Cutting Ties to Reflect on the Servitude of the Creatures

Arfa Bin Tantaoui d. Unknown

Cutting Ties to Reflect on the Servitude of the Creatures

قطع العلائق للتفكر في عبودية الخلائق

Maison d'édition

مركز تأصيل علوم التنزيل للبحوث العلمية والدراسات القرآنية

Numéro d'édition

الأولى

Année de publication

١٤٤٣ هـ

Lieu d'édition

القاهرة - مصر

Genres

تم نشره في مجلة البحوث في ٤/ ١٤٤٣ هـ قَطْعُ العَلائِقِ للتَّفَكُرِ فِي عُبُودِيَّةِ الخَلائِقِ كَتَبَهُ الفَقِيِرُ إلى عَفْوِ رَبِهِ البَارِيِ عَرَفةُ بْنُ طَنْطَاوِيِّ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ - - وَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَلِوالِدَيهِ وَلِمشَايِخِهِ وَلِذُريَّتِهِ ولِلمُؤْمِنِينَ والمُوْمِنَاتِ - عَمِيِدُ كُلْيَّةِ أُصُوِلِ الدِّيِنِ والدِرَاسَاتِ الإِسْلَامِيةِ بِجَامِعَةِ خَاتَمِ المُرْسَلِيِنَ العَالَمِيَّةِ وَأُسْتَاذُ التَّفْسِيرِ وَعُلُوُمِ القُرَآنِ لِلدِّرَاسَاتِ الْعُلِيَا بِالجَامِعَةِ الإِسْلامِيَّةِ والمَعْهَدِ العَاليِ للأَئِمَّةِ والخُطَبَاءِ- بـ " مِنِيسُوتَا " وَالرَّئِيسُ العَامُ لِمَرْكَزِ تَأْصِيِل عُلُومِ التَنْزِيِلِ لِلبُحُوثِ العِلْمِيِةِ وَالدِّرَاسَاتِ القُرّآنِيِةِ -١٤٤٢ هـ -

1 / 1

من إصدارات تأصيل مركز تأصيل علوم التنزيل للبحوث العلمية والدراسات القرآنية https://taaselcenter.com arafatantawy440@gmail.com

1 / 2

موسوعة تأصيل علوم التنزيل (٣١) قَطْعُ العَلائِقِ للتَّفَكُرِ فِي عُبُودِيَّةِ الخَلائِقِ كَتَبَهُ الفَقِيِرُ إلى عَفْوِ رَبِهِ البَارِيِ عَرَفةُ بْنُ طَنْطَاوِيِّ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ - - وَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَلِوالِدَيهِ وَلِمشَايِخِهِ وَلِذُريَّتِهِ ولِلمُؤْمِنِينَ والمُوْمِنَاتِ - عَمِيِدُ كُلْيَّةِ أُصُوِلِ الدِّيِنِ والدِرَاسَاتِ الإِسْلَامِيةِ بِجَامِعَةِ خَاتَمِ المُرْسَلِيِنَ العَالَمِيَّةِ وَأُسْتَاذُ التَّفْسِيرِ وَعُلُوُمِ القُرَآنِ لِلدِّرَاسَاتِ الْعُلِيَا بِالجَامِعَةِ الإِسْلامِيَّةِ والمَعْهَدِ العَاليِ للأَئِمَّةِ والخُطَبَاءِ- بـ " مِنِيسُوتَا " وَالرَّئِيسُ العَامُ لِمَرْكَزِ تَأْصِيِل عُلُومِ التَنْزِيِلِ لِلبُحُوثِ العِلْمِيِةِ وَالدِّرَاسَاتِ القُرّآنِيِةِ -١٤٤٢ هـ -

1 / 1

بسم الله الرحمن الرحيم مجلة البحوث والدراسات الشرعية إصدار علمي متخصص جامعي محكم إلى من يهمه الأمر يرجى التكرم بالعلم بأن البحث المقدم من: الدكتور / عرفة بن طنطاوي عميد كلية أصول الدين والدراسات الإسلامية بجامعة خاتم المرسلين العالمية، وأستاذ التفسير وعلوم القرآن للدراسات العليا، بالجامعة الإسلامية والمعهد العالي للأئمة والخطباء - بـ "منيسوتا"، والرئيس العام لمركز تأصيل علوم التنزيل للبحوث العلمية والدراسات القرآنية. وعنوانه: (قطع العلائق للتفكر في عبودية الخلائق). قد ورد إلى هيئة الإصدار وخضع للتحكيم العلمي المتخصص، وأجيز للنشر بأحد أعداد المجلة وتم نشره بالعدد الرابع والسبعين من مجلة البحوث الإسلامية، الذي صدر في شهر ربيع الآخر ١٤٤٣ هـ، هذا وبالله التوفيق، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. مؤسس الإصدار ورئيس التحرير أ. د. عبد الفتاح محمود إدريس رقم إيداع المجلة بدار الكتب: (١٨٦٢٠/ ٢٠١٢) - الترقيم الدولي الموحد لها: (ISSN. ٢٠٩٠ - ٩٩٩٣) رابط موقع المجلة على الانترنت: journalofshareiarchandstudies.com رابط معامل التأثير العربي للمجلة: journal impact factors-php.mht جمهورية مصر العربية، القاهرة، مساكن مدينة نصر، رمز بريدي: ١١٣٧١. ص. ب: ٨١٣١

