Science de la morale psychologique : Principes de la philosophie littéraire
علم أدب النفس: أوليات الفلسفة الأدبية
Genres
قد يقول زيد من الناس: أنا أعلم أن هذا الفعل خطأ أو غير حق ولكني أفعله، فماذا أو من يمنعني أن أفعله؟ فهل لضميره قوة على ردعه عن أن يفعله؟ قد لا يستطيع أن يردعه، ولكنه يستطيع أن يقلقه بالتأنيب والتوبيخ، فمن أين للضمير هذه القوة التي لا يستطيع المرء أن يتملص منها؟ هي غريزة أيضا نشأت وترعرعت وقويت على تمادي الزمان. قويت عند الأقوام التي ترقت، وكان الفضل في رقيها لهذا الضمير الغريزي.
فالقوم الذي كان أقوى ضميرا، وضميره أنفذ فعلا وتأثيرا في النفس؛ كان أثبت من غيره في مضمار تنازع البقاء، والقوم الذي كان أضعف ضميرا تلاشى وانقرض؛ لأن قاعدة حكم الضمير هي الحرص على الحق الأصح الموزع على الجماعة بالتساوي. وبحكم سنة الانتخاب الطبيعي وبقاء الأفضل أو الأصلح بقيت الجماعات الأقوى ضميرا، وانقرضت الجماعات الأضعف ضميرا، وبحكم هذه السنة نفسها كانت غريزية الضمير تزداد رسوخا في الجماعات الباقية. (3-4) الضمير عامل من عوامل رقي الأمم
فالضمير لا يخرج عن سنة التطور، سنة النشوء والارتقاء، وكيف لا يكون متمشيا على هذه السنة وهو أهم عنصر في عقلية الإنسان الاجتماعية، وعليه يتوقف الحرص على الحياة الاجتماعية وبنائها، كما يتوقف على سائر القوى العقلية الأخرى، بل له النفوذ الأكبر في هذا التطور؟ فلا بدع أن يكون غريزة في النفس كسائر القوى العقلية، يولد مع الإنسان، وينمو فيه، كما تنمو تصوراته وذاكرته وسائر قواه العقلية.
لذلك لا بدع أن يكون الضمير متنبها في كل فرد عند كل فعل ليحكم وليزجر، وإن كان تنبهه وتأثيره يختلفان باختلاف الأشخاص؛ فالأشخاص الذين يكون الضمير فيهم ضعيفا لا يقاسون كثيرا من تأنيبه، ولكنهم لا يسلمون سلامة مطلقة من تأنيبه. ولما كان تأثيره أظهر في الجماعة منه في الأفراد، لكون وظيفته الحرص على مصلحة الجماعة في الدرجة الأولى كما علمت؛ كانت الأقوام الأضعف ضميرا أقل نجاحا، وأكثر عرضة للانحطاط والتقهقر. ومن لا يعلم أن الأمة التي يكثر فيها الكذب والخيانة والسرقة والإجرام يقل بالإجمال فيها الرقي، بل تكون أقرب إلى الانقراض منها إلى البقاء؟! •••
وهنا لا بد أن يلوح في ذهنك هذا السؤال: كيف يستطيع الضمير أن يميز بين الحق والباطل، والصواب والخطأ، والجيد والرديء إلخ، لكي يجوز له أن يستخرج مبدأ أو يشترع شريعة، ولكي يمكنه أن يصدر حكما سديدا ويقضي قضاء عادلا، ولا سيما إذا قامت لديه ظروف مختلفة، وتراءت له نظريات متباينة يحار فيها؟
تجد الجواب في الفصول التالية.
الفصل الرابع
مستندات الضمير في قضائه
قد يلوح للقارئ أن الضمير يعتمد في اشتراعه وقضائه وأحكامه على الإحساس الأدبي العام، كأن في الهيئة الاجتماعية روحا أدبية عامة توحي لكل فرد سليم العقل، وأدبي النفس، قاعدة الحق والصواب. وربما حسب القارئ هذا الإحساس العام الضمير بعينه؛ لذلك يجدر بنا أن نتبسط بهذا الموضوع لكي نتوصل إلى مصدر قوة الحكم. (1) الإحساس الأدبي الخاص (1-1) نقد الإحساس الأدبي
الشرائع المدنية والدينية، التي هي خلاصة روح الاجتماع، حتى الشرائع الطبيعية توحي إلينا مبادئ أدبية؛ إما لأنها توافق وجداننا، أو لأن وجداننا يرتاح إليها، أو لأننا نشعر أن طاعتنا أو مراعاتنا لها تقدرنا على نيل مثل أعلى في ذاتيتنا، فإذن بين عقولنا وبين تلك المبادئ أو السنن الخارجية علاقة أو صلة طبيعية. ولإدراك هذه الصلة، نجد فينا شعورا أو إحساسا يحملنا على استحسان بعض الأمور، واستقباح أو استهجان بعض الأمور الأخرى. وهذا ما نسميه الإحساس الأدبي.
Page inconnue