Refroidir la chaleur du malheur lors de la mort des êtres chers à la lumière du livre et de la sunna
تبريد حرارة المصيبة عند موت الأحباب وفقد ثمرات الأفئدة وفلذات الأكباد في ضوء الكتاب والسنة
Maison d'édition
مطبعة سفير
Lieu d'édition
الرياض
Genres
رسائل سعيد بن علي بن وهف القحطاني
تبريد حرارة المصيبة
عند موت الأحباب وفقد ثمرات الأفئدة وفلذات الأكباد
في ضوء الكتاب والسُّنَّة
تأليف الفقير إلى الله تعالى
د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني
Page inconnue
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد:
فهذه رسالة مختصرة في: «تبريد حرارة المصيبة عند موت الأحباب وفقد ثمرات الأفئدة وفلذات الأكباد» كتبتُ أصلها في يوم ٢١/ ٧/١٤١٧هـ عندما فقد بعض الإخوة الأحباب بعض أولاده، أعظم الله أجره على مصابه، ولا حرمه جزيل ثوابه، وألهمه التسليم لأمره، والرضى بالقضاء: حلوه ومرّه، وأخلف عليه من مصابه أحسن الخلف بمنه وكرمه، وقد جمعت فيها بعض الآيات والأحاديث وأرسلتها إليه؛ لتبرِّد حرّ مصيبته ويحتسب ويصبر، ثم كنت بعد ذلك أرسلها إلى كل من بلغني أنه مات له أحد من أولاده في مناسبات عديدة ولله الحمد، ثم تكررت المناسبات العظام في الابتلاء والمحن، والمصائب الجسيمة، لكثير من الأحباب، جبر الله مصيبة كل مسلم مصاب، فرأيت أن أضيف إليها بعض الآيات والأحاديث؛ ليبرِّد بها كل مسلم مصاب
1 / 3
حرارة مصيبته، وخاصة من أصيب بثمرات الأفئدة وفلذات الأكباد (١).
وأرجو الله ﷿ أن يفتح قلوب الأحباب لاقتناء هذه الرسالة ثم إهدائها لمن أصابته مصيبة بفقد فلذات الأكباد وثمرات الأفئدة، أو موت الأحباب تعزية لهم وتبريدًا لحرارة مصيبتهم، ويبشر بالأجر؛ لحديث عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده عن النبي ﷺ أنه قال: «ما من مؤمن يُعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله سبحانه من حلل الكرامة يوم القيامة» (٢).
ولا شك أن المسلم المصاب إذا قرأ هذه الآيات والأحاديث انشرح صدره، وبردت حرارة مصيبته، وفرج كربه، وقد قال النبي ﷺ: «من نفَّس عن مؤمن كربة من كُرب الدنيا نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة» (٣).
ولله در القائل:
الصبر مثل اسمه مرٌّ مذاقته ... لكن عواقبه أحلى من العسل
والله أسأل بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، أن يجعل هذا العمل
_________
(١) قد ألف في هذا الباب كتاب «برد الأكباد عند فقد الأولاد»، للحافظ أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد المعروف بابن ناصر الدين الدمشقي (٧٧٧هـ-٨٤٢هـ) وكتاب «تبريد حرارة الأكباد في الصبر على فقد الأولاد» للشيخ أبي حفص عمر بن أحمد بن السعدية الحلبي المتوفى سنة ٦٦٠هـ. ذكر ذلك الشيخ عبد القادر ابن شيبة الحمد في مقدمته لبرد الأكباد؛ لابن ناصر الدين، ص٥، نشر دار الأرقم بالرياض، وتوزيع مؤسسة الجريسي بالرياض.
(٢) ابن ماجه، كتاب الجنائز، باب ما جاء في ثواب من عزى مصابًا، برقم ١٦٠١، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه، ١/ ٢٦٧، وفي إرواء الغليل برقم ٧٦٤.
(٣) مسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر، برقم ٢٦٩٩.