1 / 2

دِيْبَاجَةُ البَحْثِ الحمد لله الذي سبح بحمد كل من في أرضه وسماوته، وخضع لكبريائه وعظمته كل من يليه من كائناته، وشهدت له بالربوبية جميع موجوداته، وأقرت له بالإلهية جميعُ مصنوعاته، فشهدت كلها له بأنه الخالق البارئ لجميع مخلوقاته، وأقرت بعظمته بما أودعها من عجائب صنعه وبديع آياته، كما قال ربنا في محكم كلماته: (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ) (الرعد: ١٥). فيا ليتنا نعي ما أمرنا به ربنا من تدبر كتابه الذي قال فيه في محكم آياته: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ) (ص: ٢٩). وسبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضى نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته، وأشهد ألا إله إلا الله وحده، لا شريك له في ألوهيته، كما أنه لا شريك له في ربوبيته، ولا شبيه له في أفعاله، ولا مثيل له في صفاته، ولاند له في ذاته، … والله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلًا. وسبحان من سبحت له السموات وأملاكها، والنجوم وأفلاكها، والأرض وسكانها، والبحار وحيتانها، والنجوم والجبال، والشجر والدواب، والآكام والرمال، وكل رطب ويابس، وكل من في ملكوته من أرضه وسماواته قد خضع وذل لكبريائه وعظمته وسبحه وعظمه لذاته، كما قال تعالى في محكم آياته: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن من شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) (الإسراء: ٤٤). وقد قهر بربوبيته كل مخلوقاته، فأولياؤه أتوه طوعًا، وقد أتوه قهرًا وغلبة جميع لداته وعداته كما قال ربنا في محكم آياته: (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا) (مريم: ٩٣ - ٩٥). وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله خير من عبد ربه في حياته وحتى مماته، صلوات الله عليه وعلى آله وصحبه وتسليماته وتبريكاته.

1 / 3

وبعد فإن هذا الكون الفسيح، وهذا العالم كله بعالمه العلوي والسفلي خاضع لسلطان الله ولا يسع أيُّ أحدٍ فيه- كائنًا من كان- الخروج عن ربوبية الله التي قهر بها كل مخلوقاته، ثم إنه سبحانه قد سَخَّر لهذا المخلوق-الإنسان-الضعيف كل ما في السموات وما في الأرض ليتهيأ لعبادة الله وليتفكر في عظمة خالقه ويتأمل كيف قهر الله كل هذه المخلوقات، وأنه جزءٌ لا يتجزَّأ مِن هذا العالم وتلك المصنوعات، وأنه من أضعفها وأفقرها إلى خالقها وبارئها، وأن طاعته لله تنسجِم مع طاعة كلِّ تلك الكائنات، ووا أَسَفاه على كل من انتكب الصراط وتمرد على الله من جهلة بني آدم ممن طمس الله فِطَرهم وَسَكَّرَ نورَ الحق عن بصائرهم فغشَّاها ظلام الجهل والإعراض والصَّد عن سبيل الله، ممن عطلوا نعمة العقل والفهم والإدراك ولم يتفكروا في عبودية الكائنات من حولهم لبارئها وانصياعها لأمره وخضوعها لسلطانه، فلم يسيروا وفق منهج عبودية الكون لله منسجمين مع جميع تلك المخلوقات. ولقد ذم الله تعالى الذين عطلوا تلك النعم العظيمة فقال سبحانه فيهم: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) (الأعراف: ١٧٩). وهذا البحث هو مجرد دعوى لإعادة النظر وإعمال القلب وفتح مسامعه لإعادة التفكر في عظمة الله وفي إخضاعه- سبحانه- جميع العوالم علويها وسفليها لسلطانة وجبروته وقهره وقوته وعظمته، وبذلك ينتبه القلب من غفلته ويرجع ويؤب هذا المخلوق الفقير إلى الله من كل الوجوه، الضعيف الذي لا حولا ولا قوة له إلا بخالقه سبحانه، فيعود ويؤوب إلى حظيرة الإيمان، ويرسخ في نفسه اليقين، ويغلب عليه جانب الخشية، فيعرف للخالق العظيم قدره ويعظمه حق تعظيمه ويعبده حق عبادته، وكلما كان الإنسان أكثر إعمالًا لعقله وفكره وكان أكثر تأملا في عبودية جميع المخلوقات لله، كان كل ذلك أدعى لتحقيق معرفته بالله والعلم به جل في علاه، وهذه

