143

Dar du discours laid par l'embellissement et la laideur

درء القول القبيح بالتحسين والتقبيح

Chercheur

أيمن محمود شحادة

Maison d'édition

الدار العربية للموسوعات بيروت

Numéro d'édition

الأولى

Genres

قوله، ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾؛ ولم يَخلقهم لأمرِ، ثمّ حَالَ بينهم وبينه؛ لأنًه تعال ليس بظلامِ للعبيد". قلنا: أمَا قوله، "ما خَلَقْتُ الجْنًّ والإِنْسَ إِلاّ ليَعْبُدُونِ"، فهو حقٌ؛ لكنّ الكلام في تأويله. فنقول: لا يخلو إِمّا أن يكون معناه، "ما خَلَقتُم إِلاّ مُريدًا لوقوع العبادةِ منهم"، أو يكون معناه "ما خَلَقتُم إِلاّ لأُكَلِّفهم العبادةَ. والأوّل باطلٌ. لأنّه لو أراد منهم وقوعَ العبادةِ؛ وإِلاّ لم يُطابِق مرادُه ومعلومُه إِرادتَه وعلمَه؛ فيُفضِي إِلى انقلاب حقائقِ صفاته؛ لأنّ إِرادته لا تَتَعلّق بوقوع شيءٍ، إِلاّ وقد تَعَلَّق عِلمُه بذلك؛ إِذ متعَلَّق صفاته لا يَتَنافى، لما قَرَّرناه في أنّ ما تَعَلَّق عِلمُه بأنّه لا يكون غيرُ مقدورٍ. لكنّ العبادة لم تَقَع مِن جميع الجنّ والإِنس؛ فلا يكون المراد أنّه أراد وقوعَ العبادةِ منهم. فتعَيَّن أنّ معنى الآية إِلى "ما خَلَقتُهم إِلاّ لآمرَهم بالعبادة وأُكَلِّفهم بها". والأمر عندنا لا يَستَلزِم الإِدارةَ، ولا هي مِن شَرطِه. وإِذا كان خَلَقَهم للتكليف، لم يَلزم منه أنّه خَلَقَهم لإِرادة وقوعِ العبادةِ. وحينئذٍ، لا تَنَافى بين تكليفهم بالعبادة وصَرفِهم عنها، بناءً على ما سبق مِن مِن تكليف ما لا يُطاق. والقُبح فيه عقليُّ؛ وقد أَبطلناه. ولا يَلزَم مِن ذلك ظُلمُه لهم؛ وهو سبحانه ليس بظلاّمٍ للعبيد، كما وَصَفَ نفسَه. غير أنّه سبحانه ليس في مُلكِه لعباده وتصرُّفه فيهم، كعبادة في أملاكِهم وتصرُّفهم فيها؛ لأنّه سبحانه. فقول القائلِ، "يَقبُح مِن اللهِ أن يُكلِّفني شيئًا، ويَصرِفني عنه، كما يَقبُح مني أن أُكلف عبدي شيئًا، وأَصرِفه عنه"، قياسٌ فاسدٌ؛ لأنّ شرطَ القياسِ استواءُ الأصلِ والفرعِ في القوّة والصفات، وغير ذلك، إِلاّ من حيث الإُلحاق، وهو الذكورة والأنوثة. ولا شكّ أنَ مُلكَ اللهِ في عباده أقوى من مُلكِ عبادِه بعضهم لبعضٍ. فقياس الأقوى على الأضعفِ لا يَصحّ في مسائل الفروع؛ فما الظنُّ به في هذا الأصل الذي قد عَمَّ الأديانَ والمِللَ؛ فهَدَى اللهُ فيه مَن هَدى، وأضلَّ مَن أضلَّ.

1 / 209