Cinaya Sharh Hidaya
العناية شرح الهداية
Maison d'édition
شركة مكتبة ومطبعة مصفى البابي الحلبي وأولاده بمصر وصَوّرتها دار الفكر
Numéro d'édition
الأولى
Année de publication
1389 AH
Lieu d'édition
لبنان
Genres
Fiqh hanafite
بِالتُّرَابِ وَالرَّمَلِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀: لَا يَجُوزُ إلَّا بِالتُّرَابِ الْمُنْبِتِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ﵀ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ [المائدة: ٦] أَيْ تُرَابًا مُنْبِتًا، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ﵁، غَيْرَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ زَادَ عَلَيْهِ الرَّمَلَ بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ. وَلَهُمَا أَنَّ الصَّعِيدَ اسْمٌ لِوَجْهِ الْأَرْضِ سُمِّيَ بِهِ لِصُعُودِهِ، وَالطَّيِّبُ يَحْتَمِلُ الطَّاهِرَ فَحَمَلَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَلْيَقُ بِمَوْضِعِ الطَّهَارَةِ
ــ
[العناية]
قِيلَ كُلُّ مَا يَحْتَرِقُ بِالنَّارِ فَيَصِيرُ رَمَادًا كَالشَّجَرِ، أَوْ يَنْطَبِعُ أَوْ يَلِينُ كَالْحَدِيدِ فَلَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ. وَهَاهُنَا لَطِيفَةٌ وَهِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ دُرَّةً وَنَظَرَ إلَيْهَا فَصَارَتْ مَاءً، ثُمَّ تَكَاثَفَ مِنْهُ فَصَارَ تُرَابًا، وَتَلَطَّفَ مِنْهُ فَصَارَ هَوَاءً وَتَلَطَّفَ مِنْهُ فَصَارَ نَارًا فَكَانَ الْمَاءُ أَصْلًا. ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ التَّوْرَاةِ، فَإِذَا تَعَذَّرَتْ الطَّهَارَةُ بِالْأَصْلِ انْتَقَلَ إلَى التَّبَعِ وَأُقِيمَ مَقَامَهُ، وَالنَّبَاتُ كَالشَّجَرِ وَنَحْوِهِ، وَالْمَعْدِنِيُّ كَالْحَدِيدِ وَشَبَهِهِ لَيْسَ بِتَبَعٍ لِلْمَاءِ وَحْدَهُ حَتَّى يَقُومَ مَقَامَهُ وَلَا لِلتُّرَابِ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ الْعَنَاصِرِ الْأَرْبَعَةِ فَلَيْسَ لَهُ اخْتِصَاصٌ بِشَيْءٍ مِنْهَا حَتَّى تَقُومَ مَقَامَهُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَجُوزُ إلَّا بِالتُّرَابِ وَالرَّمَلِ خَاصَّةً ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالتُّرَابِ الْخَالِصِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ [المائدة: ٦] أَيْ تُرَابًا مُنْبِتًا، هَكَذَا فَسَّرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَهَذَا يَقْتَضِي الْقَصْرَ عَلَيْهِ، غَيْرَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ زَادَ عَلَيْهِ الرَّمَلَ فِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ بِمَا رَوَيْنَا مِنْ قَوْلِهِ ﵊ «عَلَيْكُمْ بِأَرْضِكُمْ» وَلَهُمَا أَنَّ الصَّعِيدَ اسْمٌ لِوَجْهِ الْأَرْضِ كَذَا رُوِيَ عَنْ الْخَلِيلِ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ عَنْ الزَّجَّاجِ أَنَّ الصَّعِيدَ اسْمٌ لِوَجْهِ الْأَرْضِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ فِي مَعَانِي الْقُرْآنِ لَا أَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ خِلَافًا فِي أَنَّ الصَّعِيدَ وَجْهُ الْأَرْضِ. وَفِي الصِّحَاحِ عَنْ ثَعْلَبٍ أَنَّ الصَّعِيدَ وَجْهُ الْأَرْضِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ (سُمِّيَ بِهِ لِصُعُودِهِ) وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَتَقْيِيدُهُ بِالتُّرَابِ الْمُنْبِتِ تَقْيِيدٌ لِلْمُطْلَقِ بِلَا دَلِيلٍ (وَالطَّيِّبُ يَحْتَمِلُ الطَّاهِرَ) كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى حَلَالًا طَيِّبًا (فَحُمِلَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَلْيَقُ بِمَوْضِعِ الطَّهَارَةِ) أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ التُّرَابُ الْمُنْبِتُ نَجِسًا لَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ بِهِ إجْمَاعًا، فَعُلِمَ أَنَّ الْإِنْبَاتَ لَيْسَ لَهُ أَثَرٌ فِي هَذَا الْبَابِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَقَوْلُهُ:
1 / 128