1 / 4

الخصال من أعظم ما يجلب للعبد خشية الله وإجلاله وتعظيمه، كما قال - سبحان-: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء) (فاطر: ٢٨). ملخص البحث هذا بحثٌ مختصرٌ مفيدٌ وقصير، تفضل به الرب العليم الخبير على عبده الضعيف الفقير، وقد تناول فيه الباحثُ دارسةَ جانبٍ من جوانبِ عبوديةِ الخلائقِ لخالقها وباريها جَلَّ في علاه، ودعا للتفكر فيها كما أمر بذلك سيده ومولاه، وقد أسماه " قَطْعَ العَلائِقِ للتَّفَكُرِ فِي عُبُودِيَّةِ الخَلائِقِ" داعيًا قبوله عند الله، راجيًا أن يجزيه به أحسن الجزاء وأتمه وأوفاه، وأن يجعله له ذخرًا يوم يلقاه، وأن ينتفع به كل من يطالعه ويراه. Research Summary This is a brief، useful and short treatise، which the All-Knowing، bestowed on His weak، poor servant.The researcher dealt with it، studying an aspect of the servitude of creatures to their Creator، the Most High، and called for contemplation of it as ordered by his master.He called it "cutting ties to contemplate the servitude of creatures. " He prayed for his acceptance with God، hoping that He would reward him with the best، most complete and most fulfilling recompense، and that He would make him a treasure on the day he met him، and that everyone who read and saw him would benefit from it.

1 / 5

خطة البحث وقد ضمَّن الباحثُ بحثَه خطة بحث مكونة من أربعة فصول، وكل فصل يندرج تحته عدد من المباحث، وكل مبحث يندرج تحته عدد من المطالب، وقد بيَّن فيه ما يلي: أولًا: أهمية موضوع البحث ثانيًا: أهم الدراسات السابقة وأبرزها ثالثًا: أسباب ودواعي اختيار موضوع البحث رابعًا: أهداف البحث خامسًا: منهج البحث سادسًا: أبرز النتائج التي توصلت لها تلك الدراسة وتوصيات البحث وخاتمته. سابعًا: مجموع الفهارس وخطة البحث مكونة من أربعة فصول، وقد بيَّنها مفصلة على النحو التالي: الفصل الأول: تعريف العبودية وفيه ثلاثة مباحث: المبحث الأول: مفهوم العبودية وفيه مطلبان: المطلب الأول: مفهوم العبودية في اللغة المطلب الثاني: مفهوم العبودية في الشرع المبحث الثاني: بيان أقسام العبودية وفيه خمسة مطالب: المطلب الأول: القسم الأول من أقسام العبودية "عبودية الغلبة والقهر والملك" المطلب الثاني: القسم الثاني من أقسام العبودية "عبودية الاختيار والانقياد والطاعة والمحبة" المطلب الثالث: بيان حقيقة العبودية

1 / 6

المطلب الرابع: بيان شرطي تحقيق العبودية المطلب الخامس: تقرير عبودية الله تعالى في القرآن الكريم المبحث الثالث: أصل الدين مبني على أصلين عظيمين (العبودية - والاستعانة) وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: الغاية من خلق المكلفين تحقيق العبودية المطلب الثاني: مكانة العبودية والاستعانة وتحقيق التلازم بينها المطلب الثالث: أقسام الخلق في منازل" إياك نعبد وإياك نستعين" الفصل الثاني: عبودية البشر وفيه مبحثان: المبحث الأول: عبودية النبين والمرسلين -عليهم الصلاة والسلام - وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: عبودية خاتم النبين والمرسلين ﷺ المطلب الثاني: عبودية أولي العزم من الرسل ﵈ بأعيانهم المطلب الثالث: عبودية عموم المرسلين ﵈ المبحث الثاني: عبودية عموم البشر وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: عبودية الصحابة ﵃ المطلب الثاني: عبودية حواريي الأنبياء وأصحابهم المطلب الثالث: عبودية عموم الخلق الفصل الثالث عبودية الملائكةِ والجنِّ وفيه مبحثان: المبحث الأول: عبودية الملائكةِ وفيه ستة مطالب: المطلب الأول: التعريف بالملائكة

