Science moderne de la physiognomonie
علم الفراسة الحديث
Genres
تاريخ علم الفراسة
موضوع هذا الكتاب
مقدمات تمهيدية
فراسة الأعضاء بالتفصيل
فراسة الأمم
فراسة الرأس
فراسة المهن والصناعات
فراسة الحيوان
فراسة المقابلة
تاريخ علم الفراسة
Page inconnue
موضوع هذا الكتاب
مقدمات تمهيدية
فراسة الأعضاء بالتفصيل
فراسة الأمم
فراسة الرأس
فراسة المهن والصناعات
فراسة الحيوان
فراسة المقابلة
علم الفراسة الحديث
علم الفراسة الحديث
Page inconnue
تأليف
جرجي زيدان
تاريخ علم الفراسة
الفراسة عند العرب «علم من العلوم الطبيعية تعرف به أخلاق الناس الباطنة من النظر إلى أحوالهم الظاهرة، كالألوان والأشكال والأعضاء، أو هي الاستدلال بالخلق الظاهر على الخلق الباطن»، وأما الإفرنج فيسمونه بلسانهم
physiognomy
وهو اسم يوناني الأصل مركب من لفظين معناهما معا «قياس الطبيعة أو قاعدتها» والمراد به هنا الاستدلال على قوى الإنسان وأخلاقه من النظر إلى ظواهر جسمه.
والفراسة قديمة؛ يقال إن هوميروس الشاعر اليوناني كتب شيئا منها في علم الكف نحو القرن العاشر قبل الميلاد، وأنكر بعضهم ذلك، ولكنهم لا ينكرون أنه كان على بينة من هذا الفن؛ يستدلون من وصفه ترسيتس، وإليك قوله في ذلك نقلا عما نظمه البستاني من الإلياذة:
سفه له قذف الشتائم ديدن
وخصومة الحكام أقبح خطة
وقح تجاوز كل حد وهو إن
Page inconnue
يستضحك القوم استطال ببهجة
لم يرع قط مقامه وغدا بهم
خلقا وخلقا شر أهل الحملة
هو أكبس وأمك أفدع أعرج
وشعوره كادت تعد بشعرة
كتفاه قوستا لخامل صدره
وبصدره لم يحو غير ضغينة
يريدون أنه استدل على أخلاق ترسيتس الباطنة من أوصافه الظاهرة.
ولكن أبقراط أبا الطب أشار إلى شيء من هذا العلم سنة 450 قبل الميلاد مختصرا، وهو يعتقد بتأثير العوارض الخارجية على الأخلاق وظهور أثر ذلك في الملامح، وغالينوس أقلوديوس الحكيم اليوناني من أهل القرن الثاني للميلاد كتب فصولا مطولة في علم الفراسة.
ولاحظ آخرون أن المصريين القدماء كانوا على شيء من علم الفراسة؛ بدليل ما قرءوه في بعض قراطيس البردي المكتوبة في عصر العائلة الثانية عشرة في «نحو القرن العشرين قبل الميلاد».
Page inconnue
وذكر يوسيفوس المؤرخ الإسرائيلي في كلامه عن قيصر أنه استطلع نفاق ألكسندر من النظر إلى خشونة كفيه.
على أن الفراسة لم تدون وتعتبر علما مستقلا قبل ما كتبه أرسطو الفيلسوف اليوناني الشهير في القرن الرابع قبل الميلاد؛ فقد خصص لهذا العلم ستة فصول، فذكر في الإنسان علامات تدل على قوته أو ضعفه، على ذكائه أو غباوته، على حذقه أو بلادته، واستدل على ذلك أيضا من الملامح والألوان وأشكال الشعر والأعضاء والقامة والصوت، ومن مقابلة أوجه الناس بأوجه الحيوانات، فمن كان في وجهه ملامح أحد الحيوانات حكم بقرب أخلاقه من أخلاق ذلك الحيوان. وعنده لكل حيوان أخلاق خاصة كما سنبينه في بعض فصول هذا الكتاب.
وانتشرت فراسة أرسطو هذه في الأجيال المظلمة وعول الناس عليها وترجموها إلى أكثر اللغات، وألف غيره على مثالها مما يضيق هذا المقام عن استيفائه.
أما العرب فقد كانوا في الجاهلية يعتقدون أشياء تعد من قبيل الفراسة؛ كالقيافة والريافة والعيافة.
وكانت القيافة عندهم صناعة يستدل بها على معرفة أحوال الإنسان يسمونها قيافة البشر؛ لأن صاحبها ينظر إلى بشرات الناس وجلودهم وما يتبع ذلك من هيئات الأعضاء وخصوصا الأقدام، ويستدل بتلك الأحوال على الأنساب، والريافة عبارة عن تعريف الرائف للماء المستجن في الأرض أقريب هو أم بعيد بشم رائحة ترابها ورؤية نباتها وحيوانها ومراقبة حركاته، والعيافة تتبع آثار الأقدام والأخفاف والحوافر في الطرق التي تتشكل بشكل القدم التي تقع عليها، ومن ذلك علم «الاختلاج»، وهو الاستدلال على ما سيقع للإنسان من النظر إلى اختلاج أعضائه من الرأس إلى القدم.
أما في الإسلام فقد نقلوا علم الفراسة في جملة ما نقلوه عن اليونان والرومان من علوم الطب وغيرها، فألف فيه بعضهم كتبا مستقلة، وذكره آخرون في جملة ما كتبوه في علوم الطب، كالرازي الطبيب فإنه لخص كتاب أرسطو وزاد فيه، وابن سينا أشار إلى كثير منه في كتبه، وكذلك ابن رشد والشافعي وابن العربي وغيرهم.
وكانت كتب هؤلاء وأمثالهم من علماء الإسلام عمدة الإفرنج في أجيالهم المظلمة، وعنهم أخذ غيرهم من كتاب العربية في ذلك الزمن، ولم يصل إلينا منها إلا القليل.
ومن أشهر ما وصل إلينا من كتب العرب في علم الفراسة كتاب «السياسة في علم الفراسة» لأبي عبد الله شمس الدين محمد بن أبي طالب الأنصاري المتوفى سنة 737 للهجرة، وفيه أحكام علم الفراسة منسوبة إلى أصحابها بأحرف يرمز كل حرف إلى اسم القائل، وقد طبع هذا الكتاب بمصر سنة 1882.
وعثرنا في المكتبة الخديوية بالقاهرة على منظومة خطية في علم الفراسة «لمحمد غرس الدين ابن غرس الدين بن محمد بن خليل خطيب الحرم النبوي»، وعلى كتاب خطي اسمه «البهجة الأنسية في الفراسة الإنسانية» للعارف بالله زين العابدين محمد العمري المرصفي، وعلى «مختصر في علم الفراسة»، وعلى رسالة «في الفراسة والرمل»، وأخرى في «علم الفراسة لأجل السياسة»، ذلك كل ما ظفرنا عليه من الكتب العربية في هذا الموضوع، وكلها مختصرات لا تشفي غليلا.
