وقد كان الجو في هذه الليلة، التي نقص بها هذا الحديث، مقتما والأفق مربدا بالغيوم السوداء، والسماء تمطر كرات الثلوج من خلال الرعود القاصفة، فكأنها المدافع ترسل قنابلها.
ولم يكن المار بهذه الطريق يستطيع أن يرى أحدا فيها لاشتداد الظلام، على أنه لو حدق لرأى من خلال وميض البرق جماعة مختبئين في هذه القبة المتسعة، وقد كانوا يتكلمون بصوت منخفض يكاد أن يكون همسا، فقال أحدهم: لقد أصاب باسي، فإن البرد في هذه الليلة لا يحتمل، وإن جلدي يكاد أن يتمزق.
فأجابه صوت آخر: أنت يا موجيرون تشكو من البرد شكوى النساء، ولا أنكر أنه لا يوجد حر، ولكن لو تزملت بردائك ووضعت يديك في جيوبك لذهب عنك ما تشكوه من البرد.
فأجابه صوت آخر: وأنت يا شومبرج، فإنك تتكلم كما تشاء لأني أشعر بأن شفتي تدمي من البرد.
وقال آخر: إني أشعر بأن يدي قد يبستا، وأنه ليس لي يدان.
فقال كاليس: إننا إذا كنا نشكو الآن من البرد يا أبرنون، فسنشكو الحر بعد حين.
فقال أبرنون: لست أنا الذي يتحدث، فإني أخشى إذ تحدثت أن يجمد كلامي من البرد فلا يبلغ إلى مسامعكم.
وفيما هم على ذلك إذ سمعوا وقع أقدام، فذعروا والتفتوا جميعهم إلى جهة الصوت ثم قال أحدهم: ليس هو؛ لأن هذا القادم آت من جهة سانت بول، وقد قال باسي بأنه يقدم من جهة أخرى.
فقال كاليس: ربما يكون قد وقعت له ريبة بنا فغير الطريق.
فأجابه موجيرون: أنت لا تعرف دي باسي، فإنه يمر من حيث يقول، ولو أيقن بأن الشياطين كامنة له. - إذا فتهيئوا للهجوم. - مهلا، إني أراهما اثنين، وها هما قد وقفا أمام منزل.
Page inconnue