الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ١

Yasser Borhami d. Unknown
65

الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ١

الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ١

Genres

حاجة كل مكلف إلى التوبة والاستغفار يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (والعبد مأمور أن يتوب إلى الله تعالى دائما، قال الله تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور:٣١]. وفي صحيح البخاري عن النبي ﷺ أنه قال: (أيها الناس توبوا إلى ربكم، فوالذي نفسي بيده إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة)، وفي صحيح مسلم عنه ﷺ أنه قال: (إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة)، وفي السنن عن ابن عمر قال: (كنا نعد لرسول الله ﷺ في المجلس الواحد يقول: رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم مائة مرة، أو قال أكثر من مائة مرة). وقد أمر الله سبحانه عباده أن يختموا الأعمال الصالحات بالاستغفار فكان النبي ﷺ إذا سلم من الصلاة يستغفر ثلاثًا ويقول: (اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام). كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح عنه) أي: أن كل هذه المعاصي التي وقعت هي بقدر ربنا ﷿، لكن تدفعها بقدر آخر ألا وهو: التوبة والاستغفار، فأنت مأمور بأن تفر من هذا القدر المكروه إلى القدر المحبوب. والقدر المكروه: المعصية، والقدر المحبوب: الطاعة والتوبة. والإيمان بالقدر من الإلتزام بالشرع، وكل شيء وقع فهو بقدر الله ﷾، لكن لا يعني ذلك بأن ترضى بما لم يرض الله به من المعاصي، أو أن تستسلم لهذه المعاصي، وتقول: قدر الله، لأنه ليس كل قدر أمرت أن تستلم له، بل القدر المكروه ينبغي أن تفر منه إلى القدر المحبوب بالتوبة والإنابة والاستغفار. وكما قال النبي ﷺ: (وأن تؤمن بالقدر خيره وشره) إذًا: هناك قدر بوجود الشر، ولكن نفر منه إلى قدر الخير، وندفع القدر بالقدر، ونفر من الله إليه. فلذلك ذكر طريق التوبة والاستغفار هنا، وذلك بعدما بين أن كل شيء بخلق الله وأمره وملكه، ولكن أمر بالطاعات ونهى عن المعاصي، وأحب الطاعات وكره المعاصي، وكره الكفر والفسوق والعصيان، وهو يحب المتقين، ويحب المحسنين، ولا يحب الفساد، ولا يرضى لعباده الكفر، وأمر بالتوبة التي هي الفرار من المعاصي إلى الطاعات، وإن كانت بقدره، إلا أنه مأمور أن يدفعها بقدر آخر وهو: التوبة. يقول المؤلف رحمه الله تعالى: [وقد قال تعالى: ﴿وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ﴾ [آل عمران:١٧] فأمرهم أن يقوموا بالليل ويستغفروا بالأسحار، وكذلك ختم سورة المزمل وهي سورة قيام الليل بقوله تعالى: ﴿وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة:١٩٩]. وكذلك قال في الحج: ﴿فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ * ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة:١٩٨ - ١٩٩]]. ففي أشرف العبادات يأمر الله بعدها بالاستغفار، أي: بعد الوقوف بعرفة، وبعد الصلاة، وبعد قيام الليل. ثم يقول: (بل أنزل ﷾ في آخر الأمر لما غزا النبي ﷺ غزوة تبوك وهي آخر غزواته: ﴿لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [التوبة:١١٧ - ١١٨] وهي من آخر ما نزل من القرآن. وقد قيل: إن آخر سورة نزلت قوله تعالى: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾ [النصر:١ - ٣]) أي: بعد الدعوة والجهاد وتأسيس دولة الإسلام أمر الله الرسول ﷺ بالاستغفار. ثم يقول: (فأمره الله تعالى أن يختم عمله بالتسبيح والاستغفار. وفي الصحيحين عن عائشة ﵂: (أن النبي ﷺ كان يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي يتأول القرآن)، وفي الصحيحين عنه ﷺ أنه كان يقول: (اللهم اغفر لي خطيئتي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي هزلي وجدي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت، لا إله إلا أنت). وفي الصحيحين أن أبا بكر ﵁ قال: (يا رسول الله! علمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال: قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم). وفي السنن: عن أبي بكر ﵁ قال: (يا رسول الله! علمني دعاء أدعو به إذا أصبحت وإذا أمسيت، فقال: قل: اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة رب كل شيء ومليكه، أشهد أن لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر الشيطان وشركه، وأن أقترف على نفسي سوءًا أو أجره إلى مسلم، قله إذا أصبحت وإذا أمسيت، وإذا أخذت مضجعك». فهو ﵊ يعلم أفضل أصحاب الأنبياء على الإطلاق الاستغفار، وفي خاتمة أفضل عبادة وهي الصلاة، وفي صباحه ومسائه وعند نومه. يقول المؤلف رحمه الله تعالى: (فليس لأحد أن يظن استغناءه عن التوبة إلى الله والاستغفار من الذنوب، بل كل أحد محتاج إلى ذلك دائمًا. قال الله تعالى: ﴿وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا * لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الأحزاب:٧٢ - ٧٣]. فالإنسان ظالم جاهل، وغاية المؤمنين والمؤمنات التوبة، وقد أخبر الله تعالى في كتابه بتوبة عباده الصالحين ومغفرته لهم. وثبت في الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال: (لن يدخل الجنة أحد بعمله. قالوا: ولا أنت يا رسول الله!؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل). وهذا لا ينافي قوله: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ﴾ [الحاقة:٢٤]. فإن الرسول ﷺ نفى باء المقابلة والمعادلة، والقرآن أثبت باء السبب). أي: أنه بسبب الأعمال نلتم الجنة برحمة الله، فالأعمال سبب لنيل الرحمة؛ أما أن الأعمال تساوي الجنة وتوجبها فلا؛ لأن الذي يوجب ذلك رحمة الله، فالإنسان لا يجعل حسناته في مقابلة نعم الله ﷿، لكن الأعمال تكون سببًا لنيل الرحمة، والرحمة بها يدخل العبد الجنة. ثم يقول: (وقول من قال: إذا أحب الله عبدًا لم تضره الذنوب، معناه: أنه إذا أحب عبدًا ألهمه التوبة والاستغفار، فلم يصر على الذنوب، ومن ظن أن الذنوب لا تضر من أصر عليها فهو ضال، مخالف للكتاب والسنة وإجماع السلف والأئمة، بل من يعمل مثقال ذرة خيرًا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره. وإنما عباده الممدوحون هم المذكورون في قوله تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران:١٣٣ - ١٣٥]).

6 / 3