في سبيل إحياء التراث الإِسلامي النافع، فإِن بعضها إما لا يعنيه الأمر، وإما متجه نحو تحقيق جزء من التراث لسنا بحاجة إلى تحقيقه؛ إذ ليست له أهمية أولية، إن كانت له أهمية أصلًا.
ويأخذك العجب إذا عرفت أن بعض فطاحل العلماء يضيع وقته الثمين ليخرج لنا مخطوطة في الموسيقا ويترك المخطوطات في التفسير والحديث والفقه تئن تحت الغبار وتصيح من الأرضة.
حسبت أن القلم كاد يجرني إلى الخروج عما أردت الحديث عنه في هذا التمهيد، لذا أعود فأقول: إن الشريعة الإِسلامية تتعرض لحملة من المشككين يصورون فيها للشباب المسلم أن الشريعة الإِسلامية لا تصلح لهذا الزمان، لأنها جاءت لعصر مضى وانقضى، مضت عليه السنون، تفتح أثناءها العقل الشري، وتقدم خلالها العلم، فلم يعد لهذه الشريعة لزوم. وفعلًا ورث الحكم في كثير من البلاد الإِسلامية أناس تشربت عقولهم ما قاله الأعداء، فأعرضوا عن ذكر الرحمن فقيض الله لهم شياطين فهم لهم قرناء، فزينوا لهم أعمالهم، فاستبدلوا بشرع الخالق شرع المخلوقين، وفضلوا الناقص على الكامل ويحسبون أنهم مهتدون.
ورغم أن الأيام بدأت تكشف زيف ما يردده أعداء الإسلام وتلاميذهم فإِنه من الواجب إخراج تلك الكتب التي تبين أن الشرع الإِسلامي أَحكامه متطابقة مع العقل السليم، وأن لها عللًا، وأنها مستقيمة مع الأقيسة الصحيحة، كيف لا، وقد أنزلها الذي يعلم السر وأخفى، وهو الذي خلق الإِنسان ويعلم ما توسوس به نفسه، ألا له الخلق والأمر.
ولقد اخترت مخطوطة تعنى بالفروق بين المسائل الفقهية التي ظاهرها الاتفاق، وجاءت أحكامها مختلفة، فيظن من ليس له علم أن الشريعة الإِسلامية متناقضة وأنها مبنية على غير أساس.
وقد تصدى للتأليف في هذا الموضوع رجال سخرهم الله للدفاع عن شريعته الغراء، وهذه المخطوطة التي أقدم لها اليوم هي إحداها. وهي من تأليف الشيخ أحمد بن يحيى الونشريسي المتوفى سنة ٩١٤ هـ صاحب الموسوعة المعروفة بالمعيار المعرب.
1 / 6