La conscience : une très brève introduction
الضمير: مقدمة قصيرة جدا
Genres
وفور قيامنا بتوسيع مفهوم الحقوق التي تعتمد على الضمير كي تشمل السلوك، علينا أن نواجه المشكلات التي تنشأ عندما تتعارض أفعال المرء التي يقوم بها طبقا لما يمليه ضميره مع حريات الآخرين وحقوقهم. وقد كان هذا الموضوع دائما حاضرا بدرجة أو بأخرى في المناقشات حول الضمير. وقد تم التركيز عليه في وقت مبكر في كتاب ويليام تينديل الذي يحمل عنوان «طاعة رجل مسيحي» (1528) الذي يدافع فيه عن استسلام المسيحي لسلطة العامة مضطرا «بدافع من ضميره أولا ... [و] ثانيا بدافع من ضمير جاره»، موضحا أن الضميرين متبادلان، وأن الأعمال التي ترتكب (أو تهمل) فيما يتعلق بأوامر الضمير لها تأثير حتمي على ضمائر الآخرين. وبالطبع فإن حقوق أي فرد لا يمكن أن تمتد إلى ما لا نهاية دون أن تتصادم مع حقوق الآخرين من ذوي الميول المعارضة، مما يؤدي إلى خلق صراع في المجتمع ككل. وإذا كانت مبادئ الضمير ستمتد من نطاق الاعتقاد الخاص إلى نطاق السلوك العام، تتمثل المهمة في اكتشاف مبادئ تحظى بالإجماع عن طريق الموازنة بين الحد الأدنى من احتياجات الحرية الفردية مع احترام مسئولية كل مجتمع (بما في ذلك المجتمعات الأخرى بخلاف مجتمعنا) تجاه حماية الصالح الجماعي لأفراده.
عرف هنري شو - الباحث في حقوق الإنسان والقانون الدولي - حقوق الإنسان تعريفا مفيدا فقال إنها «الحد الأدنى من المتطلبات المعقولة المفترض على البشرية تقديمها لكل فرد». ويؤكد هذا التعبير المتوازن توازنا ذكيا على حقوق الفرد، لكن مع وجود شرطين أساسيين؛ أولا: أن تكون المتطلبات «معقولة»؛ بمعنى أن تجتاز اختبار «المنطق» مما يحد من التزامنا بالإذعان للمطالب المتعصبة أو غير العقلانية التي بنيت على المصلحة الأنانية أو الوحي الإلهي المتخيل، من النوع الذي وصفه لوك بأنه «ينتج عن غرور عقل مزهو بنفسه». وثانيا: إذا كانت عملية الإصرار على المتطلبات سوف يترتب عليها القيام بعمل يؤثر على العالم (ولن تقتصر على حرية الفكر الشخصي)، إذن يجب ألا تقتطع تلك المتطلبات من حقوق الآخرين - يجب ألا تسبب ضررا، كما يقول ميل.
شكل 4-3: صعوبة فهم الضمير: رسم كاريكاتوري بعنوان «حسنا ، جيميني الليبرالي !» لمارتن روسون، بصحيفة الجارديان، 10 مايو 2010.