1 / 7

المطلب الثاني: حكم الإيمان بالملائكة المطلب الثالث: مكانتهم وخلقتهم المطلب الرابع: أعداد الملائكة المطلب الخامس: مهام ووظائف الملائكة المطلب السادس: عبادة الملائكة المبحث الثاني: عبودية الجنِّ وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: التعريف بالجنِّ المطلب الثاني: حقيقة وجود الجنِّ وتكليفهم بالعبادة المطلب الثالث: رسالة النبي ﷺ عامة لجميع عموم الثقلين الفصل الرابع عبودية الكائنات وفيه مبحثان: المبحث الأول: عبودية الكائنات لله عبودية غلبة وقهر وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: غني الخالق عن خلقه، وافتقار جميع خلقه إليه المطلب الثاني: سجود جميع الكائنات لله وخضوعها لسلطانه المطلب الثالث: تسبيح الكائنات لخالقها - سبحانه - المبحث الثاني: ذكر نماذج من تسبيح الكائنات وفيه مطالب: المطلب الأول: تسبيح الرعد خاصة المطلب الثاني: تسبيح جميع كائنات العالم العلوي والسفلي كلها المطلب الثالث: مشاهد من عبودية الطير في القرآن المطلب الرابع: مشاهد من عبودية وتسبيح النمل وبعض المخلوقات المطلب الخامس: مشاهد من عبودية بعض الجمادات كالحجارة والجبال

1 / 8

المطلب السادس: مشاهد من عبودية الطعام وتسبيحه تفصيل منهجية البحث أولًا: أهمية موضوع البحث تكمن أهمية موضوع البحث في إبراز قدرة الله تعالى في خضوع كل مخلوقاته لجلاله وكبريائه وعظمته، وأن كل الكون خاضع لربه سواء كان هذا الخضوع خضوع اختيار وانقياد، أم كان خضوع قهر وغلبة، فلا يسع أحد من مخلوقاته الخروج عن ربوبيته التي قهر بها جميع خلقه. ثانيًا: أهم الدراسات السابقة وأبرزها الدراسة الأولى: "عبودية الكائنات لرب العالمين"، تأليف الباحث: فريد إسماعيل التوني، ط ١، عدد الأجزاء ١، وتلك الدراسة نال بها الباحث درجة الماجستير من كلية الدعوة وأصول الدين- جامعة أم القرى- بمكة المكرمة- بالمملكة العربية السعودية- وقد قامت الجامعة بنشرها عام ١٤١١ هـ، كما نشرتها دار الإيمان للطباعة والنشر والتوزيع بالإسكندرية، عام ٢٠١٥ م. ولم يقف الباحث على أطروحة علمية تناولت بحث هذا الموضوع سوى هذه الدراسة. وصف الدراسة: قد تناول الباحث في تلك الدراسة الكلام على العبودية ومفهومها، ثم أعقبها بالكلام على مفهوم الكائنات وأنواعها، ثم تناول بيان أنواع العبادات، وأعقبها بالحديث عن عبودية الأنبياء، ثم ثنى بعبودية النبي صلى الله وسلم عليهم أجمعين، ثم ثلث بعبودية أتباع الأنبياء، ثم تناول عبودية الكائنات، ثم تناول أسباب انحراف الكثير من المسلمين عن معنى العبودية الحقة، ثم تكلم عن أسباب هذا الانحراف وآثاره وختمه ببيان طرق النجاة منه.

1 / 9

وتلك الدراسة مع حسنها وبهائها فيها نوع توسع لأنها أطروحة علمية، وقد أجاد فيها الباحث وأفاد، وقد توسع في الشرح والاستدلال، وليته ضم إلى سبب انحراف الكثير من المسلمين عن معنى العبودية الحقة- انحراف عموم البشر عن الفطرة السوية والصبغة التي صبغهم الله عليها أول مرة. الدراسة الثانية: "عبودية الكون والكائنات"، تأليف: مؤيد حمدان، وجدان العلي. دار النشر: مؤسسة الجديد النافع للنشر والتوزيع -الكويت، والكتاب عبارة عن (غلاف) يقع في ٢٥٦ صفحة، تاريخ النشر: ٤/ ٦/ ٢٠٢١ م. وصف الدراسة: تكلم المؤلفان عنها فقالا: الكون بكل ما فيه من مخلوقات وعجماوات وجمادات قد تعبد لله ﷾، فهو يعبده سبحانه حبًا وتعظيمًا، وتذللًا وتقديسًا، في مشهد غيبي عظيم تكرر ذكره القرآن مرارًا وتكرارًا، لن يفقه معناه إلا من استضاء بنور الوحي والإيمان. ومن هنا جاءت فكرة هذا الكتاب ليكشف لنا حقيقة مفادها أننا إذا عبدنا الله ﷾ فقد انسجمنا مع هذا الكون الفسيح بكل مخلوقاته وعوالمه الغيبية والمشاهدة. والحقيقة لم يقف الباحث على هذه الدراسة، وهذا الكتاب لا يعد دراسة تأصيلية أو أطروحة علمية، لكنه يندرج تحت مسمى الكتابات الحرة، وهو يبدوا من أسلوب التعريف به أنه من كتابات الأقلام الشابة. ثالثًا: أسباب ودواعي اختيار موضوع البحث إن من أهم الدواعي والبواعث على تناول موضوع البحث بالمدارسة والمناقشة التنبه لأمور من أبرزها ما يلي: ١ - تنبيه العباد إلى أن الغاية التي خلقهم الله لها وأوجدهم من العدم من أجلها هي عبادته وطاعته، فيجب عليهم التنبه لها والعناية بها والانقياد والاستجابة لأمره خالقهم والخضوع والذل له سبحانه وتحقيق العبودية لجلاله بمحض الإرادة والاختيار.

