ونشروا علم أبي حنيفة إملاء وتذكيرا وتصينفا، واستفاد منهم الناس على اختلاف طبقاتهم، فبلغت كثرة الفقهاء إلى حد لا يحصى، وأماليهم وتصانيفهم غير قابلة للعد والإحصاء، كانوا يتفقهون ويجتهدون، ويستفيدون ويجيبون الوقائع، ويؤلفون البدائع، ويفتون في النوازل؛ ويجمعون المسائل فبقي نظام العالم، وانتظام أهاليه على أحسن النظام، ورقى رواجه على كرور الليالي، ومرور الأيام إلى حين قدر الله من خروج جنكيز خان فوضع السيف، وقتل العباد، وخرب العامر، وأهلك البلاد، ومشي عليهم الموسى على الشعر، وسعى عليهم سعي الجراد على الزرع الأخضر، وقدم خوارزم وأغارها، وقتل سلطانها خوارزم شاه محمد وابارها، والشيخ نجم الدين الكبرى رزق بالشهادة في هذه الوقعة العظمى، بيد هذه الفئة الكافرة الفاجرة الطاغية، في سنة ست عشرة وستمئة.
ثم تلاه بنوه وذووه، وأكدوا فعله حتى تصدر هلاكو الكافرين جنكيز الفاجر بغداد بجيش عرمرم في زمان الخليفة المستعصم آخر خلفاء العباسية في سنة ست وخمسين وستمئة، ونزل بغداد، وقتل الخليفة وهجم عسكر التتر الفجرة دار الخلافة، وقتلوا من كان ببغداد من الفقهاء، وكان فقهاء الحنفية في تلك الديار قليلا، فساروا بأهاليهم إلى دمشق وحلب، وكانت هذه الديار في هده الأيام على حسن النظام، وكانت تقدم الفقهاء إليها من البلدان والطلبة من كل مكان، إلى أن حدث فيها تعدي سلاطين الجراكسة، وصارت أطوار النظام منتكسة، فارتحل العلم وأهاليه إلى بلاد الروم، واجتمع فيها ذووا الفضائل، وأرباب العلوم، ببركة السلطنة العثمانية. انتهى.
Page 22