3
أما عن مسألة المعقولية، فلا ريب أن مطالب الضمير تحقق نجاحا هائلا عندما تتصل بصورة واضحة بأمور تتعلق بالاعتقاد المشترك. فنحن نتعرض لأصعب الاختبارات لإيماننا بالضمير - كإيماننا بكل الأمور المتعلقة بالحقوق والحريات المدنية - عندما نجد أنفسنا مطالبين باحترام مطلب شديد الغرابة. لكن الأصل الاشتقاقي لكلمة الضمير
con + scientia (أو المعرفة المشتركة) طالما أشار إلى أن أهم نقاط قوته تكمن في علاقته بالميول المشتركة للمجتمع الأكبر، وهي نفس وجهة النظر التي طرحها توماس هوبز في كتابه «اللوياثان» (1651) المتمثلة في أن الضمير يجب أن يكون جمعيا تماشيا مع أصله الاشتقاقي وليس مجرد مجموعة من الأفكار الفردية السرية. وسعيا للتوصل إلى أساس جمعي للضمير، استقر هوبز على المبدأ القائل إن «القانون هو الضمير العام الذي تعهدت [الحكومة] بالفعل أن تسترشد به». وعلى النقيض من هوبز، يقدم لنا التاريخ المعاصر أمثلة (في الهند والجنوب الأمريكي وجنوب أفريقيا وميدان السلام السماوي) كان فيها العصيان المدني في مواجهة قانون فاسد يبدو عملا فاضلا، وفي تلك الحالات كان الضمير اليقظ مفيدا في تحدي القانون الفاسد. وهكذا فقد عدل لوك وآخرون على نحو مفيد من موقف هوبز عن طريق تذكيرنا بأن القوانين التي تتعارض مع الضمير الشخصي يمكن عصيانها من قبل الأشخاص المستعدين لتقبل عقوبة مدنية ثمنا للعصيان القائم على مبادئ، واضعين بذلك أحد الأركان الأساسية المهمة في ممارسات العصيان المدني. ومع ذلك فإن اقتراح هوبز بأن يشكل القانون «ضميرا عاما» يعد اقتراحا مهما من حيث إشارته إلى أن الضمير الشخصي يعمل بأفضل صورة عندما يجد نقطة اعتقاد مشتركة.
ولما كانت سلطة الضمير تدعمها مؤشرات الدعم العام كالقانون أو الدين الرسمي أو حتى الرأي العام أو «المنطق السليم» المحض، فسوف يظل الضمير مستحقا موقعه المركزي في مناقشاتنا الأخلاقية. أي إنه ما دام الضمير يستمد حيويته من المبدأ الإيثاري ويكرس نفسه لصالح الجميع، فسوف يستحق موقعه المركزي في حياتنا. لكن استخدام التعبير الشرطي «ما دام» هو الخدعة هنا، فالقول إن الضمير سوف يزدهر إذا تلقى دعما من العقل أو القانون أو المنطق السليم يعني كل شيء ولا شيء في الوقت ذاته. ومهما كان الضمير جديرا بالثناء، فهو في هذه الصيغة ما زال يقوم بدور الحجر في حساء الأحجار: فالحجر مضافا إليه بعض الجزر والبطاطس والبصل سوف يكون مرقا لذيذا، تماما كما ينتصر الضمير مضافة إليه المبادئ المتفق عليها والفكر الجلي. فإذا كان الضمير لا يملك مضمونا خاصا به ويعتمد على المنطق السليم والمعرفة الجمعية لتكملته أو حتى لإعطائه هويته نفسها، ألن يتلاشى ببساطة إذن وجوده كقوة مستقلة في العالم؟ وما الذي يتبقى ثابتا ومهما بشأن الضمير نفسه؟ وما الدور الذي يتبقى له كي يقوم به؟
سوف أعود إلى الدور الأساسي للضمير للحصول على إجابة، وتحديدا إلى الصلة الوثيقة بين الضمير والإقناع. وقد بدأ هذا الفصل بأمثلة يعد احترام الضمير فيها مهما في إقناع الأشخاص غير الملتزمين بشيء غير الضمير بمنح إجازة في «قضايا الضمير» التي تتضمن الخدمة العسكرية والمهن الطبية. ومع ذلك، يعد الضمير أيضا فعالا بشدة في صورة أخرى من الإقناع، وهي إقناع الذات ألا تؤمن بالمعتقدات فحسب، بل أيضا أن تعمل طبقا لها.
ما فائدة الضمير؟
في أفضل حالات الضمير وأنجحها، فإنه لا يحض على محاولة تهذيب الاعتقاد أو يفعلها فحسب، بل إنه أيضا يترجم الاعتقاد إلى فعل والتزام. ويعد الضمير فعالا في جبهتين على نفس القدر من الأهمية: حث الفرد على تحديد معتقداته بشأن السلوك القويم، ثم على نحو شديد الأهمية تطبيق تلك المعتقدات على المواقف الطارئة. وقد وصف القديس توما الأكويني هذا الجانب العملي من الضمير بذكاء في كتابه «الخلاصة اللاهوتية» الذي يرجع تاريخه للقرن الثالث عشر.
Page inconnue