أين أنت يا حبيبتي، أين أنت؟
آه ما أعظم الحب، وما أصغرني!
المجرم
على قارعة الطريق قعد شاب مستعطيا، فتى قوي الجسم أضعفه الجوع فجلس في منتصف الشارع مادا يده نحو العابرين متسولا مستغيثا بالمحسنين، مرددا آيات انكساره شاكيا آلام جوعه.
خيم الليل وقد يبست شفتاه وكل لسانه ولم تزل يده فارغة مثل جوفه، فقام إذ ذاك وذهب إلى خارج المدينة وجلس بين الأشجار وبكى بكاء مرا، ثم رفع نحو السماء عينيه يغشاهما الدمع وقال والجوع يلقنه: «يا رب قد ذهبت إلى الموسر أطلب عملا فطردت لرثاثة أثوابي، وطرقت باب المدرسة فمنعت لفراغ يدي، ورمت الاستخدام ولو بكفاف يومي فأبعدت لسوء طالعي، وأخيرا سعيت متسولا فرآني عبادك يا رب وقالوا هذا قوي نشيط والإحسان لا يجوز على ابن التواني والكسل. قد ولدتني أمي بإرادتك يا رب وأنا كائن الآن بكيانك، فلماذا يمنع الناس الخبز عني وأنا طالب باسمك؟ في تلك الدقيقة تغيرت سحنة الرجل اليائس، فانتصب وقد لمعت عيناه كالشهب، ثم اقتضب من الأغصان اليابسة نبوتا ضخما وأشار به نحو المدينة وصرخ قائلا: «طلبت الحياة بعرق الجبين فلم أجدها، فسوف أحصل عليها بقوة ساعدي، وسألت الخبز باسم المحبة فلم يسمعني الإنسان، فسأطلبه باسم الشر وأستزيد منه».
مرت الأعوام والشاب يقطع الأعناق من أجل الحصول على النقود، ويهدم هياكل الأرواح إن تصدت لمطامعه، فنمت ثروته وعم بطشه وصار محبوبا من لصوص القوم ومخيفا لعقلائهم، ثم انتدبه الأمير وكيلا عنه في تلك المدينة شأن الأمراء بانتقاء ممثليهم.
كذا يبتدع الإنسان من المسكين سفاحا باستمساكه، ومن ابن السلام قاتلا بقساوته.
الرفيقة
أول نظرة
هي الدقيقة الفاصلة بين نشوة الحياة ويقظتها، هي الشعلة الأولى التي تنير خلايا النفس، هي أول رنة سحرية على أول وتر من قيثارة القلب البشري، هي آونة قصيرة تعيد على مسمع النفس أخبار الأيام الغابرة، وتكشف لبصرها أعمال الليالي، وتبين لبصيرتها أعمال الوجدان في هذا العالم، وتتيح سر الخلود في العالم الآتي، هي نواه تطرحها عشتروت
Page inconnue