Commentaires sur l'Hamaasa d'Abu Tammam : une étude comparative des méthodes et applications
شروح حماسة أبي تمام دراسة موازنة في مناهجها وتطبيقها
Maison d'édition
دار الأوزاعي
Numéro d'édition
الأولى.
Lieu d'édition
بيروت
Genres
شُروح حماسة أبى تمام
دراسة مُوازنة في مناهجها وتطبيقها
الدكتور عُثمان علي
دار الأوزاعي
1 / 1
"بسم الله الرحمن الرحيم"
توطئة
حظيت المادة الشعرية في حماسة أبي تمام باهتمام بالغ من قبل العلماء الشراح الذين تضافرت جهودهم على شرحها منذ منتصف القرن الثالث - وفق ما رجح الباحث في هذا البحث - وإلى عصرنا هذا الحديث.
ولم يكن هذا الاهتمام من العلماء - وبخاصة الأوائل منهم - وليد محاكاة فحسب بل كان بسبب قيمة اختيار الحماسة الذي أجمع السابقون من العلماء واللاحقون على أنه الغاية في بابه، فهو طراز فريد أو نسيج وحده، صاحبه عالم بالعربية وشاعر عظيم، يعد زعيم مدرسة في شعرنا العربي، يعرف كيف يختار من القطع الشعرية أبدعها، ومن القصائد أروعها.
ومن أجل ذلك كان لاغرو أن نجد العلماء وطالبي الأدب يحتفلون به في كل زمان ومكان، دراسة وشرحًا، أو قراءة وتعلمًا، ابتداءً من أبي محمد القاسم الديمرتي وإلى سيد علي المرصفي أستاذ الدكتور طه حسين ﵏ جميعًا وأضاء قبورهم بنور المغفرة والرضوان - هذا فضلًا عن عناية علماء اللغة به، حيث عدوه وثيقة يستشهدون بأشعاره على اللغة وشرحها.
وإذا كانت جهود العلماء من السلف الصالح قد تركزت في مجال الدرس والتعليم على ديوان الحماسة مُخلفين في شرحه أعمالًا ضخمه فإن هذا يقتضي أن تقوم الدراسات حول هذه الجهود لبيان قيمتها، وطرق مناهجها، وتوضيح مدى ما حققته في هذا المجال من خدمة لهذا الاختيار من جهة، وصناعة في شرح الشعر من جهة أخرى.
وهذا البحث الذي يُقدم له الباحث بهذه التوطئة يُعد من الأعمال التي قامت من
1 / 5
أجل هذا الغرض، ولكنه يقتصر الدراسة فيه على الشروح التي ظهرت إلى نهاية القرن السادس الهجري، وعلة هذا التحديد الزمني ترجع في نظر الباحث إلى سببين: أحدهما ما لاحظه في دراسة هذه الشروح، أنها سلكت من حيث المنهج والتطبيق خمسة مناهج، كان آخرها المنهج التجميعي الانتخابي الذي بدأ عند الخطيب التبريزي المتوفي سنة ٥٠٢ هـ، وتجلى بوضوح عند شراح القرن السادس أمثال أمين الدين الطبرسي وأبى الرضا الراواندي، كما أن المنهج الاختصاري التسهيلي الذي سبق المنهج التجميعي الانتخابي بقليل على يدي زيد بن علي الفارسي والأعلم الشمنتري وأبي الحسن البياري قد تجلى هو الآخر لدى أحد شراح القرن السادس هو صاحب الشرح المنسوب خطأ إلى أبي العلاء المعري.
وأما السبب الآخر فيتمثل فيما لاحظه الباحث من قراءته لجملة من الشروح التي تلت القرن السادس الهجري، أن عملية الشرح في الحماسة قد أصبحت مجرد تكرار لأعمال السابقين اختصارًا وتسهيلًا أو تجميعًا وانتخابًا، ليس فيها ابتكار يذكر ولا إبداع يُعول عليه، بل ظهر من الشراح من لا يحقق في عمله شيئًا سوى النقل من السابقين دون عزو مثل يحي بن حميد المعروف بابن أبي طي، وهو أحد شراح الحماسة في القرن السابع الهجري، فقد ذكر ابن شاكر في "الفوات" "أنه كان يعمد إلى كتب غيره فيُقدم فيها ويُؤخر أو يحذف ويختصر ويدعيها لنفسه، ومثل شارح مجهول من شراح القرن الثاني عشر عثر الباحث على مخطوطة شرحه بتركيا، ووجده في عمله عالة على الإمام المرزوقي وأبي الفتح ابن جنى ينقل منهما دون عزو.
