ﷺ َ - بَاب اخْتِلَاف النَّاس فِي الْأَخْذ بِهَذِهِ الْمذَاهب الْأَرْبَعَة وَمَا يجب عَلَيْهِم من ذَلِك ﷺ َ -
اعْلَم أَن النَّاس فِي الْأَخْذ بِهَذِهِ الْمذَاهب على أَرْبَعَة منَازِل وَلكُل قوم حد لَا يجوز أَن يتعدوه أَحدهَا مرتبَة الْمُجْتَهد الْمُطلق المنتسب إِلَى صَاحب مَذْهَب من تِلْكَ الْمذَاهب ثَانِيهمَا مرتبَة الْمخْرج وَهُوَ الْمُجْتَهد فِي الْمَذْهَب وَثَالِثهَا مرتبَة المتبحر فِي الْمَذْهَب الَّذِي حفظ الْمَذْهَب وأتقنه وَهُوَ يُفْتِي بِمَا أتقن وَحفظ من مَذْهَب أَصْحَابه وَرَابِعهَا الْمُقَلّد الصّرْف الَّذِي يستفتي عُلَمَاء الْمذَاهب وَيعْمل على فتواهم وَكتب الْقَوْم مشحونة بِشُرُوط كل منزل وَأَحْكَامه إِلَّا أَن من لَا يُمَيّز بَين الْمنَازل فيتخبط فِي تِلْكَ الْأَحْكَام ويظنها متناقضة فأردنا أَن نجْعَل لكل منزل فصلا ونشير إِلَى أَحْكَام كل منزل على حِدة
فصل فِي الْمُجْتَهد الْمُطلق المنتسب
وَقد قدمنَا شَرطه فَلَا نعيده وَحَاصِل كل ذَلِك أَنه جَامع بَين علم الحَدِيث وَالْفِقْه الْمَرْوِيّ عَن أَصْحَابه وأصول الْفِقْه كَحال كبار الْعلمَاء من الشَّافِعِيَّة وهم وَإِن كَانُوا كثيرين فِي أنفسهم لكِنهمْ أقلون بِالنّظرِ إِلَى الْمنَازل الْأُخْرَى وَحَاصِل صنيعهم على مَا استقرينا من كَلَامهم أَن تعرض الْمسَائِل المنقولة عَن مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأبي حنيفَة وَالثَّوْري وَغَيرهم ﵃ من الْمُجْتَهدين المقبولة مذاهبهم وفتاواهم على موطأ مَالك والصحيحين ثمَّ على أَحَادِيث التِّرْمِذِيّ وَأبي دَاوُد فَأَي الْمَسْأَلَة وافقتها السّنة نصا أَو إِشَارَة أخذُوا بهَا وعولوا عَلَيْهَا وَأي مَسْأَلَة خالفتها السّنة مُخَالفَة صَرِيحَة ردوهَا وَتركُوا الْعَمَل بهَا وَأي مَسْأَلَة اخْتلفت فِيهَا الْأَحَادِيث والْآثَار اجتهدوا فِي تطبيق بَعْضهَا بِبَعْض إِمَّا بِجعْل الْمُفَسّر قَاضِيا على الْمُبْهم وتنزيل كل حَدِيث على صُورَة أَو غير ذَلِك فَإِن كَانَت من بَاب السّنَن والآداب فَالْكل سنة وَإِن كَانَت من بَاب الْحَلَال وَالْحرَام أَو من بَاب الْقَضَاء وَاخْتلف فِيهَا الصَّحَابَة والتابعون والمجتهدون جعلوها على قَوْلَيْنِ أَو على أَقْوَال وَلم ينكروا على أحد فِيمَا أَخذ مِنْهَا وَرَأَوا فِي الْأَمر سَعَة إِذا كَانَ يشْهد الحَدِيث والْآثَار لكل جَانب ثمَّ استفرغوا جهدهمْ فِي معرفَة الأولى والأرجح إِمَّا بِقُوَّة الرِّوَايَة أَو بِعَمَل أَكثر الصَّحَابَة أَو كَونه مَذْهَب جُمْهُور الْمُجْتَهدين أَو مُوَافقا للْقِيَاس كفئا
1 / 17