وقد اطلعنا على شذرات في بعض كتب الأدب كالمستطرف للأبشيهي، وسعود المطالع للإبياري، والعقد الفريد لابن عبد ربه، والكشكول، وفي حياة الحيوان، وكشف الظنون، وغيرها.
Page inconnue
وانتشر علم الفراسة في الأجيال المظلمة، ولم يكتف أصحابه بالاستدلال من الملامح على الأخلاق والقوى، ولكنهم صاروا يتنبئون بالغيب، وتوسعوا بذلك حتى صاروا يستدلون من خطوط الكف وخطوط الجبين وبأشكال الأعضاء على مستقبل الإنسان من سعد أو نحس، وخلطوا بينها وبين النجامة والسحر، فأصبحت الفراسة من العلوم الخرافية، وزادت الناس أوهاما على أوهامهم، والمرء إن لم يزجره العلم أو الدين فإنه صائر إلى الأوهام من تلقاء نفسه، وعظم البلاء في أوروبا حتى أصدر جورج الثاني ملك إنكلترا أمرا بجلد كل من يدعي هذا العلم أو يتعاطاه، وفعل مثل ذلك غيره من ولاة الأمور ورجال الدين، فقلت ثقة الناس بعلم الفراسة وكاد يتلاشى أمره.
ثم عاد فلبس ثوبا جديدا على أثر ظهور فجر التمدن الحديث المؤسس على العلم الصحيح؛ إذ أخذ الناس في تمحيص الحقائق، فنظروا في علم الفراسة بعين العلم الطبيعي المبني على المشاهدة والاختبار، فألف ببتيستابورتا أحد الإيطاليان في أواخر القرن السادس عشر رسالة في الفراسة الإنسانية بين فيها حقيقة هذا العلم وفرق بينه وبين ما أدخلوه فيه من الخرافات والأوهام، وهو أول من نبه الأذهان إلى ذلك، وكتب غيره وبعده ولكنهم لم يفوا الموضوع حقه.
وفي 1778 ظهر كتاب العالم الألماني والباحث الشهير جون كسبار لافاتر، وقد بحث في هذا العلم بحثا طبيعيا مبنيا على الفيسيولوجيا والتشريح ونواميس الأخلاق، وزينه بالرسوم العديدة. ولم يكد يظهر في عالم المطبوعات حتى نقل إلى كل لغات أوروبا، وبين يدينا نسخة من ترجمته الإنكليزية في طبعة حديثة متقنة، تزيد صفحاتها على خمسمائة صفحة ورسومها على أربعمائة رسم. ولكن الكتاب لا يخلو من المغالط والأوهام، ولا غرو؛ لأن لافاتر ذكر في كتابه خلاصة ملاحظاته ومطالعاته الخصوصية على طريقة البحث الجديد، وكل جديد يحتاج إلى تنقيح، على أن كتابه هذا أول كتاب استوفى هذا البحث، وأما ما تطرق إلى أحكامه من الأوهام فقد استدركها من جاء بعده من الباحثين، وأكثرهم نسج على منواله، وفيهم الألمان والإنكليز والفرنساويون.
وأوسع ما وقع إلينا من هذه المؤلفات كتاب بالإنكليزية تأليف صموئيل ولس، صاحب جريدة الفرينولوجيا، نشر في نيويورك سنة 1866 في نحو ثمانمائة صفحة، وفيه ألف رسم.
فعلى ما تقدم ذكره من الكتب العربية والإفرنجية جل معتمدنا في كتابة هذا الكتاب، ناهيك بما وقفنا عليه من آراء أهل العلم غير هؤلاء، وما رجعنا إليه من كتب المراجعة كالموسوعات والقواميس والفهارس، وما اختبرناه بنفسنا أو استدللنا عليه بمطالعاتنا، وعلى الله الاتكال.
موضوع هذا الكتاب
أولا:
صدرنا الكتاب بمقدمات تمهيدية في «هل الفراسة علم صحيح؟» و«هل هي تصدق دائما؟» و«أن الفراسة قريحة خاصة.»
ثم ذكرنا تعليل الفراسة، وأتينا على خلاصة تشريحية وافية، ثم بينا ناموس التشابه وناموس التناسب، واستطرقنا من ذلك إلى باب فراسة الأمزجة، ففصلنا الأمزجة ودلائلها وأنواعها على رأي القدماء وعلى رأي المحدثين، ثم تكلمنا عن زاوية الوجه وشكله ونسبة ذلك إلى الأخلاق.
ثانيا:
Page inconnue
عمدنا إلى فراسة الأعضاء بالتفصيل، فبدأنا بفراسة الذقن ثم فراسة الفم فالأنف فالعين فالحاجب فالخد فالجبهة فالعنق فالأذن فالشعر، وفصلنا فراسة كل من هذه الأعضاء تفصيلا حسنا، وذيلنا كلامنا عن كل منها بما جاء فيه من أقوال العرب. ثم تكلمنا عن فراسة الأيدي، ففراسة الأقدام، فعلم الكف، ثم فراسة الخطوط ودلالتها على الأخلاق، ثم فراسة المشي والإشارات وفراسة الأزياء، وكل ذلك بعبارة واضحة مزينة بالرسوم والأشكال.
ثالثا:
لما فرغنا من فراسة أعضاء الإنسان ودلالة كل منها على أخلاق صاحبه جئنا إلى البحث في فراسة الأمم، فذكرنا أصناف الناس ومميزات كل صنف منهم، وتطرقنا إلى البحث في الأمم على اختلاف أماكنها وممالكها وفراسة كل أمة على حدة، وبينا ما اختصت به كل منها من الأخلاق والأطوار.
رابعا:
أتينا على خلاصة علم من أهم علوم الفراسة، نعني به علم الفرينولوجيا (فراسة الرأس)، وهو يدل على أخلاق الناس وقواهم من النظر إلى أشكال رءوسهم وما فيها من الارتفاع أو الانخفاض أو السعة والضيق.
خامسا:
ذكرنا مقالة إضافية في فراسة المهن والصناعات كالقواد ورجال السياسة والمصورين والشعراء والموسيقيين والممثلين ورجال الدين والمخترعين والمكتشفين والفلاسفة والمصارعين والجراحين والخطباء، ونشرنا رسوم مشاهير كل مهنة في صورة واحدة للمقابلة وبيان ما يشتركون فيه من الظواهر وما تدل عليه تلك الظواهر من الأخلاق.
سادسا:
لما فرغنا من فراسة البشر على اختلاف فروعها جئنا إلى فراسة الحيوانات، واستطرقنا منها إلى فراسة المقابلة بين الإنسان وأنواع الحيوان، وهي الاستدلال على أخلاق البشر بأخلاق ما يشبههم من ضروب الحيوان.
