Science de la morale psychologique : Principes de la philosophie littéraire
علم أدب النفس: أوليات الفلسفة الأدبية
Genres
فأي هؤلاء الأربعة أفضل وأيهم أشر؟ وكيف يترتبون من حيث القيمة الأدبية؟ لأول نظرة عامة يتبادر إلى الذهن أن القصد الصالح «الحالة الأولى» الذي يظهر في الفعل أفضل من الذي يبقى مضمرا؛ لأن الفعل الصالح يشمل الأمرين معا، أو هو نتيجة النية الصالحة . وبعبارة أخرى: إن النية الصالحة أقل قيمة من العمل الصالح، وكذلك العمل الرديء «الحالة الرابعة» شر من النية الرديئة؛ لأنه يشتمل على النية والفعل معا، ولأنه أعظم ضررا من النية.
ولكن هذه القاعدة لا تطرد لعدم اطراد الظروف، بل كثيرا ما تنعكس في ظروف مختلفة، والأفضل أن لا تحسب قاعدة؛ لأن النية والفعل غير مستقلين، بل هما مقيدان بالظروف والأحوال؛ فإذن الظروف تعين قيمة الشر والصلاح في كل من النية والفعل.
فأولا يمكن أن تكون النية الصالحة التي لم تنفذ أعظم قيمة من الفعل الصالح إذا كان المانع من تنفيذها قوة قاهرة، كأن يموت صاحب النية الصالحة، أو يفقد قوة التنفيذ قبل أن يتمكن من التنفيذ. وتكون قيمة الفعل الصالح أقل من قيمة هذه النية الصالحة إذا كان صاحب الفعل الصالح يتذرع به إلى نفع شخصي، فلم يجعل الفعل غايته القصوى، بل واسطة لغاية أخرى.
هكذا كان فلس الأرملة عند المسيح أعظم قيمة من إحسان الغني، فمرجع قيمة الصلاح سواء في النية أو في الفعل يعود إلى مقدار تطبع النفس فيه كسجية، فالشخص المطبوع على الفضيلة يفعل الصلاح كلما سنحت له الفرصة، والمرء المتكلف الفضيلة يأتي الأفعال الصالحة أقل مما يأتيها ذاك.
كذلك الأمر في الرذيلة؛ فقد يمكن أن يكون الفعل الشرير أقل رداءة من النية الشريرة إذا كان قد أتاه شخص ليس الشر من طبعه، بل أتاه عن طيش أو تهور. فهذا الفعل الشرير قلما يتكرر من قبل الشخص نفسه، أو لا يخشى أن يتكرر. والنية الشريرة تكون أردأ من هذا الفعل الشرير إذا كانت صادرة من شخص مطبوع على الرذيلة؛ فهو يتحين الفرص الملائمة لإتيان الشر، ولا يمنعه عنه تردد أدبي أو زجر الضمير، بل يمنعه خوف العقاب الزمني. مثل هذه النية الشريرة أخطر وأضر؛ لأنها عرضة للبروز إلى حيز الفعل كلما سنحت الفرصة.
وهناك اعتبار آخر يجعلها أشر من الفعل الشرير، وهو أنها خفيفة لا تبلغ إليها يد العقاب، ولا تتقي أذاها عين الحذر. وأما الفعل الشرير فيتلقى عقابه على الأثر، ولأنه ظاهر ينبه عين الحذر من تكرره.
والغالب أن العقاب يقمع الفعل الشرير، ولكنه لا يقمع النية الشريرة للأسباب المتقدمة، كذلك الثواب يشجع الأفعال الصالحة. ولأن النية الصالحة غير ظاهرة فلا يبلغ إليها ثواب. فهذا اعتبار آخر لنظرية أن العمل الصالح الظاهر أفضل من النية الصالحة المضمرة.
بعد هذا البيان يتضح لك أن الشر أعم من الخطيئة أو المعصية؛ لأن هذه تقتصر على العمل الشرير الظاهر، ولا تتناول النية الشريرة المضمرة، فلا نقول: إن زيدا كذب لمجرد أنه نوى الكذب؛ إذ لا حكم لنا على نيته، وإنما نحكم على فعله؛ أي إذا كذب بالفعل.
فالشر يحكم به الضمير، وأما الخطيئة أو المعصية فيحكم بها الرأي العام، فالخطيئة أضيق دائرة عن دائرة الشر، وهي ضمنه، ثم تأتي الجريمة، وهي أضيق دائرة من الخطيئة كما ترى فيما يلي: (2-4) الجريمة
الجريمة هي الشر أو الخطيئة التي يفرض لها قانون الحكومة عقوبة تنفذها السلطة المنفذة، ويستطيع القضاء التثبت منها. إذن يخرج من دائرة الجرائم:
Page inconnue