1 / 4
خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفعني به في حياتي، وبعد مماتي، وأن يبرِّد به حرارة كبد كل مسلم مصاب، وأن ينفع به كل من انتهى إليه؛ فإنه خير مسؤول وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
المؤلف أبو عبد الرحمن
سعيد بن علي بن وهف القحطاني
حرر بعد عصر يوم الجمعة الموافق ٦/ ١٠/١٤٢٢هـ
1 / 5
بسم الله الرحمن الرحيم
من سعيد بن علي بن وهف القحطاني إلى كُلِّ مسلمٍ مُصابٍ بمصيبةِ موت الأحباب، أو فقد فلذات الأكباد، وثمرات الأفئدة، جبر الله مصيبتهم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فالله أسأل أن يُحسن عزاءكم، وأن يجمعكم ومن فقدتم في الفردوس الأعلى من الجنة، واعلموا «أن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فاصبروا واحتسبوا» (١)، وأبشروا بما وعد الله عباده المؤمنين الصابرين، وإليكم ما تطمئنُّ به قلوبكم، ويُبرِّد حرّ مصيبتكم العظيمة، ويشرح صدوركم، ويذهب همومكم وغمومكم من كلام ربكم الكريم، الحكيم، الرؤوف، الرحيم، الذي هو أرحم بالعباد من والديهم، ومن كلام نبيكم وقدوتكم وحبيبكم محمد ﷺ:
١ - صلوات الله ورحمته وهدايته للصابرين: قال الله تعالى:
﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ (٢).
﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ أي: بشرهم بأنهم يُوفَّوْن أجورهم بغير حساب،
_________
(١) انظر: مسلم، كتاب الجنائز، باب البكاء على الميت، برقم ٩٢٣.
(٢) سورة البقرة، الآيات: ١٥٥ - ١٥٧.
1 / 6
فالصابرون هم الذين فازوا بالبشارة العظيمة، والمنحة الجسيمة، ثم وصفهم بقوله: ﴿الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ﴾، وهي كلّ ما يُؤلم القلب أو البدن، أو كليهما، كما تقدم في الآيات، ومن ذلك موت الأحباب، والأولاد، والأقارب، والأصحاب، ومن أنواع الأمراض في بدن العبد، أو بدن من يحبه، ﴿قَالُواْ إِنَّا لله﴾ أي مملوكون لله، مُدَبَّرون تحت أمره، وتصريفه، فليس لنا من أنفسنا وأولادنا، وأموالنا شيء، فإذا ابتلانا بشيء فقد تصرَّف أرحم الراحمين بمماليكه وأموالهم، فلا اعتراض عليه، بل من كمال عبودية العبد: علمه بأن وقوع البلِيَّة من المالك الحكيم الذي هو أرحم بعبده من نفسه ووالدته، فيوجب له ذلك الرضا عن الله، والشكر له على تدبيره؛ لِمَا هو خير لعبده وإن لم يشعر بذلك، ومع أننا مملوكون لله فإنا إليه راجعون يوم المعاد، فمجاز كل عامل بعمله، فإن صبرنا واحتسبنا وجدنا أجرنا موفرًا عنده، وإن جزعنا وسخطنا لم يكن حظنا إلا السخط وفوات الأجر، فكون العبد لله وراجع إليه من أقوى أسباب الصبر ﴿أُولَئِكَ﴾ الموصوفون بالصبر المذكور ﴿عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ﴾ أي ثناء من الله عليهم ﴿وَرَحْمَةٌ﴾ عظيمة، ومن رحمته إياهم أن وفقهم للصبر الذي ينالون به كمال الأجر ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ الذين عرفوا الحق، وهو في هذا الموضع علمهم بأنهم لله، وأنهم إليه راجعون، وعملوا به، وهو هنا: صبرهم لله (١).
قال أمير المؤمنين عمر ﵁: «نعم العدلان ونعمة العلاوة ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ﴾، فهذان العدلان، ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ
_________
(١) تيسير الكريم الرحمن للعلامة السعدي، ص٧٦، وتفسير ابن كثير، ص١٣٥.
1 / 7
الْمُهْتَدُونَ﴾، فهذه العلاوة، وهي ما توضع بين العدلين، وهي زيادة في الحمل، فكذلك هؤلاء أعطوا ثوابهم وزيدوا أيضًا» (١).
٢ - الاستعانة بالصبر من أسباب السعادة، قال الله تعالى: ﴿وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ﴾ (٢).
٣ - محبّة الله للصابرين، قال ﷿: ﴿وَالله يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾ (٣).
٤ - معيَّة الله مع الصابرين: قال الله ﷿: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ الله مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ (٤).
٥ - استحقاق دخول الجنة لمن صبر، قال الله تعالى: ﴿أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا﴾ (٥).
٦ - الصابرون يُوفَّون أجرهم بغير حساب، فلا يُوزن لهم، ولا يُكال لهم، إنما يُغرف لهم غرفًا، وبدون عدٍّ ولا حدٍّ، ولا مقدار (٦)، قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ (٧).