سابعا:
Page inconnue
أوضحنا كل ما تقدم من الأبواب والفصول برسوم يزيد عددها على مائتين وسبعين رسما، وفيها رسوم نخبة مشاهير الناس على اختلاف الأزمنة والأماكن.
فجاء كتابا فريدا في بابه، فعسى أن يلاقي استحسان حضرات القراء، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
مقدمات تمهيدية
هل الفراسة علم صحيح
للعلماء في علم الفراسة أقوال متناقضة، فمن قائل بصحته إلى أدق جزئياته، وقائل بفساده من أساسه، وبينهما أقوال متفاوتة لا محل لتفصيلها، وعندنا أن الفراسة علم صحيح إلى حد محدود، إذ لا يختلف اثنان في إمكان الاستدلال على أخلاق الناس من النظر إلى ظواهرهم، من منا لا يتفق له أن يرى رجلا فيتوسم فيه الذكاء والفهم وسلامة النية ويرى رجلا آخر فيحكم عليه بالحمق والرياء أو خبث النية، وكم نرى من رجال لا نتمالك إذا نظرنا إلى هاماتهم وتكوين جماجمهم عن أن نحكم بشجاعتهم أو جبنهم بذكائهم أو عيهم، وفي التاريخ أدلة لا تحصى تؤيد ما نقوله بأجلى بيان فضلا عما جاء على ألسنة الأنبياء والحكماء.
ففي أمثال سليمان: «ذو الإثم هو رجل بليعال، فإنه يسعى بخيانة الفم يغمز بعينيه ويتكلم برجليه ويعلم بأصابعه»، و«من أغمض عينيه فلكي يفكر في الخدائع، ومن عض على شفتيه فقد أتم الشر» و«في وجه الفطن تضيء الحكمة، وعينا الجاهل في أقاسي الأرض.»
وقال يشوع بن سيراخ في كتابه (ص13 ع31 و32): «قلب الإنسان يغير وجهه إما إلى الخير وإما إلى الشر، طلاقة الوجه من طيب القلب، والبحث عن الأمثال يجهد الأفكار» و(ص19 ع26 و27) «من منظره يعرف الرجل، ومن استقبال وجهه يعرف العاقل، لبسة الرجل وضحكة الأسنان ومشية الإنسان تخبر بما هو عليه.»
وفي القرآن:
إن في ذلك لآيات للمتوسمين
و
Page inconnue
تعرفهم بسيماهم
وفي الحديث: «اتقوا فراسة المؤمن»، و«اطلبوا الخير عند حسان الوجوه»، وقال الإمام علي: «ما أضمر أحد شيئا إلا ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه.» ومن الحكم المأثورة: «عين المرء عنوان قلبه.»
ولعلماء الأخلاق أقوال عديدة تؤيد ما تقدم لا حاجة بنا إلى إيرادها، وإنما نعمد إلى الأدلة الحسية والشواهد العيانية، ألم يكن محمد علي باشا الكبير لحسن فراسته يستطلع أخلاق المذنب ويحكم عليه لمجرد ما يظهر له من ملامحه؟ وقد كان يفعل مثل ذلك أيضا علي بك الكبير أمير المماليك في القرن الثامن عشر، وكثيرا ما نسمع بأمثال هذه الفراسة عن الأمير بشير الشهابي الشهير وعن إبراهيم باشا المصري وغيرهما من رجال الذكاء والاقتدار ممن عاصرناهم أو سمعنا عنهم، ناهيك بما في التاريخ من أمثلة هذه الحوادث مما يضيق المقام عن استيفائه، ومرجعه إلى أن بواطن الإنسان تتجلى في ظواهره وخصوصا في وجهه.
إذا جاءك شاب يلتمس منك مصلحة فلا بد من أن يؤثر منظره فيك تأثيرا تبني عليه حكمك في أخلاقه، فقد يتبادر إلى ذهنك أنه نشيط مقدام أو كسول خامل أو خفيف الروح أو ثقيلها أو ذكي الفؤاد أو أحمق أو غير ذلك، ولو سئلت عما حملك على ذلك الحكم ما استطعت تفصيل السبب، وقد تقول إنك استطلعت ذلك من شكل عينيه أو حجم رأسه أو ما شاكل، ولكن ذلك التأثير لم يحدث عبثا، ولا بد من روابط بين الظواهر والبواطن، وهذا هو أساس البحث في علم الفراسة، فإن أصحاب هذا الفن نظروا في تلك العلاقات ورتبوها في أبواب، وأيدوها بالحقائق الطبيعية أو العقلية إلى ما بلغ إليه جهدهم، فوجدوا لشكل الذقن مثلا علاقة بالمحبة والبغض والثبات والتقلب، ورأوا لألوان العين وأشكالها علاقة بالذكاء والبله. ووجدوا نحو تلك العلاقة في أشكال الجبين وأقداره، فرتبوا ذلك بشكل علم له قواعد وروابط.
ولكن بعضهم تطرفوا في تلك الدلالات حتى نسبوا إلى كل نكتة في البدن خلقا أو قوة. فقالوا مثلا: «من كان على جانبي عنقه شامة كان تقيا وفيا»، و«من كان بإحدى أصابع يده شامة كان رديء الحظ ممقوتا سيئ الأخلاق»، وقس على ذلك دلالات خطوط الكف ونحوها.
ومن الأدلة على صحة علم الفراسة اختلاف الناس في أخلاقهم وقواهم باختلاف طبائعهم وأمزجتهم، فإن أهل كل مزاج يشتركون بظواهر متشابهة وبواطن متشابهة كما سنبينه في حينه. وكذلك اختلاف طبائع الناس باختلاف أصنافهم، فللقوقاسي سحنة يشترك فيها كل القوقاسيين، وهم يشتركون أيضا في أخلاقهم وعقولهم وسائر أحوالهم، والزنوج يتشابهون في أشكال وجوههم ورءوسهم وأبدانهم، ويتشابهون أيضا بأخلاقهم وعقولهم، ويقال مثل ذلك في الصنف الأحمر والأصفر.
ومن هذا القبيل أيضا فراسة الأمم واشتراك كل أمة بأخلاق ظاهرة تدل على أخلاقها الباطنة، فإن للمصري مثلا سحنة خصوصية وأخلاقا خصوصية، وكذلك الهندي والصيني، ولرأس الألماني شكل خاص وله مزايا خاصة يمتاز بها عن الفرنساوي كما تمتاز سحنته عن سحنته، وقد كان للرومان سحنة غير سحنة اليونان، وكان لهم أخلاق غير أخلاقهم ومواهب غير مواهبهم .