1 / 10

٢ - السعي في إبراز عظمة الخالق في خضوع جميع مخلوقاته- سبحانه- مع تعددها وتنوعها وكثرتها، وأن تلك المخلوقات بعالمها العلوي والسفلي منقادة لأمره جل في علاه، فعلى الإنسان العاقل الناصح لنفسه الحريص على نفعها وفكاكها من النار سلوك مسلك تلك الكائنات والحرص على تحقيق العبودية لرب البريات قبل الحسرة والفوات. رابعًا: أهداف البحث تُعد من أبرز أهداف البحث الحث على تحقيق الإيمان بالله وزيادته والثبات عليه وذلك بالدعوة للتأمل في عظمة الله في عالمه العلوي والسفلي الذي خضع لخالقه وبارئه جلَّ في علاه. خامسًا: منهج البحث لقد استخدم الباحث المنهج الوصفي الذي يُعد أحد أهم أساليب مناهج البحث العلمي. وقد تناول الباحث فيه معنى العبودية وأقسامها ووصف حقيقتها، ثم عرَّج على وصف شرطي تحقيقها، ثم انتقل لوصف عبودية البشر خواصهم وعمومهم، ثم انتقل لوصف عبودية العالم العلوي والعالم السفلي بعموم مخلوقاته، ثم ختم بحثه بعرض وصف لنماذج من تسبيح الكائنات.

1 / 11

الفصل الأول تعريف العبودية وفيه مبحثان: المبحث الأول: مفهوم العبودية وفيه مطلبان: المطلب الأول: مفهوم العبودية في اللغة العبودية: مصدر عبد يعبد عبادةً ومعبدًا ومعبدةً، فهو عبدٌ، أي: ذلّ وخضع. قال الخليل: «أما عَبد يعبد عبادة، فلا يقال إلا لمن يعبد الله تعالى، يقال منه: عبد يعبد عبادة وعبودة وعبودية ومعبدًا، وتعبد يتعبد تعبدًا، فالمتعبد: المنفرد بالعبادة» (^١). ويجلي ابن منظور ا مفهوم العبودية في اللغة فيقول: «أصل العبودية الخضوع والتذلل … وعَبَدَ اللهَ تألّه له … والتعبّد التنسك، والعبادة: الطاعة» (^٢). وقال الفراء: «معنى العبادة في اللغة: الطاعة مع الخضوع، ومنه طريق معبد إذا كان مذللًا بكثرة الوطء» (^٣). قال الراغب: العبودية: إظهار التذلل، والعبادة أبلغ منها لأنها غاية التذلل. (^٤)

(^١) العين (٢/ ٤٨). (^٢) لسان العرب (٥/ ٢٧٧٦)، مادة: (ع ب د). لسان العرب المؤلف: محمد بن مكرم بن على، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الرويفعى الإفريقي (المتوفى: ٧١١ هـ) الناشر: دار صادر - بيروت الطبعة: الثالثة - ١٤١٤ هـ عدد الأجزاء: ١٥. (^٣) لسان العرب (٥/ ٢٧٧٨)، مادة: (ع ب د). (^٤) - مفردات ألفاظ القرآن، للراغب الأصفهاني (ص: ٥٤٢). المفردات في غريب القرآن المؤلف: أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهانى (المتوفى: ٥٠٢ هـ) المحقق: صفوان عدنان الداودي الناشر: دار القلم، الدار الشامية - دمشق بيروت الطبعة: الأولى - ١٤١٢ هـ.