ويجدر بالباحث أن يشير إلى أن عمله هذا قد اتصل بعملين من أعمال المعاصرين أحدهما "شروح الشعر الجاهلي" لأحمد جمال العمري الذي طبعته دار المعارف بمصر، والآخر "حماسة أبي تمام وشروحها" لعبد الله عبد الرحيم عسيلان الذي طبع بمطبعة البابي الحلبي في مصر أيضًا. فأما "شروح الشعر الجاهلي" فيرجع اتصاله إلى أن صاحبه في دراسته لشروح الشعر الجاهلي قد درس كلًا من الإمام المرزوقي والخطيب التبريزي اللذين هما قطبا المنهج الأدبي الإبداعي، والمنهج التجميعي الانتخابي في شروح الحماسة، وهو عمل - والحق يقال - غاية في بابه، أفاد الباحث
1 / 6
منه في مواضع متعددة من هذا البحث، وإن كان قد أخذ عليه بعض المآخذ وبخاصة في وصفه لمنهجي المرزوقي والتبريزي حيث بدت بعض المعايير والصفات التي حددها لمنهج كليهما نظرية بحتة، يصعب تطبيقها في عمل الرجلين، ولا تقوم إلا في مواضع طفيفة، لا تقاس بالعمل الكلي الذي أداه كل منهما في شرح الحماسة.
وأما "حماسة أبي تمام وشروحها" فعلة اتصاله بعمل الباحث ترجع إلى أن صاحبه قد قام بدراسة تعريف لجملة من الشروح الداخلة في دائرة الفترة الزمنية التي حددها الباحث لعمله، وهو عمله - إن جاز لباحث أن يحكم على عمل غيره - مع ما ضم من فوائد - كثير الوهم والخلل، وقد حاول الباحث أن يصحح بعض الأوهام التي وردت فيه، وذلك في الأمور التي تتصل بصميم عمله، ولم يكن من وكده أن يتتبع كل ما فيه من وهم ليصلحه، لأن هذا يبعده كثيرًا عن الغاية التي رجاها من بحثه غير أن واجب العلم يحتم على الباحث أن يشير إلى أن جُل شروح الحماسة لا يزال مخطوطًا، وأن إعطاء معلومات عنها في بحث جامعي يجب أن يُحاط بالدقة والحذر، وإلا كان مدعاة لإيقاع الدارسين ممن لا تتيح لهم الظروف الوقوف على هذه المخطوطات في أوهام من حق العلم أن يكونوا بعيدين عنها، ومن هنا كان لازمًا على الباحث وقد وقف على هذه الشروح وقوف دارس أن ينبه على أن في "حماسة أبي تمام وشروحها" أحكامًا غير متثبتة تتصل بجملة من الشروح المخطوطة لم تتوفر للباحث - بحكم طبيعة عمله ومساره فيه - مناقشتها وتبيان الوهم فيها ولعل صاحب البحث يعود إليه فيصلح ما فيه، أو يصلحه باحث آخر ممن تتوفر لهم دراسة هذه المخطوطات.
وإن الباحث ليقول وهو أحوج الناس إلى أن يستعيذ بالله من كل وهم مستجيرًا به في أن يكلأه برعايته حتى لا يقع فيه في عمله هذا الذي يقدمه لنيل درجة علمية.
وإذا كان قد بقي للباحث شيء يقوله في توطئة هذا العمل الذي يقدمه في كتابين ينتظمان في ثلاثة مجلدات فهو عرفانه بالجميل وإحساسه الدائم بالامتنان للذين أعانوه على هذا العمل، وأولهم سنده وأستاذه الجليل الدكتور الطاهر أحمد مكي الذي رعاه
1 / 7
منذ دراسة الماجستير، ولم يأل جهدًا في نصحه وإرشاده وتبصيره بما حقق لهذا العمل الوصول إلى غايته، كما يخص بعميق شكره وامتنانه أستاذه الدكتور محمد رشدي حسن الذي تعهده في دراسته الجامعية قبل عقدين من الزمان ثم كان له فضل المشاركة في الإشراف على هذا العمل.
كما يتوجه الباحث بالشكر والتقدير للقائمين على المكتبات في كل من مصر وتركيا والرباط وتونس ومدريد الذين أعانوه على جمع مخطوطات هذا البحث. وكذلك شكره وامتنانه إلى أخواته وزملائه في قسم اللغة العربية بكلية التربية في جامعة الفاتح بطرابلس الغرب الذين مدوه بالعديد من المصادر والمراجع مما توفر لديهم في مكتباتهم الخاصة، وقد كان لذلك أثره الحميد في قيام هذا البحث.
والباحث بعد هذا كله يسأل الله تعالى العلي القدير أن يقبل علمه هذا قبولًا حسنًا وأن يجعل منه شيئًا مفيدًا لقراء العربية إنه سميع مجيب.
1 / 8
القسم الأول: دراسات ممهدة
1 / 9
الفصل الأول: في اختيار أبي تمام للحماسة وصنيعه فيه
١. اختيارات أبي تمام في الشعر:
ليس من عزمات هذه الدراسة أن تضطلع بالبحث في شاعرية أبي تمام أو شعره، فهذا أمر خاض فيه الرجال منذ عصر أبي بكر الصولي - ٢٣٥ هـ - وإلى عصرنا هذا الحديث، ولكن الذي يهمنا بحق - ونحن نبحث في اختيار أبي تمام للحماسة - هو أن نقف عند المكونات الثقافية التي كانت وراء شاعريته، والتي جعلت منه شاعرًا متفوقًا وزعيم مدرسة في تاريخ شعرنا العربي.
