الفصل السادس
مدى سعة الخلاف الذي كان يحصل بين الصحابة
وموقفهم منه، وكيف تطور بعدهم إلى تمزيق وحدة الأمة الإسلامية
رأينا فيما سبق أن الصحابة اختلفوا في مسائل لو أنها عند غيرهم لأريقت في بعضها الدماء، ولكن الصحابة ما كانوا يريدون الخلاف لذاته أو لأهوائهم كما حصل فيما بعد عند غيرهم.
إلاّ أن جل خلافهم إنما كان حول فهم نص من كتاب الله أو سنة نبيه ﷺ وهي أمور أكثرها اجتهادية شبيهة بما كان يحصى أحيانًا في حياة الرسول ﷺ كما حصل في أمر صلاة العصر حينما توجهوا إلى بني قريضة، وكان أحدهم إذا تبين له صحة وجهة نظر أخيه ترك خلافه، ورجع إلى الحق، بل وربما يرجع عن خلافه في مثل المسائل الاجتهادية؛ حرصًا على جمع الكلمة، وسدًا لمنافذ الخلافات أو فتح الثغرات التي يأوي إليها المتربصون بهم ...
ومما ورد في كره الصحابة للخلاف، ورجوع بعضهم عنه في مسائل الاجتهاد خوفًا من تفرق الكلمة ما جاء في صحيح البخاري عن علي ﵁ قال: «اقضوا كما كنتم تقضون فإني أكره الاختلاف حتى يكون الناس جماعة أو أموت كما مات أصحابي» (١) .
(١) صحيح البخاري جـ ٧ صـ ٧١.