بمؤمن
يا ويح عيني قد همت عبراتها
فلعل منصبك الرفيع مبارك
فالذات من جراه حان مماتها
هذي القضية معضل إخفاؤها
وضحت لكل مفكر آياتها: «لا شرك في حكم لعبد إنما
شريت عقولهم وخاب شراتها»
3 (4) أوروبا واليهود
إقبال توفي سنة 1938 فهو لم يشهد حرب فلسطين ولم ير تسلط اليهود على أوروبا وأمريكا كما رأينا، ولكنه نظر إلى الحوادث نظرة عارف خبير.
نظام ومال وعيش رغيد
وظلمة صدر لها القلب يقلي
دخان المصانع في الغرب داج
فواديه ليس بأهل التجلي
رأيت حضارته في احتضار
تموت اعتباطا، وما الموت يملي
4
فليس غريبا تولي اليهود
كنائسه بعد هذا التولي (5) عبودية الأنفس
لا تخلو الأمم الذليلة من شعراء وحكماء وعلماء يسلكون مسالك شتى إلى غاية واحدة؛ هي أن يروضوا الأمة على الخضوع، ويمحوا من سجاياها الإقدام حتى ترضى بالرق، هذا مقصدهم وكل تأويل في القول تحيل لهذا المقصد.
ليس يخلو زمان شعب ذليل
من عليم وشاعر وحكيم
فرقتهم مذاهب القول لكن
جمع الآراء مقصد في الصميم: «علموا الليث جفلة الظبي وامحوا
قصص الأسد في الحديث القديم»
5
همهم غبطة الرقيق برق
كل تأويلهم خداع عليم (6) الروس الشيوعيون
إن سير القضاء جد عجيب
أي سر حوى ضمير الزمان
ليس يألو الصليب سرا قبيل
كان يرجو النجاة بالصلبان
أمر الوحي ملحدي الروس «هدوا
ما أقام القسوس من أوثان» (7) اليوم والغد
من عداه ليومه في جهاد
نور نفس وشعلة في الكبود
ما له الحق في متاع وهم
يستسران في الغد الموعود
ليس أهلا لمعرك الغد من في
سيره «اليوم» ليس بالمعدود (8) المشرق
جيب الشقائق من شدوي غدا مزقا
ونسمة الصبح روضا تطلب الآنا
6
ما «مصطفى» أو «رضا» جلى حقيقتها
فالروح في الشرق جسما تطلب الآنا
7
وحق ذاتي عقاب غير أن لها
ذا العصر جذعا وحبلا يطلب الآنا
8 (9) سياسة الإفرنج
يا رب ندك في غرب سياسته
وما تعبد إلا الهام والروسا
9
خلقت إبليس فردا من لظى لهب
ومن تراب أقامت ألف إبليسا (10) العبيد ...
تعلمت بين الغرب والشرق حكمة
أراها لأهل الرق أجدى الفوائد:
فلا ملك أو فقرا ودينا وحكمة
يؤسس إلا فوق صخر العقائد
فإما خلا منها ضمير جماعة
فأفعال رعديد وأقوال هامد (11) إلى أهل مصر
من أبي الهول أتتني نكتة
وأبو الهول طوى السر القديم
10
بدلت سير شعوب جملة
قوة لم يجفها العقل الحكيم
طبعها في كل عصر ماثل
يبدل الشكل ويبقى في الصميم
فهي طورا في حسام المصطفى
وهي طورا في عصا موسى الكليم (12) الحبشة (18 آب سنة 1935)
عقبان أوروبا بغير علم
في جيفة الأحباش أي سم!
قد آن للميتة أن تجيفا
حضارة تكمل بالمخزاة
وعيش أقوام على الغارات
وكل ذئب طارد خروفا
وجه الكنيسة اكتسى شنارا
روما أراقت ماءه نهارا
يا باب قد أضحى الورى أسيفا
11 (13) أوامر إبليس إلى أبنائه الساسة
12
يصور الشاعر في هذه الأبيات عمل الساسة بأوامر أبيهم إبليس، وإنما يأمرهم بإبعاد أهل الأديان كلها من الدين ولا سيما المسلمون، هؤلاء الصابرون المستميتون، وقد خص العرب الذين نشأ الدين في حضانتهم، والأفغان الذين تسيطر عليهم حمية الدين إلخ.
ثم أوصاهم بإخراج إقبال من الروض؛ لأن نفسه يشعل الحقائق أي يثير النار في الشباب فيبعدهم عن سياسة إبليس.
