Congregational Prayer
صلاة الجماعة
Maison d'édition
مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
Genres
فقه السنة:
صلاة الجماعة
للدكتور محمد ضياء الرحمن الأعظمي أستاذ مساعد بكلية الحديث الشريف
الأول: حكم صلاة الجماعة:
عن أبي هريرة – ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "أثقل الصلاة على المنافقين، صلاة العشاء، وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلا فيصلي بالناس ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار". (إسناده صحيح) ١.
وفي رواية عند أحمد: "لولا ما في البيوت من النساء والذرية لأقمت صلاة العشاء وآمر فتياني يحرقون ما في البيوت بالنار" ٢.
وفي إسناد أحمد: أبو معشر، وهو نجيح بن عبد الرحمن السندي المشهور بكنيته، ضعيف.
وقوله: "حبوًا" أي المشي على الأيدي والركب، وهو الزحف كما يزحف الصغير.
خص النبي ﷺ الصلاتين وهما العشاء والفجر وجعلهما ثقلًا على المنافقين لأن العشاء كانت وقت الإيواء إلى البيوت من العمل، وكانت ظلمة الليل تمنعهم من الخروج من البيت. وأما الفجر فلذة النوم تمنع من القيام وخاصة في البرد الشديد.
وخص النبي ﷺ المنافقين لأنهم ما كانوا يؤدون الصلاة على جهة الاحتساب فكلما وجدوا فرصة للغياب لم يفرطوا فيها، بل اغتنموها فكأن النبي ﷺ شبه المؤمنين تاركي حضور الجماعة في صلاتي الفجر والعشاء بالمنافقين، وهددهم بالإحراق بالنار.
واستدل بعض العلماء بهذا الحديث على وجوب صلاة الجماعة لأنها لو كانت سنة لما هدد النبي ﷺ تاركها بالتحريق.
_________
١ رواه البخاري (٢/١٢٥ مع الفتح) ومسلم (١/١٤٥) وأبو داود (١/٣٧١-٣٧٢) والنسائي (٢/١٠٧) والترمذي (١/٤٢٢-٤٢٣) وأحمد (٢/٢٤٤، ٢٩٢، ٣١٤، ٣١٩) .
٢ أحمد (٢/٣٦٧) .
60 / 35
فتفرع عن ذلك عدة أقوال في حكم صلاة الجماعة منها:
١- أنها فرض على الأعيان: وهو رأي الأوزاعي، وأحمد، وداود الظاهري، بعض محدثي الشافعية كأبي ثور، وابن خزيمة، وابن المنذر، وابن حبان، ثم اختلف هؤلاء، فقال داود الظاهري: إنها شرط في صحة الصلاة، ففي المحلى "ولا تجزي صلاة فرض أحدًا من الرجال، إذا كان بحيث يسمع الأذان أن يصليها إلا في المسجد مع الإمام، فإن تعمد ترك ذلك بغير عذر بطلت صلاته فإن كان بحيث لا يسمع الأذان ففرض عليه أن يصلي في جماعة مع واحد إليه فصاعدًا ولابد، فإذا لم يفعل فلا صلاة له إلا أن لا يجد أحدًا يصليها معه فيجزئه حينئذ إلا من له عذر فيجزئه حينئذ التخلف عن الجماعة"١.
وذكر ابن عقيل من الحنابلة وجهًا في اشتراطها عن أحمد أيضًا قياسًا على سائر واجبات الصلاة. والصحيح عنه أنها ليست شرطًا في صحة الصلاة بدليل عدم إنكار النبي ﷺ على اللذين صليا في رحالهما.
يقول ابن دقيق العيد: "ولما كان الوجوب قد ينفك عن الشرطية قال أحمد في أظهر قوليه بوجوبها على الأعيان بدون شرطية" ٢.
وكذلك انعقد الإجماع على أن من صلى في بيته وحده لا يجب عليه الإعادة.
٢- وذهب الجمهور إلى أنها سنة مؤكدة. وهو رأي الأئمة الثلاثة: مالك والشافعي وأبي حنيفة، وبه قال الثوري: وللشافعي ومالك قول بأنها فرض كفاية.
أدلة القائلين بوجوب الجماعة:
١- قوله تعالى: ﴿وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُم﴾ (سورة النساء) .
هذه الآية تختص بصلاة الخوف، فإذا لم يأذن الله أن نتخلف عن الجماعة في حالة الخوف، ففي الأمن أولى.
قال ابن كثير: "وما أحسن ما استدل به من ذهب إلى وجوب الجماعة من هذه الآية الكريمة، حيث اغتفرت أفعال كثيرة لأجل الجماعة، فلولا أنها واجبة لما ساغ لك" ٣.
_________
١ المحلى (٤/٢٦٥) .
٢ إحكام الأحكام (١/١٦٦) .
٣ تفسير ابن كثير (٢/٣٥٤) .
60 / 36
وقال ابن قدامة: "ولو لم تكن واجبة لرخص فيها حالة الخوف، ولم يجز الإخلال بواجبات الصلاة من أجلها" ١.
٢- ولأن النبي ﷺ لم يرخص للأعمى أن يتخلف عن الجماعة مع عذره.
قال أبو هريرة: "أتى رسول الله ﷺ رجل أعمى فقال: يا رسول الله: إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله ﷺ أن يرخص له، فرخص له، فلما ولىَّ دعاه، فقال: "هل تسمع النداء؟ " قال: نعم. قال: "فأجب" ٢.
وعن عمرو بن أم مكتوم أنه قال لرسول الله ﷺ: "إني ضرير البصر، شاسع الدار، لي قائد لا يلاومني، فهل لي رخصة أن أصلي في بيتي؟. قال: "هل تسمع النداء؟ " قال: نعم. قال: "فأجب، فإني لا أجد لك رخصة". وفي رواية "قال: يا رسول الله إن المدينة كثيرة الهوام والسباع، وأنا ضرير البصر، فهل تجد لي من رخصة؟. قال: "تسمع حي على الصلاة، حي على الفلاح؟ ". قال: نعم. فقال: "فحي هلا "، ولم يرخص" ٣
قوله: يلاومني من الملاومة أي الموافقة والمناسبة.
قال الخطابي: "هكذا يروى في الحديث بالواو، ولكن الصواب: يلايمني: أي يوافقني، وأما الملاومة فإنها من اللوم وليس هذا موضعه ".
والهوام: هوام الأرض أي حشراتها.
فحي هلا: حي بمعنى هلمَّ، وهلا: بمعنى عجل وأسرع.
قال الخطابي: "وفي هذا دليل على أن حضور الجماعة واجب ولو كان ذلك ندبًا لكان أولى من يسعه التخلف عنها أهل الضرر والضعف، ومن كان في مثل حال ابن أم مكتوم".
وكان عطاء بن أبي رباح يقول: "ليس لأحد من خلق في الحضر، والقرية رخصة إذا سمع النداء في أن يدع الصلاة". وقال الأوزاعي: "لا طاعة للوالدين في ترك الجمعة والجماعات، سمع النداء أو لم يسمع". وكان أبو ثور يوجب الجماعة. واحتج هو وغيره ممن أوجبه بأن الله ﷾ أمر أن يصلى جماعة في حال الخوف، ولم يعذر في تركها فعقل أنها في حال الأمن أوجب.