٧ - جميع المصائب مكتوبة في اللوح المحفوظ، من قبل أن يخلق الله
_________
(١) تفسير القرآن العظيم لابن كثير، ص١٣٥، وهو في صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب الصبر عند الصدمة الأولى، الباب رقم ٤٢، قبل الحديث رقم ١٣٠٢.
(٢) سورة البقرة، الآية: ٤٥.
(٣) سورة آل عمران، الآية: ١٤٦.
(٤) سورة البقرة، الآية: ١٥٣.
(٥) سورة الفرقان، الآية: ٧٥.
(٦) تفسير ابن كثير، ص١٥١١، وتفسير السعدي، ص٧٢١.
(٧) سورة الزمر، الآية: ١٠.
1 / 8
الخليقة ويبرأ النسمة، وهذا أمر عظيم لا تُحيط به العقول؛ بل تذهل عنده أفئدة أولي الألباب، ولكنه على الله يسير (١)، قال الله ﷿: ﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى الله يَسِير *، لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَالله لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ (٢).
٨ - ما أصاب من مصيبة في النفس، والمال، والولد، والأحباب، ونحوهم إلا بقضاء الله وقدره، قد سبق بذلك علمه، وجرى به قلمه، ونفذت به مشيئته، واقتضته حكمته، فإذا آمن العبد أنها من عند الله فرضي بذلك وسلَّم لأمره، فله الثواب الجزيل، والأجر الجميل، في الدنيا والآخرة، ويهدي الله قلبه فيطمئن ولا ينزعج عند المصائب، ويرزقه الله الثبات عند ورودها، والقيام بموجب الصبر فيحصل له بذلك ثواب عاجل، مع ما يدَّخره الله له يوم الجزاء من الثواب (٣)، قال الله تعالى:
﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ الله وَمَن يُؤْمِن بِالله يَهْدِ قَلْبَهُ وَالله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (٤)، قال علقمة عن عبد الله: ﴿وَمَن يُؤْمِن بِالله يَهْدِ قَلْبَهُ﴾ هو الرجل الذي إذا أصابته مصيبة رضي بها وعرف أنها من الله» (٥).
وما أحسن ما قال ابن ناصر الدين الدمشقي رحمه الله تعالى:
_________
(١) تفسير ابن كثير، ص١٣١٣، وتفسير السعدي، ص٨٤٢.
(٢) سورة الحديد، الآيتان: ٢٢ - ٢٣.
(٣) تفسير السعدي، ص٨٦٧.
(٤) سورة التغابن، الآية: ١١.
(٥) البخاري، كتاب التفسير، سورة التغابن، بعد الحديث رقم ٤٩٠٧.
1 / 9
سبحان من يبتلي أناسًا ... أحبَّهم والبلاءُ عطاءُ
فاصبرْ لبلْوى وكن راضيًا ... فإن هذا هو الدواءُ
سلِّمْ إلى الله ما قضاه ... ويفعل الله ما يشاء (١)
٩ - الله تعالى يجزي الصابرين بأحسن ما كانوا يعملون، قال تعالى:
﴿مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ الله بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ قَسَمٌ من الرب تعالى مؤكَّد باللام أنه يجازي الصابرين بأحسن أعمالهم: الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبع مائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة؛ فإن الله لا يضيع أجر مَنْ أحسن عملًا، أي ويتجاوز عن سيئاتهم (٢)، ولله دَرُّ أبي يعلى الموصلي القائل:
إني رأيت وفي الأيام تجربةٌ ... للصبر عاقبةٌ محمودةُ الأثر
وقلّ من جدَّ في أمر يحاولُه ... واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر (٣)
١٠ - ما يُقال عند المصيبة والجزاء والثواب والأجر العظيم على ذلك، فعن أم المؤمنين أم سلمة ﵂ أنها سمعت رسول الله ﷺ يقول:
«ما من عبدٍ تُصيبه مصيبةٌ فيقول: إنَّا لله، وإنَّا إليه راجعون، اللهم أْجُرني في مصيبتي، واخلف لي خيرًا منها، إلا أجره الله في مصيبته، وأخلف له خيرًا منها» قالت أم سلمة، فلما توفي أبو سلمة ﵁ قلت كما أمرني رسول الله ﷺ، فأخلف الله لي خيرًا منه رسولَ الله ﷺ، وفي لفظ: «ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: «إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، اللهم أجُرْني
_________
(١) برد الأكباد عند فقد الأولاد، للحافظ المحدث أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد المعروف بابن ناصر الدين الدمشقي (٧٧٧ - ٨٤٢هـ)، ص١٢.
