فلما أظلم الليل أطلق الفرنساوية المدافع والبنب على البلد من القلاع، وولوا الضرب بالخصوص على خط الجمالية، وجاءنا الشيخ حسن العطار قائلا إن الكبراء والرؤساء عزموا على الخروج من البلد في تلك الليلة لعجزهم عن المقاومة، وعدم آلات الحرب وعزة الأقوات.
دعاه أستاذي إلى التروي وخرجنا جميعا إلى الجمالية فوجدناها غصت هي وما والاها من الأخطاط بازدحام الناس الذين يريدون الخروج من المدينة، وركب بعضهم بعضا، وازدحمت تلك النواحي بالحمير والبغال والخيول والهجن والجمال المحملة بالأثقال.
وتسامع أهل خان الخليلي من الألاضيش، وبعض مغاربة الفحامين والغورية ذلك فجاءوا للجمالية، وشنعوا على من يريد الخروج وعضدهم طائفة عساكر الينكجرية، وعمدوا إلى خيول الأمراء فحبسوها ببيت القاضي والوكائل وأغلقوا باب النصر، وبات في تلك الليلة معظم الناس على مصاطب الحوانيت، وبعض الأعيان في بيوت أصحابهم بالجمالية، وفي أزقة الحارات أيضا. أما نحن فقد عدنا إلى الدار وأقام معنا الشيخ حسن تلك الليلة.
السبت 22 مارس
ذهبت إلى المجمع رغم انعدام الأمن في الطرقات، ووجدته مغلقا وعليه حرسية شديدة. ورفضوا أن يسمحوا لي بالدخول.
ومشيت بعد الظهر حتى الموسكي أستطلع الأحوال. وذهبت إلى بيت حنا ففتحوا لي بعد مدة، وقالوا إنه اختفى ولا يعرفون له مكانا. التقيت موكبا يتقدمه ناصف باشا، وصحبته الأمراء المصرية على أقدامهم، ومعه آلاف من أهل مصر. وكانوا يجرون أمامهم ثلاثة مدافع. مشيت خلفهم إلى الأزبكية، وكانت البركة جافة فعبروها وضربوا على بيت الألفي، فرد عليهم الفرنساوية المرابطون هناك، واستمر الضرب بين الفريقين إلى آخر النهار. وتطوعت مع آخرين للمرور على حوانيت العطارين وجمع المثقلات التي يزنون بها البضائع من حديد وأحجار لاستعمالها عوضا عن الجلل للمدافع.
وصادفت جماعة قابضة على نصراني فمشيت خلفهم إلى الجمالية حيث أسلموه لعثمان كتخدا بوكالة ذي الفقار، وأخذوا عليه البقشيش. وكان هناك البعض الذين قتلوا فرنساويا وأحضروا رأسه لأجل البقشيش.
الأحد 23 مارس
علمنا أن محمد بك الألفي قد حضر وتمترس بناحية السويقة عند درب عبد الحق قرب العتبة، وصحبته طوائفه ومماليكه وأشخاص من العثمانية.
أما مراد بك فإنه بمجرد ما عاين هجوم الفرنسيس على الباشا والأمراء بالمطرية، ركب من ساعته هو ومن معهم ومروا من سفح الجبل وذهب إلى ناحية دير الطين وراء كنائس مصر القديمة، ينتظر ما يحصل من الأمور. وقال أستاذي وهو يشتكي من آلام الأسنان إن مراد مستمر على صلحه مع الفرنساوية.
Page inconnue