وكان من أهم هذه المكونات روايته لشعر من سبقوه في عصور الأدب الأولى أو شعر من عاشوا في عصره، وهي ميزة قد شارك فيها غيره من الشعراء، ليس في عصره فحسب بل في سائر العصور السابقة له أو التي جاءت بعده، غير أن الأمر بالنسبة له كان مختلفًا عنهم، فهؤلاء وإن شاركوه في هذه الميزة فإنهم قد اكتفوا برواية شعر السابقين بقصد التعلم والتثقف وصقل شاعريتهم والسمو بها إلى درجة أعلى في الفن الشعري. أما أبو تمام فقد تميز عنهم بأنه لم يقف عند حد الحفظ والرواية لشعر غيره بل كان - كما يقول الدكتور طه حسين -: "كثير النظر في الشعر ميالًا إلى الاختيار منه ... يعاشر الشعراء معاشرة متصلة، يقرؤهم ويطيل النظر فيهم، ويدل على قراءته لهم هذا الاختيار الذي يختاره في كتب يذيعها بين الناس".
ولم تكن اختياراته هذه ضربة لازب أو لمجرد جمع الشعر وروايته، وإنما
1 / 11
كانت عملًا قائمًا على الدراية والفهم الدقيق. يؤكد هذا ما نقله الصولي عن الحسن بن رجاء أنه قال: ما رأيت أحدًا قط أعلم يجيد الشعر قديمه وحديثه من أبي تمام.
غير أن هذه الاختيارات قد شابها شيء من الخلط والاضطراب في سبب تأليفها، والوقت الذي ألفت فيه فالتبريزي يحدثنا في مقدمة شرحه للحماسة أن أبا تمام " جاء من خراسان يريد العراق، فلما دخل همذان اغتنمه أبو الوفاء بن سلمة، فأنزله فأكرمه، فأصبح ذات يوم وقد وقع ثلج عظيم، قطع الطرق ومنع السابلة، فغم أبا تمام ذلك، وسرأبا الوافاء. فقال له: وطن نفسك على المقام فإن هذا الثلج لا ينحسر إلا بعد زمان، وأحضره خزانة كتبه فطالعها واشتغل بها وصنف، خمسة كتب في الشعر، منها كتاب الحماسة والوحشيات".
وبناء على هذه الرواية فإن أبا تام قد صنع خمسة كتب في الاختيارات الشعرية بهمذان، ولكني وجدت في مقدمة الشرح المرجح نسبته إلى زيد بن علي الفارسي رواية تقول بأن الكتب ثلاثة قال: "وأحضره أبو الوفاء كتبه فاختار أبو تمام منها هذا - يعني الحماسة - والوحشي وشيئًا من انتخاب" ثم أضاف أن هذه الكتب بقيت عند أبي الوفاء، لا يمكن أحدًا منها إلى أن مات، ووقعت في يد رجل من أهل دينور يعرف بأبي العواذل، فنسخ هذه الكتب الثلاثة، وحملها إلى أصبهان".
فهي إذا على هذه الرواية ثلاثة كتب لا خمسة كما ذكر التبريزي، على أننا نجد الآمدي في الموازنة يفيد بأن هذه الاختيارات ستة كتب، وقد عّرفها بقوله: "منها الاختيار القبائلي الأكبر، واختار فيه من كل قبيلة قصيدة، وقد مّر على يدي هذا الاختيار، ومنها اختيار آخر ترجمته القبائلي اختار فيه قطعًا من محاسن أشعار
1 / 12
القبائل، ولم يورد فيه كبير شيء للمشهورين، ومنها الاختيار الذي تلقط فيه محاسن شعر الجاهلية والإسلام، وأخذ من كل قصيدة شيئًا حتى انتهى إلى إبراهيم بن هرمة، وهو اختيار مشهور معروف باختيار شعراء الفحول، ومنها اختيار تلقط فيه أشياء من الشعراء المقلين والشعراء المغمورين غير المشهورين، وبوبه أبوابًا وصدّره بما قيل في الشجاعة، وهذا أشهر اختياراته وأكثرها في أيدي الناس ويلقب بالحماسة، ومنها اختيار المقطعات وهو مبوب على ترتيب الحماسة إلا أنه يذكر فيه أشعار المشهورين وغيرهم والقدماء والمتأخرين وصدّره بذكر الغزل، وقد قرأت هذا الاختيار، وتلقطت منه نتفًا وأبياتًا كثيرة، وليس بمشهورة شهرة غيره، ومنها اختيار مجرد في أشعار المحدثين وهو موجود في أيدي الناس".