1 / 12

وقيل: «عبادة الله: طاعته بفعل المأمور وترك المحذور» (^١). وقال ابن الأنباري ﵀-: (^٢) «فلان عابد وهو الخاضع لربه المستسلم المنقاد لأمره» (^٣). وقال الزبيدي ﵀-: «أصل العبودية الذل والخضوع، وقال آخرون: العبودية الرضا بما يفعل الرب، والعبادة فعل ما يرضى به الرب» (^٤). فالعبادة إذًا: الطاعة المقرونة بالذل والخضوع. المطلب الثاني: مفهوم العبودية في الشرع والعبودية مشتقة من العبادة، وقد عرّفها شيخ الإسلام ابن تيمية (ت: ٧٢٨ هـ) ﵀ بقوله: «هِيَ اسْم جَامع لكل مَا يُحِبهُ الله ويرضاه من الْأَقْوَال والأعمال الْبَاطِنَة وَالظَّاهِرَة» (^٥)، وقيل: «وَهِيَ اسْمٌ يَجْمَعُ كَمَالَ الْحُبِّ لِلَّهِ وَنِهَايَتَهُ وَكَمَالَ الذُّلِّ لِلَّهِ وَنِهَايَتَهُ» (^٦).

(^١) ابن تيمية العبودية، العبودية المؤلف: تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي (المتوفى: ٧٢٨ هـ) المحقق: محمد زهير الشاويش الناشر: المكتب الإسلامي - بيروت الطبعة: الطبعة السابعة المجددة ١٤٢٦ هـ - ٢٠٠٥ م. (^٢) هو الإمام الحافظ اللغوي ذو الفنون محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن بن بيان ابن سماعة بن فروة بن قطة بن دعامة أبو بكر الأنباري. (٢٧١ هـ - ٣٢٨ هـ) المقرئ النحوي. نقلًا عن: الموسوعة الحرة. (^٣) لسان العرب (٥/ ٢٧٧٨)، مادة: (ع ب د). (^٤) تاج العروس (٢/ ٤٠٩). (^٥) العبودية لابن تيمية (ص: ٤٤). (^٦) مجموع الفتاوى (١٠/ ١٩).

1 / 13

ولا شك أن تعريف شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ تعريف جامع مانع، وهو أفضل مَن عرف معنى العبودية وكتابه: (العبودية) شاهد عيان على ذلك، وقد عرض فيها حقيقة العبودية في الإسلام بشموليتها وكمالها وتمامها، وهو من أنفع وأمتع ما كُتِبَ في بابه تحقيقًا وتدقيقًا وسبكًا وحبكًا للأسلوب وعرضًا للمادة العلمية، لم لا وهو إمام جهبذ وعالم نحرير ما جادت لنا بمثله الأرحام من ذاك الزمان. وقال ابن القيم (ت: ٧٥١ هـ) ﵀-: «العبودية اسم جامع لمراتب أربع: من قول اللسان والقلب، وعمل القلب والجوارح. فقول القلب هو اعتقاد ما أخبر الله سبحانه به عن نفسه وعن أسمائه وصفاته وأفعاله وملائكته على لسان رسله ﵈. وقول اللسان الإخبار عن قول القلب بما فيه من الاعتقاد والدعوة إليه والذّب عنه، وتبيين بطلان البدع المخالفة والقيام بذكره وتبليغ أوامره. وعمل القلب كالمحبة له والتوكل عليه والإنابة إليه والخوف منه والرجاء له وإخلاص الدين له والصبر على أوامره وعن نواهيه وعلى أقداره والمعاداة فيه والخضوع والذل له وغير ذلك من أعمال القلب. وأعمال الجوارح كالصلاة والحج والجهاد وغيرها» (^١). ويُعرِّفها المناوي (ت: ١٠٣١ هـ) ﵀: بقوله: «العبادة فعل المكلف على خلاف هوى نفسه تعظيمًا لربه. وقيل: هي الأفعال الواقعة على نهاية ما يمكن من التذلل والخضوع المتجاوز لتذلل بعض العباد لبعض، ولذلك اختصت بالرب، وهي أخص من العبودية التي تعني مطلق التذلل» (^٢).

(^١) مدارج السالكين (١/ ١٠٠). مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين المؤلف: محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى: ٧٥١ هـ) المحقق: محمد المعتصم بالله البغدادي الناشر: دار الكتاب العربي - بيروت الطبعة: الثالثة، ١٤١٦ هـ - ١٩٩٦ م عدد الأجزاء: ٢. (^٢) التوقيف على مهمات التعاريف للمناوي (٢٣٤). التوقيف على مهمات التعاريف المؤلف: زين الدين محمد المدعو بعبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري (المتوفى: ١٠٣١ هـ) الناشر: عالم الكتب ٣٨ عبد الخالق ثروت-القاهرة الطبعة: الأولى، ١٤١٠ هـ-١٩٩٠ م عدد الأجزاء: ١.

