إِلَى رَأْيهمْ وَلم يشدد قيمًا يَخْتَلِفُونَ حِين كَانَ الإختلاف فِي أَمر فوض إِلَيْهِم وَله فِي ذَلِك مساغ فَلم يعنف على عَمْرو بن الْعَاصِ فِيمَا فهم من قَوْله تَعَالَى ﴿وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة﴾ من جَوَاز التَّيَمُّم للْجنب إِذا خَافَ على نَفسه من الْبرد وَلم يعنف على عمر بن الْخطاب فِيمَا فهم من تَأْوِيل ﴿أَو لامستم النِّسَاء﴾ أَنه فِي لمس الْمَرْأَة لَا الْجَنَابَة فَبَقيت مَسْأَلَة الْجنب غير مَذْكُورَة فَيَنْبَغِي أَن لَا يتَيَمَّم الْجنب أصلا أخرج النَّسَائِيّ عَن طَارق أَن رجلا أجنب فَلم يصل فَأتى النَّبِي ﷺ فَذكر ذَلِك لَهُ فَقَالَ أصبت فأجنب رجل فَتَيَمم وَصلى فَأَتَاهُ فَقَالَ نَحْو مَا قَالَ للْآخر أصبت انْتهى وَلم يعنف على أحد مِمَّن أخر صَلَاة الْعَصْر أَو أَدَّاهَا فِي وَقتهَا حِين كَانُوا جَمِيعًا على تَأْوِيل من قَوْله لَا تصلوا الْعَصْر إِلَّا فِي بني قُرَيْظَة وَبِالْجُمْلَةِ فَمن أحَاط بجوانب الْكَلَام علم أَنه ﷺ فوض الْأَمر فِي تِلْكَ الْحَقَائِق المستعملة فِي الْعرف على إجمالها وَكَذَا فِي تطبيق بَعْضهَا بِبَعْض إِلَى إفهامهم وَنَظِيره تَفْوِيض الْفُقَهَاء كثيرا من الْأَحْكَام إِلَى تحري الْمُبْتَلى وعادته فَلَا عنف على اُحْدُ من الْمُخْتَلِفين عِنْدهم وَنَظِيره أَيْضا مَا أَجمعت عَلَيْهِ الْأمة من الإجتهاد فِي الْقبْلَة عِنْد الْغَيْم وَترك العنف على وَاحِد فِيمَا أدّى تحريه إِلَيْهِ
وَنَظِير هَذِه الْمصلحَة مَا ذكره أهل المناظرة من الإصطلاح على ترك الْبَحْث عَن مُقَدمَات الدَّلَائِل لِئَلَّا يلْزم انتشار الْبَحْث فَمن عرف هَذِه الْمَسْأَلَة كَمَا هِيَ علم أَن أَكثر صور الِاجْتِهَاد يكون الْحق فِيهَا دائرا فِي جَانِبي الإختلاف وَأَن فِي الْأَمر سَعَة وَأَن اليبس على شَيْء وَاحِد والجزم بِنَفْي الْمُخَالف لَيْسَ بِشَيْء وَأَن استنباط حُدُودهَا إِن كَانَ من بَاب تقريب الذَّهَب إِلَى مَا يفهمهُ كل أحد من أهل اللِّسَان فإعانة على الْعلم وَإِن كَانَ بَعيدا من الأذهان وتميزا للمشكل بمقدمات مخترعة فَعَسَى أَن يكون شرعا جَدِيدا وَأَن الصَّحِيح مَا قَالَه الإِمَام عزالدين بن عبد السلام وَلَقَد أَفْلح من قَامَ بِمَا أَجمعُوا على وُجُوبه واجتنب مَا أَجمعُوا على تَحْرِيمه واستباح مَا أَجمعُوا على إِبَاحَته وَفعل مَا أَجمعُوا على اسْتِحْبَابه واجتنب مَا أَجمعُوا على كَرَاهَته وَمن أَخذ بِمَا اخْتلفُوا فِيهِ فَلهُ حالان إِحْدَاهمَا أَن يكون الْمُخْتَلف فِيهِ مِمَّا ينْقض الحكم بِهِ فَهَذَا لَا سَبِيل إِلَى التَّقْلِيد فِيهِ لِأَنَّهُ خطأ مَحْض وَمَا حكم فِيهِ بِالنَّقْضِ إِلَّا لكَونه خطأ بَعيدا من نفس
1 / 11