عليكم بالبرهمن فاربكوه
بأشراك السياسة والحبال
وأصحاب الزنانير اطردوهم
من الدير القديم بالاحتيال
وذلكم الصبور على الرزايا
ومن هو بالمنايا لا يبالي
13
فروح محمد منه اسلبوه
لتعمل فيه أحداث الليالي
وفي العرب اقذفوا في كل فكر
من الإفرنج ألوان الخيال
بأرض العرب للإسلام كيدوا
ليسرع في الحجاز إلى الزوال
وفي الأفغان بالدين اعتصام
وليس علاج هذا بالمحال
عليكم بالفقيه فأخرجوه
من الأرض المنيعة والجبال
وقواما على الحرم اسلبوهم
لهم سننا تحيد عن الضلال
14
غزال المسك من ختن أثيروا
وخلوا الأرض من هذي الغوالي
15
وإقبال له شدو مثير
به زهر الشقائق في اشتعال
من المرج اطردوا هذا المغني
لتحموا الناس عن هذا المقال (14) جماعة الأمم الشرقية
16
سخر الماء والهواء مسخر
ليس بدعا إن القضاء تغير
جبروت الفرنج غرته رؤيا
علها غير ما رآه تعبر
إن جنيوا للشرق طهران صارت
فلعل التبديل للأرض يقدر (15) الملك الخالد
إني لغواص المعاني فطرة
لكنني بحر السياسة أحذر
ما إن يحب الدهر ملكا خالدا
ولو ان فيه من الرؤى ما يسحر
فرهاد أبقى الدهر نحت صخوره
لم يبق من پرويز ملك يؤثر (16) الجمهورية
بدا السر في قولة من أريب
وما كان من قبله يعلن:
17
نظام الجماهير حكم به
تعد العباد ولا توزن (17) أوروبا وسوريا
أهدت الشام إلى الغرب نبيا
هو عف ومواس وصبور
ومن الغرب إلى الشام هدايا
من قمار ونساء وخمور (18) من موسوليني (إلى أنداده في المشرق والمغرب)
أرى العصر يأبى من مسولين جرمه
وأخيار أوروبا علي غضاب
كلانا بآلات التمدن آخذ
أتنقم أفعال السيوف حراب
وقد نقموا مني غرام تملك
أما ثار منهم بالضعاف ضراب
لمن شعبذات الحكم تبقي ممالكا
ولا ملك أو ملك بهن يصاب
أينفخ في الأعواد أبناء قيصر
ويجبى إليكم عامر ويباب
18
نهبتم خيام البدو والزرع والقرى
وكم كان منكم للعروش نهاب
قصدنا من التمدين قتلا وغارة
أأمسكم فخر ويومي عاب؟! (19) شكوى
مستقبل الهند من يدري؟ وما برحت
يا ويحها، درة في التاج ترتهن
19
دهقانها من ظلام اللحد مطرح
ولم يزل مزقا تحت الثرى الكفن
الجسم والروح للباغين قد رهنا
لم يبق في أرضها دار ولا سكن
رضيت رقا لأوروبا بلا أنف
فمنك شكواي لا منها، وبي حزن (20) انتداب
ملك الحضارة أين يحتم سيره؟
في عصرنا هذا السؤال يسير:
في حيث لا خمر ولا قمر ولا
ضيق الثياب على النساء يجور
والروح في بدن قوي خافق
لكن على سنن الجدود يسير
حيث المدارس غائض ينبوعها
وابن البداوة في الذكاء جسور
يفتي جهابذة الفرنجة أنما
هذي البقاع من التمدن بور
20 (21) السياسة اللادينية
ما الحق مخف عن فؤادي سره
فلقد حباني الله قلبا مبصرا
فسياسة اللادين عندي خسة
مات الضمير بها وإبليس افترى
21
لما قلى حكم الفرنج كنيسة
ساسوا كشيطان بلا قيد جرى
شرهت لأموال العباد كنيسة
فإذا الخميس سفيرها بين الورى
22 (22) شبكة التمدين
أمانتها علت عن كل ريب
وإقبال مقر دون نكر
فأوروبا نصيرة كل شعب
تشكى الدهر من ظلم وضر
كرامات القساوس أن أضاءوا
سراج الكهرباء بكل فكر
ولكن من فلسطين بقلبي
وللشام الكسيرة حر جمر
وتلكم عقدة ليست لحل