1 / 14

المبحث الثاني: بيان أقسام العبودية وفيه خمسة مطالب: المطلب الأول: القسم الأول من أقسام العبودية "عبودية الغلبة والقهر والملك" وهي عبودية كل من في السماوات والأرض مؤمنهم وكافرهم، برّهم وفاجرهم، قال تعالى: (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا) [مريم: ٩٣ - ٩٥]، كما تسمى أيضًا بالعبودية العامة. يقول شيخ المفسرين ابن جرير الطبري (ت: ٣١٠ هـ) ﵀-: «ما جميع من في السماوات من الملائكة، وفي الأرض من البشر والإنس، يقول: إلا يأتي ربه يوم القيامة عَبْدًا له، ذليلًا خاضعًا، مُقِرًّا له بالعبودية، لا نسب بينه وبينه (^١). ويقول البغوي (ت: ٥١٠ هـ) ﵀-: (إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ) أي: إلا آتيه يوم القيامة (عَبْدًا) ذليلًا خاضًعا يعني: أن الخلق كلهم عبيده (^٢).

(^١) تفسير الطبري: القول في تأويل قوله تعالى: (أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا) [مريم: ٩١] (١٨/ ٢٦١). جامع البيان في تأويل القرآن المؤلف: محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: ٣١٠ هـ) المحقق: أحمد محمد شاكر الناشر: مؤسسة الرسالة الطبعة: الأولى، ١٤٢٠ هـ - ٢٠٠٠ م عدد الأجزاء: ٢٤. (^٢) تفسير البغوي: تفسير: قوله تعالى [مريم: ٩١] (٥/ ٥٢٧). معالم التنزيل في تفسير القرآن، المؤلف: محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي (المتوفى: ٥١٠ هـ) المحقق: عبد الرزاق المهدي الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت الطبعة: الأولى، ١٤٢٠ هـ عدد الأجزاء: ٥.

1 / 15

ويقرر أبو السعود (ت: ٩٨٢ هـ) ﵀: ما قرراه، أعني: شيخَ المفسرين، والإمامَ البغوي بقوله: «أي: ما منهم أحد من الملائكة والثقلين (إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا) إلا وهو مملوك له، وهو مملوك له، يأوي إليه بالعبودية والانقياد» (^١). وفي صدد ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀-: «المخلوقون كلُّهم عبادُ الله: الأبرار منهم والفجَّار، والمؤمنون والكفَّار، وأهل الجنَّة وأهل النار؛ إذ هو ربُّهم كلهم ومليكُهم، لا يخرجون عن مشيئتِه وقدرته … فهو سبحانه ربُّ العالمين وخالقُهم ورازقُهم، ومُحييهم ومميتُهم … سواء اعترَفوا بذلك أو أنْكروه، وسواء علِموا ذلك أو جهلوه. لكنَّ أهلَ الإيمان منهم عرَفوا ذلك وآمَنوا به؛ بخلافِ مَن كان جاهلًا بذلك؛ أو جاحدًا له مستكبرًا على ربِّه …» (^٢). يقول ابنُ القيِّمُ (ت: ٧٥١ هـ) ﵀-: إنّ تمام العبوديةِ يكون بتكميل مقام الذلِّ والانقياد، وأكملُ الخلقِ عبودية أكملهم ذلًا لله وانقيادًا وطاعة، والعبدُ ذليلٌ لمولاه الحقِّ بكل وجه من وجوه الذلّ، فهو ذليلٌ لعزِّه، وذليلٌ لقهره، وذليلٌ لربوبيته فيه وتصرُّفهِ، وذليلٌ لإحسانِه إليه وإنعامه عليه. (^٣) وفي صدد بيان هذه العبودية أيضًا يقول سبحانه: (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) [آل عمران: ٨٣].

(^١) تفسير أبي السعود: تفسير قوله تعالى (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا) [مريم: ٩٣]، (٥/ ٢٨٣). (^٢) العبودية لابن تيمية: ينظر (ص: ٥٠ - ٥١)، وينظر: أيضًا (ص: ١٠٤). (^٣) - مفتاح دار السعادة (١/ ٢٨٩). مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة، المؤلف: أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية (٦٩١ هـ - ٧٥١ هـ) المحقق: عبد الرحمن بن حسن بن قائد، راجعه: مُحَمَّدْ أَجْمَل الإصْلاحِي، سليمان بن عبد الله العمير، الناشر: دار عالم الفوائد، مكة المكرمة، الطبعة: الأولى، ١٤٣٢ هـ، عدد الأجزاء: ٥.