وزد على ذلك أنك لو أمعنت النظر لرأيت لأهل المهن العقلية صفات خاصة بكل مهنة تشترك بين أفرادها ظاهرا وباطنا وتمتاز عما لأهل المهن الأخرى؛ فللمصورين سحن متشابهة، وهم متشابهون في الأخلاق، ويصدق ذلك أيضا على القواد ورجال الدين والموسيقيين والشعراء وغيرهم، وسنأتي على تفصيل ذلك فيما بعد، وبالجملة فالفراسة علم طبيعي مبني على قواعد ثابتة إلى حد محدود كما سنبينه في مواضعه.
هل تصدق الفراسة دائما
وحجة القائلين بفساد علم الفراسة أن أحكامه لا تصدق دائما، فمن أحكامه مثلا أن سعة الجبهة وبروزها وعلوها تدل على الذكاء والتعقل، ولكنك ترى كثيرين من أصحاب هذه الجباه ضعفاء العقول، وقس عليه حكمهم في عكس ذلك، والسبب في حدوث هذا الخطأ أننا نحكم على أخلاق الرجل بالنظر إلى دليل واحد ولا نعتبر الأدلة الأخرى، وقد يكون في ظواهر أعضائه الأخرى ما يناقض دليل جبهته ويدل على ضعفه أو بالعكس.
Page inconnue
وقد يكون السبب عارضا على ذلك الرجل طرأ عليه في أثناء حياته من سوء تصرفه أو فساد تربيته، أو أن يكون ذلك الفساد قد تطرق إليه من أجداده، ولإيضاح ذلك نفرض رجلا باسلا مقداما، وأدلة الشجاعة ظاهرة في عرض أكتافه وطول قامته وتكوين جمجمته، فولد أولادا أبدانهم مثل بدنه وفيهم كل ما فيه من ظواهر الشجاعة والقوة، ولكن بعضهم انغمس في الترف وانقطع للقصف واللهو والإفراط والإسراف حتى استنزف قواه وأنهك جسمه وأمات عواطفه، وأما ما ورثه من ظواهر الشجاعة فلا يزال ظاهرا فيه، ثم أورث ذلك الضعف لأولاده فشبوا وظواهرهم لا تدل على بواطنهم، فأخطأت الفراسة فيهم، وكثيرا ما يقع ذلك في العشائر القديمة المتسلسلة من أجداد تفردوا بمواهب رفعتهم إلى منازل الأمراء أو الملوك ثم انغمس أعقابهم في الملذات والقصف ونحوهما من أسباب الرخاء، فضعفت قواهم وظلت ملامح القوة ظاهرة في تكوين جماجمهم وأكتافهم وغيرها من الأعضاء الصلبة التي قلما يؤثر التغيير في شكلها، على أن دلائل ذلك الانحطاط قد تظهر في عيونهم أو ملامحهم، وقد يظهر تغيير العينين في الشخص الواحد حالما تتبدل طرق معائشه، فالشاب قد يشب ذكيا ودلائل الذكاء ظاهرة في عينيه، فإذا فسدت تربيته وانغمس في المسكرات حتى صار سكيرا رأيت سحنته تغيرت وظهر ذلك خصوصا في العينين؛ لأن أنسجتهما لدنة نحيفة، وفي الشكل
1
صور بعض السكيرين، فإنك تراهم يتشابهون في أشكال عيونهم، ولو أتيح لنا أن نرى صورهم قبل ابتلائهم بالسكر لرأينا بين الحالين بونا شاسعا.
شكل 1: وجوه السكيرين.
ويقال مثل ذلك في من يصاب بالجنون؛ فإن سحنته تتغير تغيرا كليا، حتى إذا كنت تعرفه في حال تعقله ورأيته في حال جنونه فتكاد لا تعرفه، وكثيرا ما نشاهد ذلك في من يصابون بحمى الدماغ ويعتريهم جنون وقتي؛ فإن سحنتهم تتبدل، فإذا فارقتهم الحمى عادوا إلى ما كانوا عليه، أليس ذلك كله لعلاقة ثابتة بين حال الدماغ وظواهر السحنة؟!
وبناء على ما قدمناه فالفراسة علم طبيعي صحيح، وإذا أخطأت أحكامه في بعض الأحوال فلعوارض طارئة كما تقدم، أو لقصر الأبحاث فيه حتى الآن مما يرجى ملافاته بالبحث الطويل على مرور الأيام بما يكتشفونه من العلاقات والأسباب.
وفي كل حال فإن الحكم الصحيح في هذا الفن لا يتأتى إلا للذين يحسنون دراسته وتفهمه ويعتبرون ما قدمناه وإلا كان حكمهم عرضة للخطأ، ولذلك قال الطرسوسي: «إن علم الفراسة حرام على الأغبياء.»
الفراسة قريحة خاصة
وعندنا مع ذلك أن الفراسة ملكة لا ينبغ فيها إلا أناس فيهم استعداد خاص لها، فهي كالشعر ونحوه من الفنون الجميلة، فقد ينظم غير الشاعر ولكنه لا يكون شاعرا، وكذلك التصوير فإنه لا يبرع فيه إلا الذين فطروا عليه منذ ولادتهم، وهكذا يقال في الموسيقى، وهي أقرب تلك الفنون إلى علم الفراسة، فإن الموسيقي الحقيقي يدرك من طبقات الأنغام ما لا يدركه غيره، فقد تسمع لحنا فتطرب له ولا تدرك فيه نقصا ولو مهما أجهدت نفسك في انتقاده، وأما الموسيقي فإنه يكشف الخطأ بمجرد سماع النغم، وكذلك المتفرس إذا لم يكن مفطورا على الفراسة مستعدا لقبولها فكثيرا ما تكون أحكامه فاسدة، وقد تفوته أمور كثيرة لا يفطن لها.
ويدل على أن الفراسة ملكة طبيعية يمتاز بها أناس دون آخرين أنك تراها في بعض الناس خلقية بلا علم ولا درس، وترى جماعة يفنون العمر في درسها ولا يتقنونها؛ فقد كان محمد علي باشا وعلي بك الكبير والأمير بشير كما تقدم أصحاب فراسة بلا علم، فلو تعلموا هذا الفن لكانوا من النابغين فيه، وهو في كل حال يحتاج إلى الذكاء وحدة الذهن وسرعة الخاطر. وذكروا أن الحسن ابن السقاء من موالي بني سليم كان ينظر إلى السفينة فيحزر ما فيها فلا يخطئ، وكان حزره للمكيول والموزون والمعدود سواء حتى يقول: إن في هذه الرمانة كذا وكذا حبة، وزنتها كذا وكذا، ويأخذ العود الآس فيقول: فيه كذا وكذا ورقة، فاختصاص هذا الرجل وأمثاله بذلك يدل على أن الفراسة ملكة غريزية.
Page inconnue
وقد يتبادر إلى الذهن أن الفراسة تتبع الذكاء أو هي نتيجته، والواقع أنها لا تستغني عن الذكاء ولكنها غيره كما يظهر للمتأمل، وإنما هي تحتاج إلى دقة الملاحظة وسرعة الخاطر.
