صَحِبه بالعصمة والتوفيق؛ فنجَّاه. ومن سَبَقت له في علمِه الشقاوةُ، أَرشَده إِلى سبيل النجاة، حجّةً عليه. ثمّ أَرسَله وخلاَّه وما بين يديه. فتارةً يجتاله الشيطانُ عن الطريق، وتارةً يميل به الهوى والنفس الأمّارة عن سبيل التحقيق. فلا جرم يَصحَبه الخذلانُ، ويخذله التوفيقُ. وفي القسم، قال الله سبحانه: ﴿لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا هم منا يصحبون﴾.
إِذا ثبت هذا، فنقول: قوله، ﴿قدر فهدى﴾، إِن حلمناه على الهداية للمصالح الدنيوّية، لم تكن فيه حجّةٌ على محلّ النزاع، كالآية الأخرى. ولعلّه قول أكثر المفسِّرين. وإِن حملناه على "هَدَى"، نقيض "أَضَلَّ"، فإِن جعلناه بمعنى خَلَقَ الهدايةَ في قلبِ العبدِ"، لزم أن يكون قوله تعالى، ﴿ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون﴾، ﴿فلن تجد له وليا مرشدا﴾، ﴿وأضله الله على علم﴾، ونظائر ذلك، بمعنى "خَلَقَ الضلالَ في قلبِ الضالِّ". وَيؤُول الأمرُ إِلى ما قلناه، مِن أنّه يهدي قومًا ويُضلّ آخرين. لكنّكم لا تقولون بذلك. وإِن حملناه على "هَدَى"، بمعنى "أَرشَد"، فقد بَيّنّا أنّ الإِرشاد يكون مجرَّدًا ومقيَّدًا باستكمال الشروط، وانتفاء الموانع، وتَخَلُّفَ الخذلانِ، وصُحبةِ التوفيقِ. فالأوّل للأشقياء، والثاني للسعداء. وكلاهما أيضًا منسوبٌ إِلى الله.
وتحقيق ذلك أنّ الله سبحانه خَلَقَ المكلَّفين، وخَلَقَ لهم نفوسًا مائلةً، وشهواتٍ مستميلةً، ونفسًا أمّارةً، وشيطانًا وغويًا، وعقلًا رادعًا، ودينًا وروحًا وازعًا. فالعقل والروح والدين في جانبٍ، والنفس والهوى والشيطان في جانبٍ. وهما كجيشين متقابِلَين يَقتتِلان. ولله سبحانه جندان، وهما التوفيق والخذلان خلقُ الدواعي الصارفة إِلى فِعلِ المعاصي وتركِ الطاعات. فإِن أَرسَل اللهُ التوفيقَ في صفِّ العقلِ،