(٢) تفسير ابن كثير، ص٧٥٣، وتفسير السعدي، ص٤٤٩.
(٣) انظر: الصبر الجميل لسليم الهلالي، ١٥ - ١٦.
1 / 10
في مصيبتي واخلِفْ لي خيرًا منها ...» الحديث» (١). وفي لفظ ابن ماجه: «إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، اللهم عندك أحتسب مصيبتي، فأجُرْني فيها، وعوِّضني خيرًا منها» (٢).
وحديث أبي موسى الأشعري ﵁ عن النبي ﷺ أنه قال: «إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول: ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة وسمّوه بيت الحمد» (٣).
قال ابن ناصر الدين رحمه الله تعالى:
يجري القضاء وفيه الخير نافلة ... لمؤمن واثق بالله لا لاهي
إن جاءه فرحٌ أو نابه ترحٌ ... في الحالتين يقول الحمد لله (٤)
١١ - الأجر العظيم والثواب الكثير والفوز بالجنة لمن مات حبيبه المصافي فصبر، وطلب الأجر من الله تعالى، فعن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: يقول الله تعالى: «ما لعبدي المؤمن عندي جزاءٌ إذا قبضت صفيَّه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة» (٥)، قوله: «جزاء» أي ثواب وقوله: «إذا قبضت صَفِيَّه» وهو الحبيب المصافي: كالولد، والأخ، وكل ما يحبه الإنسان، والمراد بالقبض قبض روحه وهو الموت .. وقوله: «ثم
_________
(١) مسلم، كتاب الجنائز، باب ما يقال عند المصيبة، برقم ٩١٨.
(٢) ابن ماجه، كتاب الجنائز، باب ما جاء في الصبر على المصيبة، برقم ١٥٩٨، وصححه الألباني، في صحيح ابن ماجه، ١/ ٢٦٧، وأصله في صحيح مسلم.
(٣) الترمذي، برقم ١٠٢١، ويأتي تخريجه.
(٤) برد الأكباد عند فقد الأولاد للحافظ محمد بن عبد الله بن ناصر الدين، ص١٧.
(٥) البخاري، كتاب الرقاق، باب العمل الذي يبتغى به وجه الله، برقم ٦٤٢٤.
1 / 11
احتسبه إلا الجنة»، والمراد: صَبَر على فقده راجيًا من الله الأجر والثواب على ذلك. والاحتساب: طلب الأجر من الله تعالى خالصًا.
ووجه الدلالة من هذا الحديث «أن الصفيَّ أعمّ من أن يكون ولدًا أم غيره، وقد أفرد ورتّب الثواب بالجنة لمن مات له فاحتسبه» (١).
وسمعت شيخنا الإمام ابن باز ﵀ يقول: «صفيه: حبيبه: كولده، أو أبيه، أو أمه، أو زوجته» (٢).
١٢ - أشدّ الناس بلاءً: الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل؛ لحديث مصعب بن سعد عن أبيه ﵁ قال: قلت: يا رسول الله أيُّ الناس أشدُّ بلاءً؟ قال: «الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل: يُبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صُلبًا اشتدَّ بلاؤه، وإن كان في دينه رقةً ابتُلِيَ على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة» (٣).
أكثر وأصعب بلاء: أي محنة ومصيبة؛ لأنهم لو لم يُبتلوا لتُوهِّم فيهم الألوهية؛ وليتوهن على الأمة الصبر على البلية؛ ولأن من كان أشد بلاء كان أشد تضرُّعًا، والتجاءً إلى الله تعالى «ثم الأمثل فالأمثل» أي
_________
(١) فتح الباري، لابن حجر، ١١/ ٢٤٢ - ٢٤٣.
(٢) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم ٦٤٢٤، وذلك في فجر الأحد الموافق ١٤/ ١٠/ ١٤١٩هـ في الجامع الكبير بالرياض.
(٣) الترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء في الصبر على البلاء، برقم ٢٣٩٨، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجه، كتاب الفتن، باب الصبر على البلاء، برقم ٤٠٢٣، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، ٢/ ٥٦٥، وفي صحيح ابن ماجه، ٢/ ٣٧١، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم ١٤٣.