تلاقي كل تدبير بعسر
من الترك الجفاة نجوا فلاقوا
بأشراك التمدن شر أسر
23 (23) نصيحة
قال لرد من الفرنج لنجل
أبغ مرأى يدوم فيه المراد
24
أظلم الظلم للمساكين إعلام
خراف شريعة الآساد
25
إن للملك سره فاكتمنه:
لا ترم بالسيوف قهر العباد
وبحمض التعليم فاغمس نفوسا
ثم صغ طينها وفاق المراد
أين منه الإكسير؟ هذا محيل
جبل التبر كومة من رماد (24) قرصان وإسكندر
إسكندر :
جزاؤك في سلاسلك ارتهان
أو التصميم من سيفي العتيق
26
فقد صيرت وسع البحر ضيقا
بما أمعنت في قطع الطريق
القرصان :
سكندر! للفتوة لم توفق
أيجمل بالفتى فضح الرفيق؟
فإن القتل دأبي لا أماري
كذاك القتل دأبك يا صديقي
كلانا اليوم قرصان: ببر
تصول، وصلت في بحر عميق (25) عصبة الأمم
27
مسكينة منذ زمان تحتضر
لا فاه مقولي بسيئ الخبر
28
وموتها محتم لكنما
يدعو القسوس أن يزول ذا الخطر
عجوز أوروبا يجوز عيشها
على رقى إبليس أياما أخر
29 (26) الشام وفلسطين
مرحى لحانات الفرنج فقد
ملأت بهن زجاجها حلب
إن في فلسطين اليهود رجت
فليأخذن إسبانيا العرب
للإنكليز مقاصد خفيت
ما إن يراد الشهد والرطب
30 (27) أئمة السياسة
ما رجائي بساسة قد أسفوا
وإلى الأرض أخلدوا إدراكا
نظرات إلى ذباب ونمل
فهم العنكبوت مدت شباكا
حبذا الركب قد هداه أمير
ذو مرام تجاوز الأفلاك (28) نزعات العبودية
بأسباب سقم الشعوب خفاء
يقصر في شرحهن البيان:
بشرع الأسود إمام العبيد
يرى دائما حكمة الثعلبان
31
كليم الإله يرى لعنة
على قومه في خطوب الزمان
إذا كان في السر هذا الكليم
لقوة فرعون طوع البنان (29) صلاة العبيد
جاء إلى لاهور وفد من الهلال الأحمر التركي، فصحبهم إقبال في صلاة بالمسجد الكبير فأطال الإمام الصلاة فسأل أحد رجال الوفد: لماذا يطيل الصلاة إمامكم هذه الإطالة؟! فكتب إقبال هذه الأبيات:
قال بعد الصلاة حلف جهاد:
كم يطيل الصلاة فيكم إمام
ما درى ذا المجاهد المؤمن الغر
صلاة العبيد كيف تقام
كم لدى الحر في الحياة كفاح
غيرة الحر للشعوب قوام
حرم العبد حرقة الكد عجزا
فعلى وقته المضي حرام
لا تعجب إذا أطال سجودا
ما لديه سوى السجود مرام
رب وفق أئمة الهند يوما
لسجود تحيا به الأقوام (30) إلى عرب فلسطين
لا يزال الزمان يصلى بنار
لم تزل في حشاك دون خمود
32
لا دواء بلندن أو جنيوا
بوريد الفرنج كف اليهود
33
ومن الرق للشعوب نجاة
قوة الذات وازدهار الوجود (31) الشرق والغرب
علة الشرق ذلة واقتداء
ونظام الجمهور في الغرب داء
مرض القلب والبصيرة فاش
ما بشرق ولا بغرب شفاء (32) نزعات التسلط (إصلاحات)
أرى رحمة الصياد سترا لقهره
ولم يجد فينا ذا الصفير المجدد
34
وقد زين الأقفاص بالزهر ذابلا
لعل أسيرا للإسار يغرد
هوامش
الفصل السادس
أفكار محراب جل الأفغاني
للشاعر بالأفغان إعجاب؛ لقوتهم وبسالتهم، واعتزازهم بجبالهم، وحميتهم الإسلامية.
وقد تخيل أن شاعرا منهم اسمه «محراب گل» أنشأ هذا الشعر الذي في الصفحات التالية، يبين عما في نفوس هؤلاء الناس وما في معيشتهم كما يريد إقبال ...
1
يا جبالي أيان عنك المسير
وتراب الآباء هذي الصخور؟!
