Dadaïsme et Surréalisme: Très Brève Introduction
الدادائية والسريالية: مقدمة قصيرة جدا
Genres
ثمة نبرة ساخرة قوية تجلت هنا، لكن فريق هيرتسفيلده- هارتفيلد-جروتس لم يبذل جهدا كبيرا لخدمة القضية الشيوعية في ألمانيا بعد الإطاحة بعصبة سبارتكوس؛ فقد كان هيرتسفيلده ناقدا بكثرة للحزب الشيوعي الألماني؛ حيث تهكم من مذهبه المناوئ للفكر وانعدام قيادته. بحث الدادائيون في أماكن أخرى عن نماذج مثالية لهم؛ وإنهم أساسا قد التمسوا تلك النماذج في الشيوعية السوفيتية، لكنهم أيضا التمسوها في غموض عصر الآلة بالولايات المتحدة الأمريكية، الذي يعتبر موضوعا للمثالية في بعض أعمال التجميع الصوري لهارتفيلد وجروتس بعينها. وكان أن ساهم هارتفيلد لاحقا في هجمات رائعة على صعود نجم هتلر في المنشورات الشيوعية. لكن دادائية برلين في أوجها لم تبذل الكثير لدعم الشيوعية في ألمانيا، وكان الحزب الألماني الشيوعي من ناحيته يتعامل بلا مبالاة مع الدادائية، وكان النقد الأساسي الموجه بقوة إلى الحركة يتمثل في إنتاجها فنا متقدما وثوريا قبل اندلاع الثورة؛ فكيف يمكن للطبقة العاملة (البروليتاريا) فهم لغتها؟
إذا بدا أن هذا النقد يعيق سياسات الدادائية، فقد ثبت أنه مصدر القلق المتكرر لمحاولة السرياليين المشتركة التكيف مع الحزب الشيوعي الفرنسي خلال الفترة ما بين عامي 1926 و1935. كان السرياليون - شأنهم شأن الدادائيين - دعاة للفردية أساسا، لكن بريتون وضع السريالية عمدا في قالب حركة، بكل ما لها من مناشدات دائمة للتماسك الجماعي وبما لها من إقصاءات، على أساس كيان سياسي جمعي. وأساسا، سعى بريتون إلى التوفيق ما بين فرويد وماركس؛ فقد آمن بريتون بأنه ينبغي السعي وراء الحرية الفكرية بالتزامن مع إشعال ثورة على المستوى الاجتماعي (ولم يقل الكثير إجمالا عن حقوق المرأة). ولكن، فيما يتعلق بالسياسة الحقيقية، كان الأمر ضربا من المستحيلات.
جاءت أولى انتكاسات السرياليين عام 1927؛ إذ شكك واحد من أعضائها، ويدعى بيير نافيل - عندما حاول السرياليون إقامة علاقات مع الحزب الشيوعي الفرنسي - في فرضيتهم القائلة بأن الثورة الفكرية يمكن أن تسبق الثورة الفعلية. وعلى الرغم من أن السرياليين انضموا إلى الحزب رسميا ذاك العام، فقد كان الآخرون دوما ينظرون إليهم نظرة ريبة وشك بسبب موقفهم البرجوازي من الفن - «الفن لأجل الفن» - وانعدام أي صلات مثبتة بينهم وبين الطبقة العاملة. في «البيان الثاني للسريالية»، أكد بريتون، متبنيا موقف تروتسكي الذي أسي السرياليون على طرده من روسيا، على أنه بالرغم من أن الفن السريالي لا يمكن اعتباره «بروليتاريا»، فإنه مع ذلك فن ثوري، مشيرا إلى الطريق الذي قد يسلكه الفن البروليتاري في سيناريو ما بعد الثورة. ظل الحزب غير مقتنع، وعين بريتون رسميا، بعد أن مثل للتحقيق أمام عدة لجان، في خلية من عمال تمديدات الغاز في باريس، وطلب إليه الإبلاغ عن الظروف الاقتصادية للصناعات الثقيلة في إيطاليا؛ وهي المهمة التي شعر بأنه ليس أهلا لها.
في عام 1932، بلغت الأمور مرحلة حرجة بالتزامن مع «مسألة أراجون» المزعومة؛ فقد بدأ لويس أراجون ينشق عن السياسة السريالية الرسمية؛ إذ مثل الجماعة عام 1930 بمؤتمر للكتاب الثوريين في خاركوف بروسيا، وتقبل الانتقادات القائلة بتروتسكية الجماعة في الوقت الذي شوه فيه وجهات نظرها في جوانب أخرى. وفي عام 1931، أدى إخلاصه المتزايد في دعوة الحزب إلى «أدب بروليتاري»، إلى أن نشر قصيدة بعنوان «الجبهة الحمراء» في المجلة الشيوعية «أدب الثورة العالمية»، وقد حضت القصيدة الطبقات العاملة على النضال الثوري بعبارات على غرار: «اقتلوا رجال الشرطة.» و«أطلقوا النار على دببة الديمقراطية الاجتماعية المدربة.» كانت القصيدة دعوية في المقام الأول، وبعيدة كل البعد عن الذوق السريالي. ولكن، عندما هددت السلطات الفرنسية الحريصة على تقويض الشيوعية، بإدانة الشاعر إدانة غير مسبوقة على أسس كالتحريض على القتل، دافع السرياليون عنه دفاعا مستميتا. ومع ذلك، فإنه عندما دعاه السرياليون لاحقا لتأييد نص لبريتون يدافع فيه عن سلفادور دالي ضد هجمة شنتها عليه الصحف الشيوعية؛ لم يكن أراجون مستعدا لتحدي الحزب صراحة، وكنتيجة لذلك، انفصل نهائيا عن السريالية، وبعد ذلك كرس نفسه للموقف الجمالي المفضل لدى الشيوعية؛ حيث انتقل في نهاية عام 1934 من «الأدب البروليتاري» إلى «الواقعية الاشتراكية».