1 / 12
الفضلاء، والأشرف فالأشرف، والأعلى فالأعلى رتبة ومنزلة، فكل من كان أقرب إلى الله يكون بلاؤه أشد؛ ليكون ثوابه أكثر «فإن كان في دينه صلبًا» أي قويًا شديدًا «اشتد بلاؤه» أي كميَّة وكيفيَّة «فما يبرح البلاء» أي ما يفارق (١).
ومما يزيد ذلك وضوحًا وتفسيرًا، حديث أبي هريرة ﵁ يرفعه: «إن الرجل ليكون له عند الله المنزلة فما يبلغها بعمل، فما يزال الله يبتليه بما يكره حتى يبلِّغه إياها» (٢).
١٣ - من كان بلاؤه أكثر فثوابه وجزاؤه أعظم وأكمل؛ لحديث أنس ﵁ عن النبي ﷺ قال: «إن عِظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط» (٣).
والمقصود الحث على الصبر على البلاء بعد وقوعه لا الترغيب في طلبه للنهي عنه، فمن رضي بما ابتلاه الله به فله الرضى منه تعالى وجزيل الثواب، ومن سَخِطَ: أي كره بلاء الله وفزع ولم يرض بقضائه تعالى، فله السخط منه تعالى وأليم العذاب، ومن يعمل سوءًا يُجز به (٤).
_________
(١) تحفة الأحوذي للمباركفوري، ٧/ ٧٨ - ٧٩.
(٢) أبو يعلى، وابن حبان، وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم ١٥٩٩.
(٣) الترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء في الصبر على البلاء، برقم ٢٣٩٦، وابن ماجه، كتاب الفتن، باب الصبر على البلاء، برقم ٤٠٣١،وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي،٢/ ٥٦٤، وفي صحيح ابن ماجه، ٢/ ٣٧٣، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم ١٤٦.
(٤) تحفة الأحوذي للمباركفوري، ٧/ ٧٧.
1 / 13
ولا شك أن الصبر ضياء كما قال النبي ﷺ: «والصبر ضياء» (١).
والضياء: هو النور الذي يحصل فيه نوع حرارة وإحراق كضياء الشمس، بخلاف القمر، فإنه نور محض فيه إشراق بغير إحراق، ولَمّا كان الصبر شاقًّا على النفوس يحتاج إلى مجاهدة النفس، وحبسها، وكفّها عما تهواه، كان ضياءً (٢)؛ ولهذا - والله أعلم - يُوفَّى الصابرون أجرهم بغير حساب، بفضل الله ﷿.
١٤ - ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة حتى يلقى الله وما عليه خطيئة؛ لأنها زالت بسبب البلاء (٣)؛ لحديث أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله
ﷺ: «ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة: في نفسه، وماله، وولده، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة» (٤).
١٥ - فضل من يموت له ولد فيحتسبه، عن أنس بن مالك ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «ما من الناس مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث (٥) إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم» (٦).
_________
(١) مسلم، كتاب الطهارة، باب فضل الوضوء، برقم ٢٢٣.
(٢) جامع العلوم والحكم، لابن رجب، ٢/ ٢٤، ٢٥.
(٣) تحفة الأحوذي للمباركفوري، ٧/ ٨٠.
(٤) الترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء في الصبر على البلاء، برقم ٢٣٩٩، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، ٢/ ٥٦٥، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم ٢٢٨٠.
(٥) لم يبلغوا الحنث: أي لم يبلغوا سن التكليف الذي يكتب فيه الحنث وهو الإثم. شرح النووي على صحيح مسلم، ١٦/ ٤٢٠.
(٦) البخاري، كتاب الجنائز، باب ما قيل في أولاد المسلمين، برقم ١٣٨١.
1 / 14
والولد يشمل الذكر والأنثى.
وعن عبد الله بن مسعود ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «ما تعدُّون الرّقوب (١) فيكم»؟ قال: قلنا: الذي لا يُولد له. قال: «ليس ذاك بالرّقوب، ولكنه الرجل الذي لم يقدِّم من ولده شيئًا» (٢).
١٦ - من مات له ثلاثة من الولد كانوا له حجابًا من النار؛ ودخل الجنة؛ لحديث أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ: «من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث كان له حجابًا من النار أو دخل الجنة» (٣). وفي صحيح مسلم أن النبي ﷺ قال لامرأة مات لها ثلاثة من الولد: «لقد احتظرت بحظار شديد (٤) من النار» (٥)؛ ولحديث عتبة بن عبدٍ ﵁ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد، لم يبلغوا الحنث إلا تلقَّوْه من أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء دخل» (٦).