وقال: "وأكثر أصحاب الشافعي على أن الجماعة فرض على الكفاية لا على الأعيان. وتأولوا حديث ابن أم مكتوم على أنه لا رخصة لك إن طلبت فضيلة الجماعة،
_________
١ المغني (٢/١٤٩)
٢ رواه مسلم (١/٤٥٢) والنسائي (٢/١٠٩)
٣ رواه أبو داود (١/٣٧٥) والنسائي (٢/١١٠) وابن ماجة (١/٢٦٠)
60 / 37
وإنك لا تحرز أجرها مع التخلف عنها بحال. واحتجوا
في ذلك بقوله ﷺ: "صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة". انتهى كلامه١.
٢- حديث ابن عباس: قال رسول الله ﷺ: "من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر، قال: وما العذر؟، قال: خوف أو مرض، لم تقبل منه صلاته التي صلى".
رواه أبو داود والدارقطني والحاكم٢ كلهم بطرق عن أبي جناب، عن مغراء العبدي، عن عدي بن ثابت، عن سعيد بن جبير، عنه.
قال أبو داود: "روى عن مغراء أبو إسحاق أيضًا".
وسكت عليه الحاكم والذهبي.
ومغراء: بفتح أوله وسكون المعجمة - أبو مخارق الكوفي ذكره ابن حبان في الثقات وطعن فيه عبد الحق وتكلم فيه الذهبي. قال ابن القطان: "أنكر على عبد الحق طعنه في حديثه، ولا يعرف فيه تجريح".
وفيه يحيى بن أبي حية، أبو جناب الكلبي: قال الحافظ: "ضعفوه لكثرة تدليسه".
وقال المنذري: "أبو جناب يحيى بن أبي حية الكلبي ضعيف، وأخرجه ابن ماجة بنحوه وإسناده أمثل وفيه نظر". انتهى.
وحديث ابن ماجة الذي أشار إليه المنذري هو بلفظ "من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر".
رواه ابن ماجة والدارقطني والحاكم٣ كلهم من طرق عن هشيم بن بشير عن شعبة، عن عدي بن ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس. كما رواه الحاكم أيضا بطريق عبد الرحمن بن غزوان أبي نوح المعروف بقراد عن شعبة. وقال: "هذا الحديث قد أوقفه غندر وأكثر أصحاب شعبة، وهو حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وهشيم، وقراد أبو نوح ثقتان، فإذا وَصَلاه فالقول فيه قولهما". انتهى. ووافقه الذهبي وقال: الدارقطني بعد ذكر هذا الحديث بطريق هشيم بن بشير عن شعبة، حدثنا ابن مبشر وآخرون قالوا: أخبرنا عباس بن محمد الدوري حدثنا قراد عن شعبة بإسناده نحوه.
ثم قال: "رفعه هشيم، وقراد شيخ من البصريين مجهول". انتهى.
_________
مختصر المنذري (١/٢٩٢) وهامش سنن أبي داود (١/٣٧٤)
أبو داود (١/٣٧٤) والدارقطني (١/٤٢٠) والحاكم (١/٢٤٥)
١١ ابن ماجة (١/٢٦٠) والدارقطني (١/٤٢٠) والحاكم (١/٢٤٥) .
60 / 38
وقراد هذا الذي زعمه الدارقطني هنا أنه مجهول قد وثقه هو نفسه في الجرح والتعديل كما نقله عنه الحافظ في التهذيب١.
قال الحافظ: "ورواه قاسم بن أصبغ في مسنده موقوفًا ومرفوعًا من حديث شعبة عن عدي بن ثابت به ولم يقل في المرفوع: "إلا من عذر". ثم ذكر كلام الحاكم وأنه أخرج في مستدركه بعض الشواهد، منها: عن أبي موسى الأشعري وهو من طريق أبي بكر بن عياش، عن أبي حصين عن أبي بردة عنه بلفظ: "من سمع النداء فارغا صحيحا فلم يجب فلا صلاة له". ثم قال: ورواه البزار من طريق قيس بن الربيع عن أبي حسين أيضًا. ورواه من طريق سماك عن أبي بردة عن أبيه موقوفًا". وقال البيهقي: "الموقوف أصح. ورواه العقيلي في الضعفاء من حديث جابر، وضعفه، ورواه ابن عدي من حديث أبي هريرة وضعفه". انتهى كلام الحافظ٢.
وقال الحاكم: "وقد صحت الرواية فيه عن أبي موسى عن أبيه (هكذا والصحيح عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه) ". ووافق الذهبي على تصحيح الحديث٣.
قال الكاساني: "تجب الجمعة على الرجال العاقلين الأحرار القادرين عليها من غير حرج، فلا تجب على النساء والصبيان والمجانين والعبيد والمقعد ومقطوع اليد والرجل من خلاف والشيخ الكبير لا يقدر على المشي والمريض" انتهى ٤ لأن هؤلاء من أصحاب الأعذار.
٤- حديث جابر بن عبد الله: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد" وهو حديث مشهور بين الناس وليس له إسناد ثابت. فقد رواه الدارقطني٥ عن جابر بن عبد الله وفيه: محمد بن سكين الشقري المؤذن. قال عنه الذهبي: لا يعرف وخبره منكر. وقال البخاري: في إسناد حديثه نظر. ورواه العقيلي في الضعفاء وضعفه. ورواه أيضًا هو والحاكم٦. عن أبي هريرة: وفيه سليمان بن داود اليمامي قال عنه ابن معين: ليس بشيء. وقال البخاري: منكر الحديث. وقال ابن حبان متروك. ورواه ابن عدي في الكامل وضعفه، ورواه أيضا عن علي بن أبي طالب. وفيه الحارث الأعور وهو ضعيف جدًا.
_________
١ التهذيب (٦/٢٤٩) .١
٢ انظر التلخيص الحبير (٢/٣٠) .٢
٣ انظر المستدرك (١/٢٤٦) .٣
٤ البدائع (١/٤٢٢) .٤
٥ الدارقطني (١/٤٢٠) .٥
٦ المستدرك (١/٢٤٦) .٦
60 / 39
وقال ابن الجوزي: رواه عمر بن راشد من حديث عائشة. قال ابن حبان: لا يحل ذكر عمر إلا على سبيل القدح فيه١.
ذكر السيوطي في الجامع الصغير٢، والعجلوني في كشف الخفاء٣.
وقالا: إنه ضعيف. هذه هي بعض ما روي في هذا الموضوع وإليكم الآن:
وجهة نظر الجمهور القائلين بعدم وجوب الجماعة:
نظر الجمهور إلى الأحاديث التي مر ذكرها، وإلى الأحاديث التي تفضل الجماعة على الفرد بدرجات فقالوا: نحمل هذه الأحاديث على تأكيد الجماعة وعدم التهاون فيها لأن قوله ﷺ: "على صلاته وحده" يقتضي صحة صلاته منفردا لاقتضاء صيغة (أفعل) الاشتراك في أصل التفاضل فإن ذلك يقتضي أيضًا وجود فضيلة في صلاة المنفرد، وما لا يصح لا فضيلة فيه.
قال الإمام الشافعي: "ومنعني أن أقول إن صلاة الرجل لا تجوز وحده وهو يقدر على الجماعة بحال تفضيل النبي ﷺ صلاة الجماعة على صلاة المنفرد، ولم يقل لا تجزئ المنفرد صلاته، وأنا قد حفظنا أن قد فاتت رجالا معه الصلاة فصلوا بعلمه منفردين، وقد كانوا قادرين على أن يجمعوا، وأن قد فاتت الصلاة في الجماعة قوما فجاءوا المسجد فصلى كل واحد منهم منفردا، وقد كانوا قادرين على أن يجمعوا في المسجد، فصلى كل واحد منهم منفردا"٤.
