عمدة الطالب لنيل المآرب
في الفقه على المذهب الأحمد الأمثل مذهب الإمام أحمد بن محمد بن حنبل
تأليف
الإمام العلامة الشيخ
منصور بن يونس بن إدريس البهوتي الحنبلي المتوفى سنة ١٠٥١ هـ
محققا على أربع نسخ خطية
قدم له
فضيلة الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل إسماعيل
فضيلة الشيخ عدنان بن سالم النهام
حققه واعتنى به
مطلق بن جاسر بن مطلق الفارس الجاسر
عفا الله عنه وعن والديه ومشايخه والمسلمين
Page inconnue
قال الشيخ العلّامة عبد القادر بن بدران ﵀:
«فالواجب الديني على المعلِّم إذا أراد إقراء المبتدئين أن يُقرئهم أولًا كتاب "أخصر المختصرات" أو "العمدة" للشيخ منصور متنًا إن كان حنبليًا».
"المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل" (ص ٤٨٨)
مقدمة / 2
عُمْدَةُ الطَّالِبِ لِنَيْلِ المَآرِبِ
مقدمة / 3
حقوق الطبع محفوظة
الطبعة الأولى
١٤٣١ هـ - ٢٠١٠ م
طبع على نفقة مبرة جلوي بن ضاوي العتيبي
وقفًا لله تعالى
مبرة
جلوي بن ضاوي العتيبي
دولة الكويت
مقدمة / 4
تصدير
الحمد لله رب العالمين الملك الحق المبين، والصلاة والسلام على الرسول الصادق الأمين المبعوث رحمة للعالمين، محمد بن عبد الله، وعلى آله الطيبين وصحابته أجمعين، وبعد.
عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علمٍ ينتفع به أو ولد صالح يدعو له" [رواه مسلم].
إن من أهدافنا في مبرة الأسرة مبرة "جلوي بن ضاوي العتيبي الخيرية" نشر وتبني المشاريع العلمية والدعوية داخل الكويت وخارجها، وها نحن نتكفل بطباعة هذا الكتاب القيم، وهو كتاب "عمدة الطالب" في الفقه من تأليف الإمام العلامة منصور البهوتي الحنبلي، تحقيق الشيخ الفاضل مطلق بن جاسر الجاسر، وتقديم الشيخ الفاضل محمد آل إسماعيل، والشيخ الفاضل عدنان النهام حفظهم الله جميعًا ونفع بجهدهم وعلمهم المسلمين أجمعين.
نسأل الله تعالى أن ينتفع طلبة العلم وجميع المسلمين بهذا الكتاب، وأن يبارك في هذا الإصدار وسائر المشارع العلمية والدعوية للمبرة.
والله المستعان على كل خير، والحمد لله رب العالمين.
مبرة جلوي بن ضاوي العتيبي
رئيس مجلس الإدارة
فهد بن جلوي العتيبي
مقدمة / 5
المملكة العربية السعودية - محافظة الأحساء
بسم الله الرحمن الرحيم
خادم أهل العلم - محمد بن عبد الرحمن بن حسين آل إسماعيل
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على عبده ورسوله الأمين محمد بن عبد الله وآله وصحبه أجمعين.
وبعد: فإنَّ كتاب "العمدة" تأليف شيخ المذهب وشارح كتبه وآخر محققيه الإمام العلامة الفقيه شيخ الإسلام منصور بن يونس بن إدريس البهوتي المتوفى عام ١٠٥١ هـ فهو اسم على مسماه عمدة بل خلاصة كتب المذهب محكم النسج متقن التأليف متناسق الجمل ليس به عور ولا خلل أتقنه مؤلفه أيما إتقان ولم لا ومؤلفه هو شارح زاد المستنقع بالروض المربع وهو شارح الإقناع بكتابه كشاف القناع وهو شارح المنتهى وهو شارح نظم المفردات فى المذهب بل هو صاحب الحواشي على الإقناع والمنتهى حتى صار إليه في فقه أحمد المنتهى أمَّا كتاب "العمدة" فقد شرحه الإمام المحقق والفقيه المدقق عثمان بن قائد النجدي ثم القاهري ﵀ المتوفى عام ١٠٩٧ هـ فى القاهرة شرحه شرحا حيَّر الباب أولي النهى حتى صار الغاية والمنتهى وقد جانب الصواب من قال: ما ترك الأول للآخر بل الصواب كم ترك الأول للآخر.