١٧ - من قدّم اثنين من أولاده دخل الجنة؛ لحديث أبي هريرة ﵁ أن
_________
(١) أصل الرقوب في كلام العرب الذي لا يعيش له ولد.
(٢) مسلم، كتاب البر والصلة، باب فضل من يملك نفسه عند الغضب، برقم ٢٦٠٨.
(٣) البخاري، كتاب الجنائز، باب ما قيل في أولاد المسلمين، قبل الحديث رقم ١٣٨١، تكلم الحافظ ابن حجر في فتح الباري، ٣/ ٢٤٥ عن وصله، وقال: «قوله: كان له» كذا للأكثر: أي كان قولهم له حجابًا، وللكشميهني: «كانوا» أي الأولاد.
(٤) احتظرت: أي امتنعت بمانع وثيق، والحظار ما يجعل حول البستان وغيره من قضبان وغيرها كالحائط، شرح النووي على صحيح مسلم، ١٦/ ٤٢٠ - ٤٢١.
(٥) مسلم، كتاب البر والصلة، باب فضل من يموت له ولد فيحتسبه، برقم ٢٦٣٦.
(٦) ابن ماجه، كتاب الجنائز، باب في ثواب من أصيب بولده برقم ١٦٠٣، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه، ٢/ ٤٦.
1 / 15
رسول الله ﷺ قال لنسوة من الأنصار: «لا يموت لإحداكن ثلاثة من الولد فتحتسبه إلا دخلت الجنة»، فقالت امرأة منهن: أو اثنين يا رسول الله؟ قال: «أو اثنين» (١)، قال النووي ﵀: وقد جاء في غير مسلم «وواحد» (٢).
وعن أبي صالح ذكوان عن أبي سعيد الخدري ﵁ قال: جاءت امرأة إلى رسول الله ﷺ، فقالت: يا رسول الله، ذهب الرجال بحديثك فاجعل لنا من نفسك يومًا نأتيك فيه تُعلّمنا مما علّمك الله، قال: «اجتمعن يوم كذا وكذا»، فاجتمعن فأتاهن رسول الله ﷺ، فعلمهن مما علمه الله قال: «ما منكن من امرأة تقدّم بين يديها من ولدها ثلاثة إلا كانوا لها حجابًا من النار»، فقالت امرأة: واثنين، واثنين، واثنين؟ فقال رسول الله ﷺ: «واثنين، واثنين، واثنين» (٣).
١٨ - من مات له واحد من أولاده فاحتسبه وصبر دخل الجنة؛ لحديث أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: يقول الله تعالى: «ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفّيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا
_________
(١) مسلم، كتاب البر والصلة، باب فضل من يموت له ولد فيحتسبه، برقم ١٥١ (٢٦٣٢).
(٢) شرح النووي على صحيح مسلم، ١٦/ ٤٢٠، وقد ذكر الحافظ ابن حجر ﵀ في فتح الباري ٣/ ١١٩ جميع الأحاديث التي فيها زيادة واحد وتكلم عليها كلامًا نفيسًا، ثم أشار إلى أن الذي يستدل به على ذلك حديث: «ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة»، قال: وهذا يدخل فيه الواحد، فتح الباري، ٣/ ١١٩، و١١/ ٢٤٣.
(٣) متفق عليه: البخاري، كتاب الجنائز، باب فضل من مات له ولد فاحتسبه، برقم ١٠١، و١٢٤٩، و٧٣١٠، ومسلم، كتاب البر والصلة، باب فضل من يموت له ولد فيحتسبه، برقم ٢٦٣٣.
1 / 16
الجنة» (١). قال الحافظ ابن حجر ﵀: «وهذا يدخل فيه الواحد فما فوقه وهو أصحّ ما ورد في ذلك، وقوله: «فاحتسب» أي صبر راضيًا بقضاء الله راجيًا فضله» (٢)، وذكر ابن حجر ﵀ أنه يدخل في ذلك حديث قرة بن إياس، وسيأتي في الحديث الآتي (٣).
وسيأتي أيضًا حديث أبي موسى الأشعري ﵁ الذي فيه قوله ﷺ: «ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة وسمّوه بيت الحمد»، فهو يدلّ على أن من مات له ولد واحد دخل الجنة (٤).