قال القرطبي: ولا يقال إن لفظة (أفعل) قد ترد لإثبات صفة الفضل في إحدى الجهتين كقوله تعالى: ﴿وَأَحْسَنُ مَقِيلًا﴾ . لأنا نقول: إنما يقع ذلك على قلة حيث ترد صيغة (أفعل) مطلقة غير مقيدة بعدد معين، فإذا قلنا: هذا العدد أزيد من هذا بكذا فلابد من وجود أصل العدد.
ولا يقال: يحمل المنفرد على المعذور لأن قوله: صلاة الفذّ صيغة عموم فيشمل من صلى منفردًا بعذر، وبغير عذر فحمله على المعذور يحتاج إلى دليل، وأيضًا ففضل الجماعة حاصل للمعذور٥.
_________
١ الموضوعات: (٢/٩٣) . وانظر المجروحين لابن حبان: (٢/٩٣) . ٦/٤٣١: (مع فيض القدير) .
٢ ٦/٤٣١: (مع فيض القدير) . كشف الخفاء (٢/٣٦٥) .
٣ كشف الخفاء (٢/٣٦٥) . الأم (١/١٥٥) .
٤ الأم (١/١٥٥) .
٥ انظر فتح الباري (٢/١٣٦) .
60 / 40
ويحتج على الظاهرية القائلين بالوجوب بحديث أبي هريرة أنه بمقتضى مذهبهم لا يدل على وجوب الجماعة في غير الفجر والعشاء، لأنهم يأخذون بالظاهر، فإذا ثبت أن الصلوات الأخرى غير واجبة، وجب أن نحمل حديث أبي هريرة على غير الوجوب أيضًا لأن الصلوات الأخرى لا يختلف حكمها.
فإذا كان كذلك وجب تأويل حديث أبي هريرة حتى يصلح أن يكون حكمه مثل الصلوات الأخرى.
وإليكم بعض هذه التأويلات نقلًا من الحافظ:
١- أن النبي ﷺ هم بالتوجه إلى المتخلفين، فلو كانت الجماعة فرض عين ما هم بتركها إذا توجه.
وتعقب بأن الواجب يجوز تركه لما هو أوجب منه كما أن تركه لهما حال التحريق لا يستلزم الترك مطلقا لإمكان أن يفعلها في جماعة آخرين قبل التحريق أو بعده.
٢- إنها لو كانت شرطًا أو فرضًا لبين ذلك عند التوعد.
يجاب بأن النبي ﷺ قد دل على وجوب الحضور وهو كاف في البيان.
قال ابن دقيق العيد: بأن البين قد يكون بالتنصيص وقد يكون بالدلالة.
فلما قال: قد "هممت" دل على وجوب الحضور.
٣- قال الباجي وغيره: إن الخبر ورد مورد الزجر، وحقيقته غير مرادة، وإنما المراد المبالغة ويرشد إلى ذلك وعيدهم بالعقوبة التي يعاقب بها الكفار.
وقد انعقد الإجماع على منع عقوبة المسلمين بذلك.
وأجيب بأن المنع وقع بعد نسخ التعذيب بالنار وكان قبل ذلك جائزًا بدليل حديث أبي هريرة قال: بعثنا رسول الله ﷺ في بعث فقال: "إن وجدتم فلانًا وفلانا فاحرقوهما بالنار". ثم قال رسول الله ﷺ حين أردنا الخروج: "إني أمرتكم أن تحرقوا فلانًا وفلانا، وإن النار لا يعذب بها إلا الله فإن وجدتموهما فاقتلوهما".
رواه البخاري في الجهاد في باب لا يعذب بعذاب الله، وأصحاب السنن، إلا أن هذا الحكم كان خاصا بالكفار.
٤- أن النبي ﷺ ترك تحريقهم بعد التهديد فلو كان واجبًا ما عفا عنهم.
قال القاضي عياض: ليس في الحديث حجة لأنه ﷺ هم ولم يفعل وزاد النووي: ولو كان فرض عين لما تركهم.
60 / 41
وأجاب ابن دقيق العيد فقال: هذا ضعيف لأنه لا يهم إلا بما يجوز له فعله، وأما الترك فلا يدل على عدم الوجوب لاحتمال أن يكون انزجروا بذلك وتركوا التخلف الذي ذمهم بسببه وقد جاء في بعض الطرق بيان سبب الترك وهو فيما رواه أحمد من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة بلفظ: "لولا ما في البيوت من النساء والذرية لأقمت صلاة العشاء وأمرت فتياني يحرقون". الحديث ١.
٥- قالوا: إن المراد بالتهديد قوم تركوا الصلاة رأسًا لا مجرد الجماعة وهو متعقب بأن في رواية مسلم "لا يشهدون الصلاة" أي لا يحضرون، وفي رواية أحمد "لا يشهدون العشاء في الجميع". أي في الجماعة.
٦- إن هذا التهديد ورد في حق المنافقين لتركهم الجماعة. تعقب باستبعاد الاعتناء بتأديب المنافقين على تركهم الجماعة مع العلم بأنه لا صلاة لهم، وبأنه ﷺ كان معرضًا عنهم وعن عقوبتهم مع علمه بطويتهم، وقد قال: "لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه". وتعقب هذا التعقيب ابن دقيق العيد بأنه لا يتم إلا إن ادعي أن ترك معاقبة المنافقين كان واجبًا عليه ولا دليل على ذلك وليس في إعراضه عنهم ما يدل على وجوب ترك عقوبتهم٢.
قال الحافظ بعد نقل هذه الاحتمالات: والذي يظهر لي أن الحديث ورد في المنافقين لقوله في صدر الحديث: "ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء...".
وبقوله: "لو يعلم أحدكم" لأن هذا الوصف لائق بالمنافقين لا بالمؤمن الكامل، لكن المراد به نفاق المعصية، لا نفاق الكفر بدليل قوله في رواية عجلان: "لا يشهدون العشاء في الجميع". وقوله في حديث أسامة: "لا يشهدون الجماعة" وأصرح من ذلك قوله في رواية يزيد بن الأصم عن أبي هريرة عند أبي داود: "ثم آتي قوما يصلون في بيوتهم ليست بهم علة". فهذا يدل على أن نفاقهم نفاق معصية لا كفر، لأن الكافر لا يصلي في بيته إنما يصلي في المسجد رياء وسمعة، فإذا خلا في بيته كان كما وصفه الله به من الكفر والاستهزاء. انتهى٣.
وأجاب الجمهور عن حديث ابن أم مكتوم وغيره من أصحاب الأعذار بأن النبي ﷺ لم يجد لهم رخصة تحصل لهم فضيلة الجماعة من غير حضورها، وليس معناه إيجاب الحضور
_________
١ هذه الزيادة لا تصح وقد سبق بيانه.
٢ إحكام الأحكام: (١/ ١٦٥) .
٣ فتح الباري: (٢/١٢٧) .
60 / 42
على الأعمى، بدليل أنه ﷺ رخص لعتبان بن مالك ﵁ حين قال: يا رسول الله إن السيول تحول بيني وبين مسجد قومي، فأحب أن تأتيني في مكان من بيتي أتخذه مسجدًا. فقال رسول الله ﷺ: "سنفعل". فلما دخل النبي ﷺ قال: "أين تريد؟ ". فأشار إلى ناحية من البيت فقام رسول الله ﷺ فصففنا خلفه، فصلى بنا ركعتين.