فهي وفق هذا الذي ذكره الآمدي ستة كتب: اختيار القبائلي الأكبر، واختيار القبائلي، واختيار شعراء الفحول، وديوان الحماسة، واختيار المقطعات الوحشيات أو الحماسة الصغرى، واختيار أشعار المحدثين. غير أن الآمدي لم يشر إلى أن هذه الكتب قد ألفت بهمذان، وإنما كان حديثه منصبًا على الكتب ووصفها، ولم يهتم بمكان تأليفها أو الزمن الذي ألفت فيه، ويمكن أن نؤكد أن الاختيار الأخير وهو اختيار أشعار المحدثين اختاره أبو تمام بعيدًا عن همذان، وذلك لما أورده الصولي عن الحسن بن إسحاق قال: "سمعت ابن الدقاق يقول: حضرنا مع أبي تمام وهو ينتخب أشعار المحدثين فمر بنا شعر محمد بن أبي عيينة المطبوع الذي يهجو به خالدًا، فنظر فيه، ورمى به وقال هذا كله مختار". فابن الدقاق لم يكن مع أبي تمام في همذان عندما كان في بيت أبي الوفاء بن سلمة، فلابد أن يكون قد صنع هذا الاختيار في بغداد أو سر من رأي أو غيرهما من البلاد التي كان ينتقل فيها. ومن ثم بقي لنا الاحتمالان اللذان وردا في الروايتين السابقتين أنه ألف بهمذان خمسة كتب، وفق رواية التبريزي أو ثلاثة كتب وفق رواية الشرح المرجح نسيته إلى زيد بن على الفارسي. ولكن أي الاحتمالين أرجح؟ .
1 / 13
إن الدكتور طه حسين يعترض على رواية أن أبا تمام قد صنع هذه الاختيارات في همذان فقد قال: "تحدثنا الأخبار أن أبا تمام قد اختار كل هذه الكتب لأنه اضطر إلى البقاء في همذان، فقد حال الثلج بينه وبين المضي في سفره فاضطر إلى البقاء، وعكف على خزانة الكتب فأنفق وقته في تصنيف ما ظهر له من المختارات، ولكن هذا غير ممكن وغير معقول، فقد كانت إقامته رهن زوال الثلج، وهذا لا يتجاوز الأشهر القليلة، ومن المستحيل أن يصدق أنه قد اختار هذه الكتب في شهرين أو ثلاثة".
وهو رأي يصعب دفعه إذا قلنا برواية التبريزي، أما إذا قلنا بالرواية الأخرى التي تقول بأنه صنع في همذان ثلاثة كتب، فإن الأمر يصبح في حيّز المعقول وبعيدًا عن المستحيل الذي أشار إليه الدكتور طه حسين، وبخاصة إذا علمنا أن أبا تمام كان كثير الحفظ من شعر العرب، وأن هذا يعينه كثيرًا على إنجاز ما أزمع صنعه في هذه الاختيارات الثلاثة، كما أن الروايات لم تذكر أنه لبث في همذان شهرين أو ثلاثة، وإنما الإشارة إلى هذا جاءت مبهمة في كلام أبي الوفاء لأبي تمام: "وطن نفسك على المقام فإن هذا الثلج لا ينحسر إلا بعد زمان" فربما كان انحسار الثلج يتطلب زمنًا أطول من الزمن الذي حدده الدكتور طه حسين، وربما ظل أبو تمام فترة من الزمن بعد انحسار الثلج، فليس في المصادر ما يفيد أنه غادر همذان في تاريخ محدد.
وكان الأستاذ علي النجدي ناصف قد اعترض على قول الدكتور طه حسين المتقدم، وبنى اعتراضه على عدة أوجه: أحدها أن أبا تمام لم يكن ينوي أول الأمر يلبث في همذان إلا ريثما يذوب الثلج ويتيسر السفر، ثم عدل عن نيته هذه أو غير منها حين أقبل على العمل، فاستبان قيمتة وأدرك المضي فيه. وثانيها أن أبا تمام لم يكن له عهد بكتب آل سلمة من قبل، فرأى العكوف عليها والإفادة منها غنيمة بالغة، ونُهزة نادرة، لا يجمل بمثله أن يتهاون فيها أو يؤثر حاجة عليها. وثالثها أن أبا تمام كان يكره الشتاء ويحذر البرد، وله من الأشعار ما يؤكد ذلك، ومن ثم فإن إقامته في همذان لم تكن رهنًا بزوال الثلج عنها لأن زوال الثلج من بلد لا يعني
1 / 14
زوال البرد عنه، وحلول الدفء فيه، إذا لابد من فترة أخرى يصير فيها من الخوف إلى الأمن، ومن القلق إلى الطمأنينة حتى يرحل حين يرحل معتقدًا أن لن يفاجئه البرد في بعض الطريق بما عسى أن تشق عليه مقاومته والاحتماء منه. ورابعها أن رجلًا له مثل ما لأبي تمام من ألمعية خاطفة وذوق مرهف لا تبطئ به القراءة والاختيار ولا يكلفانه من الوقت والجهد مثل ما يكلفان سواه، وليس بعيدًا أن يكون أصحابه من آل سلمة في حرصهم عليه، وبرهم به، وملاطفتهم له، قد رفقوا به وقدروا حاله، فأمدوه ببعض الأعوان يكل إليهم من الأمراء ما يريد، وكان الفصل حينذاك فصل الشتاء حيث يطيب العمل، ولا يقل الانقطاع والعكوف عليه".
