الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ١
الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ١
Genres
عمل المقربين وأصحاب اليمين
وأولياء الله تعالى على نوعين: مقربون وأصحاب يمين كما تقدم، وقد ذكر النبي ﷺ عمل القسمين في حديث الأولياء، فقال: (يقول الله تعالى: من عادى لي وليًا فقد بارزني بالمحاربة، وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها).
فالأبرار أصحاب اليمين: هم المتقربون إليه بالفرائض، يفعلون ما أوجب الله عليهم، ويتركون ما حرم الله عليهم، ولا يكلفون أنفسهم في المندوبات، ولا الكف عن فضول المباحات، وأما السابقون المقربون: فتقربوا إليه بالنوافل بعد الفرائض، ففعلوا الواجبات والمستحبات وتركوا المحرمات والمكروهات، فلما تقربوا إليه بجميع ما يقدرون عليه من محبوباتهم أحبَّهم الله حبًا تامًا كما قال الله تعالى: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه) يعني: الحب المطلق أي: الكامل، الحب الذي أعلنه بين ملائكته وصار محبوبًا من كل وجه، فكذلك كان محبوبًا منه تقواه، ومحبوبًا منه إحسانه، فالله يحب المحسنين، ويحب التوابين، ويحب المتطهرين، فهذا مطلق الحب وأما: (حتى أحبه)، فهو الحب الكامل المطلق.
قوله: (كقوله تعالى: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾ [الفاتحة:٦ - ٧] أي: أنعم عليهم الإنعام المطلق التام، وإذا رزق الله كل خلقه، فقد أنعم عليهم.
قوله: «صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ» أي: الإنعام المطلق التام المذكور في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا﴾ [النساء:٦٩] فهؤلاء المقربون صارت المباحات في حقهم طاعات، يتقربون بها إلى الله ﷿، فكانت أعمالهم كلها عبادات لله، فشربوا صرفًا كما عملوا صرفًا).
والجزاء من جنس العمل، وهو أنهم لما عملوا لله فقط صرفًا شربوا منها صرفًا، أما في أعمالهم المباحة فقد اتبعوا الذين جعلوا المباحات طاعات، حتى السمع والبصر والملابس والمشي، كل ذلك كان لله، فلما عملوه لله صرفًا صار جزاءهم، أي: أنهم يأخذون الجزاء صرفًا، والمحتجزون بسبب أعمالهم عفا عنهم ليفوزوا برضاء الله، كما يستحضرون النية فيها.
والمقتصدون: كان في أعمالهم ما فعلوه لنفوسهم، فلا يعاقبون ولا يثابون عليه، فلم يشربوا صرفًا، بل مزج لهم من شراب المقربين بحسب ما مزجوه في الدنيا).
2 / 5