وفضل الله واسع فإنَّ الأخ النجيبْ المحب الحبيبْ من له في الفقه والصلاح أوفر حظ ونصيبْ الشيخ الفقيهْ الذكي النبيهْ. من فاق بتحقيقه الأكابرْ الشيخ الجليل مطلق بن جاسر آل جاسرْ فإنه اعتنى بمتن العمدة أيما اعتناءْ مما أكد حنبلته والإنتماءْ. فحقق ودققْ وعلى نفسه ما أشفقْ فوثق النص بمقابلته بعدة نسخْ وعلق عليه تعليق من في الفقه رسخْ. فجاء الضالة المنشودة والدرة المفقودة فتناولته مسرورا، وكدت من فرحى أن أطيرا ويعلم الله أني استفدت من عمله في التحقيق والتوثيق والتعليقْ حتى كأنه هو الذي مهد للفقهاء الطريقْ فانطبق عليه قول القائل وصدق:
من لي بمثل سيرك المدلل ... تمشي أخيرا وتجي في الأول
فجزاه الله خير الجزاء والحمد لله رب العالمين وصلى الله على عبده ورسوله سيدنا ونبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
بقلم خادم أهل العلم
محمد بن عبد الرحمن بن حسين آل إسماعيل
٢٥/ ١٢/ ١٤٣٠
www.alismaeil.com
مقدمة / 7
تقديم الشيخ/ عدنان بن سالم النهام
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فإن كتاب (عمدة الطالب) في الفقه الحنبلي لشيخ المذهب في وقته الإمام العلامة منصور البهوتي، يُعد من الكتب المعتمدة في المذهب، النافعة في هذا الباب على ما مشى عليه متأخرو الأصحاب، فهو كتاب قيّم جامع لمهمات مسائل المذهب، وقد لفت هذا نظر العلامة المحقق الشيخ عثمان النجدي فشرحه في كتابه المسمى (هداية الراغب)، فكشف عن مخدراته، واستخرج من بحره مكنوناته، وأوضح مشكلاته، فجاء عقدًا فريدًا وصرحًا مشيدًا، فللَّه دره عالمًا مجيدًا، ويصدق عليه قول نصيب:
فعاجوا فأثنوا بالذي أنت أهله ... ولو سكتوا أثنت عليك الحقائبُ
هذا وقد سَمَت همّة الشيخ الجليل مطلق بن جاسر الجاسر إلى إخراجه بحلة جديدة، تُظهر للناظر حُسن ضبطها، وتُقرّب المستشكل من فهمها، فجزاه الله خيرًا على ما قام به مِن عَمل، وجعله ممن للآخرة سعى وعمل، وجعلنا ممن قال فيهم الرسول الأمين ﷺ: "من يُرد الله به خيرًا يفقهه في الدين".
والله حسبي ونعم المعين، آمين.
١٨/ ١٢/ ١٤٣٠ هـ - ٥/ ١٢/ ٢٠٠٩ م
كتبه الفقير إلى الله تعالى
عدنان بن سالم النهّام
مقدمة / 8
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مُقَدِّمَةُ المُحَقِّق
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومِنْ سيئات أعمالنا، مَنْ يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ..
أما بعد ..