وفي رواية إن عتبان بن مالك كان يؤم قومه وهو أعمى، وأنه قال لرسول الله ﷺ: إنها تكون الظلمة، والسيل، وأنا رجل ضرير البصر، فصل يا رسول الله في بيتي مكانًا أتخذه مصلى ... الخ١.
وقالوا أيضًا: إن النبي ﷺ لم يأمر رجلين صليا في رحالهما بإعادة الصلاة، ولم يبين لهما أن حضور الجماعة واجب وهذا وقت بيانه.
ثم الاستدلال بحديثي الأعمى وأبي هريرة على وجوب مطلق الجماعة ففيه نظر، لأن الدليل أخص من الدعوى إذ غاية ما في ذلك وجوب حضور جماعة النبي ﷺ في مسجده لسامع النداء.
وكان من جملة أدلتهم أيضًا حديث أبي موسى الأشعري مرفوعًا وهو "إن أعظم الناس في الصلاة أجرا أبعدهم إليها ممشى، والذي ينتظر الصلاة يصليها مع الإمام أعظم أجرا من الذي يصلي ثم ينام" ٢.
وأيضا حديث أبي هريرة بهذا المعنى٣.
وأما حديث ابن عباس المتقدم بلفظ "من سمع النداء فلم يأت الصلاة فلا صلاة له إلا من عذر". فإن المراد به كاملة على أن في إسناده يحيى بن أبي حية أبو جناب ضعيف كما سبق. والله تعالى أعلم بالصواب.
_________
١ رواه البخاري (٢/١٥٧ مع الفتح) ومسلم (١/٤٥٥) والنسائي (٢/٨٠) .
٢ رواه البخاري (٢/١٣٦ مع الفتح) ومسلم (١/٤٦٠) .
٣ رواه أبو داود (١/٣٧٧) وابن ماجة (١/٢٥٧) وأحمد (٢/٣٥٠، ٤٢٨) بطرق عن ابن أبي ذئب، عن عبد الرحمن بن مهران، عن عبد الرحمن بن سعد، عن أبي هريرة مرفوعا: ولفظه "الأبعد فالأبعد من المسجد أعظم أجرا" وعبد الرحمن بن مهران –الهاشمي مولاهم- قال عنه الحافظ في التقريب: مجهول. وقال الخزرجي في الخلاصة: وثقه ابن حبان.
أقول لأنه مشى على قاعدته وهي توثيق المجاهيل، فإنه لم يرو عنه إلا ابن أبي ذئب.
الثاني: كيف تحصل فضيلة الجماعة؟ تحصل فضيلة الجماعة بالاثنين وأكثر لأن النبي ﷺ أطلق في قوله: "أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة". فسوى الجماعات في الفضل سواء كثرت أم قلت.
الثاني: كيف تحصل فضيلة الجماعة؟ تحصل فضيلة الجماعة بالاثنين وأكثر لأن النبي ﷺ أطلق في قوله: "أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة". فسوى الجماعات في الفضل سواء كثرت أم قلت.
60 / 43
وقد روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن إبراهيم النخعي أنه قال: إذا صلى الرجل مع الرجل فهما جماعة، لهم التضعيف خمسا وعشرين١ انتهى.
ولكنه لا ينفي مزيد الفضل إذا كان أكثر، لاسيما مع وجود النص المصرح به وهو ما رواه أحمد وأصحاب السنن وصححه ابن خزيمة وغيره من حديث أبي بن كعب مرفوعا: "صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما أكثر فهو أحب إلى الله" ٢.
والصحيح أن الجماعة تحصل باثنين لما رواه مالك بن الحويرث قال: أتيت النبي ﷺ أنا وصاحب لي، فلما أردنا الإقفال من عنده قال: "إذا حضرت الصلاة فأذنا، ثم أقيما وليؤمكما أكبركما" ٣.
وقد بوب البخاري في صحيحه: الاثنان فما فوقهما جماعة. وهذه ترجمة مأخوذة من حديث ورد من طرق ضعيفة منها في ابن ماجه من حديث أبي موسى الأشعري وفي معجم البغوي من حديث الحكم بن عمير، وفي أفراد الدارقطني من حديث عبد الله بن عمر، وفي البيهقي من حديث أنس، وفي الأوسط للطبراني وعند أحمد من حديث أبي أمامة: "أنه رأى رجلا يصلي وحده فقال: ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه؟ فقام رجل يصلي معه فقال: "هذان جماعة" والقصة المذكورة دون قوله "هذان جماعة" أخرجها أبو داود والترمذي من وجه آخر صحيح٤.
وقال الإمام النووي: "قال أصحابنا: أقل الجماعة اثنان إمام ومأموم، فإذا صلى رجل برجل، أو بامرأته، أو أمته، أو بنته أو غيرهم أو بغلامه، أو بسيدته أو بغيرهم حصلت لهما فضيلة الجماعة التي هي خمس أو سبع وعشرون درجة، وهذا لا خلاف فيه، ونقل الشيخ أبو حامد وغيره فيه الإجماع" ٥.
وذلك بدون تفريق ما بين الفرض والنفل. وذهب الإمام أبو حنيفة وأصحابه إلى أنه لا تنعقد الجماعة بصبي، وذهب هو في رواية، والإمام مالك إلى الصحة في النافلة دون الفرض.
_________
١ المصنف (٢/٥٣١) .
٢ أحمد (٥/١٤٠) وأبو داود (١/٣٧٦) والنسائي (٢/١٠٥) .
٣ رواه البخاري (٢/١١١ مع الفتح) ومسلم (١/٤٦٥) وأبو داود (١/٣٩٦) والترمذي (١/٣٩٩) والنسائي (٢/٧٧) .
٤ انظر فتح الباري (٢/١٤٢) .
٥ انظر شرح المهذب (٤/٨١) .
60 / 44
وعموم الأحاديث قاضية على هذا الخلاف، لأن النبي ﷺ لم يبين بأن الجماعة لا تنعقد مع صبي فالأمر على الأصل حتى يثبت بالدليل ما يخالفه.
