La conscience : une très brève introduction
الضمير: مقدمة قصيرة جدا
Genres
في النهاية، ما الذي تعنيه الاستقامة في شئون الروح؟ أن يقسو المرء على قلبه، وأن يحتقر المرء «المشاعر الجميلة»، وأن «يحول المرء كل نعم ولا إلى أمر متعلق بالضمير».
ويجب أن تدهشنا تلك الفكرة عن الضمير المحرر بوصفه حارسا للاستقامة، مع الوضع في الاعتبار كل ما قاله نيتشه في المواضع الأخرى، لكن قوة الضمير طالما اعتمدت على قدرته المدهشة على الحركة وقدرته على إعادة الصياغة وعلى إعادة الانخراط في أشكال وقضايا جديدة، وهكذا فربما لا يكون ثمة داع لدهشتنا من تغير موقف نيتشه المفاجئ على الإطلاق.
وينطبق نفس الأمر أيضا - وربما على نحو أقل إثارة للدهشة - على دوستويفسكي الذي يتلاعب بفكرة أن الضمير قد يكون أمرا ملفقا ومفروضا ذاتيا بلا داع، لكنه يعود فينظم تخيلاته مع مجموعة متنوعة من الشخصيات التي يحركها الضمير أكثر من قدرتها على التعبير وتبدي معرفتها بالضمير تحت دوافع مختلفة لا تحمل حتى اسم الضمير. ويشترك كل من راسكولنيكوف وإيفان في نفس النموذج، وهو إدانة الضمير والتلاعب بالخطط من أجل تجنب انتقاداته، حتى ولو كانا يقدمان أنفسهما بوصفهما شخصين يحركهما الضمير. فبعد أن ارتكب راسكولنيكوف جريمته، شعر في الحال برغبة في الاعتراف للسلطات وإبراز دليل ارتكابه للجريمة:
كان يشعر كأن مسمارا قد دق في قمة جمجمته. وراودته فكرة غريبة على حين غرة: أن ينهض فورا فيقترب من نيكوديم فوميتش [وهو موظف حكومي بسيط] ويقص عليه ما حدث في الليلة البارحة، كل ما حدث، حتى أدق التفاصيل، ويقوده بعد ذلك إلى غرفته، فيريه الأشياء هناك، عند الركن، في الفتحة. وبلغت رغبته في ذلك من القوة أنه نهض لينفذ ما فكر فيه.
وقد يبدو ذلك ببساطة ما أطلق عليه بو «شيطان الفساد»، وهو إلحاح للضمير في أشد حالاته تدميرا للذات، فيما عدا أن راسكولنيكوف يقضي معظم الرواية في الاعتراف بشيء أو بآخر، وتبدو رغبته النهائية في «معانقة الألم» - على الأقل ضمنيا إن لم تكن بوضوح - كما لو كانت يحركها الضمير. وبالطبع فإن الآخرين لا يترددون في تصوير مأساته كما لو كانت متعلقة بالضمير، على سبيل المثال عندما تؤكد دونيا قدرته على الشعور «بتأنيب الضمير» في النهاية. وينطبق نفس الأمر على إيفان كارامازوف، فعلى الرغم من كل محاولاته الشخصية لتجنب مطالبات الضمير ورفضه المتردد له، فإن الآخرين يرونه أحد أبطال الضمير، وقد يكون كذلك بالفعل. وبالطبع فهو بطل للبحث النفسي الشخصي إلى حد ما، وبصيرته بموافقته المضمرة أو رغبته الضمنية في وفاة والده تعد سببا مشروعا للشعور بالذنب، وهي ليست فكرا فرويديا قبل ظهور فرويد فحسب، بل إنها أيضا تبين استعدادا أخلاقيا راقيا لتحمل عبء العذاب الشخصي على نحو يناقض نقده الرافض للضمير.
وهكذا، فحتى النقاد المتزمتون للضمير يميلون ضمنيا ومن خلال العديد من الأبواب الجانبية والخلفية إلى الاعتراف بمركزيته ويبدون عدم استعدادهم كلية لتنحية نفس المبدأ الذي يهاجمونه جانبا. ولا داعي لأن تدهشنا على الإطلاق تلك النزعة التصحيحية التي تعيد ذلك الضمير مشوه السمعة بالكامل فجأة إلى مكانته السابقة من الاحترام. فقد ذكرت سابقا حالة كالفن الذي عاب بكل وسيلة ممكنة على أوجه قصور الضمير وعجزه عن الوفاء بالمهام الموكلة إليه، لكنه غير اتجاهه لاحقا إلى رؤية جديدة للحرية المسيحية يتحرر فيها الضمير من مهمة تطبيق الناموس ويتطهر بواسطة رحمة المسيح. وحتى أشد نقاد الضمير قسوة لا يبدو أنهم يسعون إلى إبعاده تماما، لكن اهتمامهم الأساسي ينصب على حالات متخيلة لإعادة تأهيله وعودته.
هوامش
الفصل الرابع
هل الضمير حق مدني؟
يبدو أن بعض الناس يمضون في طريقهم دون أن يمتلكوا ضميرا على الإطلاق، قادرين طوال الوقت على ارتكاب ما وصفه لوك ب «الأعمال الشائنة التي تمارس بلا ندم». وفي مسرحية «العاصفة»، يقدم لنا شكسبير شخصية أنطونيو الوضيع المغتصب وهو يفكر في ارتكاب جريمة القتل، وعندما سئل عن ضميره أجاب قائلا:
Page inconnue