فإن الشَّيخ العلامة منصور بن يونس البُهُوتي الحنبلي ﵀ مِن أعلام الحنابلة في القرن الحادي عشر، بل هو شيخ المذهب بلا منازع، فإنه قد كَشَفَ القِناعَ عن كَثيرٍ من مسائل الفقه والدين، وأوضحها للطالبين، ومَنَحهم المِنَحَ الشافيات مِن العُلومِ البيِّنات، حتى جَعَل الفِقه الحنبلي في زمانه رَوْضًا مُرْبعًا، تنشرحُ له الصدور، وتنتهي عنده الهِممُ والإرادات.
وبعد أن عاشَ هذا الإمامُ الهُمام حياةً حافلةً بالعلم والتصنيف، وشرَحَ عديدًا من الكتب الفقهية المهمة، خَتَم هذه السلسلة الذهبية من الكُتب الحنبلية بمتنٍ نفيسٍ أَوْدعه خُلاصةَ المذهبِ بِأوجَز عِبارة وأوضح إشارة، وهو كتاب "عُمدةُ الطَّالِبِ لِنَيْلِ المَآرِبِ".
ولكن هذا الكتاب رَغمَ نَفَاسَتِهِ وجَلالَةِ قَدْرِ مؤلفه إلا أنه لم يلْقَ العناية اللائقة به مِنْ حيث التحقيق إلى وقتِ كتابةِ هذه المقدمة، رغم أنه قد طُبع أكثرَ مِن مَرَّة.
فلمَّا رأيتُ تلك المكانة السامقة والمنزلة الرفيعة لهذا المتن، ورأيتُ عدم
مقدمة / 11
الإعتناء به شمَّرتُ عن ساعد الجِدِّ، وصرفتُ في تحقيقِ هذا المتن أربعَ سنوات من عمري -بدون تفرُّغ له-، وتتبعت نُسَخَه الخَطيَّة، وارتحلتُ في ذلك، حتَّى تحصَّل عندي بفضل الله خمسُ نسخ خطّية منه، ثم شرعتُ مستعينًا بالله تعالى في تحقيقه -مع قلَّة البضاعة-، حتى تَمَّ بحمدِ الله العلي الكبير.
وما كان لهذا العمل أن يتم لولا توفيق الله وفضله وإنعامه، ثم معونة مشايخي وإخواني، لذا فإني أشكر -بعد شكر الله- كُلَّ من ساهم في إتمام هذا العمل، من تصوير مخطوط أو مقابلة نُسخٍ وغير ذلك.
وأخص بالذكر فضيلة شيخنا الجليل والعلامة النبيل الشيخ/ محمد بن عبد الرحمن آل إسماعيل -حفظه الله- حيث تَفَضَّل بقراءة جميع الكتاب، وأبدى عددًا من الملاحظات القيمة التي أفدتُ منها كثيرًا، ثم شَرّفني فضيلته بكتابة تقديم لهذا الكتاب (١)، فأسأل المولى أن يجعل ذلك في موازين حسناته.
كما أشكر أيضًا فضيلة شيخنا العلامة الهُمام الشيخ/ عدنان بن سالم النهام
-حفظه الله- على إتاحة الفرصة لي بأن أقرأ معه الكتاب، حيث قرأتُ مع فضيلته جُزءًا من الكتاب قراءة ضبطٍ في عدة مجالس، وقد أفدتُ مِن علمه وتحقيقه، كما أفدتُ من سَمْته وتواضعه وحُسن خُلقه -حفظه الله تعالى-، ثم شرفني فضيلته أيضًا بتقديمٍ لهذا الكتاب، فجزاه المولى أحسن الجزاء وأجمله، ومَتّعنا اللهُ بعلمه وفَضْله.
* * *
_________
(١) وإن كان الشيخ -حفظه الله- قد عَبّر عني بعبارات لا أستحقها وأوصاف لست من أهلها.
مقدمة / 12
متنُ "عُمدة الطَّالب" وأهميته
هذا الكتاب متنٌ فقهيٌ مُختصرٌ في فِقه الإمام أحمد بن حنبل ﵀ قال عنه الشيخ عبد القادر بن بدران ﵀: "مختصرٌ لَطيف، للشيخ منصور البهوتي، وَضَعه للمُبتدئين" (١).
