واغتنم نور الدين غيبة الفرنج عن بلادهم فصمد إليها في جيشه فجاس خلال الديار لهم "وقتل من رجالهم" (^١) وسبي من نسائهم وأطفالهم شيئًا كثيرًا.
وأجلت الفرنج عن دمياط؛ لأنه بلغهم أن نور الدين ﵀ قد حصر بلادهم، وقتل خلقا من رجالهم، وسبي كثيرا من نسائهم، وغنم مالا جزيلا من أموالهم. ولما أجلت الفرنج عن دمياط؛ فرح المسلمون ونور الدين وصلاح الدين على ذلك فرحًا شديدًا، وأنشد الشعراء في ذلك كل منهم قصيدًا (^٢).
وفي تاريخ (^٣) بيبرس: وفيها قدم الفرنج دمياط وحاصروها، وذلك أن أسد الدين [شيركوه] (^٤) لما ملك مصر خاف الفرنج الذين بالساحل فكاتبوا أهل صقلية والأندلس؛ يستمدونهم ويعلمونهم أنهم خائفون على بيت المقدس، فأمدوهم بالمال والسلاح والعدد والرجال، فنزلوا دمياط ظنا أنهم يملكونها. فأرسل صلاح الدين إليها العساكر برا وبحرا، وأمدهم بالأموال والأسلحة والأقوات، وسير إلى نور الدين يعلمه بذلك ويشكو إليه، أنه إن خرج من القاهرة ما يأمن أن تنقض الشيعة أمرنا. فسير إليه نور الدين عسكرا نجدة، وسار بنفسه لقصد الفرنج، فصعد إلى الكرك (^٥) وحاصرها. وجاءت الفرنج إلى بيسان (^٦)، فرحل نور الدين عن الكرك للقائهم، فرجعوا إلى عكا (^٧)، فعاد نور الدين إلى دمشق.
ولما سمع فرنج الشام بنزول الفرنج على دمياط طمعوا، واشتد أمرهم، فسرقوا حصن عكار من المسلمين، وأسروا صاحبها وكان مملوكًا لنور الدين يسمى ختلخ (^٨) العلم دار وأولاده.
_________
(^١) ما بين الأقواس ساقط من نسخة ب.
(^٢) ذكر أبو شامة بعضًا من هذه الأشعار في الروضتين، ج ١ ق ٢، ص ٤٦٠ - ٤٦٢؛ تاريخ ابن الفرات، ج ١، ص ٨٢ - ٨٧.
(^٣) يقصد كتاب زبدة الفكرة، وهو غير موجود بين أيدينا. وانظر الكلام عن هذه الحادثة بالتفصيل في المصادر المشار إليها سابقًا.
(^٤) مابين الحاصرتين إضافة من نسخة ب، وهو أبو الحارث شيركوه بن شاذي بن مروان الملقب الملك المنصور أسد الدين عم السلطان صلاح الدين، توفي سنة ٥٦٤ هـ/ ١١٦٩ م. انظر: وفيات الأعيان، ج ٢، ص ٤٧٩ - ٤٨١.
(^٥) الكرك: اسم لقلعة حصينة جدا في أطراف الشام من نواحي البلقاء. ياقوت: معجم البلدان، ج ٤، ص ٢٥١ - ٢٥٢.
(^٦) بيسان: مدينة بالأردن بالغور الشامي، وهي بين حوران وفلسطين. معجم البلدان، ج ١، ص ٧٨٨، ٧٨٩.
(^٧) عكا: بلد على ساحل بحر الشام من عمل الأردن. معجم البلدان، ج ٣، ص ٧٠٧.
(^٨) ختلخ العلم دار: في الروضتين "خطلخ"، ج ١ ق ٢، ص ٤٥٨. كان مملوكًا لنور الدين. وكان على حصن عكار لما هاجمه فرنج الشام. انظر: وفيات الأعيان، ج ٧، ص ١٥٢.
1 / 34