1 / 16

ويقول سبحانه: (وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ؟بَل لَّهُ؟ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ؟ قَانِتُونَ) [البقرة: ١١٦]. وفي بيان معنى القنوت الوارد في قول الله تعالى: (كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ) يقول شيخ المفسرين ابن جرير الطبري ﵀-: «وأولى معاني القنوت في قوله: (كُلٌّ لَّهُ؟ قَانِتُونَ) الطاعة والإقرار لله ﷿ بالعبودية بشهادة أجسامهم بما فيها من آثار الصنعة، والدلالة على وحدانية الله ﷿، وأن الله تعالى ذكره بارئها وخالقها، وذلك أن الله جل ثناؤه أكذب الذين زعموا أن لله ولدًا بقوله: (لَّهُ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) [البقرة: ١١٦] ملكًا وخلقًا، ثم أخبر عن جميع ما في السماوات والأرض أنها مقرة بدلالتها على ربها وخالقها، وأن الله تعالى بارئها وصانعها، وإن جحد ذلك بعضهم فألسنتهم مذعنة له بالطاعة بشهادتها له بآثار الصنعة التي فيها بذلك، وأن المسيح أحدهم، فأنَّى يكون لله ولدًا وهذه صفته؟!» (^١). ويقول الله تعالى: (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا) [آل عمران: ٨٣] قال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀-: «فذكر إسلام الكائنات طوعًا وكرهًا؛ لأن المخلوقات جميعها متعبّدةٌ له التعبد العام، سواءٌ أقر المقر بذلك أو أنكره، وهم مدينون له مُدبّرون، فهم مسلمون له طوعًا وكرهًا، ليس لأحد من المخلوقات خروجٌ عما شاءه وقدّره وقضاه، ولا حول ولا قوة إلا به، وهو رب العالمين ومليكهم، يُصرّفهم كيف يشاء، وهو خالقهم كلّهم، وبارئهم ومُصورهم، كل ما سواه فهو مربوب مصنوعٌ مفطورٌ، فقيرٌ محتاجٌ معبَّد مقهورٌ، وهو سبحانه الواحد القهار الخالق البارئ المصوّر» (^٢). المطلب الثاني: القسم الثاني من أقسام العبودية "عبودية الاختيار والانقياد والطاعة والمحبة"

(^١) تفسير الطبري: (١/ ٥٠٧ - ٥٠٨). (^٢) العبودية (ص ١٤٥).

1 / 17

ويقرر ابن القيم ﵀ أن: «العبودية نوعان: عامة وخاصة» ثم يقول ﵀: «وأما النوع الثاني: فعبودية الطاعة والمحبة واتباع الأوامر، كما قال تعالى: (يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) [الزخرف: ٦٨]، وكما قال تعالى: (فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) [الزمر: ١٨، ١٧]، وقال: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرض هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجاهلون قَالُواْ سَلَامًا) [الفرقان: ٦٣]. فالخلق كلهم عبيد ربوبيته، وأهل طاعته وولايته هم عبيد ألوهيته» (^١). وأهل هذه العبودية: أقبلوا على ربهم وخالقهم ورازقهم طائعين منقادين لعبوديته سبحانه، مطيعين لأوامره بمحض إرادتهم واختيارهم، فهي عبودية محبة وانقياد وطاعة وذل وخضوع، وقد نسبهم الله إليه نسب تكريم وتشريف فقال في حقهم: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرض هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجاهلون قَالُواْ سَلَامًا) [الفرقان: ٦٣]. وهذه العبودية خاصة بالمؤمنين الذين يطيعون الله تعالى باختيارهم وإرادتهم لا يشاركهم فيها أحد من الكفار الذين خرجوا عن شرعه وتمردوا على أوامره ونواهيه. فنالوا بذلك عز الدنيا وشرفها وكرامة الآخرة وفضلها وأجرها. والخلق في هذه العبودية ترى بينهم بونًا شاسعًا، وهم متفاوتون فيها تفاوتًا كبيرًا وعظيمًا؛ فكلما كان العبد محبًّا لربه متبعًا لأوامره، منتهيًا عن نواهيه، منقادًا لشرعه، خاضعًا لسلطانه، كان تحقيقه لعبودية ربه أجل وأعظم وأكمل. وأعظم الناس تحقيقًا لمقام العبودية هم صفوة خلقه وأمنائه على وحيه وسفرائه بينه وبين عباده من النبين والمرسلين، وأعبدهم لله أجمعين هو سيدهم وإمامهم وأفضلهم وخاتمهم نبينا محمد ﷺ، ولذا خُص بالذكر بوصف العبودية مجردة في كتاب الله في أشرف المقامات وأعلاها وأزكاها، سبحانه: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا) [الكهف: ١] وهذا في مقام الوحي وهو من أشرف

(^١) مدارج السالكين (١/ ١٠٥).

1 / 18