ومما هو حري بالاعتبار أن النساء أقدر من الرجال على هذا الفن؛ لأن للمرأة مقدرة خصوصية على استطلاع أخلاق الناس، وهي تستطيع ذلك بالبداهة بلا برهان ولا تعليل، فإذا رأت رجلا لا تلبث أن تتفرس فيه حتى تحكم في أخلاقه حكما قاطعا كأنها تقرأه في كتاب منزل، ولكنك إذا كلفتها البرهان على قولها لم تجد لها إليه سبيلا، وهي مزية يعترف لها بها علماء العقليات والأخلاق، وهم يميزون بينها وبين الرجل بأنها تحكم بعواطفها وهو يحكم بعقله.
فروع علم الفراسة
قلنا: إن موضوع الفراسة الاستدلال على الخلق الباطن من النظر إلى الخلق الظاهر، ولا يراد بذلك مجرد النظر في ملامح الوجه أو شكل القامة، ولكنهم استدلوا على الأخلاق بالنظر إلى أعمال الجسم، كالمشي والكتابة ونحوهما، ناهيك بما استدلوا به من خطوط الكف وأشكال الجمجمة وغير ذلك، فالفراسة علم واسع، ومن فروعه فراسة الرأس وفراسة الوجه وفراسة الكف وفراسة المشي وفراسة الخط وفراسة المقابلة، وهي الحكم على أخلاق الناس بالنظر إلى ما يشابه وجوههم من وجوه الحيوانات و...
تعليل الفراسة
معلوم أن لكل عاطفة من عواطف الإنسان تأثيرا خاصا في ملامح وجهه، فإذا غضب أحدنا أو حزن أو فرح أو اهتم ظهر أثر كل من هذه العواطف على وجهه، وعندنا علامة للغضب وأخرى للفرح وأخرى للاهتمام، ومعنى هذا التأثير طبيا تغيير يحدث في عضلات الوجه تحت الجلد فتنكمش أو تنقبض أو تنبسط تبعا للتأثير الذي أصابها فتتغير ملامح الوجه، ومن النواميس الطبيعية أن الأجسام الحية تنمو وتكبر بالاستعمال وتضعف وتندثر بالإهمال، ويعللون ذلك النمو بتوارد الدم إلى العضو في أثناء استعماله، وكلما زاد عمله زاد توارد الدم إليه فيزداد نموه، وذلك هو شأن عضلات الوجه أيضا، فإن ما يتكرر استعماله منها يزداد نموه. فلو تعود أحدنا الغضب كل يوم فإن العضلة التي تنقبض للغضب يزداد نموها، وقد يدوم انقباضها حتى تظهر هيئة الغضب على الوجه في غير حال الغضب، وقس على ذلك ما يصيب عضلات العواطف الأخرى.
وإذا أبصرت رجلا طويل القامة عريض المنكبين قلت إنه شجاع، وإذا رأيت آخر عريض المنكبين واسع الصدر حكمت بتأنيه وحزمه وعلو همته، وبعكس ذلك ضيق الصدر فإنه عجول قلق ضعيف العزيمة، ويعللون بذلك أن واسع الصدر يكون كبير الرئتين فيستنشق من الهواء في مرة ما يغنيه عن سرعة التنفس فيكون رزينا صبورا.
وتنطبق هذه الحقيقة على الحيوان أيضا؛ فإن الضعيف من الحيوانات قصير الخطو سريعه، والقوي طويله، فذوات الصدر الضيق تسرع في الركض وواسعة الصدر تتأنى فيه، فالأرنب كثيرة الخوف نحيفة البنية سريعة الحركة وصدرها ضيق، وأما الأسد والفيل فإنهما كبيرا الصدر وكلاهما صبور حازم شجاع، وتعليل ذلك أن التنفس مصدر الحرارة وبانقطاعه تنقطع الحياة، وإليه مرجع القوة والهمة والنشاط، فكلما يساعد على ادخاره يزيد في أسباب الهمة والنشاط. وفيما تقدم مثال لعلاقة الخلق الباطن بالخلق الظاهر وتعليله بالنواميس الطبيعية.
خلاصة تشريحية
ولما كانت الفراسة تبحث في أشكال الأعضاء رأينا أن نبين نسبة تلك الأعضاء بعضها إلى البعض.
Page inconnue
إذا نظرت إلى الجسم الإنساني رأيته مؤلفا من أجزاء صلبة وهي العظام، وأجزاء لدنة وهي اللحم، وأجزاء سائلة وهي الدم والمفرزات الأخرى، وإذا تأملنا في وظائف تلك الأعضاء رأينا لها تقسيما آخر، فهي بهذا الاعتبار تقسم إلى ثلاثة أجهزة: (1) جهاز الحركة، (2) جهاز التغذية، (3) الجهاز العصبي.
فجهاز الحركة يتألف من العظام والعضلات، والعظام إذا تجردت من العضل كانت هيكلا مؤلفا من ثلاثة أجزاء: الجذع والرأس والأطراف، انظر الشكل
2 .
شكل 2: الهيكل العظمي.
تنبيه:
إن الأحرف الإفرنجية في أوائل هذه السطور إشارة إلى أمثالها في الرسم المقابل، وكل حرف يدل على عضو يتصل إليه بخط منقط.
فالجذع هو الجزء المتوسط، وبه تتصل سائر الأجزاء، وهو عبارة عن العمود الفقري والأضلاع
والحوض فيتألف منه التجويف البطني وتستقر فيه المعدة والأمعاء وسائر الأحشاء البطنية.
شكل 3: الأحشاء الصدرية والبطنية.
وفي شكل
Page inconnue
3
صورة الجذع مفتوحا من الأمام لتظهر فيه الأحشاء.
وعماد الجذع أو هو عماد الجسم كله «العمود الفقري» وهو مؤلف من فقرات متراصة بعضها فوق بعض ويستقر عليه الرأس في أعلى العنق، وتنشأ منه في أسفل العنق الأضلاع وبها تتصل الكتفان وبهما يتعلق الطرفان العلويان، ويتعلق بالجذع من الأسفل الطرفان السفليان.
والفقرات حلقات تستطرق ثقوبها بعضها إلى بعض فيتألف من مجموعها قناة يستقر بها النخاع الشوكي (الدودة الظهرية) والنخاع المذكور حبل عصبي ينتهي إلى قاعدة الجمجمة من ثقب في أسفل الرأس وهناك يتصل بالدماغ.
شكل 4: الرأس.