الثالث: العدد الصحيح لمضاعفة فضل صلاة الجماعة على الفذ قال الترمذي: عامة من روى هذا الحديث قالوا خمسًا وعشرين إلا ابن عمر فإنه قال: سبعا وعشرين. قال الحافظ: لم يختلف عليه في ذلك إلا ما وقع عند عبد الرزاق١عن عبد الله العمري عن نافع فقال فيه: خمس وعشرون. لكن العمري ضعيف. ووقع عند أبي عوانه في مستخرجه من طريق أبي أسامة عن عبيد الله بن عمر عن نافع فإنه قال فيه: بخمس وعشرين وهي شاذة مخالفة لرواية الحفاظ من أصحاب عبيد الله وأصحاب نافع وإن كان راويها ثقة٢. وأما ما وقع عند مسلم من رواية الضحاك ابن عثمان عن نافع بلفظ بضع وعشرين فليست مغايرة لرواية الحفاظ لصدق البضع على السبع وأما غير ابن عمر، فصح عن أبي سعيد، وأبي هريرة، وابن مسعود، عند أحمد وابن خزيمة، وعن أبي بن كعب عند ابن ماجة، والحاكم، وعن عائشة وأنس عند السراج، وورد أيضًا من طرق ضعيفة عن معاذ وصهيب وعبد الله بن زيد بن ثابت وكلها عند الطبراني، واتفق الجميع على خمس وعشرين سوى رواية أبي فقال: أربع أو خمس على الشك وسوى رواية أبي هريرة عند أحمد فقال فيها: سبع وعشرون، وفي إسنادها شريك القاضي وفي حفظه ضعف، وفي رواية لأبي عوانة بضعا وعشرين، وليست مغايرة أيضا لصدق البضع على الخمس، فرجعت الروايات كلها إلى الخمس والسبع إذًا لا أثر للشك، واختلف في أيهما أرجح فقيل: رواية الخمس لكثرة رواتها، وقيل رواية السبع لأن فيها زيادة من عدل حافظ٣. _________ ١ المصنف: (١/٥٢٤) إلا أنه رواه عن عبيد الله بن عمر العمري: (وهو ابن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب) وهو ثقة غير أن أخاه عبد الله بن عمر ضعيف. ٢ أقول: ومن أصحاب عبيد الله، شعيب، رواه البخاري عنه، ويحيى بن سعيد الأنصاري رواه مسلم والدارمي وابن ماجة، وأبو أسامة وابن نمير رواه عنهما مسلم، وأيوب بن أبي تميمة السختياني عند البيهقي، وعبدة عند الترمذي وعبد الوهاب بن عبد المجيد عند ابن خزيمة، هؤلاء كلهم رووا عن عبيد الله بن عمر. فقالوا: خمس وعشرون إلا الضحاك عند مسلم فقال: بضع وعشرون. ولقد استقصيت هذه الطرق في كتابي أبو هريرة في ضوء مروياته (غير مطبوع) . ٣ ذكرت أحاديث بعض هؤلاء في الجزء المطبوع من: أبو هريرة في ضوء مروياته ص ١٣٤- ١٣٧.
الثالث: العدد الصحيح لمضاعفة فضل صلاة الجماعة على الفذ قال الترمذي: عامة من روى هذا الحديث قالوا خمسًا وعشرين إلا ابن عمر فإنه قال: سبعا وعشرين. قال الحافظ: لم يختلف عليه في ذلك إلا ما وقع عند عبد الرزاق١عن عبد الله العمري عن نافع فقال فيه: خمس وعشرون. لكن العمري ضعيف. ووقع عند أبي عوانه في مستخرجه من طريق أبي أسامة عن عبيد الله بن عمر عن نافع فإنه قال فيه: بخمس وعشرين وهي شاذة مخالفة لرواية الحفاظ من أصحاب عبيد الله وأصحاب نافع وإن كان راويها ثقة٢. وأما ما وقع عند مسلم من رواية الضحاك ابن عثمان عن نافع بلفظ بضع وعشرين فليست مغايرة لرواية الحفاظ لصدق البضع على السبع وأما غير ابن عمر، فصح عن أبي سعيد، وأبي هريرة، وابن مسعود، عند أحمد وابن خزيمة، وعن أبي بن كعب عند ابن ماجة، والحاكم، وعن عائشة وأنس عند السراج، وورد أيضًا من طرق ضعيفة عن معاذ وصهيب وعبد الله بن زيد بن ثابت وكلها عند الطبراني، واتفق الجميع على خمس وعشرين سوى رواية أبي فقال: أربع أو خمس على الشك وسوى رواية أبي هريرة عند أحمد فقال فيها: سبع وعشرون، وفي إسنادها شريك القاضي وفي حفظه ضعف، وفي رواية لأبي عوانة بضعا وعشرين، وليست مغايرة أيضا لصدق البضع على الخمس، فرجعت الروايات كلها إلى الخمس والسبع إذًا لا أثر للشك، واختلف في أيهما أرجح فقيل: رواية الخمس لكثرة رواتها، وقيل رواية السبع لأن فيها زيادة من عدل حافظ٣. _________ ١ المصنف: (١/٥٢٤) إلا أنه رواه عن عبيد الله بن عمر العمري: (وهو ابن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب) وهو ثقة غير أن أخاه عبد الله بن عمر ضعيف. ٢ أقول: ومن أصحاب عبيد الله، شعيب، رواه البخاري عنه، ويحيى بن سعيد الأنصاري رواه مسلم والدارمي وابن ماجة، وأبو أسامة وابن نمير رواه عنهما مسلم، وأيوب بن أبي تميمة السختياني عند البيهقي، وعبدة عند الترمذي وعبد الوهاب بن عبد المجيد عند ابن خزيمة، هؤلاء كلهم رووا عن عبيد الله بن عمر. فقالوا: خمس وعشرون إلا الضحاك عند مسلم فقال: بضع وعشرون. ولقد استقصيت هذه الطرق في كتابي أبو هريرة في ضوء مروياته (غير مطبوع) . ٣ ذكرت أحاديث بعض هؤلاء في الجزء المطبوع من: أبو هريرة في ضوء مروياته ص ١٣٤- ١٣٧.
60 / 45
ثم قال: وقد جمع بين روايتي الخمس والسبع بوجوه:
منها: أن ذكر القليل لا ينفي ذكر الكثير، وهذا قول من لا يعتبر مفهوم العدد.
ومنها: أن النبي ﷺ أخبر بالخمس ثم أعلمه الله تعالى بزيادة الفضل، فأخبره بالسبع وتعقب بأنه يحتاج إلى التاريخ وبأن دخول النسخ في الفضائل مختلف فيه.
ومنها: الفرق باعتبار قرب المسجد وبعده.
ومنها: بحال المصلي كأن يكون أعلم وأخشع.
ومنها: إيقاعها في المسجد وغيره.
ومنها: الفرق بالمنتظر للصلاة وغيره.
ومنها: الفرق بإدراك كلها أو بعضها.
ومنها: الفرق بكثرة الجماعة وقلتهم.
وقد رجح الحافظ دخول مفهوم الخمس تحت مفهوم السبع.
وقال: الحكمة في هذا العدد الخاص غير محققة المعنى، ونقل الطيبي عن التوربشتي ما حاصله: إن ذلك لا يدرك بالرأي بل مرجعه إلى علم النبوة التي قصرت علوم الألباب عن إدراك حقيقتها كلها. انتهى كلام الحافظ من الفتح.
وقد أطال الحافظ الكلام في هذا الحديث وبيان المفهوم المراد من العدد، فمن أحب الإطلاع عليه فليرجع إليه.
والذي يظهر لي أن بيان فضائل الأعمال بالأعداد أمر معروف وشائع في الشريعة الإسلامية في مثل فضائل التسبيح والتهليل والتحميد وهو أمر متعارف أيضا بين الناس في المسابقة والمناقشة لتعيين أجر معدود لمن فعل كذا ولمن فعل كذا ...
والله تعالى أعلم بالصواب وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وإلى حلقة أخرى إن شاء الله تعالى.
تصحيح
جاء في العدد ٥٨ في مقال (صلاة المسافر) ص ٧٧ أن أنس بن مالك هو خادم رسول الله ﷺ.
والصواب أنه أنس بن مالك الكعبي، وليس له في كتب الحديث إلا هذا الحديث
الذي ذكر في المقال.. فليتنبه.
60 / 46
فقه السُّنّةِ: صَلاة الجَمَاعَة
للدكتور محمد ضياء الرحمن الأعظمي أستاذ مساعد بكلية الحديث الشريف
الرخصة في إعادة الجماعة لمن صلاها منفردا:
١- حديث أبى ذر الغفاري:
قال: قال لي رسول الله ﷺ: "كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يميتون الصلاة، أو قال: يؤخرون الصلاة عن وقتها؟. قلت: ما تأمرني؟. قال: "صل الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصل، فإنها لك نافلة" ١.