١٩ - من مات له ولد فاحتسبه وجده ينتظره عند باب الجنة، بفضل الله ﷿ ورحمته؛ لحديث قرّة بن إياس ﵁ أن رجلًا كان يأتي النبي ﷺ ومعه ابن له، فقال له النبي ﷺ: «أتحبه»؟ فقال: يا رسول الله أحبك الله كما أحبه، ففقده النبي ﷺ، فقال: «ما فعل ابن فلان»؟ قالوا: يا رسول الله مات، فقال النبي ﷺ لأبيه: «أما تحبّ أن لا تأتي بابًا من أبواب الجنة إلا وجدته ينتظرك؟» فقال رجل: يا رسول الله: أله خاصة أو لكُلِّنا؟ فقال: «بل لِكُلِّكم»، ولفظ النسائي: «ما يسرّك أن لا تأتي بابًا من أبواب الجنة إلا وجدته عنده يسعى يفتح لك؟» (٥).
_________
(١) البخاري، كتاب الرقاق، باب العمل الذي يُبتغى به وجه الله، برقم ٦٤٢٤.
(٢) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ٣/ ١١٩، ولابن حجر كلام يؤيد هذا في شرحه للحديث رقم ٦٤٢٤، في فتح الباري، ١١/ ٢٤٣.
(٣) فتح الباري، ١١/ ٢٤٣.
(٤) الترمذي، برقم ١٠٢١، وسيأتي.
(٥) النسائي، كتاب الجنائز، باب الأمر باحتساب الأجر، برقم ١٨٧١، رقم الباب ٢٢، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري، ١١/ ٢٤٣: «أخرجه أحمد، والنسائي، وسنده على شرط الصحيح، وقد صححه ابن حبان، والحاكم»، وصححه الألباني في صحيح النسائي، ٢/ ٤٠٤.
1 / 17
٢٠ - المؤمن إذا مات ولده سواء كان ذكرًا أو أنثى وصبر واحتسب وحمد الله على تدبيره وقضائه بنى الله له بيتًا في الجنة وسماه بيت الحمد؛ لحديث أبي موسى الأشعري ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: «إذا مات ولد العبد، قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة وسمّوه بيت الحمد» (١).
وعن أبي سلمى راعي رسول الله ﷺ يرفعه: «بخٍ بخٍ - وأشار بيده لخمس - ما أثقلهن في الميزان: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، والولد الصالح يُتوَفَّى للمرء المسلم فيحتسبه» (٢).
٢١ - السِّقط يجرّ أمّه بِسُرِّهِ إلى الجنة؛ لحديث معاذ بن جبل ﵁ عن النبي ﷺ: قال: «والذي نفسي بيده إن السقط ليجرُّ أُمَّهُ بسَرَرِه إلى الجنة إذا احتسبته» (٣).
٢٢ - ومما يشرح صدر المسلم ويبرِّد حرَّ مصيبته أن أولاد المسلمين في
_________
(١) الترمذي، كتاب الجنائز، باب فضل المصيبة إذا احتسب، برقم، ١٠٢١، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، ١/ ٥٢٠، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم ١٤٠٨.
(٢) أخرجه ابن سعد في الطبقات، ٧/ ٤٣٣،وابن حبان، برقم ٢٣٢٨،والحاكم،١/ ٥١١ - ٥١٢، وقال: «صحيح الإسناد»،ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في الأحاديث الصحيحة، برقم ١٢٠٤.
(٣) ابن ماجه، كتاب الجنائز، باب ما جاء فيمن أصيب بسقط، برقم ١٦٠٩، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، ٢/ ٤٦.
1 / 18
الجنة، قال الإمام النووي ﵀ بعد أن ساق الأحاديث في فضل من يموت له ولد فيحتسبه: «وفي هذه الأحاديث دليل على كون أطفال المسلمين في الجنة، وقد نقل جماعة فيهم إجماع المسلمين»، ونقل عن المازري قوله: «ونقل جماعة الإجماع في كونهم من أهل الجنة قطعًا؛ لقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ﴾ (١) (٢).
ويدل عليه حديث أبي هريرة ﵁ أن أولاد المسلمين في الجنة، «وأن أحدهم يلقى أباه فيأخذ بثوبه أو بيده فلا يتركه حتى يدخله الله وأباه، أو قال: أبويه الجنة» (٣).
وسمعت شيخنا الإمام ابن باز ﵀ يقول: «أجمع المسلمون على أن أولاد المسلمين في الجنة، أما أولاد الكفار ففيهم خلاف، وأصح ماقيل فيهم أنهم يُمتحنون يوم القيامة، أو هم من أهل الجنة بدون امتحان، وهو أصحّ» (٤). وهو الصواب (٥)؛ لحديث سمرة بن جندب ﵁ في الحديث الطويل وفيه: «وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم، وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة»، فقال بعض المسلمين: يا رسول الله: وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله ﷺ:
_________
(١) سورة الطور، الآية: ٢١.