لا زهور ولا صدى عندليب
فيك منذ الآزال تأوي الصقور
جنتي فيك مخرم وشعاب
ماؤك النور، والتراب العبير
لن يكون الشاهين عبد بغاث
ألحفظ الأبدان روحي أبير
خلعة الإنكليز أم سحق ثوب
إيه فقري الغيور! ماذا تشير؟
2
تنافر الناس دائم أبدا
لست ولا أنت القضاء فصله
في الذات غص، للزمان ذا أمل
دواؤه في الجروح أرسله
تبقى على الدهر واحدا بطلا
إن كان في القلب «لا شريك له»
3
يجوز أن تبدل أنت، لا تخل
بدعوة أن القضاء يبدل
إذا سرى في ذاتك انقلابها
فجائز أن الفضاء يبدل
يبقى الشراب والغناء إذ ترى
رسم «السقاة» والإناء يبدل
تدعو بتحقيق الرجاء جاهدا
ودعوتي أن الرجاء يبدل
4
وما فلك جائر في السير
وماذا ذكاء وماذا القمر؟
أرى ركبها جاهدا في المسير
وأقعدها طول هذا السفر
سكندر زمجر كالرعد حينا
وعندك يا موت صدق الخبر
وعاثت بدهلي يدا نادر
بضربة سيف حكى فاختصر
1
وتبقى الجبال وأفغانها
لك الملك والحكم رب القدر!
تذل الحوائج صيد الرجال
ترى الليث كالثعلب المحتقر
إن الذات أيدها فقرها
فعندي وعندك ملك البشر
قوام الشعوب بحر فقير
إلى سدة الملك ما إن نظر
5
مدارس ثم ضوضاء ولهو
وغم دام في العيش الوفير
وسم الحر هذا ليس علما
إذا كان الجدى كف الشعير
2
وما أدب وفلسفة غناء
قوام الفن في جهد المسير
3
تحكم في الطبيعة رب فن
يضيء الليل كالصبح المنير
فرب الفن من بركات فن
يطوع لحكمه كل العسير
وذلك إن يشأ قطرت عليه
أياة الشمس كالطل النضير
4
6
عالم التجديد إن يظفر بحر
موجد من حوله طاف الزمان
لا تدع ذاتك بالتقليد لغوا
جوهر فرد فحطه بصوان
بارك التجديد قوما ليس فيهم
غير حفل الأمس، ذكرى وعيان
5
خشيتي أن وغى التجديد في الشر
ق على التقليد للغرب دهان
7
تبدل الأقوام في البلدان
في الروم والشام وهندستان
يا ابن الجبال هب للزمان
وأدركن ذاتك بالعرفان
ذاتك بالعرفان
يا غافل الأفغان
ذا موسم وماؤه عباب
وعسجدا ينبت ذا التراب
من لم يرو زرعه احتساب
فكيف يدعى الغر بالدهفان
ذاتك بالعرفان
يا غافل الأفغان
ما لم يهج في موجه الزخار
فأي بحر ذاك في البحار؟
ما ليس فيه ثورة الإعصار
فكيف يدعى عاصف الأكوان
ذاتك بالعرفان
يا غافل الأفغان
من اهتدى ونفسه أصابا
مقلبا في طينه الترابا
فحرث ذا العبد الذي قد طابا
يفدى بكل الجاه والسلطان
ذاتك بالعرفان
يا غافل الأفغان
جهلك هذا ما به من عار
قد صير الجهل من الفخار
كم عالم فاضل مماري
متاجر بالدين والإيمان
ذاتك بالعرفان
يا غافل الأفغان
8
يدعي الزاغ أن ريشك قبح
ويقول الخفاش: أعمى جهول
ما رذال البغاث يا صقر! تدري
في عنان السماء كيف تصول
كيف تدري بحال طائر عزم
كله في المطار عين تجول
9
لا يسف العشق دأب الهوس
بذباب بازيا لا تقس
رب روض حال حتى ليرى
عندليب عشه كالمحبس
مزمع الأسفار لا يبغي صدى
من أذان برحيل الغلس
أترى قافلة الموج لها
في مسير حاجة بالجرس
خدع العين فتى مدرسة
فبدت فيه حياة الأنس
وهو ميت ومن الغرب اجتدى
ما سرى في صدره من نفس
إن ترد تربية القلب فمن
نظر المؤمن شزرا فاقبس
10
سواد عيون عترته فتي
حليف طهارة وفتى ضراب
يرى في السلم ظبيا ذا جمال
وفي يوم الكريهة ليث غاب
به نار تحرق كل شيء
وحسب الغاب من شرر الثقاب
