200

نعيد الكلام مرة أخرى ونقول: إن جميع المسلمين في الأقطار الهندية وما يتاخمها؛ قائمون على قدم وساق متهيئون لمواثبة أعدائهم وسالبي حقوقهم، فبثبات ما من الدولة العثمانية يظهر له أثر عظيم يضطر الحكومة الإنجليزية إلى ترك مصر.

وليس للدولة أن تضيع هذه الفرصة؛ فقلما يأتي الزمان بمثلها. الدولة متألبة على الإنجليز، وروسيا مشرفة على الهند، والهنديون في هياج، وخطب السودان غير يسير، فإن لم تأخذ الدولة حقها من الإنجليز في هذا الوقت، فمتى؟!

الفصل الرابع والتسعون

تعظيم توفيق باشا لنورث بروك!

ورد خبر من القاهرة بوصول اللورد نورث بروك إليها، وتمت المقابلة الرسمية بينه وبين توفيق باشا، وقدم إليه رسالة من اللورد جرانفيل يخوله فيها «نورث بورك» وكيلا للحكومة الإنجليزية في القطر المصري، ويطلب من الحكومة المصرية أن تساعده في حل المشكلات الحالية خصوصا المالية، فأظهر توفيق باشا غاية المسرة من تعيينه بهذه الوظيفة، وأكد له خلوص الوداد وكمال الرضا بجميع مطالبه. ا.ه.

ويظهر أن توفيق سر بقدوم اللورد نورث بروك، وإن لم يكن بينه وبينه معرفة شخصية، ولا له سابقة علم بأحواله ولا بما يريد أن يعمله في بلاده، هذا يمكن، وليت شعري ماذا يجني هذا الخديو الشاب من مرضاة هذا الخادع؟! وماذا يصيبه من سهام حيله؟! ولقد بينا في الأعداد الماضية بعض صفات هذا اللورد وطرفا من أعماله في الهند، ونذكر الآن عملا آخر منها.

طلب وهو حكمدار الهند أن يمكن السلطة الإنجليزية في مملكة «كابورتال» وهي مملكة واسعة تتاخم «لاهور» و«بتيالة»، فادعى على مهراجها (ملكها) أنه مجنون وهو في رشاد عقله واعتدال مزاجه، وخلعه بهذه الدعوى وسجنه في «بكسو» حتى مات حتف أنفه وقيل: بالسم، وكان هذا الملك المخلوع ابن «راندهير سنك»، ونصب بدله ولدا صغيرا من أولاد كاتب من كتاب ذلك الملك، ليعد المملكة بذلك للدخول في حوزة الحكومة الإنجليزية، وكانت الحكومة الإنجليزية قد تركت لبعض الرجوات المخلوعين غابات صغيرة من بقايا أملاكهم للصيد، فكان لأولئك المساكين يسلون أنفسهم على ضياع ممالكهم بصرف بعض الزمان فيها، فلما جاء اللورد نورث بروك حاكما في الهند رآها كثيرا عليهم فنزعها من أيديهم وحرمهم من هذه المنفعة الزهيدة.

هذا هو اللورد الذي طلب سميع الله خان الدهري ليكون معينا له في مصر على إرضاء المصريين بحكومة الإنجليز، وهو الذي أعطى المبالغ الوافرة للمعلم «بالمر» لينثرها بين العرب حتى يثوروا في أراضي الدولة العثمانية أيام الحرب المصرية - كما أخبرنا الثقة الصادق من لندن - ولكن العرب قتلوا رسوله هذا وشنق به أشخاص من مصر بلا جرم، هذا اللورد هو الذي يبتهج توفيق باشا بقدومه! صان الله الأراضي المصرية المقدسة من شر هذا المحتال، ومن شر صاحبه سميع الله خان الدهري.

الفصل الخامس والتسعون

فرنسا وألمانيا

Page inconnue