الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَعْلَى مَعَالِمَ الْعِلْمِ وَأَعْلَامَهُ،
ــ
[العناية]
خَلَصَتْ مَعَادِنُ أَلْفَاظِهِ مِنْ خُبْثِ الْإِسْهَابِ، وَخَلَتْ نَقُودُ مَعَانِيهِ عَنْ زَيْفِ الْإِيجَازِ وَبَهْرَجِ الْإِطْنَابِ، فَبَرَزَ بُرُوزَ الْإِبْرِيزِ مُرَكَّبًا مِنْ مَعْنًى وَجِيزٍ، تَمَشَّتْ فِي الْمَفَاصِلِ عُذُوبَتُهُ، وَفِي الْأَفْكَارِ رِقَّتُهُ، وَفِي الْعُقُولِ حِدَّتُهُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَرُبَّمَا خَفِيَتْ جَوَاهِرُهُ فِي مَعَادِنِهَا، وَاسْتَتَرَتْ لَطَائِفُهُ فِي مَكَامِنِهَا.
فَلِذَلِكَ تَصَدَّى الشَّيْخُ الْإِمَامُ وَالْقَرْمُ الْهُمَامُ، جَامِعُ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ مُقَرِّرُ مَبَانِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ، حُسَامُ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ السِّغْنَاقِيُّ سَقَى اللَّهُ ثَرَاهُ وَجَعَلَ الْجَنَّةَ مَثْوَاهُ؛ لِإِبْرَازِ ذَلِكَ وَالتَّنْقِيرِ عَمَّا هُنَالِكَ، فَشَرَحَهُ شَرْحًا وَافِيًا وَبَيَّنَ مَا أَشْكَلَ مِنْهُ بَيَانًا شَافِيًا، وَسَمَّاهُ النِّهَايَةَ لِوُقُوعِهِ فِي نِهَايَةِ التَّحْقِيقِ، وَاشْتِمَالِهِ عَلَى مَا هُوَ الْغَايَةُ فِي التَّدْقِيقِ، لَكِنْ وَقَعَ فِيهِ بَعْضُ إطْنَابٍ، لَا بِحَيْثُ أَنْ يُهْجَرَ لِأَجْلِهِ الْكِتَابُ، وَلَكِنْ يَعْسُرُ اسْتِحْضَارُهُ وَقْتَ إلْقَاءِ الدَّرْسِ عَلَى الطُّلَّابِ، وَكَانُوا يَقْتَرِحُونَ عِنْدَ الْمُذَاكَرَةِ أَنْ أَخْتَصِرَهُ عَلَى مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ حَلُّ أَلْفَاظِ الْهِدَايَةِ وَبَيَانُ مَبَانِيهِ، وَيَحْصُلُ بِهِ تَطْبِيقُ الْأَدِلَّةِ عَلَى تَقْرِيرِ أَحْكَامِهِ وَمَعَانِيهِ.
وَكُنْت أَمْتَنِعُ عَنْ ذَلِكَ غَايَةَ الِامْتِنَاعِ وَأُسَوِّفُهُمْ مِنْ الْأَعْوَامِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ، وَكَانَ امْتِنَاعِي يَزِيدُهُمْ غَرَامًا وَتَسْوِيفِي يُفِيدُهُمْ هُيَامًا، فَلَمْ نَزَلْ عَلَى هَذَا الْمِنْهَاجِ حَتَّى أَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ بِالْحِجَاجِ، فَاسْتَخَرْت اللَّهَ تَعَالَى وَأَقْدَمْت عَلَى هَذَا الْخَطْبِ الْخَطِيرِ، وَتَضَرَّعْت بِضَرَاعَةِ الطَّلَبِ إلَى الْعَالِمِ الْخَبِيرِ فِي اسْتِنْزَالِ كِلَاءَتِهِ عَنْ الزَّلَلِ فِي التَّحْرِيرِ وَالتَّقْرِيرِ، وَجَمَعْت مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوحِ مَا ظَنَنْت أَنَّهُ مِمَّا يُحْتَاجُ إلَيْهِ وَيَكُونُ الِاعْتِمَادُ وَقْتَ الِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِ، وَأَشَرْت إلَى مَا يَتِمُّ بِهِ مُقَدَّمَاتُ الدَّلِيلِ وَتَرْتِيبُهُ، وَلَمْ آلُ جَهْدًا فِي تَنْقِيحِهِ وَتَهْذِيبِهِ، وَأَوْرَدْت مَبَاحِثَ لَمْ أَظْفَرْ عَلَيْهَا فِي كِتَابٍ، وَلَمْ تَصِلْ إلَيَّ عَنْ أَحَدٍ لَا بِرِسَالَةٍ وَلَا خِطَابٍ، بَلْ كَانَ خَاطِرِي أَبَا عُذْرِهِ وَمُقْتَضِبَ حُلْوِهِ وَمُرِّهِ. وَسَمَّيْته (الْعِنَايَةَ) لِحُصُولِهِ بِعَوْنِ اللَّهِ وَالْعِنَايَةِ، وَسَأَلْت اللَّهَ أَنْ يَنْفَعَ بِهِ كَمَا نَفَعَ بِأَصْلِهِ، إنَّهُ أَكْرَمُ مَسْئُولٍ وَأَعَزُّ مَأْمُولٍ.
