ولما بلغتاها استوقفهما رجل من الأقزام أحدب غريب الزى قد كسي كسوة السخريين من أهل البندقية في القرن السادس عشر. وسألهما الأحدب عما تريدان، فقالت إحداهما، وهي ذات الصوت الرخيم: نريد أن نستشير الروح.
وكان في صوت المتكلمة بعض الاضطرابات، فقال لها الحارس ولصاحبتها: ادخلا وانتظرا.
ثم رفع بيده ستارا، وأدخل السيدتين في غرفة انتظار.
ولبثت السيدتان تنتظران، ومضت عليهما نصف ساعة لم تنظرا أو تسمعا فيها شيئا، وبينما هما على تلك الحال إذ أزيح ستار وفتح باب خفي، وسمعتا صوتا يقول: ادخلا.
فانتقلت السيدتان إلى غرفة كسيت جدرانها بالسواد، يضيئها مصباح ذو ثلاث فتائل، قد علق في وسط السقف.
وقفل الباب وراءهما ونظرا، فإذا هما في حضرة الساحرة.
وكانت الساحرة فتاة بين الخامسة والسادسة والعشرين، تميل بحركاتها وكلماتها إلى أن تظهر في سن أكبر من سنها الحقيقي - بعكس سائر بنات حوا - فكانت مرتدية لباسا أسود، مسترسلة الشعور ضفائر حول رأسها وعارية الجيد والأطراف، وكانت ممنطقة بمنطقة من الجلد ذات قفل محلى بحجر من العقيق.
وكانت الساحرة قائمة على منبر تنبعث منه روائح عطرية شديدة.
ولم تكن الساحرة بارعة في الجمال، بل كان جمالها عاديا، إنما كانت عيناها تظهران للناظرين أنهما واسعتان اتساعا غير عادي؛ لكحل كانت تكتحل به فتنبعث منهما بروق خلابة للأبصار، فكأنهما حجران من عقيق كالحجر الذي في منطقتها.
ولما دخلت الزائرتان وجدتا الساحرة ملقية برأسها على يدها وكأنها غارقة في لجة من الأفكار، فخشيتا أن تخرجاها مما هي فيه، فانتظرتا أن يروق لها أن تخاطبهما. ومضت عشر دقائق، ثم رفعت الساحرة رأسها ونظرت إلى القادمتين كأنها لم تتنبه لوجودهما إلا تلك اللحظة، وقالت تسألهما: ماذا تريدان مني؟ أفما قدر لي أن أستريح إلا في اللحد؟!
Page inconnue