وفي رواية مسلم: عن أبي العالية البراء قال: أخر زياد الصلاة، فأتاني عبد الله بن الصامت، فألقيت له كرسيا فجلس عليه، فذكرت له صنع زياد فعض على شفتيه، وضرب على فخذي، وقال: إني سألت أبا ذر كما سألتني فضرب فخذي كما ضربت فخذك، وقال: إني سألت رسول الله ﷺ كما سألتني فضرب فخذي كما ضربت فخذك. فقال رسول الله ﷺ "الصلاة لوقتها فما أدركت معهم فصل، ولا تقل إني قد صليت فلا أصلى".
قال النووي: وفيه دليل على أن الإمام إذا أخر الصلاة عن أول وقتها، يستحب للمأموم أن يصليها في أول الوقت منفردًا، ثم يصليها مع الإمام. فيجمع فضيلتي أول الوقت والجماعة.
٢- حديث ميمون الأودي:
قال: قدم علينا معاذ بن جبل اليمن رسولُ رسولِ الله ﷺ إلينا، قال: فسمعت تكبيره مع الفجر، رجل أجش الصوت قال: فألقيت عليه محبتي فما فارقته حتى دفنته بالشام ميتا. ثم نظرت إلى أفقه الناس بعده، فأتيت ابن مسعود فلزمته حتى مات. قال: قال لي رسول الله ﷺ كيف بكم "إذا أتت عليكم أمراء يصلون الصلاة لغير ميقاتها؟ " قلت: فما
_________
١ رواه مسلم: (٥/١٤٧مع النووي) وأبو داود (١/٢٤٨مع المنذري) والترمذي (١/٥٢٤مع التحفة) والنسائي (٢/٧٥) وابن ماجه (١/٣٩٨) كلهم عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر ﵁.
61 / 47
تأمرني إن أدركني ذلك يا رسول الله؟ قال: "صل الصلاة لميقاتها، واجعل صلاتك معهم سبحة ١.. سبحة: أي نافلة. أجش الصوت: أي غليظ الصوت بغنة٠
وقد روى مثل هذا الأسود، وعلقمة، عن ابن مسعود في سياق أطول من هذا وهو الآتي.
وعمرو بن ميمون الأودي أبو عبد الله، ويقال أبو يحي، مخضرم مشهور وثقه ابن معين، والنسائي.
وهذا الحديث لم أجد من أخرجه غير أبي داود.
٣- حديث ابن مسعود:
قال: قال لي رسول الله ﷺ: "لعلكم ستدركون أقواما يصلون الصلاة لغير وقتها، فان أدركتموه فصلوا الصلاة لوقتها وصلوا معهم، اجعلوها سبحة".
رواه النسائي وابن ماجه ٢ من حديث أبي بكر بن عياش عن عاصم، عن زر، عن ابن مسعود. ورواه مسلم ٣ من حديث إبراهيم عن الأسود، وعلقمة قالا: أتينا عبد الله بن مسعود في داره في سياق أطول من الحديث المذكور أعلاه.
وأما قول المنذري: أخرج البخاري ومسلم والترمذي من حديث أبي عمرو، سعد ابن إياس الشيباني عن ابن مسعود فهو في سياق آخر.
٤- حديث محجن:
قال: أنه كان في مجلس مع النبي صلي الله عليه وسلم فأذن بالصلاة، فقام رسول الله ﷺ فصلى ورجع، ومحجن في مجلسه، فقال له رسول الله صلي الله عليه وسلم: "ما منعك أن تصلي مع الناس، ألست برجل مسلم؟ ". قال: بلى يا رسول الله، ولكني قد صليت في أهلي، فقال له رسول الله ﷺ: "إذ جئت المسجد وكنت قد صليت، فأقيمت الصلاة، فصل مع الناس وإن كنت قد صليت".
_________
١ رواه أبو داود: (١/٢٤٨) قال المنذري: حسن.
٢ النسائي: (٢/٧٥) وابن ماجه: (١/٣٩٨) .
٣ مسلم: (٥/١٥-١٦) .
61 / 48
رواه مالك في الموطأ، والنسائي، وأحمد في مسنده، والحاكم في المستدرك١، بطرق عن زيد بن أسلم، عن بسر بن محجن، عن أبيه.
قوله: بسر: بضم الموحدة، وسكون المهملة، كذا قال مالك في روايته عن زيد بن أسلم. وقال الثوري عن زيد بن أسلم عن بشر- بكسر الموحدة، وبالشين المعجمة. والصواب ما قاله مالك. نص على ذلك أبو نعيم، وابن عبد البر، وابن حبان، وغيرهم. وهكذا رواه أحمد في مسنده عنه أيضا.
وبسر هذا تابعي مشهور، جزم بذلك البخاري والجمهور، وذكره البغوي وغيره في الصحابة. وأخرجوا من طريق ابن إسحاق، عن عمران بن أبي أنس، عن حنظلة بن علي، عن بسر بن محجن، قال: صليت الظهر في منزلي ثم خرجت بإبل لي لأضربها فمررت برسول الله صلي الله عليه وسلم وهو يصلي في مسجده ... الخ. ذكره الحافظ في الإصابة ٢، في القسم الرابع وهو خاص بمن ذكر في الصحابة علي سبيل الوهم والغلط. ولذا عقب بعد ذكر الإسناد بقوله: وقد سقط من الإسناد قوله عن أبيه.
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح. وقال الذهبي: تفرد عن محجن ابنه. ولكن عرفت أن ابن محجن وهو بسر من التابعين الثقات. فلا يضر تفرده.
٥- حديث يزيد بن الأسود:
قال: شهدت مع رسول الله ﷺ حجته، فصليت معه صلاة الصبح في مسجد الخيف، فلما قضى صلاته انحرف، فإذا هو برجلين في آخر القوم لم يصليا معه، فجيء بهما ترعد فرائصهما، فقال: ما منعكما أن تصليا معنا؟. فقالا: يا رسول الله إنا كنا قد صلينا في رحالنا. قال: "فلا تفعلا، إذا صليتما في رحالكما، ثم أتيتما مسجد الجماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة".
رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وأبو داود الطيالسي، وأحمد، وابن أبي شيبة، والحاكم ٣ بطرق عن يعلى بن عطاء عن جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه. قال الترمذي حسن صحيح.
_________
١ مالك: (١/٤٠٥مع الزرقاني) والنسائي (٢/١١٢) وأحمد (٤/٣٤) والحاكم (١/٢٤٤)
٢ الإصابة (١/١٨١) .
٣ أبو داود (١/٢٩٩) والترمذي (٢/٣) وأبو داود الطيالسي (١٢٤٧) وأحمد (٤/١٦٠) وابن أبي شيبة (٢/٢٧٤) والحاكم (١/٢٤٤-٢٤٥) .
61 / 49
ونسب الحافظ في التلخيص١، لابن حبان والدارقطني أيضا، ونقل تصحيحه عن ابن السكن ثم قال: قال الشافعي في القديم: إسناده مجهول. قال البيهقي: لأن يزيد بن الأسود ليس له راو غير ابنه، وهو جابر، ولا لابنه جابر راو غير يعلى. إلا أن الحافظ استبعد هذا الطعن. فقال: يعلى بن عطاء من رجال مسلم، وجابر وثقه النسائي وغيره، وقد وجدنا لجابر بن يزيد راويا غير يعلى، أخرجه ابن مندة في المعرفة من طريق بقية، عن إبراهيم بن ذي حماية، عن عبد الملك بن عمير، عن جابر. انتهى.