والرأس يستقر على العمود الفقري وهو جزآن: الجمجمة والوجه، فالجمجمة تجويف عظمي يحتوي الدماغ، وهو آلة العقل، وعليه أهم أعمال الحياة، والوجه في مقدم الرأس وأسفله، وهو مؤلف من عدة عظام، يتألف من مجموعها تجاويف تستقر فيها أهم الحواس، ففي أسفل الجبهة تجويفا العينين، بينهما تجويف الأنف، ثم الفم، والفم يتألف من الفكين العلويين والفك السفلي. وأهم عظام الرأس: (a)
العظم الجبهي. (b)
والجداريان. (g)
والعظم المؤخري. (c)
والصدغيان. (d)
Page inconnue
والفك السفلي. (e)
والفكان العلويان. (f)
والوجنيان، وللفك السفلي أهمية كبرى في علم الفراسة، فانتبه له.
وأما الأطراف فأربعة: اثنان علويان واثنان سفليان لا حاجة بنا إلى تفصيلهما.
وأما العضلات فهي الهبر الذي يكسو العظام، وبانقباضه وانبساطه تتحرك الأعضاء على كيفيات شتى يظهر مثالها في صورة الزند وعضلاته في شكل
5 .
شكل 5: الزند وعضلاته.
وإنما يهمنا من العضلات في علم الفراسة عضلات الوجه؛ لأن على انقباضها وانبساطها تتوقف ملامح الوجه وتقاطيعه، ولكل منها وظيفة خاصة، فبضعها لتقطيب الجبهة، والبعض الآخر لرفع الحاجبين، أو فتح العينين أو إطباقهما، أو تحريك الشفتين، أو غير ذلك، وتعرف وظيفة كل منها باسمها، كما ترى في شكل
6
وهي صورة الوجه وقد نزع الجلد عنه لتظهر العضلات. (1) فالعضلة المؤخرية الجبهية: عضلة رقيقة تنشأ من مؤخر الجمجمة وتسير إلى الأمام على مقدم الجبهة حتى تختلط بالحاجبين، فإذا انقبضت أليافها شدت الحاجبين إلى الأعلى، (2) والعضلة المجعدة للحاجب: تختلط بالسابقة، ووظيفتها تقطيب الحاجبين عند العبوسة، ولها طرف يندغم بأعلى الأنف فيساعد على جذب الحاجبين إلى الوسط والأسفل، (3) والعضلة المستديرة الجفنية: تختص بحركة الجفنين من قبض أو بسط أو فتح أو إطباق، (4) والعضلة الرافعة للشفة العليا ولجناح الأنف: اسمها يدل على وظيفتها، (5) والضاغطة للأنف: تنشأ من الفك العلوي عند أسناخ الأسنان العليا وتندغم في الغضروف الأنفي، وبانقباضها تجذب جناح الأنف إلى الأسفل فينضغط.
Page inconnue
شكل 6: عضلات الوجه: (1) العضلة المؤخرية الجبهية. (2) المجعدة للحاجب. (3) المستديرة الجفنية. (4) الرافعة للشفة العليا ولجناح الأنف. (5) الضاغطة للأنف. (6) الرافعة للشفة العليا. (7) الرافعة الخاصة للشفة. (8) الرافعة لزاوية الفم. (9) المحيطة الشفوية. (10) و(11) الخافضتان لجناح الأنف. (12) الخافضة لزاوية الفم. (13) الخافضة للشفة السفلى. (14) الرافعة للذقن. (15) المضحكة.
ويلي ذلك العضلات المحركة للفم، وهي ذات أهمية كبرى في علم الفراسة، لأن ملامح الفم من أكثر ملامح الوجه تعبيرا عن الأخلاق؛ ولذلك فقد جعلنا لها رسما خاصا شكل
7 .
وأهم عضلات الفم: (1) العضلة المحيطة الشفوية: في شكل
7
وهي تحيط بالفم، وعليها يتوقف قوام الشفتين، ووظيفتها إطباق الفم، وهي لا تتصل بشيء من عظام الوجه ولكن العضلات الأخرى التي تحرك الفم تنشأ من بعض عظام الوجه، وتندغم فيها مثل (3) العضلة الرافعة للشفة العليا: فإنها تنشأ من العظم الوجني وتندغم في الشفة العليا؛ أي بالقسم العلوي من المحيطة الشفوية ومثلها (4) الرافعة لزاوية الفم، ثم (6) العضلة الوجنية: وهي تنشأ من العظم الوجني وتندغم في زاوية الفم، ثم (7) العضلة المبوقة: وهي عضلة منبسطة تبطن الخد وتنشأ من أسناخ الأسنان الخلفية لكلا الفكين، وتندغم في زاوية الفم، وبانقباضها تجذب تلك الزاوية إلى الوراء، و(8 و9) الخافضة لزاوية الفم: عضلة مينة تنشأ من الفك السفلي وتندغم أيضا في زاوية الفم، وبانقباضها تجذبها إلى الأسفل. (10) والخافضة للشفة السفلى: واسمها يدل على عملها، وأخيرا (11) العضلة الذقنية: وهي عضلة صغيرة تنشأ من الفك السفلي عند أسناخ القواطع وتندمج بالنسيج الخلوي أسفل جلد الذقن، فإذا انقبضت هذه والتي قبلها تألف منهما معا بروز الشفة السفلى وهو الذقن، ويسمون هذه العضلة أيضا «المتكبرة»؛ لأن انقباضها يكسب السحنة هيئة المتكبرين، وهي مفردة خلافا لسائر عضلات الوجه فإنها مزدوجة.
شكل 7: عضلات الفم.
هذه أشهر عضلات الوجه، ومنها يتكون الوجه، وبانقباضها وانبساطها تتبدل الملامح وتظهر العواطف، ولا بد من استيعابها واستبقائها في الذاكرة؛ إذ قد نضطر إلى ذكرها في أثناء كلامنا فيما يلي.
وأما جهاز التغذية فهو مؤلف من أعضاء الهضم وأعضاء الامتصاص والدورة الدموية والتنفس والإفراز، فأعضاء الهضم مستقرة في الأحشاء البطنية والصدرية راجع شكل
3
Page inconnue
وهي القناة الهضمية وملحقاتها. فإذا انهضم الطعام وصار سائلا دار في الجسم بأنابيب يتألف منها الجهاز الليمفاوي والجهاز الدموي والغدد.
فالجهاز الدموي يدور به الدم، وهو مؤلف من القلب والشرايين والأوردة، فالأوردة تحمل الدم الفاسد من أطراف الجسد إلى القلب حتى يتطهر في الرئتين، والشرايين تحمل الدم المطهر إلى أطراف الجسد لتغذية الأعضاء.
والجهاز الليمفاوي أنابيب دقيقة شفافة متصلة بالغدد المنتشرة في أنحاء الجسد، وأكثرها في العنق والإبط والأربية، ووظيفة الأوعية الليمفاوية امتصاص سائل الليمفا من الأنسجة وحمله إلى الأوردة، وهناك يختلط بالدم الفاسد الذاهب إلى التطهير، ومن أهم وظائفها أنها إذا قل الغذاء المحمول إلى الأنسجة لسبب من الأسباب كالجوع أو المرض أذابت الدهن المختزن في النسيج الخلوي تحت الجلد وحملته إلى الجهاز الدموي للاغتذاء به، وهذا هو تعليل الهزال الذي يصيب الجائعين أو المرضى، ومن الأوعية الليمفاوية جزء يقال له الأوعية اللبنية تمتص الطعام المهضوم من الأمعاء وتحمله إلى القناة الصدرية ومنها إلى الدم.