ونحن لا اعتراض لنا على هذه الأوجه سوى الوجه الثالث، ذلك لأن أبا تمام وإن عرف عنه أنه كان يكره الشتاء فإن كراهيته له لا تمنعه من السفر فيه، وهو حين غادر خراسان إلى همذان إنما غادرها في وقت الشتاء، فلو أنه كان يكره السفر في الشتاء لما غادر خراسان، وإذا قلنا إنه غادر خراسان مضطرًا إذ لم تكن له حاجة في البقاء طويلًا بها، فكيف نفسر أنه اغتم من نزول الثلج بهمذان لأنه سوف يمنعه السفر إلى العراق، مع علمنا بالحفاوة التي وجدها عن آل سلمة، وكانت هذه الحفاوة حافزًا لأن ينوي السفر فيه. هذا من جهة، ومن جهة أخرى إننا نسلم بأن أبا تمام كان يتمتع بالألمعية الخاطفة التي تعينه على سرعة الاختيار، ولكن إن صح هذا بالنسبة للحماسة والوحشيات واختيار الفحول، لما ذكرناه من سعته في الحفظ التي تعينه على سرعة الاختيار فلا شك في أن اختيار القبائلي الأكبر الذي ذكر الآمدي انه اختار فيه من كل قبيلة قصيدة، والاختيار القبائلي الذي اختار فيه قطعًا من محاسن أشعار القبائل يقتضي جهدًا أكبر وزمنًا أطول في الوقوف على جل شعر القبائل إن لم يكن كله، حتى لا يداخل اختياره في الكتابين فوات من الجيد الذي يختاره. ومن هنا كان ترجيحنا للرواية القائلة بأنه صنع في همذان ثلاثة كتب هي في رأينا: الحماسة والوحشيات واختيار شعراء الفحول، لأن هذه الاختيارات الثلاثة ال تقتضي الوقوف على جل ما قاله الشعراء من شعر، فنحن نذهب بعيدًا إذا قلنا إن
1 / 15
الجيد الذي اختاره أبو تمام ليس هناك جيد غيره مما قالته العرب، فلا شك أن هناك جيدًا كثيرًا لم تشمله هذه الاختيارات الثلاثة، ولا يضير أبا تمام هذا لأنه توخي في اختياراته الجيد مما وقف عليهن وأسعفته به حافظته، أو المصادر التي قرأها عند آل سلمة.
أما بالنسبة لشعر القبائل فإن الأمر يتطلب الوقوف الطويل المتأني على ما قالته القبائل من شعر حتى يختار منه القصيدة الواحدة على نحو ما فعل في اختيار القبائلي الأكبر أو يختار قطعًا من محاسن أشعار هذه القبائل على نحو فعل في الاختيار القبائلي كما أن أحدًا لا يجزم بأن مكتبة آل سلمة كانت تضم كل ما قالته القبائل من شعر، ربما حوت منه الكثير أما الكل فإن السبيل إلى تصويره أمر يحتاج إلى دليل مادي لا نملكه، فنحن لا نستطيع أن نتصور أن آل سلمة كانوا يملكون جميع دواوين شعر القبائل التي صنعها العلماء في القرن الثاني وأوائل القرن الثالث. ومن هنا فإن خلاصة ما يمكن أن يقال في هذا الخصوص أن أبا تمام حين خرج من مصر إلى العراق ومدح الخليفة المعتصم بالله الذي ولي الخلافة سنة ٢١٨ هـ أخذ يطوف بالعمال، يرحل هنا وهناك، وأنه كان من خلال تطوافه هذا يقرأ شعر القبائل ويختار منه حتى انتهى به المقام أخيرًا إلى الموصل حين ولاه الحسن بن وهب بريد الموصل فعمل فيه قرابة العامين ثم كانت وفاته سنة ٢٣١ هـ.
إننا نرتضي القول بأن هذين الاختيارين اللذين لم يصلا إلينا قد كانا ثمرة جهد متصل وقراءات مستمرة في دواوين القبائل حتى تيسر له القيام بصنع ما أراده فيهما، وبطبيعة الحال لا يمكن أن يكون مثل هذا العمل وليد فترة زمنية محددة عاشها بهمذان ولأٍسباب فرضتها الطبيعة بظروفها المتحولة من حال إلى أخرى.
