وقَبَض ثمنَه، ثمّ رَدَّ ما قَبَض، ولم يَستردّ الثمنَ. فإِذا كان هذا شعارًا بين عَبيد الله، فالله أَولى به.
وأمّا النذر، فهو عهدٌ قوليٌ بين العبد وربه، وَرَدَ النصُّ بوفائه؛ بخلاف ما نحن فيه.
وإطالتنا في هذا المقام إِنما هو مقابَلَةٌ لتحسينه العقليّ بتحسينٍ مِثلِه، وكَيلًا له بصاعِه. وإِلاّ، فنحن يكفينا في الجوارب ما صحَّ من رواية عائشة، أنّ النبيّ ﷺ أَكَل عندها من حَيسٍ أُهدِي لها، بعدما أَخبَر أنّه أَصبح صائمًا. رواه مسلمٌ وأبو داوود والنسائيّ والترمذيّ. ولا يصحّ حَملُه على أنّه من خصائصه؛ لأنها محصورةٌ، والأصل عدمُه. ولو صحّ ما ذكرتم، لكان النبيّ ﵇ أَولى باستعماله، وأعلم بمأخذه. وبقوله تعالى، ﴿ولا تبطلوا أعمالكم﴾.
قلتُ: لكن علمتُ مِن حالِ ثقةٍ لا اتّهمُه، بحيث حَصل لى العلمُ بصدقه، أنّه إِذا شَرَعَ في صوم التطّوع، ثمّ أبطَله، حصل له نكدٌ، وصار له ذلك عادةً مطرِدةً، حتى ظَنَّ بها أنّ الحقًّ عند الله لزومُ النفلِ بالشروع. لكنّ هذا ممكنٌ حملُه على أنّه تأديبٌ إِلهيِّ خاص لبعض مَن له به عنايةٌ، حتى بلزومِ ما لا يَلزمُ ما لا يَلزم. وتأديب أصحابِ العنايات خارجٌ عن قياس الشرعيّات. ويدلّ على هذا التأويل أنّه لم يكن كذلك قبل، ثمّ صار كذلك. ولو كان ذلك لأنّ الحقَّ عند الله لزومُ النفل بالشروع، لم يختلف بزمانٍ دون زمانٍ. والله أعلم.
[قاعدته في الزكاة]
ومنها أنّه قرّر قاعدةَ الزكوات بما حاصله أنّ الزكاة إِنما شُرِعت تحصيلًا لرياضة النفس، وصونًا لها عن الطغيان الموجِب للعقاب. وذلك لأنّ المال سببٌ للطغيان؛ لقوله تعالى: ﴿إن الإنسان ليطغى أن راه استغنى﴾. فلما كان المال سببَ الطغيان، اقتضت العنايةُ شَرعَ ما يَمنع منه، وهو رياضة النفس بإِخراج بعض المال.
1 / 127