وإن الناظر في هذا الكتاب يرى أن أهميته تكمن في الأمور التالية:
١ - مكانة مؤلِّفه العالية في المذهب، فهو شيخُ المذهبِ في زمانه، وخاتمةُ المحققين، كما سيأتي في ترجمته.
٢ - أنَّ هذا الكتاب آخر ما صَنَّف الشيخُ منصور مِن كتب، فإن بين تصنيف هذا الكتاب ووفاة الشيخ منصور سبعة أشهر فقط، فإن الشيخ قد فرغ منه في شوال من سنة ١٠٥٠ هـ، وتُوفِّي في ربيع الثاني سنة ١٠٥١ هـ.
أي أنَّه صنَّف هذا الكتاب بعد أن شَرَح كُتب المذهب المُعتمدَة، فقد شرح "الإقناع" وحشَّى عليه، وشرح "المنتهى" وحشَى عليه، وشرح "نظم المفردات"، وشرح "زاد المستقنع"، ثم صنَّف هذا المتن وأودعه خلاصة فقهه وتحقيقه وتجربته الطويلة في المذهب الحنبلي، فخرج دُرَّةً نفيسة، وياقوتة ثمينة في جِيد المذهب الحنبلي.
٣ - ومما يدل على أهمية هذا المتن اعتناء العلماء بهذا المتن، وإقراؤهم
_________
(١) "المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل" (ص ٤٤٦).
مقدمة / 13
له، فقد قرأ الشيخ عثمان بن محمد الرحيباني بعض "عمدة الطالب" مع شرحه على الإمام السفَّاريني -رَحِمَهُمَا اللهُ- (١).
وقد عَدّه الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد ﵀ من كتب المذهب المعتمدة (٢).
٤ - ويمتاز هذا الكتاب بسهولة العبارة ووضوحها، وعدم التعقيد في التراكيب اللغوية، مع الإختصار المُتقَن الذي لا يصدر إلّا من عالمٍ مُحَققٍ، كأمثال العلّامة منصور البُهُوتي ﵀.
ولهذا قال الشيخ عبد القادر بن بدران ﵀: "فالواجب الديني على المعلِّم إذا أراد إقراء المبتدئين أن يُقرئهم أولًا كتاب "أخصر المختصرات" أو "العمدة" للشيخ منصور متنًا إن كان حنبليًا" (٣).
* * *
_________
(١) انظر: مقدمة تحقيق "كشف اللثام شرح عمدة الأحكام" للإمام السفاريني (١/ ٣٧ - ٣٨).
(٢) "المدخل المفصل" (١/ ٤٧٥).
(٣) "المدخل" (ص ٤٨٨).
مقدمة / 14
ترجمة المُصنِّف
* اسْمُه ونَسَبُه:
هو الشيخُ العلَّامةُ منصور بن يونس بن صلاح الدين بن حسن بن أحمد بن علي بن إدريس، أبو السَّعادات البُهُوتي الحنبلي، شيخ الحنابلة بمصر (١). وُلِد سنة ١٠٠٠ للهجرة النبوية (٢).
* شُيُوخه:
أَخَذ الشيخُ منصور عن كثيرٍ من المتأخرين مِن الحنابلة، مِنهم:
١ - الشيخ جمال الدين يوسف بن علي البُهُوتي.
٢ - وابنه الشيخ عبد الرحمن بن يوسف البهوتي (٣) (ت: بعد ١٠٤٠ هـ).
٣ - الشيخ محمد بن أحمد المرداوي (٤) (ت: ١٠٢٦ هـ)، وأكثرُ أخْذِهِ عنه (٥).
_________
(١) "خلاصة الأثر" للمحبي (٤/ ٤٢٦)، و"السحب الوابلة" لابن حميد (٣/ ١١٣١).
(٢) "السحب الوابلة" (٣/ ١١٣٣).