ولا نحسب أن أبا تمام اتجه إلى هذه الاختيارات والتأليف فيها لأن الثلج منعه من الوصول إلى العراق، ولم يجد ما يفعله في فترة الشتاء سوى تأليف هذه الكتب، لأن هذا يجعل عزمه على التأليف وليد حادث طارئ فرضته ظروف معينة لولاها لما كانت هذه الكتب، وإنما الذي في تصورنا أن أبا تمام كان قد عقد العزم على أن يصنع اختيارات في الشعر، وكان هذا العزم يشغل تفكيره، ويقلب الرأي فيه، وربما جالت بفكره الآراء التي تتصل بمنهجه فيها، فحين حدث ما حدث من أمر الثلج
1 / 16
كانت البداية ثلاثة كتب على نحو ما رجحنا، ثم توالت بقية الاختيارات بعد رحيله من همذان، ولو كان الأمر كما تصوره هذه الروايات وليد صدفة لما واصل أبو تمام عمله في صنع هذه الكتب، ولاكتفى صنعه نتيجة للظروف التي عاشها في همذان، ولكن الذي حدث كان غير هذا، فقد واصل أبو تمام اختياراته من شعر العرب حتى بلغت ستة كتب، ثم أضاف إليها ما صنعه من نقاضئض جرير والأخطل.
٢ - رواية أبي تمام للحماسة:
وإذا كنا قد رجحنا أن يكون أبو تمام قد صنع بهمذان ثلاثة اختيارات منها كتاب الحماسة، فإن هذا يدفعنا إلى البحث في الطريق الذي أخذ به العلماء كتاب الحماسة، فلقد كان المألوف لدى العلماء في ذلك الزمن وقبله أن يأخذوا الكتب من أصحابها بالسماع أو القراءة عليهم أو الإجازة منهم في روايتها. غير أن الخبر الذي ساقه التبريزي في مقدمة شرحه يشير إلى أن تام قد ترك كتاب الحماسة في خزائن آل سلمة، حيث بقي عندهم، يضنون به، ولا يكادون يبرزونه لأحد حتى تغيرت أحوالهم، وورد همذان رجل من أهل دينور يعرف بأبي العواذل فظفر به وحمله إلى أصبهان فأقبل أدباؤهم عليه ورفضوا ما عداه من الكتب المصنفة في معناه، فشهر فيه ثم فيمن يليهم.
ولم ينقل أبو العواذل الكتب ذاتها التي وجدها عند آل سلمة، وإنما نسخها على نحو ما بينت الرواية التي وجدناها في مقدمة الشرح المرجح نسبته إلى زيد بن علي الفارسي، غير أن ظاهر الروايتين معًا يفيد بأن أهل أصبهان لم يأخذوا كتاب الحماسة مسندًا إلى أبي تمام، وإنما أخذوه كتابًا منسوخًا من نسخة كتبها أبو تمام أو من نسخة نقلت مما خطه بيده على نحو ما سنوضحه فيما بعد.
وفي إدراكي أن هذه النتيجة التي خرجنا بها من هاتين الروايتين تحتاج إلى توجيه،
1 / 17
وذلك لأنني وجدت في مقدمة شرح أبي الرضا الرواندي ما نصه: "قال أبو الرضا فضل الله بن علي أخبرني بكتاب الحماسة الشيخ الإمام بديع الزمان أبو الفضل عبد الرحيم بن أحمد بن محمد البغدادي. رحمة الله عليه - قراءة عليه بأصبهان في رجل سنة تسع عشرة وخمسمائة قال: أخبرني أبو السعادات علي بن بختيار الواسطي قال: حدثنا أبو غالب محمد بن أحمد بن بشران قال: أخبرني علي بن محمد بن دينار عن الحسن بن بشر الآمدي قال ابن بشران وحدثنا به الحسين بن علي بن الوليد قال حدثنا أبو رياش أحمد بن هاشم قالا جميعًا: حدثنا أبو المطرف الأنطاكي أحمد ابن أوس الطائي".
1 / 18
وبجانب هذا الذي ذكره الرواندي نجد أبا الفتوح ثابت بن محمد الجرجاني يقول في مقدمة شرحه للحماسة: "قرأت هذا الكتاب ببغداد سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة على الشيخ أبي أحمد عبد السلام بن الحسين البصري وقال لي: قرأته على أبي رياش أحمد بن هاشم بن شبل القيسي الربعي ﵀ بالبصرة سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة، وقال: أنشدنا أبو المطرف الأنطاكي قال: أنشدنا أبو تمام حبيب ابن أوس الطائي".
ويدعم ما جاء في هاتين الروايتين ما ذكره القطفي في أنباه الرواة: أن القاضي أبا الفرج محمد بن عبد الله بن الحسن البصري اجتمع بواسط سنة ستين وأربعمائة بأبي غالب محمد بن أحمد بن بشران، المتقدم ذكره، وكان بصحبة القاضي أبي الفرج كتب تصلح للقراءة على ابن بشران منها كتاب الحماسة قال القاضي أبو الفرج: فبدأت بقراءته عليه يوم الجمعة رابع عشر جمادي الأولى سنة ستين وأربعمائة وسألته عن إسناده فيها - أي الحماسة - فقال: قرأتها على أبي الحسين علي بن محمد بن عبد الرحيم بن دينار عن أبي القاسم الحسن بن بشر الكاتب عن أبي المطرف الأنطاكي. قال: وسمعتها أيضًا عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن الوليد النحوي عن أبي رياش أحمد بن أبي هاشم عن أبي المطرف عن أبي تمام.
