150

Cuyun Tafasir

عيون التفاسير للفضلاء السماسير للسيواسي

Genres

التورية بسبب بغيهم وظلمهم لقوله تعالى «فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم» «1» الآية، وليس بتحريم قديم كما يدعونه فان جحدوا ذلك (قل فأتوا بالتوراة فاتلوها) ليظهر صدقهم (إن كنتم صادقين) [93] فيما تزعمون فأبوا عن اتيانها لما بهتوا وعرفوا أنه حق بالوحي وما قالوه افتراء على الله فقال تعالى (فمن افترى على الله) أي اختلق عليه (الكذب من بعد ذلك) أي بعد لزوم الحجة القاطعة (فأولئك هم الظالمون) [94] أي الذين لا ينصفون أنفسهم بسبب المكابرة والعناد.

[سورة آل عمران (3): الآيات 95 الى 96]

قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين (95) إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين (96)

ثم أمر نبيه تعريضا بكذبهم فقال (قل صدق الله) إن تحريمه ليس في التورية (فاتبعوا ملة إبراهيم) أي ملة الإسلام (حنيفا) أي مخلصا في إسلامه مستقيما في سبيله (وما كان من المشركين) [95] أي على دينهم، فكلوا لحوم الإبل وألبانها كما أكل إبراهيم، ولا تحرموا على أنفسكم شيئا بأهوائكم التي أفسدت دينكم ودنياكم بتحريف كتاب الله لتسوية أغراضكم لأن يكون التحريم قديما، والتورية ناطق بأنه تحريم حادث بسبب ظلمكم وتحريم الطيبات التي أحلها الله لإبراهيم ولمن «2» تبعه، وصلوا إلى بيت الله الذي بناه إبراهيم بالوحي، وفيه آيات كثيرة تدل على نبوة إبراهيم وصحة دينه لقوله تعالى (إن أول بيت وضع للناس) مجهولا، والواضع الله، قيل:

نزل حين قالت اليهود قبلتنا بيت المقدس «3»، قيل: قبلتكم فهو أحق بالصلوة إليه فرد الله قولهم بذلك «4»، روي:

أن الملائكة بنته ولما حجه آدم قالت له بر حجك يا آدم قد حججناه قبلك بألفي عام «5»، وقال النبي عليه السلام:

«إن المسجد الحرام وضع قبل الأقصى بأربعين سنة» «6»، وقيل: «هو أول متعبد في الأرض» «7»، وقيل: أول من بناه آدم «8»، وقيل: أول من بناه إبراهيم ثم بناه قوم من العرب في اليمن من أصهار إسمعيل عليه السلام، ثم بناه قوم من أولاد عمليق بن لاوذ، ثم بناه قريش «9»، وخبر «إن» قوله (للذي ببكة) أي بمكة، والباء تبدل من الميم، يقال سبدته وسمدته إذا استأصلته، من البك، وهو الازدحام وسمي بها، لأن الناس يزدحم بعضهم بعضا، وقيل: «بكة موضع البيت ومكة البلد حوله» «10» (مباركا) حال من ضمير «وضع»، أي كثير الخير للناس لحصول «11» الثواب لهم بالطواف والصلوة والعكوف عنده ومغفرة لذنوبهم (وهدى للعالمين) [96] عطف على الحال، أي حال كونه سببا لهدايتهم، لأنه قبلتهم يصلون إليها لأجل عبادة الله.

[سورة آل عمران (3): آية 97]

فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين (97)

(فيه آيات بينات) أي علامات واضحات، قوله (مقام إبراهيم) عطف بيان لقوله «آيات بينات»، وهو مفرد في معنى الجمع لما فيه من ظهور شأن إبراهيم من تأثير قدمه «12» في حجر صلد، وظهور نبوته وقوة دلالته على قدرة الله تعالى، ولأن ألانه بعض الحجر دون البعض آية وإبقاؤها دون سائر آيات الأنبياء عليهم السلام آية لإبراهيم خاصة وحفظه مع كثرة أعدائه من الكفار ألوف سنين آية، فيكون مقام إبراهيم مشتملا على الآيات (ومن دخله) أي حرم البيت (كان آمنا) كقوله تعالى «أ ولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا» «13»، ويتخطف الناس من

Page 169