حباه الله أبهة وملكا
بفقر حيدري واحتساب
سبيل التاج حسر الرأس منه
فلا تنظر إليه بارتياب
6
11
في بارحاتك لألأت أنواره
يسطيع نورا ذا السراج الخابي
7
يشكو الضعيف من الزمان صروفه
والحر فيه باسم لحراب
من صوت طير الصبح يدهش ذا الفتى
أتراه أهل تطاعن وضراب
حذري لأنك في طباع طفولة
والغرب تاجر سكر وجلاب
8
12
بلا دين ولاتين
هوت في الفخ رجلاه
9
دواء العاجز المغلوب «لا غلاب إلا هو»
وصياد المعاني ما
رجت في الغرب عيناه
فضاء مونق لكن
غزال المسك خلاه
10
يقوم ذاته سحرا
بدمع العين أواه
11
فهذا الزهر أحسنه
على الأمواه تلقاه
ودير الكون، زون الري
ح والألوان معناه
12
على الكفار مستول
وذو الإيمان مولاه
إمام المسجد! امنعه
أميرا حين يغشاه
زوى المحراب حاجبه
ولم تعجبه تقواه
13
13
دنياك في عيني شيء آخر
أنى لعينك - ليت شعري - تظهر
ماذا التقلب في عقول شبابنا
في كل صدر قد تبدى محشر
شيخ المساجد! ما دعاؤك سحرة
أبه الحياة بلا جهاد تظفر
14
ما «الذات» يرجى في رباط خلقها
هل للشرار من الرماد تسعر
15
14
كل عشق دون إقدام هوى
ويد الله بعشق مخطر
ويلتا من ترف! أين فتى
تخذ الأهوال زاد السفر
خلوة الأطواد ليست وحشة
يعرف «النفس» بها ذو البصر
15
علم فقر لسالك غير صعب
حدث الناس عن هداه الضمير
لا يكون الفولاذ جوهر سيف
إن يكن في الطباع منه حرير
إن قهر الإله فقر ذليل
وسبيل السلطان فقر غيور
قد سباك الفرنج نفسا ولكن
أنت يا مؤمن البشير النذير
16
16
موت الشعوب بعدها
عن جذبات المركز
والذات إما ركزت
فللمعالي تركز
فقر تراه شاكيا
جور الزمان اللحز
باق عليه مسحة
من اجتداء الكزز
ولم يزل ميسرا
للبر فعل المعجز
أن يجعل الصخور كالذ
رات غير معجز
17
فأين يا مؤمن أنت
اليوم لم تبرز
ما في جهاد لذة
جمرك فيه معوزي
18
يا شمس من سرادق ال
مشرق هيا فابرزي
واكسي جبالي حلة
تزهى بلون القرمز
17
إن يكن في الألوف رب يقين
نفخ النار في شباب وشيب
ربما تنشئ الصحاري فقيرا
يخلق الدر من حصى في الجيوب
19
بيراع لك اكتبن لك حظا
لم يخط الجبين رب الغيوب
20
ذا الفضاء الذي يسمى سماء
ليس شيئا لدى العقاب النجيب
هو فوق الرءوس يدعى سماء
وهو أرض تحت الجناح الهبوب
18
أي قول لشيرشاه رشيد:
في اختلاف القبيل ذل العبيد
21
خلعوا ثوب أمة جمعتهم
وازدهوا بالوزير والمحسود
22
ذهب الدين في الجبال شعاعا
كل حزب لبده في سجود
23
حرم فيه حرمة اللات ترعى
فحباك المولى بضرب سديد
24
19
ليس الذي يدرك الألوان بالبصر
بل مغتن عن ضياء الشمس والقمر
25
يا مؤمنا قد شأى الإفرنج منزلة
تقدمن. ليس هذا منتهى السفر
وحانة الغرب للصادي مفتحة
ما السكر فيها بعلم العصر بالنكر
لك الممات بهذا السكر مستتر
إن لم يكن فيك للتوحيد من شرر
26
هل يسمعن بنو الخانات موعظتي
في شملة لست ذا تاج ولا سرر؟
27
20
مقاصد الفطرة العلياء يحفظها
من عاش في البيد أو في الطود إنسانا
يراقب السحر في التمدين يبطله
في فقره أودع الخلاق سلطانا
للحسن واللطف صاغ الروض بلبله
وتنشئ البيد للأقدام عقبانا
يا شيخ كم تعجب الأبصار مدرسة
لكن في البيد فاروقا وسلمانا
28
هل يعرف الدهر للإسلام من شبه
في نشوة تتحدى السيف غضبانا
هوامش
Page inconnue