لا يؤمنون﴾، وقوله في أبى لهب: ﴿سيصلى نارا ذات لهب﴾، مع أنهم مكلَّفون إِلى وقت موتهم بالإِيمان بما جاءت به الرسلُ. فقد كُلِّفوا بأنهم يؤمنون بأنهم لا يؤمنون. وهو تكليفٌ بالجمع بين الضدّين.
ولا اعتراض على هذه الحجّة إِلاّ بأن يقل: لا نُسَلِّم أنّ تكليفهم باقٍ إِلى الموت. بل انقطع تكليفُهم لَمّا وَرَد النصُّ بعدم إيمانهم: فصاروا عند ذلك كأنهم موتى، أو في النار. لكنّ القول بارتفاع التكليف، مع صحّة العقل والبلوغ، في دار التكليف، ضعيفٌ.
الوجه الثالث: أنّ الكذب من صور النزاع. فول كان قبيحًا، لكان قبحه إِما لذاته، أو لغيره. والأوّل باطلٌ؛ وإِلاّ لما كان لمصلحةٍ رجحةٍ، كتخليص مظلومٍ أو نبي أو ولي مِن الظلم أو القتل، [أثرٌ]؛ لأنّ الأحكام الذاتيّة لا تتغيّر بالأمور العارضة. لكنّه قد جاز، بل وَجَب، باتفاق. وأما الثاني، فذلك الخبر إِن كان تعلُّق خطابِ الشرع به بالمنع منه، فهو الذي نقوله. وإِن كان غير ذلك، فبيِّنوه.
الوجه الربع: أنّ الحُسن والقبح إِمّا عدميان، فلا يتعلّق بهما حُكمٌ؛ أو ثُبوتيّان، فهو باطلٌ، لقيامهما بالمعدومات. كقولنا للصلاة والقتل قبل دخولهما في الوجود "حَسَنٌ" و"قبيحٌ". وأيضًا، كلّ ما فعِلُه واجبٌ، فالترك عدميِّ قد اتّصف بالصفة الثبوتيّة؛ وهو محالٌ.
ولا يّرِدُ على هذا وصفُ الأشياءِ قبل وجودها بالإِمكان والامتناع والوجوب؛ لأنّ هذه نسبٌ وإِضافاتٌ عدميةٌ. فمعنى "الممكن" أنّه غير واجبٍ ولا ممتنعٍ. وكذلك الآخَران.
[أدلّة المعتزلة على التحسين والتقبيح]
وأمّا عمدتهم في ذلك، فهو من وجوهٍ.
أحدها: أنّ قُبح بعضِ الأشياء وحُسنها ثابتٌ بالضرورة قبل ورود الشرع، وعند مَن لا يقول بالشرع، كالبراهة ونحوهم مِن منكِري النبوّات؛ كقبح الجور والفجور،
1 / 88