Critiquing the Foundations of the Rationalists
نقض أصول العقلانيين
Maison d'édition
دار علوم السنة
Genres
وهذا الدليل يعلم بالاضطرار من دين الإسلام أن العلم بصدق الرسول ليس موقوفًا عليه، لأن الذين آمنوا بالله ورسوله، وشهد لهم القرآن بالإيمان، من السابقين الأولين، من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان، لم يستدلوا على صدق الرسول بهذا الدليل. وحينئذ فلو قُدر أن هذا الدليل صحيح، لم يلزم من عدم الاستدلال به بطلان الإيمان بالرسول، بل يمكن الاستدلال على صدق الرسول بالأدلة الأخرى، كالأدلة التي استدل بها السلف وجماهير الأمة. وحينئذ إذا قدر أن هذا المعقول المعين مناقض لخبر الرسول، لم يلزم من تقديم خبر الرسول عليه، القدح في أصل السمع الذي لا يعلم إلا به، فكيف إذا كان هذا الدليل باطلًا؟!. فإنه حينئذ لا يجوز أن يعتمد عليه في إثبات شيء ولا نفيه، فثبت أنه على كل تقدير لا يجب تقديمه على الشرع.
ومن زعم من أهل الكلام أنه لا طريق إلى معرفة الصانع وصدق رسوله إلا هذا، فإنه من أجهل الناس شرعًا وعقلًا. أما الشرع فقد علم أن السابقين الأولين لم يستدلوا به.
وأما العقل، فإن قول القائل: إنه لا دليل إلا هذا، قضية كلية سالبة، وشهادة على النفي العام، وأنه ليس لأحدٍ من بني آدم علم يعلم به صدق الرسول إلا هذا، وهذا مما لم يقيموا عليه دليلًا، بل لا يمكن أحدٌ العلم بهذا النفي لو كان حقًا، فكيف إذا كان باطلًا؟! .
وكذلك جميع ما يعارضون به الشرع من العقليات، فإنه لا تخلو من أمرين: إن كانت صحيحة فلم تصح الدلالة في المسلك العقلي، ولا يلزم من بطلانه بطلان دليل الشرع، إذ كان للشرع أدلة عقلية تدل عليه غير ذلك المعيّن العقلي، وإن كانت باطلة فهي من العقليات الباطلة، وليست أصلًا للشرع، فجيب أن يعرف معنى كون العقل أصلًا للشرع: أن المراد به أنه دليل.
ونحن قد بيّنا أن كل ما عارض الشرع من العقليات فليس هو دليلًا صحيحًا، فضلًا عن أن يكون هو الدليل على صحة الشرع.
5 / 8