وإنا إذا كنا نريد مثالا للحياة الطيبة فإن حياة سوبيسكي كانت خير مثال.
فقد كانت حياته المنزلية مثال الدعة والسكون، وإنه ليغبط على ما هو فيه، كما قال «قاسم أمين»:
إذا كان هناك إنسان جدير بالحسد فهو الزوج المحبوب.
أما حياته الخارجية: فكانت نعم الحياة؛ إذ لا خير من ملك ارتكز عرشه على القلوب، وسوبيسكي ذو عرش ثابت يحبه شعبه وجنده، وعلى هذه الحالة استمرت بولاندا ترتقي تحت إمرة تلك العائلة الكبيرة؛ فكانت بين الممالك التي يخاف جانبها، إلى أن وقعت تلك الحروب الكبيرة بين تركيا وروسيا فكانت بولاندا مرسحا للخراب؛ إذ لا ويل أكبر من الحرب.
فكان لا بد من التهامها، وحيث إن كاترين كانت ترى الممالك الأوروبية فاتحة عيونها فشاركت معها النمسا وألمانيا.
وهكذا تعاون الثلاثة على ابتلاع بولاندا ومحو اسمها من عالم الوجود، وإضاعة آثارها من الدنيا.
ولم ذلك؟
لأنها وقفت في سبيل إحداهن فضربتها الضربة القاضية، وإنما كان ذلك لأن القائمين بالأمر فيها كانوا من أمثال ميخائيل ضعاف الإرادة فوقعوا، ولم يكن هناك رجل كسوبيسكي يقود جيشا كجيشه سنة 1676.
وعلى هذا كانت نهاية بولاندا، فعفت آثارها، وراحت ضحية الجشع الاستعماري، والطمع الإنساني، وتألبت عليها ثلاث دول من خيرة الدول التي تتمشدق بإدعاء المدنية والبر بالإنسانية فأماتتها.
إيه بولاندا، تأكدي أن لك في قلوب المحبين الحقيقيين للإنسانية أثرا لا يمحى، وذكرا لا يبلى ما كر الجديدان وما هبت الصبا.
Page inconnue