فقال أبرنون: عفوا يا مولاي، فإننا نمزح ولم يخطر لنا في بال أن سموكم تأتون إلى مثل هذا المكان المقفر، في مثل هذه الساعة المتأخرة. - إن هذا المزح غريب في بابه، وحيث لم أكن المقصود به فلنر مع من كنتم تمزحون؟
فقال كاليس: لقد رأينا يا مولاي أن سانت ليك قد خرج من منزله واتجه إلى هذا المكان، فتعقبناه ثم غاب عنا، ورأينا رجلا يفتح باب هذا المنزل فظننا أنه صديقنا، وأردنا أن نعلم السر الذي حمله على فراق امرأته في الليلة الأولى من زفافه، والمجيء إلى هذا الشارع المقفر، فهجمنا عليه على ما رأيت ونحن لا نريد بذلك غير المزاح. - إذا إنكم قد حسبتموني سانت ليك.
قال موجيرون: ذلك لا ريب فيه؛ لأننا لا نجسر على أن نتصدى لسموكم في سبيل ملاذه.
فانتفض الدوق وقال: إني لم أقدم إلى هذا المكان جريا وراء الملاذ، بل أنا قادم إلى المنجم مناساس، الذي يقيم في شارع التورنيل كما تعلمون، فاذهبوا الآن في شأنكم، واعلموا بأني لا أريد أن يعلم بوجهتي أحد على الإطلاق.
فانحنى الكامنون أمامه باحترام، وذهبوا إلى حيث كانوا ، فقال الدوق لرفيقه: هيا بنا لندخل الآن، فقد ذهبوا ولم يبق موجب للحذر. - إني أرى عكس ما يرتئيه مولاي؛ لأنهم لم يذهبوا كما توهم، بل إنهم رجعوا إلى مكمنهم في القبة حيث كانوا مختبئين، وعندي أنه خير لنا لو رجعنا إلى القصر فلا نبقي مجالا للظنون، وسنعود في الغد. - أنت مصيب، ولكني آسف لضياع هذه الفرصة. - نعم، غير أني أخبرت سموكم بأن هذا المنزل قد عقد إيجاره إلى عام، وقد عرفت أيضا أن السيدة تقيم في الطبقة العليا منه، وفوق ذلك فقد اتفقت مع وصيفتها، فأعطتني مفتاح باب غرفتها، ومفتاح الباب الخارجي معنا.
ولذلك، فإننا نستطيع أن نرجع متى شئنا، أما في هذه الليلة، فلا أرى من الحكمة أن ندخل إلى هذا المنزل؛ نفيا للمظان، وحذرا من الشبهات. - هل أنت واثق من أن المفتاح قد وافق القفل؟ - أتم الثقة؛ لأني جربت ثلاثة مفاتيح حتى فتح بالرابع. - وهل أقفلت الباب؟
وكانا قد بعدا عن المنزل وخشي من الرجوع إليه لما كان يراه من مراقبة الكامنين، فقال: نعم، قد أقفلته، ووضعت المفتاح بجيبي على حدة، كي لا أغلط فيه. - ولكني أحب أن أعرف غاية أولئك الكامنين. - إنهم يكمنون ولا ريب لعدو لهم، وما بقاؤنا في هذا المقام إلا إلقاء بأنفسنا إلى الهلاك، فإن لسموكم كثيرا من الأعداء. - إذا لنذهب على أن نعود. - نعم، ولكن ليس في هذه الليلة؛ لأني لا أرى غير المكامن ... ويحق لي أن أخاف عندما أكون بصحبة وريث التاج الفرنسي.
وكأن هذا الحديث قد أثر تأثيرا شديدا على الدوق، فاضطرب وقال بلسان يتلجلج: سر بنا إلى القصر، فأنت مصيب في حذرك.
وللحال عرجا في عطفة من الطريق وانطلقا.
ولم يكد الدوق ورفيقه يبتعدان ويحتجبان عن الأنظار حتى سمع وقع حوافر فرس في الطريق نفسها التي قدم منها الدوق، بالقرب من ذلك المنزل، وظهر من خلال البرق فارس عالي القامة، كان يسير بفرسه الهوينى، بالرغم من اشتداد البرد وانهمار المطر، فصاح كاليس يقول: هذا هو!
Page inconnue