أقول: بقية وهو ابن الوليد والمعروف أنه مدلس، إلا أنه صرح بالسماع في رواية الدارقطني ٢ عن إبراهيم.
ثم تواتر هذا الحديث عن يعلى بن عطاء. قال الحاكم ٣ روي عنه شعبة، وهشام بن حسان، وغيلان بن جامع، وأبو خالد الدالاني، وأبو عوانة، وعبد الملك بن عمير، ومبارك ابن فضالة، وشريك بن عبد الله، وغيرهم، وقد احتج مسلم بيعلى بن عطاء، انتهى. ووافق علي ذلك الذهبي. ويبدو من هذا أن عبد الملك بن عمير روى مرة عن جابر مباشرة، ومرة عن يعلى بن عطاء عن جابر.
وعبد الملك هذا رمى بالاختلاط لكبر سنه لأنه عاش مائة وثلاث سنين. وأخرج له الشيخان من رواية القدماء عنه في الاحتجاج، ومن رواية بعض المتأخرين عنه في المتابعات.
٦- حديث يزيد بن عامر:
قال: جئت والنبي صلي الله عليه وسلم في الصلاة فجلست، ولم أدخل معهم في الصلاة، فانصرف علينا رسول الله صلي الله عليه وسلم فرأى يزيدًا جالسًا فقال: "ألم تسلم يا يزيد؟ ". قالت: بلى يا رسول الله قد أسلمت. قال: "فما منعك أن تدخل مع الناس في صلاتهم؟ ". قال: إني كنت قد صليت في منزلي، وأنا أحسب أن قد صليتم. فقال:" إذا جئت إلى الصلاة فوجدت الناس فصل معهم، وإن كنت قد صليت تكن لك نافلة، وهذه مكتوبة"، رواه أبو داود ٤.
_________
١ التلخيص: (٢/٢٩) .
٢ الدارقطني: (١/٤١٢) .
٣ المستدرك: (١/٢٤٥) .
(١/٣٠٠-٣٠١) .
61 / 50
قال النووي في الخلاصة: إسناده ضعيف، نقل عنه الحافظ الزيلعي في نصب الراية١، ولم يبين موضع الضعف. وبيّن ذلك الحافظ في التهذيب، فقال: فيه نوح بن صعصعة حجازي جعله الدارقطني مجهولا، لأنه لم يرو عنه سوى سعيد بن السائب الطائفي ولم يوثق. وقال في التقريب: هو مستور.
وقد ذهب البعض إلى أن يزيد بن الأسود، ويزيد بن عامر رجل واحد.
ومنهم من قال: قصة محجن شبيهة بقصة يزيد بن عامر ليتسنى له تضعيف قصة محجن، لأن في قصة يزيد: نوح بن صعصعة ضعيف.
٧- حديث أبي أيوب الأنصاري:
سأل رجل من بني أسد بن خزيمة أبا أيوب الأنصاري، فقال: يصلى أحدنا في منزله الصلاة، ثم يأتي المسجد، وتقام الصلاة، فأصلي معهم، فأجد في نفسي من ذلك شيئا. فقال أبو أيوب: سألنا عن ذلك النبي ﷺ فقال: "فذلك له سهم جمع". رواه أبو داود مرفوعا، ومالك موقوفا، والبيهقي بوجهين٢، قال المنذري: فيه رجل مجهول.
وهو الصواب فإني لم أجد من سمى هذا الرجل من بني أسد بن خزيمة. قوله: سهم جمع: أي يضعف له الأجر فيكون له سهمان منه قاله ابن وهب وقال غيره: جمع هنا أي الجيش كقوله تعالى: ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ﴾ . قال بن عبد البر: أي له أجر الغازي في سبيل الله. والأول أشبه بالصواب. وقد أوصى المنذر بن الزبير لفلان كذا، ولفلان كذا، ولفلان سهم جمع، فسئل عن ذلك فقال: نصيب رجلين.
هذه الأحاديث تدل علي جواز إعادة الصلاة بالجماعة لمن صلاها في منزله منفردا. وهو أمر متفق لدى جمهور العلماء على سبيل الاختيار والإيثار لإدراك فضيلة الجماعة.
وقد خالفه في ذلك بعض من لا يعتد بقولهم. وكانت حجتهم حديث ابن عمر مرفوعا "لا تصلوا صلاة في يوم مرتين ".
رواه أبو داود، والنسائي، وأحمد، والدارقطني، وابن حبان، وبن أبي شيبة٣. كلهم بطرق عن عمرو بن شعيب، عن سليمان بن يسار مولى ميمونة. وسياق الحديث:
_________
(٢/١٥٠) .
٢ أبو داود مع المنذري، الطبعة الباكستانية. (١/ ٣٠١) ومالك (١/٤٠٨) والبيهقي (٢/ ٣٠٠) .
٣ أبو داود (١/٣٠١) والنسائي (٢/١١٤)، وأحمد (٢/ ١٩، ٤١) والدا رقطني (١/ ٤١٥)، وابن حبان (موارد الظمآن ١٢١) وابن أبى شيبة (٢/٢٧٦) .
61 / 51
يقول سليمان، أتيت علي ابن عمر وهو بالبلاط، والقوم يصلون في المسجد، قلت ما يمنعك أن تصلي مع الناس، أو القوم؟. قال: إني سمعت رسول الله ﷺ يقول: "لا تصلوا صلاة في يوم مرتين ".
قال المنذري: وفي إسناده عمرو بن شعيب، وقد تقدم الكلام عليه، وهو محمول على صلاة الاختيار، دون ماله سبب، كالرجل يصلي ثم يدرك جماعة فيصلي معهم. وقد كان صلى ليدرك فضيلة الجماعة، جمعا بين الأحاديث.
أقول: إن النقاد اتفقوا على أن عمرو بن شعيب إذا حدث عن سعيد بن المسيب، أو سليمان بن يسار مولى ميمونة، أو عروة، فهو ثقة عن هؤلاء. نص على ذلك إسحاق بن منصور، ويحي بن معين وغيرهما.
وقال ابن حبان: عمرو بن شعيب في نفسه ثقة يحتج بخبره إذا روى عن غير أبيه١. وقد صحح النووي إسناد هذا الحديث وذكروا عدة تأويلات، منها:
(١) المنع من أداء الصلاة مرتين اختيارا من غير سبب.
(٢) المنع لمن صلى الفرض مرتين بنية الفرض. وهو تأويل الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، فإنهما قالا: أن يصلى الرجل صلاة مكتوبة عليه، ثم يقوم بعد الفراغ منها فيعيدها علي جهة الفرض، وأما من صلى الثانية مع الجماعة علي أنها نافلة اقتداء بالنبي صلي الله عليه وسلم في أمره بذلك فليس ذلك من إعادة الصلاة في يوم مرتين، لأن الأولى فريضة، والثانية نافلة فلا إعادة حينئذ. كذا نقل الشيخ عبيد الله المباركفوري٢.
(٣) يحمل حديث ابن عمر على من صلى بالجماعة في المرة الأولى، والأحاديث الأخرى على من صلى منفردا. والحمل على هذا واجب لما روى مالك في الموطأ٣ عن نافع عن ابن عمر أن رجلا سأله فقال: إني أصلي في بيتي ثم أدرك الصلاة مع الإمام فأصلي معه؟. قال: نعم. قال: فأيهما أجعل صلاتي؟. قال ابن عمر: ليس ذلك إليك إنما ذلك إلى الله.
