أصله من عرب البادية، جاء إلى القيروان كبيرا، فقرأ العلم على الشيخ الرماح وغيره من كبار العلماء، فنبغ وانتفع به خلق كثير، وكان لا يريد أن يجتمع بالأمراء ولا ينظر إليهم، ولا تأخذه في الأمر بالمعروف لومة لائم. ولما وصل أبو يحيى أبو بكر أمير إفريقية في ذلك العصر للقيروان بمحلته، اقتبله أبو عبد الله الرماح مع أهل القيروان، فقال لهم الأمير: هل في القيروان من العلماء الأحياء الصالحين من يزار؟ فقالوا له: نعم، الشيخ علي العبيدلي. فعزم على زيارته، فقيل له: لا يفتح لك الباب. فقصده هو وقائده المسمى ابن سيد الناس، فدق الباب، فقالت امرأة من خلف الباب: من هذا؟ فقال لها الأمير: قولي للشيخ أميرك بالباب ينتظرك. فلم يخرج له، فتعوذ الأمير، وقرأ بصوت عال:
يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ، فأجابه الشيخ، وكان يصلي بصوت عال سمعه الأمير والناس:
الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور
ولم يخرج له، فقال الأمير: لا بد لي من رؤيته. فقيل له: إنك لا تراه إلا يوم الجمعة؛ لخروجه للصلاة.
فوقف له الأمير يوم الجمعة في مكان، فلما رأى الشيخ ترجل عن جواده، فانفتل الشيخ العبيدلي بوجهه إلى حائط السور ولم ينظر إليه، فقال له الأمير: يا سيدي، أحب منك أن تدعو لي، فقال له الشيخ: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : «اللهم من ولي أمرا من أمور أمتي فشق عليهم فاشقق اللهم عليه، ومن ولي أمرا من أمور أمتي فرفق بهم فارفق اللهم به.» فركب الأمير ولم ير له وجه.
قال الشيخ محمد الشببي: وإنما حسن من الشيخ العبيدلي هذا؛ لأن الشيخ الرماح ذلك العالم الجليل الذي اقتبل الأمير المذكور كانت حوائج الخلق تقضى على يديه، فلذلك حسن من العبيدلي الإعراض عمن ذكر، ولو مات الشيخ الرماح قبله، واضطرت الناس إلى العبيدلي؛ لوجب عليه أن يغير طريقه ويسلك طريق شيخه الرماح؛ ليتوصل بذلك إلى قضاء حوائج المسلمين. ألف العبيدلي كتابا في الفقه، وعقيدة في التوحيد. توفي سنة 748ه، وقبره عليه قبة صغيرة بمقبرة الحطبية بقرب ضريح ابن ناجي مشهور يزار، رضي الله عنه.
عبد السلام بن غالب المسراتي
قرأ على أبي يوسف الدهماني وغيره من العلماء؛ منهم: أبي زكرياء يحيى بن محمد البرقي الصدفي، قرأ عليه القراءات السبع والحديث وتفقه عليه، ثم انتصب الشيخ عبد السلام لقراءة العلم، فانتفع به خلق كثير، منهم عبد الرحمن بن محمد الأنصاري. قال أبو يوسف الدهماني: اجتمع في عبد السلام بن غالب أربع خصال: العلم، والعمل، والزهد، والورع. ولعبد السلام تآليف كثيرة منها كتاب في الفقه سماه «الوجيز»، ونقل فيه الشيخ خليل في شرحه على ابن الحاجب. وكان عبد السلام كثيرا ما ينشد هذا البيت:
أنت في غفلة وقلبك ساهي
Page inconnue