(٣) ترجمته في: "النعت الأكمل" (ص ٢٠٤) و"السحب الوابلة" (٢/ ٥٢٧) و"الدر المنضَّد" (ص ٥٦)، وانظر: "علماء الحنابلة"، للشيخ بكر أبو زيد ﵀ (ص ٣٨٣).
(٤) ترجمته في: "النعت الأكمل" (ص ١٨٥)، و"السحب الوابلة" (٢/ ٨٨٥)، و"مختصر طبقات الحنابلة" للشطي (ص ٩٦)، وانظر: "علماء الحنابلة" (ص ٣٨٢).
(٥) "خلاصة الأثر" (٤/ ٤٢٦)، وقد تصحَّف في طبعة دار الكتاب الإسلامي إلى "المرداري".
مقدمة / 15
٤ - الشيخ يحيى بن موسى بن أحمد الحجَّاوي، ابن صاحب "الإقناع" و"زاد المستقنع".
وغيرهم.
* تَلامِيذه:
تلقَّى العلم على يدي هذه الشيخ الجليل ثلةٌ من الطلبة، من أشهرهم:
١ - الشيخ محمد بن أحمد بن علي البُهُوتي الخلوتي (ت: ١٠٨٨ هـ)، وهو ابن أخته.
وقد نَقل ابنُ حميد عن الشيخِ محمد الخلوتي أنه ذَكَر في آخر نسخة "المنتهى": "بلغت قراءةً على شيخنا العلامة، مَن طَنَّتْ حصاةُ فضله في الأقطار، ومن لم تكتحل عين الزمان بثانيه، ولا اكتحلت فيما مضى من الأعصار، وهو أستاذي وخالي الراجي لطف ربه العلي منصور بن يونس البُهُوتي الحنبلي" (١).
٢ - الشيخ محمد بن أبي السرور بن محمد البُهُوتي (ت: ١١٠٠ هـ).
٣ - الشيخ عبد الله بن عبد الوهاب بن مشرف النجدي (ت: ١٠٥٦ هـ).
٤ - الشيخ يوسف بن يحيى بن مرعي بن يوسف الكرمي (ت: ١٠٧٨ هـ)، وهو حفيد الشيخ مرعي صاحب "الغاية" و"دليل الطالب".
وغيرهم.
_________
(١) "السحب الوابلة" (٣/ ١١٣٣).
مقدمة / 16
* صفاته وثناءُ العُلماءِ عَليه:
أثنى على الشيخ منصور البُهُوتي ﵀ كلُّ مَنْ عَرَفه وتَرْجم له، فقد قال عنه المُحبِّي ﵀: "شيخُ الحنابلةِ بمصر، وخاتمةُ علمائهم بها، الذائعُ الصِّيت، البالغُ الشُّهرة، كان علمًا عاملًا متبحِّرًا في العلوم الدِّينية، صارفًا أوقاته في تحرير المسائل الفقهية، رحل الناسُ إليه مِن الآفاق .. وكان ممن انتهى إليه الإفتاءُ والتدريس، وكان سخيًّا له مكارم دارَّة، وكان في كُلِّ ليلة جُمعة يَجعلُ ضيافةً ويدعو جماعته المقادسة، وإذا مرض أحدٌ منهم عَادَهُ، وأَخَذَه إلى بيته ومرَّضه إلى أن يُشفى، وكان الناس تأتيه بالصَّدَقات فيفُرِّقها على طَلَبته في المجلس، ولا يأخذ منها شيئًا" (١).
وقال ابنُ حميد النجدي ﵀: "وبالجملة فهو مؤيِّد المذهب ومُحرِّره، وموطِّد قواعده ومقرِّره، والمعوَّل عليه فيه، والمتكفِّل بإيضاح خَافِيه، جزاه الله أحسن الجزاء" (٢).
وقال الغزي: "كان إمامًا هُمامًا، عَلَّامة في سائر العلوم، فقيهًا متبحِّرًا، أصوليًّا مفسِّرًا، جَبَلًا من جبال العلم، وطَوْدًا من أطواد الحكمة، وبحرًا من بحور الفضائل، له اليد الطُّولى في الفقه والفرائض وغيرهما" (٣).
