Science de la morale psychologique : Principes de la philosophie littéraire
علم أدب النفس: أوليات الفلسفة الأدبية
Genres
ففي كل حال من هذه الأحوال أنت في ظرف جديد يغير رغباتك وغاياتك ومجاري أفعالك.
سادسا وأخيرا:
تختلف الظروف باختلاف الأشخاص؛ فقد يكون لاثنين رغبة واحدة ولكنهما يختلفان في الغاية، كلاهما يكتتب في مشروع خيري، الواحد بدافع الشفقة، والآخر بدافع الشهرة. فالظرفان مختلفان. وقد يقترع نائبان في برلمان على مشروع، الواحد يقصد به الخير العام، والآخر يقصد مصلحة له في المشروع. فالخير العام ظرف للنائب الأول، ومآل المشروع لمصلحة النائب الثاني ظرف له. والشريكان في عمل يسعيان إلى الربح؛ أحدهما يشتغل في المكتب، والآخر يطوف على الزبائن. (3-3) تضارب الظروف
فيما تقدم فرضنا رغبة واحدة في ظرف واحد لغاية واحدة، ولكن المرء محفوف بالظروف العديدة، وله رغبات متعددة مختلفة في وقت واحد، وكثيرا ما تكون هذه الرغبات والظروف متضاربة أو متباينة، فهل تكون له أفعال متعددة في وقت واحد؟
يمكن أن يجد السياسي نفسه في ثلاثة ظروف معا وهو يفاوض سياسيا آخر في دولة أخرى، فأولا: يريد السلم العام، وثانيا: يريد مصلحة بلاده، وثالثا: يريد أن يرضي ضميره. ولا يندر أن يجد في هذه الظروف تضاربا؛ فإذا أصر على مصلحة بلاده، فقد يعرض السلم للخطر، أو قد لا يرضي ضميره؛ لأن المصلحة الوطنية المطلوبة غير حقة مثلا، وإذا حافظ على السلم بالتساهل فقد يضيع حق وطنه، وقد لا يرضي ضميره إذا كان حق وطنه أكيدا، فأي هذه الظروف يفوز، أو أية هذه الرغبات تنجح؟ البحث هنا فلسفي عقلي بحت، والحكم يتوقف على عقلية السياسي وأدبيته وفطنته في وزن الأمور؛ فالرغبات الثلاث كقوات متضاربة، وأقواها توجه الفعل في جهتها.
وهكذا الإنسان يجد نفسه كل حين، وكل يوم، وكل ساعة في ظروف ورغبات مختلفة يغلب أن تكون متضاربة؛ فهو يريد أن يحسن إلى فقير ولكنه قليل المال، ويريد أن يذهب إلى المعبد ولكنه مضطر أن يلازم عمله، ويريد أن يكون حرا ولكنه في الوقت نفسه يريد أن يحافظ على النظام، ويريد أن يضحي لأجل وطنه، ولكنه ذو عائلة وأطفال وهم أولى بالتضحية.
وهكذا هو ذو رغبات مختلفة، في ظروف مختلفة. وأقوى الظروف برغباتها أرجح وأقرب إلى الفوز. الظرف يعين قوة الرغبة: فقد يبقى المرء متقاعدا عن خدمة وطنه والتضحية له إلى أن يستفزه اعتداء أمة أخرى على بلاده، فيهب للتضحية لأجل وطنه. فتغير الظرف يميل الرغبة. (4) الشخصية: متغيرة ومطلقة
بعد هذا البيان تعلم أن شخصية الإنسان متغيرة أيضا، إذا سلمت بأن الشخصية هي اتحاد الأخلاق المحركة مع التعقل المرشد في إجراء الفعل، فإذا كانت الأخلاق المحركة للفعل متغيرة بتغير الظروف، وإذا كانت الرغبة التي تنتدب الإرادة للأمر والنهي متغيرة أيضا، فالشخصية نفسها إذن متغيرة: فأنت الآن مسالم، وبعد هنيهة مخاصم، وأنت الآن عادل، وبعد هنيهة ظالم، وأنت الآن وطني، ثم أناني، وأنت الآن منهمك، ثم أنت متمتع، مسرور ثم مكتئب، رزين ثم أهوج.
أما الشخصية المطلقة التي يتصف بها المرء ويعرفها له معارفه، فهي المعدل المتوسط لشخصياته المتغيرة، أو هي حاصل تفاعلها، فيقال: هذا كريم لكثرة إحسانه، وإن كان في بعض الأحيان ممسكا، ويقال: هذا أشم أنوف عزيز النفس لتغلب هذه السجايا فيه، وإن كان في بعض الأحيان يتزلف أو يتصاغر، ويقال: هذا المرء جليل؛ لأن الجلال صفة غالبة فيه، وإن كان في بعض الأحيان يتبذل.
انتهينا من تبيان الأساليب التي يجري فيها الفعل بقوة المحركات وحكم الإرادة، فنجمل هذا البيان بهذا الترتيب:
Page inconnue