الثاني:
ربما ستحتاج، بعض الشيء، إلى أن تحجم تطبيقاتك الحالية لمبدأ الانتقاء الطبيعي أو أن تعدلها، وربما ستحتاج بعض الشيء أيضا إلى توسيع نطاقها. من دون الخوض في مسائل تفصيلية بدرجة أكبر، أرى أن الكتاب يتضمن مثالا أساسيا على عدم الاتساق، نشأ من قصور المقارنة بين الضروب والأنواع، ومثالا آخر يتمثل في افتراض وجود شيء أشبه بالحاجز لدى الطبيعة ينشأ من «التشعب»، غير أنه لا توجد أسس كافية تدعم هذا الافتراض. ومع ذلك، ربما تكون هذه أخطاء من وحي تصوري الشخصي؛ لأن إدراكي لآرائك لا يزال منقوصا. ومن الأفضل ألا أزعجك بشأنها قبل أن أقرأ الكتاب مرة أخرى.
الثالث:
الآن وقد عرضت هذه الآراء الجديدة بإنصاف أمام جمهور العلماء، يبدو من اللافت للنظر حقا كيف أن الكثيرين منهم لم يروا طريقهم الصحيح قبل ذلك. فكيف ظل السير سي لايل، على سبيل المثال، يقرأ عن موضوع الأنواع و«تعاقبها»، ويكتب عنه ويفكر فيه طوال ثلاثين عاما، ومع ذلك ظل يبحث باستمرار في الطريق الخطأ!
قبل ربع قرن، لا بد أننا كنا، أنا وأنت، نحمل الرأي نفسه فيما يتعلق بالمسألة الرئيسية، لكنك استطعت التوصل إلى «كيفية» التعاقب، التي تعد هي أهم شيء على الإطلاق، بينما فشلت أنا في استيعابها. أرسل إليك ضمن هذه الدفعة البريدية كتيبا صغيرا قديما مثيرا للجدل عن كومب وسكوت. وإذا كلفت نفسك عناء إلقاء نظرة خاطفة على الفقرات المدونة على الهامش، فستجد أنني منذ ربع قرن، كنت أيضا أحد القلائل الذين شككوا آنذاك في التميز المطلق للأنواع، وخلقها خلقا خاصا. لكني، كالبقية، عجزت عن اكتشاف «الكيفية» التي ظلت محجوزة ل «تكتشفها» فطنتك و«تطبقها» بصيرتك.
لقد أجبت عن استفساري بشأن الفجوة بين قرد الساتيروس والبشر كما كان متوقعا. والحق أن التفسير الواضح لم يخطر ببالي قط إلا بعدما قرأت الأوراق البحثية في دورية «لينيان بروسيدينجز» ببضعة أشهر. فلا شك أن الأنواع الأولى من «أشباه البشر» سرعان ما شنت حربا مباشرة على أبناء عمومتهم من أنواع «ما دون البشر» أدت إلى فنائهم. وهكذا تشكلت الفجوة، ثم استمرت في الاتساع وصولا إلى الفجوة الحالية الهائلة التي لا تزال تتسع. وكم سيكون ذلك، إضافة إلى التسلسل الزمني الذي اقترحته لحياة الحيوانات، صادما لأفكار الكثيرين من الرجال!
تفضل بقبول فائق إخلاصي
هيويت سي واطسون
من جيه دي هوكر إلى تشارلز داروين
نادي الأثنيام، الإثنين [21 نوفمبر 1859]
Page inconnue