أنهت العقيدة الواقعية الاشتراكية - التي ينبغي أن يكون الفن بموجبها اشتراكيا في مضمونه، وواقعيا في شكله - بفعالية أي فرصة للمصالحة بين السريالية والسياسة الشيوعية، وفي عام 1935، عزلت الجماعة رسميا من الحزب. كان حال مواطن خارجية أخرى للسريالية أفضل من تلك الجماعة بمحض المصادفة؛ ففي تشيكوسلوفاكيا، قام منظر الجماعة كاريل تيج بتحرير صحيفة الحزب الشيوعي؛ حيث كان يضمن انتشار المقالات المتعلقة بالسريالية في تلك الصحيفة بانتظام، ولم تنفصل هذه الجماعة عن الحزب حتى عام 1938.
ورجوعا إلى فرنسا، نجد أن السنوات التي صعد فيها نجم «الجبهة الشعبية» - عندما تضافرت جهود الشيوعيين وأحزاب اليسار في مواجهة صعود الفاشية - شهدت مواصلة تبني السرياليين موقفا غريبا؛ حيث كانوا مناوئين للفاشية بعنف، لكنهم كانوا مشككين في الميول القومية لليسار. ولفترة وجيزة، تضافرت جهود بريتون وخصمه القديم جورج باتاي تحت لواء «الهجوم المضاد»؛ حيث انطلق باتاي تحديدا يخمن بأريحية كيف يمكن تسخير القوى التي ستطلقها الفاشية في الجماهير لهدم الرأسمالية. وفي عام 1936، انطلق بنجامين بيريه، وحده من بين السرياليين جميعا، للانضمام إلى اللاسلطويين في الحرب الأهلية الإسبانية. وأخيرا، تخلى السرياليون عن الحزب الشيوعي بالتزامن مع أنباء «محاكمات موسكو» التي أكدت شكوكهم الطويلة حول ستالين.
إن نهاية قصة محاولات السريالية الفاشلة للاصطفاف السياسي موجودة نوعا ما في بيان الحركة المسمى «نحو فن ثوري حر»، الذي ألفه بريتون بالتعاون مع ليون تروتسكي (ولو أن تروتسكي طلب من دييجو ريفيرا التوقيع على البيان نيابة عنه)، عندما زار الزعيم السريالي عام 1938 بطله السياسي في المكسيك. وبينما كان العالم على شفا انهيار رأسمالي، وعرضة لاضطهاد الستالينية والفاشية، ردد بريتون وتروتسكي بشكل حاسم مبدأ الحصانة الفنية في خدمة الماركسية: «استقلال الفن من أجل الثورة، والثورة من أجل التحرر الكامل للفن.» وكانت العاقبة المؤسفة لذلك أنه عندما عاد بريتون إلى فرنسا، اكتشف أن واحدا من أقدم حلفائه ، ألا وهو بول إيلوار، كان يكتب لصالح صحيفة ستالينية؛ الأمر الذي عجل بشقاق آخر حاسم أصاب قلب الحركة السريالية. انعزل بريتون المهزوم في الولايات المتحدة الأمريكية طوال فترة الحرب العالمية الثانية، وعند عودته عام 1946، اكتشف أن إيلوار، إلى جانب أراجون والدادائي السابق تريستان تزارا، قد أمسوا أبطالا أدبيين للمقاومة، بينما كان جان بول سارتر والوجودية في موقف يسمح لهما بالهيمنة على الحياة الثقافية الفرنسية. وطوى الماضي السريالية وعناد بريتون المبدئي فيما يتعلق بولائه والتزامه. في حقيقة الأمر كان المزاج العام حادا ولاذعا، وقد طرح تريستان تزارا السؤال التالي: «ما السريالية الآن؟ وكيف تبرر وجودها تاريخيا إذا كنا نعرف أنها كانت غائبة عن هذه الحرب، ولا محل لها في قلوبنا وأنشطتنا خلال فترة الاحتلال؟»