ثُمَّ إنِّي أَرْوِي كِتَابَ الْهِدَايَةِ عَنْ شَيْخِي الْعَلَّامَةِ إمَامِ الْهُدَى مَعْدِنِ التَّقِيِّ، فَرِيدِ عَصْرِهِ وَوَحِيدِ دَهْرِهِ، قُدْوَةِ الْعُلَمَاءِ عُمْدَةِ الْفُضَلَاءِ، قِوَامِ الْحَقِّ وَالْمِلَّةِ وَالدِّينِ الْكَاكِيِّ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ وَنَوَّرَ ضَرِيحَهُ، وَهُوَ يَرْوِيهِ عَنْ شَيْخَيْهِ الْعَلَّامَتَيْنِ الْإِمَامَيْنِ الْهُمَامَيْنِ الْمُجْتَهِدَيْنِ مَوْلَانَا عَلَاءِ الدِّينِ عَبْدِ الْعَزِيزِ صَاحِبِ الْكَشْفِ وَمَوْلَانَا حُسَامِ الدِّينِ حُسَيْنٍ السِّغْنَاقِيِّ صَاحِبِ النِّهَايَةِ، بَرَّدَ اللَّهُ مَضْجَعَهُمَا وَنَوَّرَ بِفَضْلِهِ وَكَرَمِهِ مَهْجَعَهُمَا.
وَهُمَا يَرْوِيَانِهِ عَنْ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ السَّالِكِ النَّاسِكِ الْبَارِعِ الْوَرِعِ التَّقِيِّ النَّقِيِّ أُسْتَاذِ الْعُلَمَاءِ مَوْلَانَا حَافِظِ الدِّينِ الْكَبِيرِ، وَعَنْ قُطْبِ الْمُجْتَهِدِينَ وَقُدْوَةِ الْمُحَقِّقِينَ وَأُسْوَةِ الْمُتَّقِينَ مَوْلَانَا فَخْرِ الدِّينِ الْمَايَمُرْغِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ رَحْمَةً وَاسِعَةً، وَهُمَا يَرْوِيَانِهِ عَنْ أُسْتَاذِ أَئِمَّةِ الدُّنْيَا مُظْهِرِ كَلِمَةِ اللَّهِ الْعُلْيَا شَمْسِ الْأَئِمَّةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ السِّتَارِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكَرْدَرِيِّ تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ وَرِضْوَانِهِ، وَهُوَ يَرْوِيهِ عَنْ شَيْخِهِ شَيْخِ شُيُوخِ الْإِسْلَامِ حُجَّةِ اللَّهِ عَلَى الْأَنَامِ، مُرْشِدِ عُلَمَاءِ الدَّهْرِ مَا تَكَرَّرَتْ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامُ، وَالْمَخْصُوصِ بِالْعِنَايَةِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ، غَفَرَ اللَّهُ لَهُمْ وَلِوَالِدَيْهِمْ وَلَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَأَثَابَنَا الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِهِ وَخَتَمَ لَنَا بِخَيْرٍ فِي عَافِيَةٍ أَجْمَعِينَ، إنَّهُ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ ﵀ (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَعْلَى مَعَالِمَ الْعِلْمِ وَأَعْلَامَهُ) اللَّامُ فِي الْحَمْدِ لِلْجِنْسِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ
1 / 6