غيرُه، نظرًا إِلى أنّه ممكنٌ لذاته، وكلّ ممكن لذاته مقدوٌ. والرجحان يَظهر في مذهب عبّادٍ. لأنّ صفات ذات الله سبحانه أزليّةٌ يستحيل انقلابها وتغيّرُها؛ فلو تعلّقَت قدرةُ الله سبحانه بإِيجاد ما تعلّق علمُه بأنْ لا يوجَد، لتّنازَع فيه الصفتان. فإِن تّم مقتضَى القدرِة من إِيجاده، لزم انقلابُ العلمِ جهلَا. وإِن تّم مقتضَى العلم من أنّه لا يوجَد، لزم انقلابُ القدرة عجزًا. وإِن تّم مقتضاهما جميعًا، لزم الجمعُ بين الضدّين؛ بأن يوجَد ذلك الشيء، ولا يوجَد. والكلُّ محالٌ. فأمّا نَظَرُ الخصمِ إِلى أنّه ممكنٌ لذاته، فغير مُجدٍ عليه؛ لأنّ إِمكانَه لذاته انتسَخ بصيرورته ممتنعًا لغيره.
فإِن قيل: "عِلمُ اللهِ في الأزل، إِن لم يتعلَّق بكون هذا الشئ ممكنًا لذاته، لزم خَلقُ بعضِ الأشياءِ عن تعلُّق علمِ الله بها أزلًا؛ وهو محالٌ. وإِن تعلَّق بذلك، استحال انقلابُه بعد ذلك ممتنعًا". قلنا: المستحيلُ إ~نما هو انقلابُ الممكنِ لذاته ممتنعًا لذاته. أمّا انقلابه ممتنعًا لغيره، فلا، جَعلًا له من ذوات الجهتين. وكذلك تعلُّق عِلم الله تعالى به في الأزل ممكنًا لذاته، ممتنعًا لغيره؛ وهو تعلُّق عِلمِهبأنّه لا يوجَد؛ وذلك غير مستحيلٍ.
وهذه المسألة من صُوَرِ الواسطة بين الطرفين. لأنّ المعلوم إِمّا واجبٌ مطلقًا، فيوجَد؛ أو ممتنعٌ مطلقًا، فلا يوجَد؛ أو ممكنٌ لذاته، واجبٌ لغيره، فهو واسطةٌ بين الطرفين، فَوَقَع النزاعُ فيه. فاعلم ذلك.
[القدرة مع الفعل أو قبلَه؟]
وإِذ تقرَّرت مسألةُ تكليف المحال، فمن فروعها أنّ القدرةَ عندنا مع الفعل، وعندهم قبلَه. لأنّ الكافرَ كُفرِه مأمورٌ بالإِيمنا، والمحدِثَ حال حدثِه مأمورٌ بالصلاة. فلو لم يكن حينئذ قادرًا على ذلك، لزم تكليفُ ما لا يطاق؛ وقد سبق أنّ الأشعريّ جعل هذا الفرعَ مقدّمةً في الحجّة الثانية على إِثبات الأصل.
[وقت العبادة مُضيِّقٌ أو مُوسَّع؟]
ومنها أنّ وقتَ العبادة إِمّا بقَدر فِعِلها، وهو المُضيَّق؛ " أو أكبر، وهو المُوسَّع؛ أو أقلّ، كإِيجاب أربع ركعاتٍ في زمنٍ لا يَسَعُ إِلا ركعتين، وهو غير جائزٍ إِلاّ على تكليف المحال.
1 / 119