(٢) شرح النووي على صحيح مسلم، ١٦/ ٤٢١.
(٣) مسلم، كتاب البر والصلة، باب فضل من يموت له ولد، فيحتسبه، برقم ٢٦٣٥.
(٤) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم ١٣٨١، و١٣٨٢.
(٥) انظر: فتح الباري لابن حجر، ٣/ ٢٤٦.
1 / 19
«وأولاد المشركين» (١).
٢٣ - من تصبّر ودرَّب نفسه على الصبر صبَّره الله وأعانه وسدّده؛ لحديث أبي سعيد الخدري ﵁، عن النبي ﷺ، وفيه: «ومن يستعفف يُعفّه الله، ومن يستغنِ يُغْنِهِ الله، ومن يتصبَّر يصبره الله، وما أعطي أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر» (٢).
٢٤ - من أراد الله به خيرًا أصابه بالمصائب؛ ليثيبه عليها (٣)؛ لحديث أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «من يُرد الله به خيرًا يُصب منه» (٤). وسمعت شيخنا عبد العزيز بن عبد الله ابن باز ﵀ يقول: «أي بالمصائب بأنواعها، وحتى يتذكّر فيتوب، ويرجع إلى ربه» (٥).
٢٥ - أمر المؤمن كله خير في السرّاء والضرّاء، وفي الشدّة والرّخاء؛ لحديث صهيب ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سرَّاءُ شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراءُ صبر فكان خيرًا له» (٦).
_________
(١) البخاري، كتاب التعبير، باب الرؤيا بعد صلاة الصبح، برقم ٧٠٤٧.
(٢) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب الاستعفاف عن المسألة، برقم ١٤٦٩، وكتاب الرقاق، باب الصبر عن محارم الله، برقم ٦٤٧٠، ومسلم، كتاب الزكاة، باب فضل التعفف والصبر، برقم ١٠٥٣.
(٣) فتح الباري لابن حجر، ١٠/ ١٠٨.
(٤) البخاري، كتاب المرضى، باب ما جاء في كفارة المرض، برقم ٥٦٤٥.
(٥) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم ٥٦٤٥.
(٦) مسلم، كتاب الزهد، باب المؤمن أمره كله خير، برقم ٢٩٩٩.
1 / 20
٢٦ - المصيبة تحطّ الخطايا حطًّا كما تحطّ الشجرة ورقها؛ لحديث عائشة ﵂ قالت: قال رسول الله ﷺ: «ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفَّر الله بها عنه حتى الشوكة يُشاكها» (١).
وعن عبد الله بن مسعود ﵁ عن النبي ﷺ أنه قال: «ما من مسلم يُصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حطَّ الله به سيئاته كما تحطُّ الشجرة ورقها» (٢).
وعن أبي سعيد وأبي هريرة ﵄ عن النبي ﷺ قال: «ما يُصيب المؤمن من نَصَبٍ، ولا وَصَبٍ، ولا همّ، ولا حزن، ولا أذى، ولا غمّ حتى الشوكةُ يشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه» (٣)، وفي لفظ: «ما يُصيب المؤمنَ من وَصَبٍ (٤)، ولا نَصَبٍ (٥)، ولا سَقَم ...».
٢٧ - يجتهد المسلم في استكمال شروط الصبر التي إذا عمل بها المصاب المسلم حصل على الثواب العظيم، والأجر الجزيل، وتتلخص هذه الشروط في ثلاثة أمور:
الشرط الأول: الإخلاص لله ﷿ في الصبر؛ لقول الله ﷿: ﴿وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ﴾، ولقوله ﷿ في صفات أصحاب العقول السليمة: ﴿وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً
_________
(١) متفق عليه: البخاري، كتاب المرضى، باب ما جاء في كفارة المرض، برقم ٥٦٤٠، ومسلم، كتاب البر والصلة، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه، برقم ٤٩ (٢٥٧٢).
(٢) مسلم، كتاب البر والصلة، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه، برقم ٢٥٧١.
(٣) متفق عليه: البخاري، كتاب المرضى، باب ما جاء في كفارة المرض، برقم ٥٦٤١، ٥٦٤٢، ومسلم، كتاب البر والصلة، باب ثواب المؤمن فيما يصيبه، برقم ٢٥٧٣.
(٤) الوصب: المرض.
(٥) النصب: التعب.
1 / 21