وأما الغدد - ويسمونها أيضا المرشحات؛ لأنها تعمل عملا يشبه الترشيح أو التصفية - فهي ذات أهمية كبرى في التغذية، وبعضهم يعد المعدة والأمعاء والكبد من جملتها؛ لأنها أعضاء مفرزة، ولكننا عددناها من أعضاء الهضم، ويلحقها الغدد المساعدة على الهضم كالغدد التي تفرز اللعاب والصفراء والعصير البنكرياسي، ما عدا الغدد التي تفرز بقايا المواد المندثرة كالكلى والجلد.
وأما الجهاز العصبي فعليه تتوقف الأعمال العقلية والحيوية، وهو قسمان كبيران: المجموع السمباثوي والمجموع الدماغي الشوكي. والأول يقال له أيضا العقدي؛ لأنه مؤلف من عقد أكثرها مستقر في الأحشاء، وعليها تتوقف حركات الأعضاء غير الخاضعة للإدارة التي تعمل عملها سواء أردنا أم لم نرد كالقلب والأمعاء والكبد. والثاني المجموع الدماغي الشوكي، وقد سمي بذلك لأنه مؤلف من الدماغ والحبل الشوكي، فالدماغ كتلة عصبية مستقرة في الجمجمة، ومنه تنبعث أعصاب الحس إلى العينين والأنف والفم والأذن وغيرها، وهو ثلاثة أقسام: (1)
المخ: وهو القسم الأكبر، ويشغل أعلى الجمجمة من الجبهة إلى مؤخر الرأس. وهو فصان جانبيان يفصل بينهما شق غائر (x) . وفي كل منهما ميازيب متعرجة غير منتظمة تسمى تلافيف المخ، وإذا قطعنا المخ حتى ينفصل إلى قسمين رأينا باطنه أبيض اللون وظاهره سنجابيا، ولتشريح المخ علاقة كبيرة في درس الفراسة، وخصوصا فراسة الرأس؛ لأن الدماغ آلة العقل، وقد وجدوا بالاستقراء أن لتلافيفه دخلا كبيرا في الأعمال العقلية، فإن القوى العقلية ترتقي كلما نمت تلك التلافيف وتعرجت. (2)
المخيخ: ويشغل أسفل مؤخر الرأس عند العظم المؤخري، وله شأن في الفراسة؛ لأنه مركز الحب الجنسي. (3)
النخاع المستطيل: وهو جسم هرمي الشكل طوله ثلاثة سنتيمترات إلى أربعة، إذا وصل إلى قاعدة الجمجمة اتصل بالحبل الشوكي، وفي النخاع المستطيل مكان إذا وخز بإبرة أمات صاحبه حالا لأنه مركز التنفس.
شكل 8: قاعدة الدماغ: (1) العصب الشمي. (2) العصب البصري. (3) الزوج الثالث . (4) الزوج الرابع. (5) التوأمي الثلاثي. (8) العصب السمعي. (9) العصب اللساني البلعومي.
a
Page inconnue
و
y
و
o
المخ وتلافيفه، و
I
المخيخ، وفي وسطه
e
النخاع المستطيل.
وأما الحبل الشوكي فهو حبل عصبي يتصل بالنخاع المستطيل عند فتحة الجمجمة، ويمتد في القناة الشوكية بالعمود الفقري إلى العجز، وهو مؤلف من الجوهرين السنجابي والأبيض، ولكن السنجابي من الداخل والأبيض من الظاهر عكس ما في الدماغ، ويتفرع من الحبل الشوكي أعصاب تخرج من بين الفقرات إلى سائر أجزاء الجسد، وعليها تتوقف حركات البدن.
Page inconnue
ناموس التشابه
إذا نظرت إلى الكائنات بوجه الإجمال رأيت لكل منها خاصة وشلا يمتاز بهما عن سواه، فإن لبر الشام مثلا إقليما غير إقليم مصر، وشكل أرضه يختلف عن شكل أرضها، ولبنان يمتاز عنهما جميعا، ولكل من هذه البقاع خاصة تمتاز عما للأخرى بنسبة ما بينهما من الفرق. وهكذا لو أجلت النظر في عالم النبات فإنك ترى بين أنواعه فرقا تختلف ظواهره باختلاف خصائصه، ويقال مثل ذلك في الحيوان.
ولكننا مع ذلك نرى المخلوقات تتشابه من وجوه كثيرة، وعلى هذا التشابه قسموها إلى جماد ونبات وحيوان، وذكروا لكل قسم منها خصائص يمتاز بها عن القسمين الآخرين، ثم نظروا في كل من هذه الأقسام على حدة فرأوا بين أجزائه تخالفا يقضي بانقسامها إلى مجاميع، فقسموا النبات إلى أنواع والحيوان إلى أنواع، وعلى هذا المبدأ قسموا كل نوع إلى ما تحته، وهنا موضع نظر في أمرين: (1)
أن الأنواع المتشابهة شكلا تتشابه عملا، والعكس بالعكس. (2)
أن التشابه أكثر وضوحا في الجماد مما في النبات، وفي هذا أوضح مما في الحيوان.
فإن لكل ملح من الأملاح المعدنية بلورات لها شكل خاص تعرف به حيثما وجدت، وأما أنواع النبات فإن بين أفراد النوع الواحد فروقا تستحق الاعتبار، وهي أظهر من ذلك بين أفراد الحيوان، فالتشابه قريب وثابت في الأجسام الجامدة ثم يبعد ويتشوش في الأحياء ويزداد تشوشه كلما ارتقى في سلم الحياة، ومعنى ذلك أن أفراد النوع الواحد من المخلوقات يزيد الاختلاف بين ظواهرها بنسبة التفاوت في أعمالها، فالجماد قليل العمل بسيط التركيب، والاختلاف بين أفراده قليل، والنبات وظائفه مركبة وأعماله أرقى فتنوعاته أكثر، وأما الحيوان فإنه أرقى من النبات ووظائفه أكثر والاختلاف بين أفراده أبعد.
وبعبارة أخرى: إن التشابه بين بلورتين من بلورات الملح يكاد يكون تاما، وأما بين قمحتين أو شعيرتين أو تفاحتين فالتشابه أبعد، وهو أبعد من ذلك بين فرسين أو نعجتين أو دجاجتين، وأما في الإنسان فالاختلاف بين أفراده أبعد مما بعد سائر أنواع الحيوان، وهو أكثر في الأمم المرتقية مما في الأمم المتوحشة، فالاختلاف بين عشرة من زنوج أفريقيا أقل مما بين عشرة من أهل أوروبا.
