لو تدبرنا آيات القرآن، واعتبرنا بالحوادث التي ألمت بالممالك الإسلامية لعلمنا أن فينا من حاد عن أوامر الله وضل عن هديه، ومنا من مال عن الصراط المستقيم الذي ضربه الله لنا وأرشدنا إليه، وبيننا من اتبع أهواء النفس وخطوات الشيطان،
ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم (الأنفال: 53)، فعلى العلماء الراسخين - وهم روح الأمة وقواد الملة المحمدية - أن يهتموا بتنبيه الغافلين عن ما أوجب الله، وإيقاظ النائمة قلوبهم عما فرض الدين، ويعلموا الجاهل، ويزعجوا نفس الذاهل، ويذكروا الجميع بما أنعم الله به على آبائهم، ويستلفتوهم إلى ما أعد الله لهم لو استقاموا، ويحذروهم سوء العاقبة لو لم يتداركوا أمرهم بالرجوع إلى ما كان عليه النبي
صلى الله عليه وسلم
وأصحابه ورفض كل بدعة، والخروج عن كل عادة سيئة لا تنطبق على نصوص الكتاب العزيز، ويقصوا عليهم أحوال الأمم الماضية، وما نزل بها من قضاء الله عندما حادت عن شرائعه، ونبذت أوامره
فأذاقهم الله الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون (الزمر: 26).
على العلماء أن يزيلوا اليأس بتذكير وعد الله ووعده الحق في قوله تعالى:
وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا (النور:55)، هذه وظيفة العلماء الراسخين وما هم بقليل بين المسلمين، ولا نظنهم يتهاونون فيما فوض الله إليهم، ووكل إلى ذمتهم، وهم أمناء الدين وحملة الشرع، ورافعو لواء الإسلام، وأوصياء الله على المؤمنين، أعانهم الله علي خير أعمالهم، ونفع بهم المؤمنين بإرشادهم.
الفصل العشرون
ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين . (القصص: 5)
للإنسان عقل سمي، وفكر علي، وحدس قوي، وبراعة في الاستدلال، ومهارة في الاستنباط، ومع هذا كله تراه في رأيه عليلا، ولا يصيب في مقاصده إلا قليلا، تشابه علل الحوادث في تنوعها يحول بين المرء وعلم الحوادث الآتية، ويحجب عن نظره جادة الصواب، فيخبط في خطأ ويخوض في عمه، وتلتبس عليه المقدمات، فتشبه النتائج، فيختل قياس الاستنباط؛ هذا ما يحمل كثيرا من الناس على الحكم باستحالة ممكن، أو إمكان مستحيل.
Page inconnue