* تصانيفه:
صنَّف الشيخُ منصور البُهُوتي ﵀ عدة كُتب في مذهب الحنابلة، كَتَب اللهُ لها القَبول، وانتشرت وانتفع الناسُ بها، وهي التي عليها المعوَّل من
_________
(١) "خلاصة الأثر" (٤/ ٣٢٦).
(٢) "السحب الوابلة" (٣/ ١١٣٣).
(٣) "النعت الأكمل" (ص ٢١٠).
مقدمة / 17
كتب الحنابلة المتأخرين، كما قال المؤرخ عثمان بن بشر ﵀: "أخبرني الشيخ القاضي عثمان بن منصور الحنبلي الناصري متَّع الله به، قال: أخبرني بعض مشايخي عن أشياخهم، قالوا: كل ما وضعه متأخِّرو الحنابلة من الحواشي على أولئك المتون ليس عليه معوَّل إلا ما وضعه الشيخ منصور؛ لأنه هو المحقق لذلك، إلا حاشية الخلوتي؛ لأن فيها فوائد جليلة" (١).
ومصنَّفات هذا العالم الجليل، هي (٢):
١ - إرشاد أولي النُّهى لدقائق المنتهى (حاشية على "منتهى الإرادات") (٣)، فرغ من تأليفها سنة ١٠٣٦ هـ، ولعله أوَّل مؤلفات الشيخ ﵀.
٢ - حاشية على الإِقْناع (٤)، وقد فرغ من تأليفها سنة ١٠٤٠ هـ.
٣ - إعلام الأعلام بِقتال مَنِ انْتهك حرمة البيت الحرام (٥)، وقد فرغ منه سنة ١٠٤١ هـ.
٤ - الرَّوْضُ المُربع شرح زاد المُستقنِع (٦)، فرغ من تأليفه سنة ١٠٤٣ هـ.
٥ - كشَّاف القِناع عن متن الإقناع (٧)، وهو شرحٌ على كتاب "الإقناع"
_________
(١) "عنوان المجد في تاريخ نجد" لابن بشر (٢/ ٣٢٣ - ٣٢٤).
(٢) وقد رتبتُ مصنفاته على حسب تاريخ تأليفها.
(٣) طُبع سنة ١٤٢١ هـ بتحقيق الدكتور عبد الملك بن دهيش، في مجلدين كبيرين.
(٤) طُبع سنة ١٤٢٥ هـ بتحقيق الدكتور ناصر بن سعود السلامة، في مجلدين.
(٥) طُبع سنة ١٤٠٩ هـ بتحقيق الشيخ جاسم الفهيد الدوسري.
(٦) وقد طُبع طبعات كثيرة، وعليه عدة حواشٍ، انظر: "المدخل المفصّل" (٢/ ٧٧١ - ٧٧٢).
(٧) طُبع سنة ١٣١٩ هـ في المطبعة الشرفية في مصر، ثم طُبع عدة طبعات، منها طبعة في ستة مجلدات بتحقيق: هلال مصيلحي، وطبعة أخرى بتحقيق: محمد عدنان درويش، ثم طَبَعَته وزارة العدل في المملكة العربية السعودية بتحقيق لجنةٍ من المحققين في خمسة عشر مجلدًا.
مقدمة / 18
للشيخ الحجَّاوي ﵀، وقد فرغ من تأليفه سنة ١٠٤٥ هـ.
٦ - المِنح الشافيات بشرح المفردات (١)، وهو شرحٌ على "النظم المُفيد الأحمد في مفردات مذهب الإمام أحمد" للإمام محمد بن علي العُمَري المقدسي (ت: ٨٢٠ هـ)، وقد فرغ الشيخُ من شرحه سنة ١٠٤٧ هـ.
٧ - دقائق أولي النُّهى لشرح المنتهى (شرح "منتهى الإرادات") (٢)، وقد فرغ من منه سنة ١٠٤٩ هـ.