_________
١ انظر تهذيب التهذيب (٨/ ٤٩) ونصب الراية (٢/١٤٨) .
٢ انظر المرعاة: (٢/ ١٤٠) .
٣ الموطأ: (١/٤٠٦) .
61 / 52
قال البيهقي: فهذا يدل على أن ما رواه عنه سليمان محمول على ما إذا صليت في جماعة١، وقال السيوطي: وإلى هذا التأويل أشار المصنف (أي النسائي) في الترجمة (وهي سقوط الصلاة عمن صلى مع الإمام في المسجد جماعة) وبوب أبو داود بلفظ: إذا صلى جماعة، ثم أدرك جماعة هل يعيد الصلاة؟
فكأن ابن عمر خص النهي الوارد في حديثه لمن صلى الأولى بالجماعة فلا يعيد، وأما من صلى الأولى منفردا فلا حرج في إعادتها بالجماعة.
_________
١ انظر التلخيص للحافظ (٢/٢٩)، وزهر الربى للسيوطي (٢/١٤٤مع سنن النسائي) .
مذاهب العلماء في الصلوات التي تجوز إعادتها: الأول: تجوز إعادة الصلوات الخمس: وبه قال الشافعي وأحمد، واستدلوا في ذلك بعموم الأحاديث الواردة في الباب، ولأن النبي ﷺ قال: "إذا صلى أحدكم في رحله، ثم أدرك الإمام فليصل معه". فلم يستثن صلاة دون صلاة. وكذلك الصلوات التي لها سبب لا يدخل فيها الكراهة. قال النووي في شرح مسلم٢ معلقا على حديث أبي ذر:"وفي هذا الحديث أنه لا بأس بإعادة الصبح والعصر والمغرب كباقي الصلوات، لأن النبي ﷺ أطلق الأمر بإعادة الصلاة، ولم يفرق بين صلاة، وصلاة. وهذا هو الصحيح في مذهبنا. ثم قال: ولنا وجه أنه لا يعيد الصبح والعصر لأن الثانية نفل، ولا تنفل بعدهما، ووجه أنه لا يعيد المغرب لئلا تصير شفعا وهو ضعيف". وقال في شرح المهذب:٣ وفي وجه شاذ يعيد الظهر والعشاء فقط "ثم قال:" لما والمذهب استحباب الإعادة مطلقا. ومن صرح بتصحيحه الشيخ أبو حامد، ونقل أنه ظاهر نصه في الجديد، والقديم، وصححه أيضا القاضي أبو الطيب، والبندنيجي، والماوردي، والمحاملي، وابن الصباغ، والبغوي، وخلائق كثيرون لا يحصون، ونقله الرافعي عن الجمهور: هذا هو المذهب الصحيح عند الشافعي وينبغي ذكر هذا الرأي عند الإطلاق. وأما أحمد فقد قال ابن قدامة عنه في المغني٤: إن من صلى فرضه ثم أدرك تلك الصلاة في _________ ٢ شرح النووي: (٥/١٤٨) . ٣ شرح المهذب: (٤/١٢١) . ٤ المغني (٢/٩٢) .
مذاهب العلماء في الصلوات التي تجوز إعادتها: الأول: تجوز إعادة الصلوات الخمس: وبه قال الشافعي وأحمد، واستدلوا في ذلك بعموم الأحاديث الواردة في الباب، ولأن النبي ﷺ قال: "إذا صلى أحدكم في رحله، ثم أدرك الإمام فليصل معه". فلم يستثن صلاة دون صلاة. وكذلك الصلوات التي لها سبب لا يدخل فيها الكراهة. قال النووي في شرح مسلم٢ معلقا على حديث أبي ذر:"وفي هذا الحديث أنه لا بأس بإعادة الصبح والعصر والمغرب كباقي الصلوات، لأن النبي ﷺ أطلق الأمر بإعادة الصلاة، ولم يفرق بين صلاة، وصلاة. وهذا هو الصحيح في مذهبنا. ثم قال: ولنا وجه أنه لا يعيد الصبح والعصر لأن الثانية نفل، ولا تنفل بعدهما، ووجه أنه لا يعيد المغرب لئلا تصير شفعا وهو ضعيف". وقال في شرح المهذب:٣ وفي وجه شاذ يعيد الظهر والعشاء فقط "ثم قال:" لما والمذهب استحباب الإعادة مطلقا. ومن صرح بتصحيحه الشيخ أبو حامد، ونقل أنه ظاهر نصه في الجديد، والقديم، وصححه أيضا القاضي أبو الطيب، والبندنيجي، والماوردي، والمحاملي، وابن الصباغ، والبغوي، وخلائق كثيرون لا يحصون، ونقله الرافعي عن الجمهور: هذا هو المذهب الصحيح عند الشافعي وينبغي ذكر هذا الرأي عند الإطلاق. وأما أحمد فقد قال ابن قدامة عنه في المغني٤: إن من صلى فرضه ثم أدرك تلك الصلاة في _________ ٢ شرح النووي: (٥/١٤٨) . ٣ شرح المهذب: (٤/١٢١) . ٤ المغني (٢/٩٢) .
61 / 53
جماعة استحب له إعادتها، أي صلاة كانت بشرط أن تقام وهو في المسجد، أو يدخل المسجد وهم يصلون وهذا قول الحسن والشافعي وأبي ثور.
وسئل الإمام أحمد عن إعادة المغرب: فقال: نعم إلا أنه يشفع. ونقل ابن قدامة عن الشافعي مثله ودليله في ذلك ما رواه صلة، عن حذيفة أنه لما أعاد المغرب قال: ذهبت أقوم في الثالثة فأجلسني. (وهذا يحتمل أنه أمره بالاقتصار على ركعتين لتكون شفعا، ويحتمل أنه أمره بالصلاة مثل صلاة الإمام) .
ثم قال ابن قدامة:"إن هذه الصلاة نافلة، ولا يشرع التنفل بوتر، فكان زيادة ركعة أولى من نقصانها لئلا يفارق إمامه قبل إتمام صلاته " انتهى.
أقول: هذا الأثر أخرجه عبد الرزاق في المصنف١ وابن أبي شيبة٢ عن الثوري عن جابر، عن سعيد بن عبيد، عن صلة بن زفر العبسي.
وجابر هذا هو ابن يزيد بن الحارث الجعفي. وقال الحافظ: ضعيف، وصلة بن زفر من الثقات.
وروى ابن أبي شيبة أيضا عن علي أنه قال: يشفع بركعة يعني إذا أعاد المغرب٣. وفيه: الحارث الأعور وهو كذاب.
وذكر بعض الآثار الأخرى من التابعين وأتباعهم.
الثاني: يكره المغرب فقط وهو قول الإمام مالك:
واستدل في ذلك بأثر ابن عمر، رواه عن نافع عنه قال: من صلى المغرب، أو الصبح، ثم أدركها مع الإمام فلا يعد لهما٤ ورواه٥ عن ابن جريح عن نافع. ثم قال مالك في الموطأ أيضا: "ولا أري بأسا أن يصلى مع الإمام من كان يصلي في بيته إلا صلاة المغرب فإنه إذا أعادها كانت شفعا" انتهى.
_________
١ مصنف عبد الرزاق: (٢/ ٤٢٢) .
٢ ابن أبي شيبة: (٢/٢٧٦) .
٣ المصدر السابق.
٤ الموطأ: (١/٤٠٨) .
٥ مصنف عبد الرزاق: (٢/٤٢٢) .
61 / 54