بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي حفظ الذكر بحفظ أهله، وشرفهم بوراثة أنبيائه ورسله، وجعل تفاوتهم في علي الدرجات بحسب تفاوتهم في حمله، وأسبغ عليهم سوابغ نعمه ووعدهم بالمزيد من فضله، وصلواته على سيدنا محمد نبيه المخصوص بما لم يختص به نبي من قبله، وعلى آله وصحبه المقتفين سننه القويم والمعتصمين بحبله، صلاة نرجو بها الفوز يوم يبين للمرء ما هو المقبول والمردود من قوله وفعله.
(أما بعد) فإنه لما كان طلب العلم اللدني فرضا على الكفاية حينا ومتعينا في الحال، ولم يكن بد في تحصيله من تلقيه عن الرجال، وكان التلقي أما بمباشرة أو عن سند ذي اتصال، وكان المباشر تكفي معرفته، والمسند عنه لا بد أن تعرف صفته، فلذلك اهتم العلماء بذكر الرجال، واستعملوا في تمييز أحوالهم الفكر والبال ليوضحوا سبيل التحمل، ويبينوا وسيلة التوصل، وقد اختلفت في ذلك مصادرهم ومواردهم، وان اتفقت في بعض الوجوه مقاصدهم، فمنهم من ذكر التجريح والتعديل في المحدثين، ومنهم من ذكر من يعرف بالحفظ والإتقان من المتقدمين، ومنهم من اقتصر على ذكر العلماء المجتهدين، ومنهم من ذكر المؤلفين والمصنفين، ومنهم من ذكر الصلحاء والمتعبدين، ومنهم من ذكر علماء وقته، ومنهم من اقتصر على ذكر مشيخته، وكل ذلك يحصل الإفادة، ويسهل للطالب مراده، وإنما ينبغي أن يعرض في هذا على سبيل المكاثرة، وطريق المباهلة والمفاخرة، كما قصده بعض من قصرت معرفته، ولم ترف إلى درجة أولي النهي درجته، وان يكون القصد في هذا إنما هو ما يتعلق بالأمور الدينية، ويوصل إلى سبيل المرضية، والله تعالى متولي صلاح النية والطوية، وذلك بحيث يعلم طالب العلم الأئمة الذين بهم يقتدى، وبسلوك
1 / 19