فتخريج المناط هو: استخراج العلة بمسلك المناسبة والإخالة. وتنقيح المناط هو: تصفية العلة وتهذيبها حتى لا يخرج شيء صالح لها، ولا يدخل شيء غير صالح لها، كما هو معلوم في محله.
وأما تحقيق المناط -وهو الغرض هنا- فهو: أن يكون مناط الحكم متفقًا عليه بين الخصمين، إلا أن أحدهما يقول: هو موجود في هذا الفرع، والثاني يقول: لا. ومثاله: الاختلاف في قطع النباش، فإن أبا حنيفة -رحمه اللَّه تعالى- يوافق الجمهور على أن السرقة هي مناط القطع، ولكنه يقول: لم يتحقق المناط في النباش؛ لأنه غير سارق، بل هو آخذ مال عارض للضياع كالملتقط من غير حرز.
فإذا حققت ذلك، فاعلم أن مراد القائلين أنه لا تقبل توبته: أن أفعاله دالة على خبث نيته وفساد عقيدته، وأنه ليس تائبًا في الباطن (^١) توبة نصوحًا، فهم موافقون على أنَّ التوبة النصوح مناط القبول كما ذكرنا، ولكن يقولون: أفعال هذا الخبيث دلت على عدم تحقيق المناط.
ومن هنا اختلف العلماء في توبة الزنديق، أعني: المستسر بالكفر، فمن قائل: لا تقبل توبته، ومن قائل: تقبل، ومن مفرق بين إتيانه تائبًا قبل الاطلاع عليه وبين الاطلاع على نفاقه قبل التوبة، كما هو معروف في فروع مذاهب الأئمة الأربعة؛ لأن الذين يقولون: