جزمت جريدة «نوفيل بريس ليبر» أن الباعث على سفر البارون كورسل (سفير فرنسا في برلين) إلى وارزين هو أهم حدث سياسي، وفي ظنها أن الحديث بينه وبين البرنس بسمارك انتقل إلى موضوع الحرب الصينية ومسألة الكونغو، قالت الجريدة: «إن بسمارك قد غير منهجه السياسي الذي سلكه من سنة 1870، كان مضطرا لإبعاد فرنسا عن سائر الدول، واليوم وجه عزيمته لإبعاد إنجلترا.»
ولما اجتمع الأباطرة الثلاثة في سنة 1872 اضطربت خواطر الفرنسيين وكان كل منهم يحدث نفسه: هل ينتظر اتفاق بين الأباطرة على مناوأة الجمهورية؟ أما إذا اجتمعوا في هذا العام فلا يخالط الريب قلب فرنساوي، بل تكون النفوس ساكنة مطمئنة، ولا يوجد في دولة أوروبية ما يوجب حدوث قلق في باريس بأي وجه كان، بل يوجد ما يثبت الطمأنينة، فإن من نية البرنس «بسمارك» في وارزين أن يقرب فرنسا إلى سائر الدول البرية، وإن زيارة البارون كورسل للبرنس تعد أكبر شاهد على ما نقول. ا.ه.
الفصل السادس والتسعون
كيد الإنجليز في مصر
أرسل الإنجليز مراكبهم إلى ثغر الإسكندرية سنة 1882 بلا سبب أو لقصد تهييج الخواطر الساكنة، ثم أطلقوا نيران مدافعهم على ذلك الثغر فكان عملهم الأول والثاني سببا في خسارات جسيمة نكب بها سكان البلاد، ثم كان الضمان عليهم هذا إما سوء حظ المصريين أو لضعف الحكومة أو خرقها .
لا ريب أن خزانة الحكومة المصرية في عجز عن أداء هذه الغرامة الثقيلة التي هي - في الحقيقة - قصاص بلا جناية، ولكن مع ذلك للمصابين حق في المطالبة بخسائرهم، وليس لهم صبر على الإهمال فيها، فحدثت ربكة، وحكومة الإنجليز كالصياد الماهر لا يطلب السمك إلا عند تعكير الماء! رأت أن تصيد صيدا أو تخطو خطوة أخرى إلى مقصدها في مصر بعد خطواتها السابقة أو تمكن مخالبها في أحشاء مصر، بل يصح أن نقول: إن الحكومة الإنجليزية بحيلتها التي أشرفت على تتميمها تريد أن تقبض على زمام البلاد المصرية فتكون بأسرها في تصرفها.
من المعلوم أن عمار المساجد والمدارس الدينية إنما هو بالأوقاف التي أنشأها صلحاء الملة من أزمان مديدة ولا يزال ينشئها المقتفون لآثارهم، وقيام الدين الإسلامي إنما هو بعمار المساجد والمدارس الدينية، فالأوقاف عماد عظيم يقوم عليه عرش الديانة الإسلامية، فقصد رجال الحكومة الإنجليزية بكيدهم أن يجعلوا العلماء الذين يعمرون مساجد الله ومعاهد العلوم الشرعية خاضعين لأحكامهم، مرتبطين بعمالهم حتى يستعملوهم، (وإن طلبوا محالا) في جلب قلوب الأهالي إليهم وتأليفها على ولائهم، وربما نالوا بهم حجة عند دول أوروبا، يثبتون بها رغبة المصريين في بقائهم تحت سلطة الحكومة الإنجليزية واطمئنانهم إلى ما تقضي به فيهم.
هكذا رأى اللورد نورث بروك أن يحل مسألة التعويضات بأن تدفع الحكومة الإنجليزية قرضا للخزينة المصرية تؤدي به تعويضات الخسائر التي حدثت من ضرب الإسكندرية، على شرط أن تكون الأوقاف العمومية كافلة للقرض وفوائده وتكون إدارة الأوقاف في تصرف الإنجليز.
ألا أيها النائمون تيقظوا، ألا أيها الغافلون تنبهوا، يا أهل الشرف والناموس، ويا أرباب المروءة والنخوة، ويا أولي الغيرة الدينية والحمية الإسلامية، ارفعوا رءوسكم، تروا بلاء منصبا على أوطانكم، وما أنتم ببعيد منه، ولا بمعزل عنه، إن لم يكن أصابكم اليوم، فسيصيبكم غدا، تساهلتم في الذود عن حقوقكم المقدسة، ولهوتم عن ما أضمرت لكم هذه الحكومة من الإهانة والتذليل وسوم الخسف، وتعللتم بالأوهام ، فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور، أصبحتم على شفا جرف المذلة، ويخشى أن يقذف بكم - بعد قليل - في جحيم العبودية.
إلا أن وقت التدارك ما فات، فالأرواح في الأجساد، والعقول في الرءوس، والهمم في النفوس، وإقدام العدو في زلل، وشئونه في خلل، فاثبتوا ولا تهنوا، ولا تحزنوا وأنتم الأعلون، إن كنتم مؤمنين، لا ترضوا بالدنية، خوفا من المنية، واعلموا أن ثباتا قليلا وإقداما خفيفا في هذا الوقت يفعل ما لا يفعله الجيش العرمرم.
Page inconnue