ومعلوم أن وظائف المخلوقات أو أعمالها المفروضة عليها تكثر وتتعدد بزيادة ارتقائها في سلم الوجود، فالجماد أقل عملا من النبات، وهذا أقل عملا من الحيوان، وأما الإنسان فإنه أكثر عملا من الجميع.
وبناء على ما تقدم أن ظواهر الأجسام تختلف باختلاف بواطنها، فكلما تفرعت أعمال الجسم تعددت ظواهره، وما ذلك إلا لعلاقة ثابتة بين ظواهر الأجسام وبواطنها والخلق الظاهر يدل على الخلق الباطن، وهي الفراسة.
ناموس التناسب
Page inconnue
ضع بين يدي النباتي ورقة من شجرة وهو يصف لك نوع تلك الشجرة وحجمها وشكل أثمارها. وادفع إلى العالم بطبائع الحيوان عظمة من عظام حيوان لا يعرفه فيصف لك شكل هيكله العظمي، وقد يلبسه العضل ويكسوه بالجلد والشعر، وربما وصف لك طباعه، وما ذلك إلا لأن في الأجسام الحية ناموسا يقضي بتناسب أعضائها شكلا ووظيفة، فالشجرة المستطيلة كل شيء فيها مستطيل من الساق إلى الأغصان فالورق فالثمر، والشجرة المستديرة كل ما فيها مستدير ولو كانت الشجرتان من نوع واحد، فالتفاحة المستطيلة تحمل تفاحا مستطيلا، والتفاحة المستديرة تحمل تفاحا مستديرا، وقس على ذلك.
والتناسب المشار إليه أكثر ظهورا في الحيوان مما في النبات، وفي الإنسان أوضح مما في الجميع، فإن أشكال قوائم كل حيوان تناسب شكل سائر بدنه، وهي تتناسب في كل فرد من أفراد النوع الواحد تناسبا خاصا، فالإنسان الطويل يكون رأسه مستطيلا وأطرافه مستطيلة وكفاه مستطيلتين وقدماه مستطيلتين، وربع القامة تميل أعضاؤه إلى التربيع، ويقال نحو ذلك في القصير، كما ترى بهذه الأشكال.
شكل 9: رأس رجل قصير وكفه وقدمه.
شكل 10: رأس رجل طويل وكفه وقدمه.
شكل 11: رأس رجل معتدل وكفه وقدمه.
وللمصورين والنحاتين من زمن اليونان والرومان إلى الآن قواعد يبنون عليها إتقان صناعتهم بما تقتضيه من التناسب بين أعضاء الجسم، فالقامة عندهم ستة أضعاف طول القدم. وطول الوجه من أعلى الجبهة إلى أسفل الذقن كطول الكف من الرسغ إلى طرف الوسطى، وكل منهما يساوي عشر القامة، والصدر ربع القامة، ومن أعلى الصدر إلى أعلى الجبهة سبع القامة. ومحيط الرسغ نصف محيط العنق، وإذا قسمت الوجه إلى ثلاثة أقسام متساوية انتهى القسم الأول منها عند التقاء الحاجبين، والثاني في طرف الأنف، والثالث في أسفل الذقن، والقامة إذا قسمت إلى نصفين كانت السرة وسطا بينهما، فإذا توسد الإنسان على ظهره وأسبل ذراعيه إلى جنبيه وجعل السرة مركزا ورسم دائرة فإنها تمس الرأس والقدمين على السواء، وإذا بسط الرجل ذراعيه عرضا على زاوية قائمة من جسمه كانت المسافة بين طرفي الأنامل طول القامة تماما.
هذه هي القواعد العامة في تناسب الأعضاء، يسير عليها المصورون والنحاتون في إتقان صناعتهم، ولكنها صور ذهنية لا تكاد تنطبق على الواقع، إذ يندر أن يتفق ذلك التناسب بالضبط الكلي في جسم لما قدمناه من ميل الطبيعة إلى التنوع والتفرع تبعا للمؤثرات الخارجية أو للوراثة أو لأحوال أخرى، ومن أكبر المؤثرات في ذلك التفاوت اختصاص بعض الأعضاء بالعمل دون البعض الآخر، وأكثر ما يكون ذلك في الرياضة البدنية؛ فإن الأعضاء التي تستعمل تنمو وتتقوى، وتبقى سائر الأعضاء كما هي فيختل التوازن، وأعدل الأمزجة ما تناسبت فيه الأعضاء تناسبا تاما ولم يتغلب فيه عضو على عضو ولا جهاز على جهاز.
فراسة الأمزجة
يراد بالمزاج حالة من حالات البدن تتغلب فيها بعض أجهزته على البعض الآخر، وكانت الأمزجة عند القدماء أربعة، ثم ظهر أنها أكثر من ذلك كثيرا، حتى يكاد كل الإنسان يختص بمزاج، ولا يتشابه اثنان تشابها تاما، ولكن المحدثين حصروا تلك التنوعات في ثلاثة أمزجة، ولتفهم ذلك نبسط حال الأمزجة قديما وحديثا فنقول:
رأي القدماء:
Page inconnue
ذكر بوقراط أبو الطب أربعة أمزجة ميز بينها بتغلب إحدى الطبائع التي يتألف منها الجسم على رأيه، وهي أربع: الدم والليمفا والصفراء والسوداء، فما تغلب من هذه الطبائع نسب المزاج إليه، ومنها أسماء الأمزجة، وهي: الدموي والليمفاوي والصفراوي والسوداوي، وأضاف بعضهم المزاج العصبي وأبطل السوداوي. (1)
المزاج الدموي: وصاحبه مشرق الوجه، محمر البشرة، أزرق العينين، ممتلئ الأعضاء، لامع الشعر، مع ميل إلى لون الخروب، حاد الطبع، سريع الحكم، سريع التقلب، ممتلئ النبض سريعه شكل
12 .
شكل 12: توماس مور مثال المزاج الدموي. (2)
الليمفاوي: وصاحب هذا المزاج متراخ، بطيء الحركة، لين العضل، ممتلئ الجلد مع رخاوة وضعف، مستدير الجبهة، أبيض البشرة ممتقعها، باهت العينين والشعر، غليظ المفاصل، فاتر العزيمة، بطيء التأثر، ضعيف النبض شكل
13 .
شكل 13: وليم مول بنمور مثال المزاج الليمفاوي. (3)
الصفراوي: وصاحب هذا المزاج قوي البنية، صلب الأعضاء، واضح الملامح، أسمر البشرة أو أصفرها، أسود الشعر والعينين، قوي النبض بطيئه، حازم، نشيط، ثابت العزيمة شكل
14 .
شكل 14: مكالوم مثال المزاج الصفراوي. (4)
Page inconnue