٨ - نصيحة الناسك ببيان أحكام المناسك، وهو الكتاب الوحيد الذي لم يُطبع من كُتب الشيخ منصور ﵀ ولعل نُسَخَه الخَطِّية مفقودة، وقد أشار إليه ﵀ في كتابه "كشاف القناع" (٢/ ٣٩٩)، وذكره له ابن حميد في "السحب الوابلة" (٣/ ١١٣٣).
٩ - عمدة الطالب لنيل المآرب، وهو كتابنا هذا، وسيأتي الحديث عنه.
* وفاته:
بعد حياةٍ عامرةٍ بالتصنيف والتدريس مَرِض الشيخ منصور في يوم الأحد خامس شهر ربيع الثاني سنة ١٠٥١ هـ، واستمرَّ به المرض حتى تُوفِّي في ضُحى يوم الجمعة عاشر شهر ربيع الثاني سنة ١٠٥١ هـ بمصر، ودُفن في تربة المجاورين ﵀ (٣).
_________
(١) هذا العنوان الذي رجَّحه الشيخ الدكتور عبد الله المطلق محقق الكتاب، وقد جاء في بعض المخطوطات وكذلك المطبوعة القديمة بعنوان "منح الشفا الشافيات بشرح المفردات".
وقد طُبع الكتاب سنة ١٣٤٣ هـ طبعة كثيرة الأخطاء، ثم طُبع سنة ١٤٢٧ هـ بتحقيق الشيخ الدكتور عبد الله بن محمد المطلق في مجلدين (وهي في الأصل رسالة علمية).
(٢) طُبع سنة ١٣١٩ هـ في المطبعة الشرفية على هامش "كشاف القناع"، وقد حُقِّق في رسائل علمية في جامعة أم القرى، ثم طُبع بتحقيق الدكتور عبد الله التركي في سبعة مجلدات.
(٣) "خلاصة الأثر" (٤/ ٤٢٦) و"السحب الوابلة" (٣/ ١١٣٣).
مقدمة / 19
* مصادر ترجمته:
١ - "خُلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر"، لمحمد بن فضل الله المحبي (ت: ١١١١ هـ).
٢ - "النعت الأكمل لأصحاب الإمام أحمد بن حنبل"، للكمال الغزي الشافعي (ت: ١٢١٤ هـ).
٣ - "عنوان المجد في تاريخ نجد" للمؤرخ عثمان بن بشر (ت: ١٢٩٠ هـ).
٤ - "السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة"، لمحمد بن عبد الله بن حُميد النجدي (ت: ١٢٩٥ هـ).
٥ - "مختصر طبقات الحنابلة"، لمحمد جميل بن عمر الشطي (ت: ١٣٧٩ هـ).
٦ - "الأعلام" لخير الدين الزركلي.
٧ - "معجم المؤلفين"، لعمر رضا كحالة.
مقدمة / 20
عنوانُ الكتاب وإثبات نِسبته إلى مؤلفه
* عنوان الكتاب الكامل هو: "عُمدةُ الطَّالِبِ لِنَيْلِ المآرِب في الفِقْهِ على المذهبِ الأَحْمَدِ الأَمثل، مذهبِ الإِمامِ أَحمد بن مُحَمَّد بن حَنْبل"، كذا في جميع النسخ المعتمدة في التحقيق.
* أما عن نسبة الكتاب إلى مؤلفه، فلا شك في نسبة هذا الكتاب إلى الشيخ منصور البهوتي ﵀، فقد نَسَبه له كل مَن ترجم له، ومنهم:
الشيخُ عبد القادر بن بدران في "المدخل إلى مذهب إلى الإمام أحمد بن حنبل" (١) (ص ٤٤٦)، والغزي في "النعت الأكمل" (ص ٢١٢)، وابن بشر في "عنوان المجد" (٢/ ٣٢٣)، وابن حميد في "السحب الوابلة" (٣/ ١١٣٣)، وابن ضويان في "رفع النقاب عن مؤلفات الأصحاب" (ص ٣٧٥)، والشطي في "مختصر طبقات الحنابلة" (ص ١١٦)، وابن حمدان في "كشف النقاب" (ص ١٤٥)، والدكتور بكر أبو زيد في "المدخل المفصّل" (٢/ ٧٩٦).