1 / 19
وبناء على هذه الروايات فإن كتاب الحماسة بجانب النسخة التي حملها أبو العواذل من همذان إلى أصبهان قد أخذه العلماء من طريقين أحدهما أبو رياض الذي رواه عن أبي المطرف عن أبي تمام، والآخر الحسن بن بشر الآمدي الذي رواه أيضًا عن أبي المطرف عن أبي تمام، وهذا يعني أن أبا تمام قد حمل معه من همذان نسخًا من الكتب التي صنعها في بيت أبي الوفاء بن سلمة، وإلا كيف تفسر أن أبا المطرف أخذ عنه كتاب الحماسة ورواه لكل من أبي رياش والآمدى، فنحن لا نستبعد أن يكون أبو الوفاء قد كلف أحد الكتبة بأن ينسخ له ما صنع أبو تمام من. كتب، وهي الكتب التي بقيت في بيته حتى جاء أبو العواذل فنسخها وحملها إلى أصبهان. أما ما صنعه أبو تمام من كتب بخط يده، فأغلب الظن أنه حملها معه حين غادر همذان، ومنه نسخة الحماسة حيث أنشدها أبا المطرف ورواها أبو المطرف بدوره لأبي رياش وللآمدي.
٣ - أبو الحماسة:
لم يكن هم أبي تمام في الحماس أن يكون رواية جامع شعر، وإنما كان شاعرًا يريد أن ينتخب الجيد مما قاله غيره في أغراض الشعر المختلفة، ولهذا جاء صنيعه في الحماسة مختلفًا عمن سبقه من الذين صنعوا اختيارات في الشعر العربي مثل المفضل الضبي، وعبد الملك بن قريب الأصمعي وغيرهما، فهؤلاء كان همهم أن يجمعوا ما قالت العرب من شعر وأن ينتخبوا منه القصائد، دون النظر إلى الأغراض التي اشتملت عليها، وما اختاروه من قصائد يتفق مع ميولهم إلى اللغة وما يتصل بها من دروس، ومن أجل هذا جاء عمل أبي تمام في الحماسة ابتكارًا غير مسبوق، لأنه جعل عماد اختياره أبوابًا بلغت في الاختيار عشرة، كان للحماسة النصيب الأكبر منها، ولذا غلب هذا الغرض على اسم الكتاب، فسمي بكتاب الحماسة، أو ديوان الحماسة. والذي يفهم مما وصل إلينا من المراجع أن أبا تمام هو الذي أطلق عليه هذا
1 / 20
الاسم، حيث نجد الآمدي يذكر في ترجمته للمثلم بن عمرو النتوخي قوله: "أنشد له الطائي في اختياره الذي سماه الحماسة".
ولعل الدافع في هذه التسمية يرجع إلى أن الحماسة أكثر الأبواب قطعًا في الاختيار أو لأنه الغرض الذي جاء أولًا في الاختيار، فحملت بقية الأبواب عليه، وقد ذهب إلى هذا الأستاذ علي النجدي ناصف وناقشه مناقشة مستفيضة مفادها: أن الحماسة جزء عظيم من الكتاب له بين سائر الأجزاء منزلة وشأن، وإنزال جزء الشيء لمزية فيه منزلة كله، وإجراؤه في الحكم مجراه عمل معروف وسنة متبعة" وكذلك الشأن في تسمية الشيء بأوله فهو معروف مقرر مثل تسمية بعض السور بأولها، والكتب والقصائد وغير ذلك.
أما لماذا استحق غرض الحماسة أن يكون أول الأغراض في الاختيار، فهذا في رأينا راجع إلى أن الحماسة أهم غرض دار حوله الشعراء في عصر ما قبل الإسلام، وهو عصر كان له نصيب وافر في اختيار الحماسة. يقول الدكتور شوقي ضيف، وهو يتحدث عن الجاهليين: "ولا نبعد إذا قلنا إن الحماسة أهم موضع استنفد قصائدهم، فقد سعرتهم الحروب وأمدها شعراؤهم بوقود جزل من التغني ببطولاتهم، وأنهم لا يهأبون الموت، يترامون نحوه تحت ظلال السيوف والرماح، مدافعين عن شرف قبائلهم وحماها، ويرتفع هذا الغناء بل هذا الصياح في كل مكان بحيث يخيل إلينا أنه لم يكن هنالك صوت سواه".
هذا في عصر ما قبل الإسلام أما في عصر صدر الإسلام وهو عصر ضم اختيار الحماسة شعرًا لشعرائه، فإنه أيضًا لم يخل من وجود الحماسة فيه، وبخاصة في غزوات النبي ﷺ وسراياه، وما تلاها من فتوحات إسلامية. لهذا كله، ولكون الحماسة - كما قول التبريزي - شجاعة العرب والصفة الأولى من صفاتهم" حمل
1 / 21
الكتاب اسم الحماسة.
