أَن من أعْطى غير الْفَقِير على ظن فقره هَل هُوَ مُطِيع أم لَا وَلَا شُبْهَة أَنه مُطِيع نعم من وَافق ظَنّه الْحَقِيقَة قد نَالَ حظا وافرا وَإِن كَانَ الإجتهاد فِي اخْتِيَار مَا خير فِيهِ كأحرف الْقُرْآن وصيغ الْأَدْعِيَة وَكَذَا مَا فعله النَّبِي ﷺ على وُجُوه تسهيلا على النَّاس مَعَ كَونهَا كلهَا حاوية لأصل الْمصلحَة فالمجتهدان مصيبان فَهَذَا كُله بَين لَا يَنْبَغِي لأحد أَن يتَوَقَّف فِيهِ ومواضع الِاخْتِلَاف بَين الْفُقَهَاء معظمها أُمُور أَحدهَا أَن يكون وَاحِد قد بلغه الحَدِيث وَالْآخر لم يبلغهُ والمصيب هَهُنَا معِين وَالثَّانِي أَن يكون عِنْد كل وَاحِد أَحَادِيث وآثار متخالفة وَقد اجْتهد فِي تطبيق بَعْضهَا بِبَعْض أَو تَرْجِيح بَعْضهَا على بعض فَأدى اجْتِهَاده إِلَى حكم فجَاء الإختلاف من هَذَا الْقَبِيل وَالثَّالِث أَن يَخْتَلِفُوا فِي تَفْسِير الْأَلْفَاظ المستعملة وحدودها الجامعة الْمَانِعَة أَو معرفَة أَرْكَان الشَّيْء وشروطه من قبيل السبر والحذف وَتَخْرِيج المناط وَصدق مَا وصف وَصفا عَاما على هَذِه الصُّورَة الْخَاصَّة أَو انطباق الْكُلية على جزئياتها وَنَحْو ذَلِك فَأدى اجْتِهَاد كل وَاحِد إِلَى مَذْهَب وَالرَّابِع أَن يَخْتَلِفُوا فِي الْمسَائِل الْأُصُولِيَّة وَيتَفَرَّع عَلَيْهِ الإختلاف فِي الْفُرُوع والمجتهدان فِي هَذِه الْأَقْسَام مصيبان إِذا كَانَ مأخذاهما متقاربين بِالْمَعْنَى الَّذِي ذكرنَا
وَالْحق أَن الْمسَائِل الْمَذْكُورَة فِي كتب أصُول الْفِقْه على قسمَيْنِ قسم هُوَ من بَاب تتبع لُغَة الْعَرَب كالخاص وَالْعَام وَالنَّص وَالظَّاهِر وَمثله كَمثل قَول اللّغَوِيّ هَذَا علم وَذَلِكَ اسْم جنس وَالْفَاعِل مَرْفُوع وَالْمَفْعُول مَنْصُوب وَلَيْسَ فِي هَذَا الْقسم كثير اخْتِلَاف وَقسم هُوَ من بَاب تقريب الذِّهْن إِلَى مَا يَفْعَله الْعَاقِل بسليقته تَفْصِيله أَنَّك إِذا ألقيت إِلَى عَاقل كتابا عتيقا قد تغير بعض حُرُوفه وأمرته بقرَاءَته لَا بُد إِذا اشْتبهَ عَلَيْهِ شَيْء يتتبع الْقَرَائِن ويتحرى الصَّوَاب وَرُبمَا يخْتَلف عاقلان فِي مثل ذَلِك وَإِذا عَن للعاقل طَرِيقَانِ كَيفَ يتتبع الدَّلَائِل ويتفحص عَن الْمصَالح ويختار الْأَرْجَح والأقل شرا فَكَذَلِك الْأَوَائِل لما ورد عَلَيْهِم أَحَادِيث مُخْتَلفَة أجالوا قداح نظرهم فِي ذَلِك فأفضى اجتهادهم إِلَى الحكم على بَعْضهَا بالنسخ وتطبيق بَعْضهَا بِبَعْض وترجيح بَعْضهَا على بعض وَكَذَلِكَ لما ورد عَلَيْهِم مسَائِل لم يكن السّلف تكلمُوا فِيهَا أخذُوا النظير بالنظير
1 / 8