وقال الشيخ عثمان بن قائد النجدي ﵀ في مقدمة شرحه على "عمدة الطالب": "فهذا شرحٌ لطيف، وتعليق شريف على المختصر الموسوم بـ"عمدة الطالب لنيل المآرب" للإمام العلامة، والحبر البحر الفهّامة، شيخ شيوخنا الشيخ منصور بن يونس البهوتي ﵀ " (٢).
* * *
_________
(١) قد وقع وَهْمٌ في اسم الكتاب في "المدخل" فقد جاء فيه أن اسمه "عمدة الراغب".
(٢) "هداية الراغب" (١/ ١٨ - ١٩).
مقدمة / 21
طَبَعَاتُ الكتابِ السَّابِقة
طُبع كتاب "عمدة الطالب" مُفردًا مرتين:
الأولى: بتحقيق الشيخ أحمد بن صالح الطويان، طَبَعَتْه دار طويق في عام ١٤١٨ هـ، ثم أُعيد طَبْعُه مرة ثانية عام ١٤٢٥ هـ.
الثانية: بتحقيق الدكتور عبد السلام بن دهيش، طَبَعَتْه مكتبة الأسدي عام ١٤٢٥ هـ.
ومع ما بُذِل في هاتين الطبعتين مِن جُهدٍ يُشكر عليه المُحقِّقان، إلَّا أن هاتين الطبعتين لم تسلما من الأخطاء والملاحظات (١)، وقد اشتركتا في بعض الملاحظات، وانفردت كلُّ واحدةٍ منهما في ملاحظات، ومن هذه الملاحظات:
* أنه في كلا الطبعتين قَدِ اعْتُمِدَ في التحقيق على مخطوطةٍ واحدةٍ للكتاب، نُسخت سنة ١١٤٢ هـ (٢)، رغم وجود مخطوطات أخرى له أقدم منها.
* لم تتم الإشارة في الطبعتين إلى بيانات المخطوط ولا إلى مصدره، لا من قريب ولا من بعيدٍ، وإنما اكتُفي بوضع صورةٍ للمخطوط في المقدمة.
_________
(١) وقد اعتُمدت طبعة دار طويق بأن وُضعت في أعلى صفحات كتاب "هداية الراغب" في طبعة الدكتور عبد الله التركي، وقد حاول الدكتور تصحيح عدد من الأخطاء، ولكن ما زال هناك الكثير من الأخطاء لم يُصَحح.
(٢) وهي النسخة المرموز لها بالحرف (أ) في طبعتنا هذه.
مقدمة / 22
* كثرة الأخطاء المطبعية جدًّا في هاتين الطبعتين، وإن قلت إنه لا يخلو فصلٌ في الكتاب من أخطاء مطبعية وتصحيفات لَمَا كنتُ مُبالغًا.
* قد وُضعت عناوين لكثيرٍ من الأبواب والفصول من الكتاب، وهي ليست مِن وَضْع مُصنِّف الكتاب، وإنما أَخَذَها المحققان من الشرح "هداية الراغب" بدون إشارة إلى ذلك، ولم يَضَعَاها بين معقوفتين.
* الخطأ الظاهر في عنوان الكتاب في طبعة مكتبة الأسدي، فقد كُتِب على غلافها: "عُمدة الطَّالب في شرح نيل المآرب"، ولا أدري من أين أُتي بهذا العنوان؟!
إلى غير ذلك من الأخطاء والملاحظات التي تجعل الحاجة إلى تحقيقٍ جديد ماسّة، نسأل الله الإعانة والتوفيق.
مقدمة / 23