من تشارلز داروين إلى توماس ديفيدسون
داون، 30 أبريل 1861
سيدي العزيز
أرسل إليك بأحر آيات شكري على خطابك، لم أكن أعرف إطلاقا أنك طالعت عملي. أؤكد لك أنني أعتبر الاهتمام الذي أوليته إياه، مع الأخذ في الحسبان بمعرفتك والطابع الفلسفي لعقلك (لأنني أتذكر جيدا خطابا لافتا أرسلته إلي، ولأنني طالعت منشوراتك المختلفة)، واحدا من أقيم الإطراءات التي تلقيتها، بل ربما يكون الأفضل على الإطلاق. إنني أعيش في عزلة شديدة إلى حد أنني قلما أعرف بما يجري، وأنا أرغب بشدة في معرفة العمل الذي نشرت فيه بعض التعليقات على كتابي. إنني مهتم جدا بالموضوع، ولعله لا يكون اهتماما مدفوعا بالأنانية فحسب؛ لذا أرجو أن تصدق أن خطابك أسعدني بشدة؛ إذ أكون قانعا تماما عندما ينظر أي أحد إلى الموضوع بعين الإنصاف، سواء أوافقني الرأي تماما أم بقدر ضئيل أم لم يتفق معي. أرجو ألا تظن أنني متفاجئ على الإطلاق من اعتراضك على التسليم السريع بصحة ما ورد في الكتاب؛ فالحق أنني لا أكن احتراما كبيرا لرأي من يفعل ذلك؛ أعني إذا تسنى لي أن أحكم على الآخرين بناء على الوقت الطويل الذي استغرقه تغيير قناعاتي. ذلك أن كل مرحلة من مراحل الاقتناع قد كلفتني سنوات. صحيح أن الصعوبات كثيرة وهائلة جدا كما تقول، لكني كلما فكرت، أراها ناجمة عن الاستهانة بمقدار ما نجهله. إنني أنتمي إلى العصر القديم، حتى إنني أولي الصعوبات الناجمة عن قصور السجل الجيولوجي أهمية أكبر مما يوليه إياها بعض الشبان. فمما يذهلني ويبهجني في الوقت ذاته أنني أجد رجالا جيدين مثل رامزي وجوكس وجيكي ولايل، وهو العجوز الوحيد من بينهم، لا يرون أنني بالغت إطلاقا في قصور السجل. إذا ثبتت صحة آرائي في أي وقت على الإطلاق، فسيجب تعديل آرائنا الجيولوجية الحالية تعديلا كبيرا. مشكلتي الكبرى هي عدم القدرة على الموازنة بين الآثار المباشرة لتأثير تغير ظروف الحياة المستمر منذ فترة طويلة دون أي انتقاء، وتأثير الانتقاء على التغير العرضي (إن جاز القول). أتردد كثيرا بشأن هذه المسألة، لكني عادة ما أعود إلى إيماني بأن التأثير المباشر لظروف الحياة لم يكن كبيرا. ربما أدى هذا التأثير المباشر على الأقل دورا صغيرا للغاية في إنتاج كل التعديلات التكيفية الجميلة التي لا حصر لها في كل كائن حي. وبخصوص إيمان الأشخاص، فما يفاجئني بعض الشيء هو أن يكون أي أحد (مثل كاربنتر) مستعدا «للاتفاق معي بدرجة كبيرة» إلى حد الاقتناع بأن الطيور كلها انحدرت من سلف واحد، ولا يزيد على هذا قليلا فحسب لينطبق ذلك أيضا على كل أعضاء التقسيم الكبير نفسه؛ ذلك أنه على هذا المستوى من الاعتقاد تصبح كل الحقائق في علم التشكل وعلم الأجنة (الأهم من بين كل الموضوعات، برأيي)، محض مهازل إلهية ... لا أستطيع التعبير عن مدى عمق سعادتي بأنك ستنشر يوما ما رأيك النظري عن تعديل نوع عضديات الأرجل وتحمله؛ أنا متيقن من أن هذا سيكون إضافة قيمة إلى المعرفة.
أرجو أن تسامحني على هذا الخطاب المفعم بالأنانية، لكنك تتحمل جزءا من اللوم على ذلك بإسعادي سعادة بالغة. طلبت من موراي أن يرسل إليك نسخة من الطبعة الجديدة، وكتبت اسمك.
أرجو يا سيدي العزيز أن تتقبل أصدق تحياتي.
مع خالص احترامي
سي داروين [في أفرودة السيد ديفيدسون البحثية عن عضديات الأرجل البريطانية، التي نشرتها جمعية علم الحفريات بعدئذ بوقت قصير، أتت النتائج على النحو الذي توقعه والدي إلى حد ما. «أظهر السيد ديفيدسون من خلال سلسلة طويلة من الأشكال الانتقالية أن ما لا يقل عن خمسة عشر نوعا من الأنواع المعترف بها عموما مرتبطة ب ... نوع واحد.»
14
في خريف عام 1860 والجزء الأول من عام 1861، تراسل والدي كثيرا مع البروفيسور آسا جراي بخصوص موضوع أشير إليه سلفا؛ ألا وهو نشر مقالات البروفيسور جراي الثلاث في أعداد يوليو وأغسطس وأكتوبر من مجلة «أتلانتيك مانثلي»، عام 1860، في صورة كتيب. تولى السادة تروبنر نشر الكتيب، وقد كتب والدي متحدثا عنهم: «كان السادة تروبنر للنشر في غاية الكرم واللطف، ويقولون إنهم لن يأخذوا أي نفقات بالرغم من مجهوداتهم. لقد حددت بضعة إعلانات دعائية، وسيدرجون أحدها في دورياتهم الخاصة مجانا.»
Page inconnue