وأبواب الحماسة كما أشرنا من قبل عشرة أبواب، هذا ما نجده في ديوان الحماسة وفي الشروح التي وقفنا عليها عدا شرح المرزوقي الذي فصل بين الأضياف والمديح، فجعل كلا منهما بابًا مستقلًا، ولذلك بلغت الأبواب في شرحه أحد عشر بابًا، وأغلب ظننا أن هذا ليس من عمل المرزوقي، وإنما هو من عمل نساخ شرحه، لأن جملة من القطع وردت عنده في باب المديح هي من الأضياف ولا مسوغ لها إذا كان الأضياف والمديح بابًا واحدًا، وكذلك الشأن في باب الأضياف فقد وردت فيه قطع من المديح لا يصلح موضعها إلا في باب المديح. هذا فضلًا عن أن المرزوقي كان يختم كل باب بعبارة تدل على الفراغ منه مثل قوله في نهاية باب الحماسة: "تم باب الحماسة بحمد الله الذي هو ولي الحمد"، وقوله في نهاية باب الرثاء: "تم باب المراثي بسحن توفيق الله وجميل صنعه"، ولم يقل ذلك في باب الأضياف الذي تلاه باب المديح، ولم يكن المرزوقي ليفصل بين البابين وهو يعلم أن القطع متداخلة فيهما، ولا ينوه لذلك في شرحه. على أن الثابت لدى الشراح الذين وقفنا على شروحهم أنهم يسمون هذا الباب بباب الأضياف والمديح، كما هو الحال عند أبي عبد الله النمري في "معاني أبيات الحماسة" أو بباب الأضياف فقط كما ورد عند زيد بن علي الفارسي وغيره. وفي كشف الظنون قال حاجي خليفة - وهو يتحدث عن أبي تمام وكتاب الحماسة -: "وجمع فيه ما اختاره من أشعار العرب العرباء مرتبة على أبواب عشرة: الحماسة، والمراثي، والأدب، والتشبيب، والهجاء، والإضافات، والصفات، والسير، والملح، ومذمة النساء.
ولقد تفاوتت القطع الشعرية في هذه الأبواب فكان أكثر الأبواب قطعًا هو باب الحماسة، وأقلها قطعًا باب الصفات الذي لم يتجاوز الأربع قطع في بعض الروايات، وأغلب الروايات اتفقت على ثلاث قطع فقط.
1 / 22
ولا شك في أن هناك فروقًا في عدد القطع في شروح الشراح، وفي روايات متن الحماسة، ويمكن أن نتبين هذه الفروق من خلال ثلاثة شروح، اثنان منها مطبوعان هما شرح المرزوقي وشرح التبريزي، والثالث الشرح الذي حققناه في الكتاب الثاني من هذه الدراسة، مضافًا إليها رواية أبي رياش للحماسة التي وجدناها في مخطوطة يرجع تاريخها إلى سنة ٤٣٦ هـ، والجدول الآتي يبين هذه الفروق:
فواضح من خلال هذه الجداول أنه لم يقع اتفاق بين الروايات الأربع إلا في باب السير والنعاس الذي جاء في الروايات جميعًا تسع قطع، كما أن هناك اتفاقًا وقع بين ثلاث روايات هي رواية أبي رياش والمرزوقي وزيد بن علي حيث بلغ باب المراثي عندهم سبعًا وثلاثين ومائة قطعة، وشذ عنهم التبريزي حيث زاد عن الروايات الثلاث قطعتين، وبرز كذلك اتفاق اثنتين من هذه الروايات في باب من الأبواب مثل اتفاق المرزوقي والتبريزي في عدد قطع أبواب الهجاء والصفات والملح، واتفاق المرزوقي وزيد بن علي في قطع باب الحماسة، واتفاق أبي رياض وزيد بن علي في باب الصفات، والتبريزي وأبي رياش في باب مذمة النساء، والمرزوقي وزيد بن علي في الباب نفسه، أما بابا النسيب والأضياف فقد كان الاختلاف واضحًا بين الروايات الأربع، إذ لم تتفق رواية مع أخرى فيهما.
ويمكن إرجاع هذه المفارقات في إيراد القطع وعددها إلى اختلاف نسخ الحماسة التي كانت بين أيدي الشراح، ولقد أشار المرزوقي إلى هذا في أكثر من موضع في شرحه، ففي بيت ابن زيابة الذي يقول فيه:
آليت لا أدفن قتلاكم فدخنوا المرء وسرباله
قال المرزوقي: "هذا البيت لم أجده في نسخ كثيرة، فيغلب ظني أنه ليس من الاختيار".
وفي حماسية حريث بن عناب التي يقول في مطلعها:
1 / 23
رواية زبد بن علي الفارسي ... رواية التبريزي ... رواية المرزوقي ... رواية أبي رياش ... الأبواب
٢٦١ ... ٢٥٧ ... ٢٦١ ... ٢٦٤ ... الحماسة
٥١ ... الأدب
١٣٦ ... النسيب
٧٦ ... الهجاء
١٣٩ ... الأضياف والمديح
٤ ... ٣ ... ٣ ... ٤ ... الصفات
٩ ... السير والنعاس
٣٣ ... الملح
١٩ ... مذمة النساء
1 / 24