قد يقبل أبوها، ولكن ماذا يقول الحاج والي؟
وطلب حسين إجازة من المدرسة، وقصد إلى قريته التي فارقها منذ سنوات بعيدة، ونزل إليها، غريبا نزل، لم يعرفه أحد ولم يعرف هو أحدا. الفلاحون وجوههم ليست غريبة عنه وهي غريبة، يعرف السمات ولا يعرف الأسماء، ويعرف الرائحة التي تهب عليه مختلطة بأنفاس القرية، فتعود إلى ذهنه ذكريات يدفعها عن نفسه، باذلا غاية الجهد ألا تعود هذه الذكريات. لا، لا يريد، لا يريد إلا هنية، ثم يعود إلى القاهرة هناك حيث يضيع في الزحام الكبير، ويكتب شعرا ويصادق من يجد عندهم نفعا حتى ينتهي هذا النفع فتنتهي الصداقة.
مشى حسين في القرية يرد عن نفسه الذكريات التي تتواكب عليه من أشجارها، من تلالها، من طرقها، من بيوتها، بل من سمائها، ومن أنفاسها، ومن رائحة أعشابها وزرعها.
لم يقصد إلى بيت الحاج والي، لا ولا إلى بيت جده، وإنما قصد إلى بيت أبي هنية؛ فما كان يريد إلا هنية.
قال لأبيها: أتذكرني يا عم عبد الحميد؟
وتفرس فيه عبد الحميد لحظات قليلة ثم قال: الشيخ حسين؟ كيف أنت يا شيخ حسين؟ - الله يطيل عمرك. عرفتني بعد هذه السنين الطويلة، وبعد أن غيرت بالعمامة الطربوش. - كيف أنساك يا شيخ حسين، وأنت من بلدي. كيف حالك؟ - الحمد لله. - نسمع أغانيك في الراديو، كلامك حلو والله يا شيخ حسين. - الله يكرمك يا عم عبد الحميد ...
وصاح عبد الحميد من مكانه: القهوة يا هنية.
وقال حسين في تظاهر باللعثمة: أسفت والله لما حصل من أخي! - كل شيء قسمة ونصيب يا سي الشيخ. - يا ترى يا عم عبد الحميد لو أردت أن أصلح؟ - حد الله بيننا وبين محمد يا شيخ حسين. هو الآن دكتور ونفسه كبرت علينا. يا ابني أرأيت عمرك زوجا لا يقيم مع زوجته؟ ثم لا يكتفي بهذا، بل يطلقها أيضا ولا يفكر في ابنه الصغير. لا ... لا يا شيخ حسين، حد الله بيننا وبين محمد ... - أنت لم تفهم قصدي يا عم عبد الحميد. - خيرا؟ - أنا أريد أن أخطب هنية لنفسي. أنا مدرس ومرتبي ... - انتظر يا ابني ... أنت تريد أن تتزوج طليقة أخيك؟ - ما أحله الله لا يحرمه العبد يا عم عبد الحميد.
وسكت عبد الحميد مطرقا، وأمعن التفكير ثم قال: هل سألت الحاج والي يا شيخ حسين؟
وارتج على حسين؛ فما كان ينتظر هذا السؤال. ثم قال متلعثما: أردت أن أسألك أولا ... - لا يا ابني؛ فهنية لا تزال أم ابنهم. والحاج والي تأثر بما فعله ابنه تأثرا كبيرا، وهو يبر البنية حتى اليوم ويأتي لزيارتها دائما ويسأل عنها. وأنت على كل حال يا شيخ حسين ابنه، لا ينكر المعروف إلا ابن الحرام، وانت ابنه يا شيخ حسين ...
Page inconnue