La conscience : une très brève introduction
الضمير: مقدمة قصيرة جدا
Genres
tu
بدلا من الضمير الرسمي الجاف
vos . وعلى الرغم من كل تلك الحميمية فإن الضمير لا يتنازل عن أدوات البلاغة وتقنيات الإقناع الشفهي، فهو يستفيد من بعض التقنيات كالتهكم والمحاكاة الساخرة - أو كليهما في آن واحد - عن طريق إعادة التلفظ بعبارات أوغسطين المميزة بنبرة ساخرة؛ حيث يضع الفعل «سوف تقول» في الزمن الذي يشير إلى تكرار الأفعال في اللغة اللاتينية ليعني بها «أنت تقول دائما»، ثم يكرر أحد مراوغات أوغسطين العبثية حول انتظار اليقين قبل اعتناق الدين الجديد بنبرة صوته الخاصة.
تحتاج شخصية ضمير أوغسطين الناضجة إلى صوت ناطق كي ينقل انفعاله الغاضب ونفاد صبره وحميميته وإلحاح رغباته الإصلاحية، وهكذا فقد استفاد الضمير مرارا وتكرارا من صوته وتعبيره على مدار مسيرته الطويلة المقنعة المؤثرة.
وفي ثقافة أخرى ولاحقة، ومدفوعا بسلطة دينية مختلفة (الآن بروتستانتية)، نجد الضمير يخاطب شخصية روبنسون كروزو التي ابتكرها الكاتب دانييل ديفو. فعندما سيطرت عليه الحمى واليأس، اعترض كروزو على المعاملة التي يتلقاها من الله وتلقى إجابة حاسمة:
أنبني ضميري الآن ... وظننت أن صوته يخاطبني قائلا: «أيها التعس! أتسأل عما فعلت؟ انظر للوراء إلى تلك الحياة البغيضة التي ضيعتها واسأل نفسك عما لم تفعله.»
ويصدم هذا الصوت كروزو ملقيا به في حالة نفسية جديدة، وسوف يتمالك نفسه في نهاية الأمر عن طريق علاج وصفه لنفسه يتكون من تناول التبغ وقراءة الإنجيل. وإذا نحينا الاختلافات الثقافية جانبا، فما زال هذا الضمير يشترك في خصائص عديدة مع ضمير أوغسطين، فضمير كروزو على نفس القدر من التوبيخ والإلحاح، وهو يخبره بما يعلمه بالفعل لكنه ظل يتجاهله حتى أصبح واجبا أن يصدم بمعرفته. ويدفع هذا الضمير كروزو في اتجاه بحث روحاني كان قد بدأه بالفعل، ومن تلك الناحية يبدو أنه امتداد لأفكاره الخاصة أو لملكة عقلية كائنة فيه. وفي الوقت ذاته فهو يعلم أشياء لا يعلمها صاحبه ويتحدث بقوة ما كان كروزو وحده ليتمكن من استجماعها. ومن تلك الناحية فالضمير يحتل نفس موقع القوة الذي كان يحتله مع أوغسطين؛ حيث يمزج بين وعي دائم بالموقف وفهم مستمد من الخارج لما يجب فعله حياله.
ويتضح هذا الغموض في إجابة كروزو: «أصابتني تلك الأفكار بالخرس كالمشدوه، ولم أستطع أن أتفوه بكلمة، كلا، ليس من أجل التبرير لنفسي، بل نهضت حزينا مستغرقا في التفكير ...» ولدينا هنا موقف مشابه للصراع بين أوغسطين وضميره على ما إذا كان يملك لسانا، وهو موقف حواري تطلب فيه «نفسي» إجابة من «نفسي»، حيث يتحدث أحد الطرفين في حقيقة الأمر باسم كروزو القديم أو المعتاد ويتحدث الآخر باسم بزوغ الوعي الجديد (والذي يحتمل على الأقل أن يكون كثير المطالب). ويؤدي الضمير دور الذات الثانية التي تشبه كروزو لكنها ذات التزامات مختلفة أكثر تأكيدا وتتحدث بصوته الخاص، لكنه صوت غيرته مسئوليات التبشير والهيمنة.
وفي مثال أحدث من ذلك تقدم قصة روبرت لويس ستيفنسون القصيرة التي تحمل عنوان «ماركهايم» ضميرا وضعه أكثر غموضا، فهو لم يعد مفوضا مباشرة من الله، بل إنه قد يكون قادرا على ارتكاب القليل من الأذى الشيطاني، لكنه ما زال ضميرا ذا خصائص سوف نتعرف عليها. ويقبل ستيفنسون بافتراض الضمير ذاتا ثانية أو بديلة، لكنه يطور تلك الفكرة قليلا عن طريق منح هذه الذات ليس فقط صوتا، بل أيضا مظهرا خاصا بها حتى وإن كان مؤقتا. وبطل القصة قاتل يقابل بعد أن ارتكب جريمته طيفا غريبا يشبهه ولا يشبهه في الوقت ذاته:
وقف ماركهايم وحدق فيه بعينين مفتوحتين. ربما كانت هناك غشاوة على بصره، لكن هيكل القادم الجديد بدا كما لو كان يتغير ويرتعش مثلما تفعل هياكل التماثيل في ضوء الشموع المتراقص في المتجر. أحيانا كان يظن أنه يعرفه، وأحيانا أخرى كان يظن أنه يشبهه، ودائما كان يكمن في صدره ككتلة من الرعب الحي اعتقاده بأن هذا الكائن ليس من الأرض وليس من الله. ومع ذلك، كان هذا الكائن يبدو مألوفا بشكل غريب وهو يقف ناظرا لماركهايم وقد ارتسمت البسمة على شفتيه.
Page inconnue