قد يبدو أن هذا الفصل الذي يتناول سياسات الدادائية والسريالية يختتم بخاتمة مخيبة للآمال؛ إذ إن النتيجة الأوضح لهذا القسم الأخير هي أن السريالية - بغض النظر عما أصابته من نجاح على المستوى الثقافي - يبدو أنها أخفقت سياسيا، على الرغم مما خلفته من إرث كبير تمثل في انشغالها بالكولونيالية. ونكاد لا نستطيع الزعم أن الدادائية، بسبب تفاديها السياسات التقليدية إلى حد كبير، قد أخفقت؛ فقد مكنتها سلبيتها الخاصة من تفادي ذلك على أي حال. وعلى الرغم من ذلك، فقد وجد أن الخلط المتفرد لماركس وفرويد في السريالية قاصر فيما يختص بالأيديولوجية الشيوعية في الثلاثينيات، ولا يرى الجميع ذلك اختبارا عادلا. ظلت السياسات السريالية المثالية واللاعملية في جوهرها مغضوبا عليها لعدة سنوات بعد الحرب العالمية الثانية، لكنها حظيت بنهضة كبيرة في بعض جوانب فكر اليسار الجديد في الستينيات. وإذا نظرنا إلى استقبال الموقفيين الفرنسيين للسريالية مثلا، الذين قدر لهم أن يلعبوا دورا صغيرا في الانتفاضات التي اندلعت عام 1968 في باريس، يمكننا أن نرى تقييما جديدا لغرائزها السياسية. ورث الموقفيون من السريالية - عبر المنظر الماركسي هنري لوفيفر الذي كان متصلا بالحركة بصلة وثيقة في مرحلة ما - الاعتقاد الكامل بأن الحياة اليومية، بما في ذلك الأحلام والعلاقات الجنسية والتفاوض بشأن الحيز المدني وما إلى ذلك، هي الأرضية التي يتوجب أن تقوم عليها الثورة.
في عام 1970، ألف المنظر الموقفي راءول فانيجيم - الذي نال اهتماما أقل في السنوات الأخيرة مقارنة بجاي ديبورد، وكان لديه الكثير ليصرح به عما تدين به الحركة للسريالية - كتابا موجزا (تحت الاسم المستعار جيه إف دوبوي) بعنوان «تاريخ فروسي للسريالية»؛ وفي هذا الكتاب، أعرب عن أسفه على فرضية السريالية الضمنية التي مفادها أنها تستطيع «الوصول إلى الجماهير» عبر الحزب الشيوعي، لا سيما أن هذه الفرضية جعلت الحركة خانعة للبيروقراطية السياسية التي تحكمت في حلم السريالية بالثورة الثقافية، «فتحققه حينا وتجهضه حينا». ومن اللافت أنه يشير إلى عودة بريتون في فترة ما بعد الحرب إلى كتابات شارل فورييه الاشتراكي اليوتوبي الذي اشتهر في القرن التاسع عشر، كوسيلة كان يمكن بها أن تكون السريالية أكثر إخلاصا لتحيزاتها السياسية. كان فورييه غريب الأطوار بشدة في جوانب بعينها؛ فقد دون بريتون بإعجاب شديد في كتابه «مختارات من الكوميديا السوداء»، كيف أن «فورييه آمن بأن الكرز هو نتاج تزاوج الأرض مع نفسها، والعنب هو نتاج تزاوج الأرض مع الشمس». لكن فورييه كان على قناعة بأن الحضارة مبنية على كبت «المشاعر»، وبنى خطته الاجتماعية الأحادية الكيان ل «المستعمرات التعاونية الفوريية» (الكوميونات) على مبدأ «الانجذاب العاطفي». ويكاد لا يكون من قبيل المفاجأة أن ينجذب بريتون، الذي قاوم دفاع الحزب الشيوعي المستميت عن «العمل»، إلى فكرة فورييه المتمثلة في أن العمل ينبغي أن يكون نتيجة «الاستمالة»؛ حيث يتوجب التوفيق بين الناس والمهام التي تطيب لهم بطبيعة الحال؛ فمراحيض الكوميونات، على سبيل المثال، يتوجب أن يقوم على تنظيفها جمع من الأطفال الذين يستمتعون بالقاذورات. وكان خلط بريتون الشخصي المميز للتحرر الجنسي والنسقية يجد ما يلبي احتياجاته بالمثل في الحفلات الماجنة المنظمة بعناية شديدة، التي تصورها فورييه لمستعمراته التعاونية.
ويبدو من الملائم جدا أن ينتهي الحال بمثل هذه الأحلام إلى أن تكون الملاذ الأيديولوجي الأخير للسريالية. إن الإسقاطات البيزنطية لفورييه تكاد تكون محاكاة ساخرة للبيروقراطيات السياسية التي اضطر السرياليون إلى التعامل معها، لكنها كانت مستندة على الأقل إلى سيادة الرغبة، وهي نقطة الانطلاق الحقيقية للسياسات السريالية. وبطبيعة الحال، في محاولة للتكيف مع إملاءات الشيوعية، شوه الوصول إلى حل وسط الطموحات الاجتماعية للدادائية أولا، ومن بعدها السريالية.
Page inconnue